السؤال: شيخنا -حفظكم الله-، هل من كلمة حول مايجري من أحداث هذه الأيام في بلدنا الأردن، بارك الله فيكم؟

السؤال:
شيخنا -حفظكم الله-، هل من كلمة حول مايجري من أحداث هذه الأيام في بلدنا الأردن، بارك الله فيكم؟

الجواب:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

ما أجمل أن يكون العبد قد حقق العبودية في نفسه، وأن يصبر على قضاء الله وقدره، وأن ينشرح صدره لما أراد الله تعالى به.

حقيقة الظرف الذي يعيشه الناس اليوم، إذا ما صبروا واحتسبوا ولجأوا إلى الله تعالى بالدعاء؛ فإن الأمر صعبٌ وصعبٌ للغاية.

فالناس تعوّدوا على الكماليات، وتعوّدوا على الخروج من البيوت، وأنهم تمضي بهم الأوقات في مرحٍ ولهوٍ، وأخذٍ للنفْس على تمام حظوظها.

والصبر لا يقدُر عليه إلا من احتسب، وإلا من وفقه الله -عز وجل-.

نسمع بكلماتٍ من هنا وهناك تدعو إلى فوضى، وتدعو إلى اضطراب، وتدعو إلى مظاهرات، وتدعو إلى احتجاجات على سوء الوضع، وسوء المعيشة، وصعوبة الحياة وما شابه.

وهذه الفوضى في الحقيقة مردُّها إلى اللُجاجة التي أخبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ” الخير عادة والشر لُجاجة، ومن يُرد الله به خيراً يفقه في الدين”.

سنن ابن ماجه ٢٢١، السلسلة الصحيحة ٦٥١، وحسنه الألباني.

فهذه اللُجاجة هي شرٌ محضٌ، والواجب على الإنسان أن يصبر وأن يعتبر، وإذا مرّ بالإنسان بلاءٌ أن يُكثر كما علّمنا ربنا تعالى من دعاء يونس -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام-، فكان يقول: ﴿فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَن لا إِلهَ إِلّا أَنتَ سُبحانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمينَ﴾. سورة [الأنبياء: ٨٧].

فالبلاء لا يقع إلا بمعصية وقُصور مع الله عز وجل، ورفعه لا يكون إلا بتوبةٍ واستغفار.

فالله -جل في علاه- يُنزِّل من السماء من جنس ما يصعد له من أهل الارض.

ولا يخفى على أحد أن الناس قد ابتعدوا -إلا من رحم الله، وأرجو الله تعالى أن نكون منهم-.

فيُونس عليه السلام لمّا بلعه الحوت قال: سبحانك إني كنت من الظالمين.

المؤمن الفَطِن الذي يَعلم سُنة الله تعالى في خَلقِه، يَعلم أن البلاء لا يقع إلا بقُصورٍ ومعصية.
والواجب على الإنسان أن يرفع هذا القُصور بالاعتراف والإقرار بما أنعم الله تعالى عليه.
ولذا كان دعاء سيد الاستغفار: أن يذكر العبد نِعم الله عليه، وأن يُقرّ بها، وأن يعترف بذنوبه وتقصيره:
فعن شداد بن أوس -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “ألا أدلك على سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك وابن عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك علي، وأعترف بذنوبي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، لا يقولها أحد حين يمسي إلا وجبت له الجنة”.
وفي رواية: “لا يقولها أحد حين يمسي؛ فيأتي عليه قدر قبل أن يصبح إلا وجبت له الجنة، ولا يقولها حين يصبح؛ فيأتي عليه قدر قبل أن يمسي إلا وجبت له الجنة”.

سنن النسائي ٥٥٢٢، وصححه الألباني.

فالواجب على الناس هذه الأيام ما ندعو إليه في كل آنٍ وحين وفي كل وقتٍ، في كل الأحوال التي نعيشها وعنوان كلامنا ذاك الحديث المنسوب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه لم يصح عنه إلا أن معناه فيه حكمةٌ صحيحة، كان الناس يقولون: ( إمامٌ غشوم خيرٌ من فتنةٌ تدوم ).

ونحن في بلادنا ولله الحمد والمنّة، نعيش بخيرٍ وبأمنٍ، ونفخرُ على كثير من الأقطار المجاورة لنا بالأمن الذي نعيشه.
فالواجب علينا أن نُحافظ على أغلى وأعلى نعمةٍ امتن الله بها على الناس.

وقد قرنها الله تعالى: ﴿وَآمَنَهُم مِن خَوفٍ﴾
فقال: ﴿الَّذي أَطعَمَهُم مِن جوعٍ وَآمَنَهُم مِن خَوفٍ﴾. سورة [قريش: ٤].

الواجب أن يعلم الإنسان هذه النعمة العظيمة، التي امتنّ الله تعالى بها على أهل مكة لمّا قال الله عز وجل: ﴿أَوَلَم يَرَوا أَنّا جَعَلنا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِن حَولِهِم أَفَبِالباطِلِ يُؤمِنونَ وَبِنِعمَةِ اللَّهِ يَكفُرونَ﴾. سورة [العنكبوت: ٦٧].
فأهل مكة كان من حولهم يُتَخطّفون، ولا يعيشون بأمن.

فالواجب على كل عاقلٍ أن يعلم أننا على مَحكٍّ، والواجب علينا أن نحافظ على أكبر نعمةٍ امتن الله تعالى بها علينا.

