الجواب : المُفاضَلة بين النَّاس تَختَلِفُ باختلافِ الأزمانِ واختلافِ الأحوالِ ، وتختلفُ باختلافِ الحيْثيَّات ، وللإِمامِ ابنِ القيِّم في بدائعِ الفوائدِ كلام بديع جداً في المُـفاضلات ، والخِلاف بينَ العُلماء في المُفاضلةِ بينَ عائِشة ومن قبلَنا قائِمٌ ، ولا يوجدِ دليلٌ صريحٌ صحيحٌ في فضلِ عائشة على كلِّ النِّساء ، وأشدُّ خِلافٍ وقعَ بينَ العُلماء – وكانت هذهِ المَسألةُ عَلماً بينَ السُّنَّة والشِّيعة – أيُّهما أفضل عائشة أم خديجة ؟
طبعاً الشيعة يَرَوْنَ خديجة ، وأهل السُّنَّة ماذا يَرَوْن ؟ أهلُ السُّنَّة يَروْنَ التَّفصيل ، أهلُ السُّنَّة أعرفُ النَّاسِ بالحقِّ ، وأهلُ السُّنَّة أقَوَلُ النَّاسِ بالعدلِ ؛ يعرِفون الحَقَّ ويعدِلُونَ ، وكذلِكَ المُفاضلة بينَ علي وأبي بكر ، ابنُ الجوزيّ كما يَذكرُ غير واحدٍ ، وأمس قرأتُ القِصَّة في “إعلام العصر” للصفدي في المجلدِ الرابع منه ، يذكرون أنَّ ابنِ الجوزي كان في محْفَلٍ في الدولةِ في العراقُ وكانَ هناكَ وُزراء شيعة وسُنَّة، فسألوهُ أمامَ النَّاس – وكانت مجالسُ الوعظِ تغُصُّ بالنَّاسِ – وابن الجوْزي كان يُسمَّى واعِظُ الدُّنيا ، سألوه أيُّهما أفضل علي أم أبي بكر ؟ فأرادَ أن يتخلَّصَ وأن يُرضي الأطرافَ فيتخلَّص من الجوابِ ، فكان ذكيًا جداً ؛ فقالَ : من كانت ابنتَهُ تحتَهُ فهو أفضل !! طبعاً ابنت النَّبي تحتَ علي ، وابنتَ أبي بكر تحتَ النَّبي صلى الله عليه وسلم ، فمن كانت ابنتَهُ تحتَه فهو أفضل ، الضَّمائرُ على من تعود ؟ الكُلُّ يُفسِّر على حالهُ ، الكُل يُفسِّر الضَّمير على ما يُريد ، وهذا من الحُسنِ بمكان ، وذكرَ هذا في ترجمةِ عالِم من العُلماء المئة الثامنة ، قالَ كانِ في مجلسٍ فَسُئِل أيُّهُما أفضَلْ أبو بكرٍ أم علي ؟ فقالَ من القرابةِ علي ومنَ الصَّحابةِ أبو بكر ! قال هذا جوابٌ حسن ، لكن استدركَ عليهِ ؛ لأنَّ عليّ -رضيَ الله تعالى عنهُ- من الصّحابَةِ أيضاً، قالَ أفضلُ القرابةِ عليّ وأفضلُ الصّحابةِ أبو بكرٍ رضي الله تعالى عنهم .
الشِّيعةُ يَحصرونَ بناتَ خديجة فقط فيمَن ؟ في فاطمة رضي الله عنها ، لا يُقرِّون أنَّ لها غير ابنة ، ويَرونَ أن فاطمة سيِّدة النِّساء ، وأنّ فاطمةُ خيرُ نِساءِ الدنيا .
الذهبيُّ في سِيَر أعلامِ النُّبلاء ، لمَّا ترجمَ لِفاطمةٌ في المجلَّد الثَّاني ؛ قال : أمَّا من حيث طهارةِ الأصلِ والعِرقِ ففاطمةُ أفضلُ خلقِ الله ؛ لأنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ : إنَّما فاطمةُ بضعةٌ منِّي ، أي فاطمة قطعةٌ منِّي ، وأطهرُ خلقِ الله مَن ؟ مُحمّد -صلى الله عليه وسلم- ، فلمَّا كانت فاطمةُ هيَ الأفضل ، فبِلا شَك أنَّ فاطمة من حيثِ العِرق وطهارةِ الأصل والنَّسب لا يُدانيها أحدٌ في نساء الدُّنيا هذا نقول به ونوافِقُه ، لكنَّ المُفاضلة من جميعِ الجهاتِ تَعسُر وليست صحيحة ، أمّا بالنسبةِ لخديجةٌ وعائشة ، فخديجة في نُصرةِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ومواساتِه في بداياتِ الإسلامِ أفضل من عائشة ، وأمَّا بالنِّسبةِ لحِفظِ السُّنَن بعد نزولِ الوحيِ وتعليمِ النَّاس الدِّين ونقلِ هديِ سيّد المُرسلين لهذهِ الأُمَّة فعائشةٌ أفضل ، ولو أنَّنا نظرنا في كُتُب السُّنَّة وبحثنا عن السُّنَن التي نقلتها خديجة ما وَجدنا شيئاً ؛ لأنها ماتت مُبكِّرةً رضي الله تعالى عنها ، فالمُفاضلة فيها هذا التفصيل ، والله تعالى أعلم .
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
9 ذو القعدة 1437 هجري
12 – 8 – 2016 افرنجي
↩ رابط الفتوى :
http://meshhoor.com/wp/wp-content/uploads/2016/08/س-5-2.mp3◀ خدمة الدُّرَر الحِسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان. ✍✍?