حتى يتبين معناه لا بد من أمرين:
الأمر الأول: فأن ننظر في طرق الحديث لعل فيها ما يعين على الفهم
الأمر الثاني: أن نعرف نجد
والكلام طويل وكثير، وقد ألف حكيم محمد أشرف وندهو وهو من علماء الهند، رسالة سماها “أكمل البيان في شرح حديث نجد قرن الشيطان” وفصل فيها تفصيلاً حسناً بديعاً المراد من قوله صلى الله عليه وسلم عن نجد منها يطلع قرن الشيطان.
وقد ثبت في كتاب الفتن من صحيح الإمام البخاري برقم 7094، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا}، قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا؟ قال ابن عمر: فأظنه قال في الثالثة {هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان}، وبوب البخاري على هذا الحديث: “باب الفتن قبل المشرق” وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {رأس الكفر قبل المشرق}، وفي البخاري: {رأس الكفر نحو المشرق}، وثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير نحو المشرق: إن الفتنة ها هنا}، فالمشرق المعنى هو مشرق المدينة حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مسلم أيضاً عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يستقبل المشرق يقول: {ألا إن الفتنة ها هنا، ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان}.
وعند مسلم عن ابن عمر فيه تصريح، وفهم من ابن عمر لمراد النبي صلى الله عليه وسلم فيقول ابن عمر: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم الكبيرة، سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الفتنة تجيء من ها هنا}، وأومأ بيده نحو المشرق {من حيث يطلع قرن الشيطان}، فابن عمر فهمه من هذا الحديث من حيث المشرق أنه العراق، ثم قال: وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وفي رواية عند الترمذي، قال ابن عمر: {انظروا إلى هذا يسأل عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم}.
والنجد في اللغة العربية المكان المرتفع، وفي “النهاية” لابن الأثير: يمتد من خندق كسرى في المدينة كان نجده في المدينة أو من تهامة، إلى العراق، ومن كان في المدينة كان نجده بادية العراق، والعراق هي مشرق أهلها، وفي حديث ابن حوالة عند أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجندة، جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق}، قال ابن حوالة: خير لي يا رسول الله؟ قال: {عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده فإن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم فإن الله توكل لي بالشام وأهله}، وفي رواية عند البزار{فمن رغب عن ذلك فليلحق بنجدكم}، وفي الحديث السابق {وجند بالعراق}، فنجد المرادة بالحديث العراق، وذلك يكون لمن لم يستطع اللحوق بالشام ولا باليمن، وفي صحيح البخاري: {يخرج أناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم}، وفي رواية للبخاري: وأهوى بيده قبل العراق وقال: {يخرج منه قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم}، وقد ورد في حديث ابن عمر وابن عباس لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا} قالوا: وفي عراقنا، قال صلى الله عليه وسلم: {منها يطلع قرن الشيطان}، والاستنباط ملغي مع التنصيص فالنبي صلى الله عليه وسلم نصص في هذه الأحاديث أن المراد بنجد العراق.
والواقع قديماً وحديثاً يشهد أن الزلازل والفتن والفرق وأصولها من الروافض والخوارج والمعتزلة من العراق، والمحن على مر العصور موجودة في العراق، لذا قال مالك نبي المفكر الجزائري : لقد ظلموا بغداد لما سموها دار السلام فلا سلام فيها.