كيف لا؟
والظلم ولله الحمد والمنة ما وقع، وإذا جادل بعض الناس، وأرادوا أن نتكلم وأن نتنزّل معهم على سبيل الافتراض، فنقول: أنت ظُلِمت، ولم تأخذ كل حقك على الوجه الذي تحب، هَبْ أنّ الآن يوجد فوضى، فإذا كُنت قد فاتك شيء؛ فالفوضى يفوتك فيها كل شيء.
وفي الفوضى لا تكون الغَلَبة إلا كأهل الغاب -نسأل الله العافية- إلا للأقوياء.
ولعلّ بعض الناس يعملون على فوضى مُنظّمة -لا قدّر الله تعالى-.
ومن صَنع هذا فهذا على جرم عظيم، والواجب منّا جميعاً أن نَحذَرهم، وأن نُحذِّر منهم، والواجب علينا جميعاً أن نشكر نعمة الله تعالى علينا.

الصبر لا بد منه، المرحلة التي نعيش مرحلة صعبة، ونحن مُقبلون على رمضان، والواجب علينا أن نُكثر التضرع والتوبة، والله جل في علاه الأمر بيديه، هو الذي يُغير الأحوال، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَومٍ سوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُم مِن دونِهِ مِن والٍ﴾. سورة [الرعد: ١١].

*فنصيحتي بإيجاز: أن نبتعد عن الفوضى، وأن نبتعد عن الفتن.*

وهذه الفتن تكلمنا عليها كثيراً وحذّرنا منها مراراً، ولا سيما أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- بَيَّن أن الخروج هي فتنةٌ مُتجددةٌ إلى قيام الساعة.

فمثلاً: عند البخاري من حديث عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قال: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “يَأْتِي *(انتبهوا إخواني معي)* فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “.

رواه البخاري ٣٦١١.

قال بعض أهل العلم: أخبر -صلى الله عليه وسلم- في غير هذا الحديث أنهم -أعني الخوارج- يعني لا يزالون يخرجون إلى زمان الدجال، وقد اتفق المسلمون على أن الخوارج ليسوا أولئك الفئة المُختصين بذاك المعسكر الذي كان في زمن عليٍ -رضي الله تعالى عنه-.

ويؤكد هذا ما عند ابن ماجة بإسنادٍ صحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّ رَسُولَ -اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “يَنْشَأُ نَشْءٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ”.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: “كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ -أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً- حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ”.

سنن ابن ماجه١٧٤ وحسنه الألباني.

ولذا شيخنا الألباني -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة لما ذكر هذا الحديث وخرّجه، بَوَّب عليه بقوله: *استمرار خروج الخوارج.*

فهنالك دوافع، وهنالك موانع، فالدوافع والمُسوّغات لخروج الناس كثيرة.

*والموانع من هذه الخروج: أن نلتزم بدين الله، وأن نلتزم بالوحي، وأن نلتزم بمنهج السلف الصالح، وأن نفهم دين الله -جل في علاه-، على النحو الذي أنزله على قلب نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وعلى منهج السلف الصالح.*

وأخيراً:
أُنبّه على مسألة مهمة:
أن ثورة أو خروج الحسين – رضي الله تعالى عنه-، ما مَدحهُ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنّما مَدَح رُجوع الحسن -رضي الله عنه-، وأن الله يصلح به فئتين كبيرتين، كما ثبت في الأحاديث.

*فالخروج وشقّ العصا هذا ليس محمودٌ في دين ولا في وحي، وإن زيّنه الشياطين، أو زيّنته العقول، أو فرَّ الناس إليه في وقتٍ هم في الحقيقة أحوج ما يكون إلى الأمن، حتى لا يفقدون كل النعم.*

هذا والله تعالى أعلم، وهو سبحانه الموفق.

مداخلة الأخ المتصل:
بارك الله فيكم شيخنا ونفع بكم.
شيخنا: مدح رجوع الحسن وتخلّيه عن الحكم.

الشيخ مشهور بن حسن :
الحسن، أقصد رجوع الحسن -رضي الله تعالى عنه-.

مداخلة الأخ المتصل:
شيخنا وقد كان لكم حديث قديم فيما سُمّي قديماً بالربيع العربي حول هذا، ونفع الله بكم كثيراً، وكان هذا كلام مشايخنا.

شيخنا من غريب ما نسمع هذه الأيام قول من يقول: تلك كانت مواقفكم، مواقفكم كانت في تحريم الخروج، ثم الدولة منعتكم من الخطابة والتدريس.

ما تعليقكم شيخنا على مثل هذا الكلام -بارك الله فيكم-؟

الشيخ مشهور بن حسن:
حقيقةً: تعليقي أن مواقفنا مأخوذةٌ من النصوص الشرعية.
والنص الشرعي سِمته الثبوت، ولا نُغيّر ولا نُبّدل، لا نُغيّر ولا نُبدّل، ولهم علينا السمع والطاعة.
والأثرة التي أخبرنا عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- نصبر عليها كما أخبرنا -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة:
فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا”. قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: “تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ “. البخاري٣٦٠٣، مسلم ١٨٤٣.

فالواجب علينا الصبر، والواجب علينا الدعاء، ونحن نعلم حقيقة ما يجري، وأن الخير هو المآل إليه، وهو الذي تستقر عليه الأحوال كلها -بإذن الله تعالى-.

وكما نتكلم ونحتسب فإننا نسكتُ ونحتسب، فسكوتنا نحتسبه وكلامنا نحتسبه، ونرجو من الله تعالى الأجر والثواب.

والله تعالى أعلم.

✍️✍️

↩️ الرابط:

السؤال: شيخنا -حفظكم الله-، هل من كلمة حول مايجري من أحداث هذه الأيام في بلدنا الأردن، بارك الله فيكم؟


⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.

📥 للاشتراك:
• واتس آب: ‎+962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor