? الجواب :
↩ الأم متى تُكرم ؟
↩ قال تعالى : “واخفض لهما جناح الذُل من الرحمة” .
↩ الأم تُكرم في كُل حين ،فكلما تأكل مع أمك ، أو تخاطبك أمك ، الذي يسمعك يجب أن يعلم أنكَ تُكرمها .
◀ ومن أراد أن يقتدي بمن يضرب به المثل في بر الأم فليقرأ ترجمة قتادة بن دعامة السدوسي تلميذ أنس بن مالك .
◀ قتادة كان إذا أكلَ مع أمه فتتَ الخُبز ، ووضع الخُبز أمام أمه ، ولا يأكل ، فقيل له : لماذا لا تأكُل ؟
فكان يقول : أخشى أن أضع لُقمةً في فمي تشتهيها أمي ، هذا احتفال مع كُل وجبة .
◀ وكان قتادة إذا خاطب أبويه لا يُسمع له صوت ، يكاد صوته لا يظهر ، ولا يُسمع ، فكان يُقال له : ارفع صوتك ، فيقول : ألم تسمع قول الله تعالى : “واخفض لهما جناح الذُل من الرحمة “.
⏮ ينبغي على من يُخاطب أبويه أن يُخاطبهم بذُل مع رحمة .
❎ فليس بر الأبوين النفقة والكسوة والسكنى فقط ، فإنسان ينفر ويرفع صوته فوق صوت أبويه هذا عقُوق ، وربنا يقول :” واخفض لهما جناح الذُل “، ماذا يعني : واخفض لهما جناح الذُل ؟
♻ يعني إذا أصبحت مريش ، وصاحب ريش وصاحب أجنحة ، وأصبحت صاحب وظيفة ومنزلة اجتماعية ، ومال ودُنيا ، أمام الوالدين هذه الأجنحة اخفضها ، لا تبسطها ، وتكلم مع أبويك بذُل .
? فنحن ما في عندنا يوم للأم ، نحن عندنا البر في كل وجبة ، وفي كل وقت ، وكل لحظة .
?? لذا الإمام الشاطبي من تقريراته البديعة أنه قال : أن الشرعَ ما حدَ حداً للبر ، بل جعل ميدانه فسيحاً يتسابق فيه المُتسابقون .
↩ فصور البر مختلفة ، فكلٌ له صورة ، قيل لعمر بن ذر : كيف برك بأبيك ؟ قال : أن لا أمشي بالليل إلا أمامه ، وألا أمشي بالنهار إلا خلفه ، من بركَ بأبيك في الليل تمشي أمامه ، إذا فاجأك شيء يؤذيه ، يؤذيكَ قبل أن يؤذي أباك ، وأما في النهار فتمشي خلفه ، ولا تتقدم عليه ، حتى في السيارة ، إذا أردت أن تبر أبيك في السيارة لا تمشي في السيارة وأبوك خلفك ، هذا لون من ألوان البر .
اسمع ماذا يقول عمر بن المنذر : ومن بري بأبي أن لا أصعد ظهر بيتاً هو تحته .
↩ لذا مرة سُجن عُمر بن ذر وأبوه ، فمن العشاء وضع الماء في كوب ، وبقي واقفاً على رجليه ، وواضع كوب الماء على السراج الذي يضيء ، فلما اذن الفجر أعطاه لأبيه ، فقال لمَ تصنع هذا ؟ قال : إن أبي يتأذى من الماء البارد فأحببت أن يتوضأ ولا يتأذى ، هذه صورة من صور البر .
فالشاطبي رحمه الله يقول : صور البر الشرع لم يضع لها حداً ، وهذا ميدان يتسابق فيه المُتسابقون .
??? تذكرون حديث الثلاثة الذين كانوا في الغار ، وآواهم المبيت في الغار فتدحرجت عليهم صخرة ، فقالوا : لن تخرجوا ، فليسأل كل واحد منكم ربه بأحسن عمل ، فقال واحد منهم : قال : يا رب ، كان لي أبوان ضعيفان ، فجئت فوجدتهما نائمين ومعي لبن ، وحولي صبيتي يتضاغثون ، يبكون من الجوع ، فقلت : والله لا تشربوا حتى يشرب أبواي ، فبقيت واقفاً وبيدي كوب اللبن على رأسهما ، فلما استيقظا شربا من اللبن ، ثم اطعمت أولادي ، اللهم إن كانَ هذا من أجلك ففرج ما نحن فيه ، قال : فانفرجت الصخرة ، وخرجوا من الغار كل واحد منهم حسب الدعاء الذي دعا به .
◀ فالبار بأبويه لا يقتصر في بره على يوم من أيام السنة ، بر الأبوين في كُل لحظة ، قال تعالى : “وبراً بوالدتي ولم أكُن جباراً شقيا ”
، دلت الآية بمنطوقها على أن نبي الله زكريا كان باراً بأمه ، ودلت بمفهومها أن من كان باراً بأمه ، فأن بره بأمه يمنعه من أن يكونَ جباراً شقياً .
⏮ موسى عليه السلام قال له القبطي : إلا أن تكون جباراً في الأرض ، من هو الجبار ؟ من قتل واحداً وأراد أن يقتل الثاني ، فبر الأم من أسباب أن لا يكون العبد في الدُنيا جبار وشقي .
◀ نحن في أعرافنا دائماً نقول : فلان موفق في هذه فالدنيا بسبب بره بأبويه ، وهذه الآية السابقة تدل على ذلك ، ثبت عند الإمام البخاري في الأدب المُفرد ، أنه جاء رجل لعبد الله بن عباس ، فقال يا أبا عبد الرحمن إني قتلتُ نفساً فهل لي من توبة ؟
قال له : أحيةٌ أمك ؟
قال : لا .
فسأله أصحابه :
لماذا سألته أحيةٌ أمك ؟
قال : لو أنه لزمها فبرها لكفر الله عنه قتل تلك النفس ظلماً وعدواناً ، فبر الأم يُكفر ذنب القتل ، فالذي يبُر أبويه مهما فعل من ذنوب فما أسهل من أن تذوب وتزول .
↩ فهنيئاً لمن له أبوان ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول : الوالد أوسط أبواب الجنة ، والنبي يقول في سُنن النسائي : الزمها فأن الجنة عند قدميها ، الجنة ما أقربها منك يا من لكَ أم ، فالزم أمك وبرها ، فالجنة عند قدميها ، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم فضل بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله .
⏮ فالأم لا يُعرف لها عيد في يوم ، الأم في كل لحظة لها عيد .
◀شرح صحيح مسلم 2016-4-28
↩ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان .