السؤال: أخٌ يسأل فيقول: نريد نصيحة بماذا نشغل أوقاتنا في شهر رمضان؟

السؤال:
أخٌ يسأل فيقول: نريد نصيحة بماذا نشغل أوقاتنا في شهر رمضان؟

الجواب:
أولاً: توضيح الهدف منذ البداية من الأسباب المعينة جداً على الوصول إلى المطلوب.

والناظر في أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحَثِّ على الصيام والقيام في رمضان، والحث على قيام ليلةُ القدر على وجه الخصوص يجد بينهما قاسماً مشتركاً.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه في الصحيح أنه قال:
– “من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ لهُ ما تقدم من ذنبه”. البخاري ٣٧، مسلم ٧٥٩.
– “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه”. البخاري ٣٨، مسلم٧٦٠.
– “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه”. البخاري ١٩٠١، مسلم ٧٦٠.

فالواجب على كل مكلف أن يخرج من مدرسة رمضان وقد غُفِرَت ذنوبه.

هذا واجب عيني على كل ذكر وأنثى، على الإنس والجن إن دخلوا هذه المدرسة أن ينالوا شهادة غُفران الذنب.

ولذا دعا جبريل -عليه السلام- على من أدرك رمضان ولم يغفر له وأمَّن على دعائه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وورد ذلك في عدة أحاديث عن عدة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “صعد المنبر؛ فقال: آمين آمين آمين؛ قيل: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين آمين آمين؟.
فقال: إن جبريل -عليه السلام- أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان؛ فلم يغفر له؛ فدخل النار فأبعده الله. قل: آمين؛ فقلت آمين.
ومن أدرك أبويه، أو أحدهما فلم يبرهما؛ فمات؛ فدخل النار فأبعده الله. قل: آمين؛ فقلت: آمين.
ومن ذكرتَ عنده؛ فلم يصل عليك؛ فمات، فدخل النار فأبعده الله. قل: آمين، فقلت: آمين”.
رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له، صحيح الترغيب والترهيب ١٦٧٩ وقال الألباني: حسن صحيح.

رمضان من الرمض، والرمض: هو الحر أو أثر الحر.

ورمضان ينبغي أن يكون شهر عمل لا كسل، وشهر نشاط لا عجز، وينبغي أن يفيض في هذا الشهر الخير على الغير.

وقد أوجب الشرع قبل الدخول في هذا الشهر أن تقع المحبة بين الناس.
فإنَّ الله يغفر لكل أحد في ليلة النصف من شعبان إلا لمشرك أو مشاحن؛ فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ اللَّهَ ليطَّلعُ في ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ فيغفرُ لجميعِ خلقِه إلّا لمشرِك أو مشاحنٍ”. صحيح ابن ماجه ١١٤٨ وحسنه الألباني.
فمن بينَهُم شحناء لا يغفر لهم.

فقبل أن يدخل العبد في هذا الشهر وهذه المدرسة، ويتجَّمل ويتزين بالصيام والقيام وبالذكر وتلاوة القرآن، الواجب عليه أن تكون علاقته مع إخوانه حسنة طيبة، وأن يخرج من الشحناء، فحينئذ ينعم برضا الله -عز وجل-، فإنَّ الله -جل في علاه- يغفر فيما علَّمنا نبيُنا -صلى الله عليه وسلم- التبعات التي تكون في التقصير في حقه، أما التقصير في حق العباد فلا بد من المسامحة، ولا بد من أداء الحقوق إلى أهلها.

ولذا هذا الشهر لا يقتصر على لون معين من الخير.

المهم أن يُغفر للإنسان ذنوبه، وأن يكون الإنسان نشيطاً لا عاجزاً لا متكاسلاً، نعوذ بالله من العجز والكسل.

فالناظر في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم، وكان أشد ما يكون في العشر الأواخر، فإذا دخل العشر الأواخر أحيا ليله وأيقظ أهله وشدَّ مئزره.
– فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ”البخاري ٢٠٢٤.
“شَدَّ مِئْزَرَهُ”: كناية عن أنه كان يعتزل النساء.

فالشهر ليس شهر شهوات، وليس شهر تبقر في الطعام والشراب والملذات، الشهر فيه إخبات، وفيه قرب من ربّ البريّات -سبحانه وتعالى-، فهذا الشهر فيه مجال لكل خير، ولا سيما إن فاض على الغير.

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كريماً، وكان كالريح المرسلة في رمضان؛ كان جواداً -صلى الله عليه وسلم-؛
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.” البخاري ٦، مسلم ٢٣٠٨

الصحابة كعثمان -رضي الله عنه- كما في موطأ مالك بإسناده إلى السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رضي الله عنه- كَانَ يَقُولُ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ؛ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ فَلْيُؤَدِّه حَتَّى تُخْرِجوا أَمْوَالُكُمْ” الموطأ ٦٨٥، إرواء الغليل ٧٨٩ وصححه الألباني.

فأن تزكي في هذا الشهر أمرٌ حسن، -أن تكون زكاة مالك في هذا الشهر-.

تفقد الواجبات؛ فأحب الأعمال عند الله ما فرضها، المفروضات.
إياك أن تقصر في المفروضات: تُمسك القرآن، وتهز رأسك، وتشرذم وتهذرم، وتقرأ بسرعة، وأنت لست متفقدا لواجباتك، والفرائض التي عليك، وأنت تارك للزكاة، وأنت قاطع للرحم، وأنت عاق لوالديك!!، هذا خذلان من الله -جل في علاه-.

العاقل يحسن، تلاوة القرآن أمرها حسن، وتلاوة القرآن ينبغي أن تكون مؤثرة، وأن يكون لها أثر في الحياة، وأن تقرأ القرآن القليل بتدبر أحسن من الكثير بلا تدبر.

الأصل في شهر رمضان: أن يكون شهر عطاء، وشهر خير، ويترسخ الخير في النفس، وأن يصبح للإنسان مقدرة وهمة على اتساع الخير، هذه النفس تتسع في حمل الخير، وتبقى ثابتة عليه إلى أن تلقى الله، وكل ما جاء رمضان ازداد تحمل النفس للون آخر من ألوان الخير.

الناظر في حياة العلماء: كان العلماء في شهر شعبان، ورمضان (كانوا يسمونها في المدارس السلطانية والمدارس النظامية) كان يسمون شهر شعبان ورمضان: البطالة: يعني تعطيل المدارس.

تعطل المدارس الشرعية والمدارس النظامية والسلطانية: التي كان يتلقى فيها الناس العلم عن المشايخ والعلماء، لكن مع هذا: الناظر في ترجمة الحافظ ابن حجر فيما ذكر السخاوي في (الجواهر والدُرر): كان جُل قراءاته للأجزاء الحديثية في رمضان وكان وقته معموراً في الإقراء .

فرمضان لسائر دروب الخير ولسائر أنواع الخير .

المجاهدون الذين رزقهم الله قوة الأبدان: كان الجهاد في رمضان من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ما بعد ذلك.

شهر رمضان ليس شهر كسل، يقل فيه الطعام وينبغي أن يقل النوم، فمن أكل كثيراً نام كثيراً؛ فإذا قلَّ الطعام ينبغي أن يقل النوم فإذا قلَّ النوم ينبغي أن يكثر الخير.

فالشرع في رمضان منعك في النهار من الملذات: من الطعام والشراب وإتيان الأهل، وأشغل وقتك بالليل بالقيام.

فهو يربِّيك على أن تزدحم الخيرات على النفس حتى تستفيد في سائر أيام السنة، أن يبقى الخير يتوارد على القلب وعلى النفس، وأن تبقى مائلاً إلى الملائكية لا إلى البهيمية، لا إلى قضاء الوطر وقضاء الشهوة وما شابه.
فرمضان فيه توسعة للنفس يوسعها لتتحمل الخير.

فكيف تشغل وقتك في رمضان ؟
هذا الشعار، وهذا هو الهدف، وهذه هي الطريقة، وهذا المراد.
فينبغي للعبد أن يكون على تذكر قبل البدء .

↩️ الرابط:

السؤال: أخٌ يسأل فيقول: نريد نصيحة بماذا نشغل أوقاتنا في شهر رمضان؟

⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان✍️✍️

📥 للاشتراك:
• واتس آب: ‎+962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor