[حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة]
قال فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله:
اختلف العلماء ما هو حكم قراءة الفاتحة؟
ففي الحديث الأول الذي أخرجه جابر.
قالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا.
وثبت لنا فيما مضى أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر أربعاً ، وكبر خمساً ، وأن عليا كبر ستاً وغيره من الصحابة كبروا سبعا.
فيقول جابر كان رسول الله صلى الله عليه -صلى الله عليه وسلم- يكبر على جنائزنا أربعاً ، وهذا أمر متفق عليه.
قال ويقرأ بفاتحة الكتاب في التكبيرة الأولى.
إذاً لا يوجد دعاء استفتاح بعد التكبيرة الأولى في صلاة الجنازة ، لم يرد أبدا في رواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو الصحابة أنهم قرؤوا دعاء الاستفتاح.
ثانياً حكم قراءة الفاتحة:
الحديث هذا ضعيف وإسناده ضعيف جداً ، وليس ضعيفا فقط ، لأن مدار إسناده على إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى الأسلمي المتوفي سنة 184 وهو متروك ، والإسناد الذي فيه متروك يقول عنه علماء التخريج إسناده ضعيف جداً ، والضعف الشديد لا يقبل الجبر ، بخلاف الضعف اليسير ، فهو الذي يقبل الجبر.
فهذا الحديث ضعيف جدا، وجميع الأحاديث وسردها الآن يحتاج لوقت ونحن نحتاج للوقت.
جميع الأحاديث التي فيها وجوب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة كلها ضعيفة ، وشديدة الضعف ، وبينت ذلك وفصلت فيه في كتاب “القول المبين في منكرات الجنائز والمآتم ودور دفن الموتى والتأبين” ، من صفحة 248 إلى 255 طولت في بيان هذه الأحاديث ، وفي بيان أنه لم يصح شيء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجوب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة.
قراءة الفاتحة في الصلاة واجبة ، والأحاديث في ذلك متواترة محمود بن لبيد وعن عبادة بن الصامت ، وألف الإمام البخاري القراءة خلف الإمام وأورد أحاديث وآثاراً كثيرة ، لكن في صلاة الجنازة لم يثبت شيء من حيثية الوجوب ، أما المشروعية فثابتة ، وثابتة في الموقوف الذي له حكم الرفع ، وثابتة من صنيع عبد الله بن عباس.
وهذه مسألة أصبحت شعاراً بين أهل الحديث وبين الحنفية ، ولذا ألف فيها أكثر من رسالة ، وألف فيها بالفارسي وبالعربي وبالهندي ، وبالأوردو ، ألف فيها أكثر من رسالة.
وعلماء الحديث يرون القراءة ، علماء الحنفية يرون كراهية قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ، يقولون من قرأ الفاتحة فعل مكروهاً ، والأمر ليس كذلك ، والدليل الحديث :
وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلَفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جَنَازَةٍ, فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الكِتَابِ فَقَالَ: «لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
عند البخاري ، يعني لا شك في صحته فطلحة يقول صليت خلف ابن عباس ، على جنازة فقرأ فاتحة الكتاب.
في بعض الروايات فجهر في قراءة فاتحة الكتاب ، لما سمع ابن عباس الناس مختلفين في حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة فكان ابن عباس في بعض الأحيان لما يصلي صلاة الجنازة يقرأ الفاتحة جهراً ، والأصل في صلاة الجنازة أنها تؤدى في السر في الليل والنهار ، في جميع التكبيرات في قراءة الفاتحة وفي الصلاة الإبراهيمية في الثانية ، والدعاء في الثالثة والرابعة ، حتى لو كانت الصلاة ليلاً ، فالأصل فيها أنها بالسر ، والأصل في الصلوات كلها والأذكار كلها السر ولا نتحول عن هذا الأصل إلا بدليل.
يعني ما لم يرد شيء في الشرع أنه جهر نبقى على السر والأصل في الأذكار وفي الصلوات أنها في السر ، ومنها صلاة الجنازة ، لكن ابن عباس جهر في قراءة الفاتحة ، لماذا جهر؟
ليقطع الخلاف ، وليُـعِّلم الناس.
ثم قال علي رضي الله تعالى عنه لتعلموا أنها سنة ، وقوله هذا في حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه ، (لتعلموا أنها سنة).
أي سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، لا يوجد عندهم إلا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولهذا السبب أخرجه البخاري في صحيحة ، أخرجه ليس لأنه من فعل علي ، لأن البخاري ومسلم أصالة يعتمدون إلى المرفوع لا إلى الموقوف ، فعمدوا إلى المرفوع فقالوا لأن عليا -رضي الله عنه- قال لتعلموا أنها سنة ، أدرجه البخاري في صحيحه ، لأنها سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يظهر أثر ذلك في المسبوق في صلاة الجنازة ، ماذا يفعل؟
في القول الأول وهو قول الحنابلة والشافعية الذين اعتبروا صلاة الجنازة هي أقرب للصلوات وللعبادات الخالصة ، يقولون من أدرك الثالثة يقرأ الفاتحة ، والرابعة الصلاة الإبراهيمية ، ثم يأتي بالثالثة والرابعة ، فيخص الثالثة بالدعاء والرابعة بالدعاء ، وتصبح صلاة المسبوق في صلاة الجنازة كصلاة المسبوق في صلاة الفريضة ، أما الحنفية والمالكية ماذا يقولون؟
يقولون من أدرك الثالثة يكبر ويبدأ بقوله الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد ويبدأ بالدعاء ويسلم بتسليم الإمام ، ولا يوجد عندهم شيء اسمه مسبوق ، لأن الغالب في صلاة الجنازة هي الدعاء ، وإنما وجد التحميد والصلاة تمهيداً بين يدي الدعاء ، فالدعاء هو أصلٌ.
ولم يرد شيء في صلاة المسبوق وأعلى ما ورد فيه عند البخاري معلقاً عن ابن سيرين ، هو الذي نقل عنه صلاة المسبوق.
ولذا موضوع الفاتحة حكم قراءتها الراجح أنها سنة ، وليست بركن في صلاة الجنازة لماذا؟
لأن الأحاديث لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب في الجنازة كلها ضعيفة ، والصحيح في صلاة الجنازة أنها من صنع علي ، ونقل أن ذلك من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- المجرد على ماذا يدل؟
الفعل الذي ليس فيه أمر ، وإنما هو فعل مجرد ، على ماذا يدل؟
يدل على السنية ، ولا ينهض مجرد الفعل على الوجوب.
ولذا حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة السنية ، والله تعالى أعلم.
المصدر:
المحاضرة الثالثة لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله ، من كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام ت الزهيري ، لابن حجر العسقلاني رحمه الله.
الموافق :
هجري 10 محرم 1447 –
ميلادي 05 يوليو 2025.✍️✍️
◀️ رابط الفتوى: