السؤال:
– كيف يثبت الصيام في شهر رمضان؟
-هل يكفي شهادة واحد، أم لا بد من شهادة اثنين؟
– هل يُعتمد على الرؤية العينيةأم يجوز بالحسابات الفلكية؟
– من رأى الهلال وتيقن على ثبوته، فلم يُعلَن أن اليوم التالي هو رمضان، هل يصوم أم يفطر؟
الجواب:
بعض الأحكام الفقهية المهمة في استقبال شهر رمضان المبارك وهو على الأبواب.
نسأل الله رب العرش العظيم أن يعيننا على الصيام والقيام، وأن يجعل ذلك متقبلًا مباركًا في حياتنا، وأن يجعلنا ممن ينال من صيامه وقيامه شهادة التقوى، وأن نخرج من هذا الشهر وقد غُفرت ذنوبنا.
رمضان يجب على الأمة وجوبًا كفائيًا أن يتحروا هلاله؛ فمتى رؤي الهلال وجب الصوم.
وقد تراء الناس الهلال في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-، فرآه رجل واحد، وفي رواية أنه أعرابي؛ فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلـم-، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس بالصيام.
وحديث تراءي الناس لهلال رمضان أفرده الإمام الخطيب البغدادي بكتاب مطبوع ذكر طرق هذا الحديث، والحديث صحيح.
ويكفي لثبوت الصيام رؤية رجل واحد، إن رأى الهلال وأخبر به، فحينئذ يجب على الأمة أن تصوم لرؤيته.
وقد وقع خلاف بين العلماء في رؤية هلال رمضان، هل هو تابع للرواية، أم هو شهادة محضة خالصة؟
فمن قال أن رؤية الهلال يتبع الشهادة:
فأوجب في الشهود العدد، والصفة والجنس، أوجب أن يكون حرًا، وعدلًا، وأن يكون ذكرًا.
ومن قال أن الرؤية تتبع الرواية:
فلم يوجب الحرية، والثقة لا بد منها؛ أن يكون المُخبر ثقة، ولم يوجب العدد، فالواحد يكفي.
وكيفما نظرنا، فإن الواحد كفى المسلمين في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-.
ورؤية الهلال هي أَلْحَقُ منها بالرواية، من كونها شهادة.
والفرق بين الرواية والشهادة، مسألة تعب فيها (( الإمام القَرافي))، ولما علم جوابها بعد ثمان سنين من البحث أودعها كتابه ((الفروق))، وصدرَ كتابه الفروق بها، فجعل أول فرق في كتابه الفروق، الفرق بين الرواية والشهادة.
يقول: كنت أسأل العلماء والفقهاء، ومكثت ثمان سنوات وأنا أسأل: ما الفرق بين الرواية والشهادة؟
فكانوا يقولون لي: إذا اشتُرط في الراوي عدد أو صفة فهذه شهادة، وإن لم يُشترط فهي رواية.
قال: فكنت أقول لهم: هذا معروف، لكن: حتى أشترِط أو لا أشترط ما هو السبيل لمعرفة أن هذا الأمر هو الشهادة أو الرواية؟
يقول: حتى نظرت في كتاب: “إيضاح المحصول من برهان الأصول” للإمام المازري (ويقال: أن نسخة مخطوطة منه ما زالت محفوظة في فرنسا)، يقول: فنظرت في شرح البرهان للمازري؛ فوجدته يقول: إذا كان الأمر يخص حقًا معينًا في حق شخص معين فهذه شهادة، وإذا كان الأمر لا يخص شخصًا معينًا، وإنما يخص الأمة كلها فهذه رواية.
الآن:
رؤية هلال رمضان هو أقرب منه للشهادة أم للرواية؟
هل هو يخص شخصًا معينًا؟، أم أنه يخص المسلمين جميعًا؟
فلما كان أقرب للرواية لم يشترط أهل العلم في رؤية هلال رمضان عددًا.
بل لو قلت: أن العبد إن شهد هلال رمضان تُقبل شهادته، ويجب على الأمة أن يصوموا لشهادته لما أبعدت النجعة؛ لأن الشهادة على إثبات رمضان ليس حقاً خاصاً في ذمة خاصة بوصف خاص، وإنما هي تلحق بالرواية، فتكون هذه الشهادة خاصة عامة للأمة كُلها.
والنبي -صلى الله عليه وسلـم- يقول: (فيما ثبت عنه في الصحيحين): صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. البخاري١٩٠٩، مسلم١٠٨١.
ومعنى صوموا لرؤيته:
أي الخطاب للأمة بأسرها، فيجب على الأمة أن تصوم لرؤية هلال رمضان، وأن تفطر لرؤية هلال شوال.
هل رؤية الهلال عينية أم أن الحسابات الفلكية تجزئ؟
في بعض البلاد، وبعض مجالس الفتوى في أوروبا في بعض البلاد يعطيك متى ستصوم لمدة مئة سنة للأمام، بناء على الحسابات الفلكية.
إذاً: حديث “صوموا لرؤيته” ملغي عند هؤلاء.
إذا كان يجوز الصيام وفق الحسابات الفلكية، والأمة لا تتراءى الهلال، لا تتداعى لرؤية الهلال، فهذا إلغاء لهذا الحديث.
بل في بعض روايات الحديث عند النسائي فيها قوله -صلى الله عليه وسلـم- زيادة مهمة جداً يقول فيها النبي-صلى الله عليه وسلم-: “لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه” .
سنن النسائي ٢١٢٢ وصححه الألباني.
والرواية الثانية أبلغ من الرواية الأولى، والرواية الثانية فيها حصر أن الصيام لا يكون إلا من خلال الرؤية العينية.
فإلغاء الرؤية العينية والاعتماد على الحسابات الفلكية ليست طريقة مرضية، وليست من الأمور الشرعية.
إذًا الحسابات الفلكية هل تهدر؟
لا؛ ما تهدر، يُستأنس بها، لكن لا يعتمد عليها.
كانت بعض الدول تعطي أول من يأتي بخبر رؤية الهلال عباءة، و خمسمئة ريال، فكان بعض الجُرّاء يتجرؤون ويجعلون عيونهم ترى الهلال (والهلال لم يُرَ) طمعاً بالجائزة، فألغوا الجائزة.
فبعض الناس جريء.
معنى حديث: “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته”: أي: صاحب الرؤية والنظر الثاقب.
أعجبني بعض ملوك الدولة العلوية السلفية في المغرب كان يأمر باصطحاب طبيب معه، فمن رأى منهم الهلال فحص نظره، ليتأكد هل نظره صحيح أم غير صحيح؟
فالاعتماد على الحسابات الفلكية اعتماداً كُلياً، وإلغاء الرؤية العينية هذا خطأ.
لكن رجل قال: أنا رأيت، والعلم اليوم يقول يستحيل اليوم أن يُرى الهلال، هذا الأمر المستحيل لا يُعمل به.
إذاً قول النبي: “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته”: الرؤية الحقيقية، أم الرؤية المزعومة الوهمية؟
الجواب: الرؤية الحقيقية، فالأمر المزعوم، الأمر الذي على خلاف العادة فيما جرت فيه سنة الله لا يعتمد ولا يعتد به.
حتى أن الفقهاء يقولون: الشهادة التي هي على خلاف العادة القاضي لا يلتفت إليها.
فلو جاء شخص عامي يبيع الخضار في السوق، وذهب للقاضي، وقال للقاضي: والله يا سيدي القاضي أتاني جلالة الملك اليوم، وأشترى مني كيلوين بندورة وبقي لي عنده خمسة فلوس، وما أعطاني إياهم، أريد أرفع عليه قضية، ماذا يعمل معه القاضي؟
الجواب: لا يرد عليه، لأن هذا خلاف العادة، هذا خلاف ما جرت به عادة الناس.
فكل ما هو خلاف المعتاد، خلاف العقل، شيء لا يوافق قواعد العلم اليقينية لا يلتفت إليه.
لذا الرؤية العينية واجبة وجوبًا كفائيًا، ويجب على الأمة أن تتراءى هلال رمضان، وأنَّ ترائي هلال رمضان واجبٌ كفائي.
ومتى رؤي الهلال يجب على المسلمين جميعاً أن يصوموا، لقول النبي -صلى الله عليه وسلـم-: “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته” متفق عليه.
فالحسابات الفلكية لا يعتمد عليها.
فالهلال قد يُرى بالآلات، وقد يقال بالحسابات الفلكية: أنه يمكن رؤيته، ولم يكن قد تولد بعد.
فالعبرة بما يُرى بالعين، وليست العبرة بما يُحسب بالحسابات الفلكية.
لذا الحسابات الفلكية تقول: انتبهوا، دققوا، الليلة في رؤية، فنحن ندقق، وإن رأينا استأنسنا بالحسابات الفلكية، فإن رأينا فحينئذ وجب الصيام في ذمة الأمة.
من رأى الهلال وتيقن عليه، وأخبر ولكن لم يرد أحدٌ عليه يصوم أم يفطر؟
الجواب: يصوم، إذا أنا تيقنت من الهلال ورأيت الهلال، وتيقنت أن الهلال قد رؤي فثبت الصيام.
فإذا الناس غيروا وبدلوا فأنا يجب علي أن أصوم، ولكني أتكتم، حتى لا أصنع فتنة في الأمة.
والله تعالى أعلم.
↩️ الرابط:
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان✍️✍️
📥 للاشتراك:
• واتس آب: +962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor