[ لأنك طالب علم سلفي، وتقول بإسم السلفية!
بل أنت تقول ما يخدم اليهود .. وهم بدأوا يصيحون:
بأخذ الأردن، وأخذ مصر، وأخذ السعودية ]
كان طالب العلم إذا أراد أن ينبل يبدأ بقراءة الصحيحين على عدد كبير من المشايخ، طالب العلم إذا أراد أن ينبل من صغره، يبدأ بقراءة الصحيحين قبل أن يكون محدثًا، كما ذكر العلامة أحمد شاكر -رحمه الله-، قال العلامة أحمد شاكر في مقدمة تحقيقه لجامع الترمذي:
“بدأت منذ نشأتي طالب علم ، وقرأت القرآن الكريم على والدي”، ووالده محمد شاكر كان قاضيًا عالمًا، من كبار العلماء، أنا وأخي محمود يقول: “قرأنا القرآن وقرأنا على الوالد الكتب الستة”، قال: “بعد قراءتنا للقرآن والكتب الستة، أنا توجهت للحديث وأخي محمود توجه للأدب”، يعني الذي لم يقرأ الكتب الستة لا يُعد طالب علم.
الذي لا يقرأ الكتب الستة لا يُعد طالب علم، لا أقول لا يُعد محدثًا.
إيش تقرأ؟
اقرأ القرآن الكريم، شرح موجز، الكتب الستة، تدرج في فهم القرآن، تدرج في الكتب الستة، هذا يستغرق منك 10 سنوات وأنت جاد، تقرأ في اليوم أقل شيء ست ساعات وأنت جاد، تحتاج لعشر ساعات وهكذا، تبدأ، تبدأ وتصبح عالمًا، ما نريد تقرأ وما تفهم!
تقرأ حتى تصبح عالمًا، لا بد أن تنهل من أصل الشرع، أصل الشرع الكتاب والسنة، ولا تقرأ لفلان وعلان فقط، علان وفلان هذا مرحلة متأخرة، تقرأ الكتاب والسنة، وبعد الكتب الستة حينئذ أنت الآن تختار ماذا تقرأ.
دعيت في عرس لبعض الإخوة، فجاءت الإخوة وعندهم كلام على الوليمة، فقال بعض الحاضرين: “حضرت اليوم خطبة جمعة، والخطيب تبليغي -من جماعة التبليغ- ، وقع في قلبي شيء”، قال: “يعني أشبعنا أحاديث موضوعة وضعيفة”، فوقع في قلبي شيء، فقلت له: “ماذا قال؟” قال: “الصحابة ذهبوا، ليأكلوا، والنبي صلى الله عليه وسلم ولا يوجد ضوء، وأكلوا على العتمة”، قلت: “هذا في الصحيحين، هذا حديث غير موضوع، هذا حديث في الصحيحين”.
فنحن الآن طلبة علم، يعني وصلنا لمرتبة طالب علم، يعني أنت عليك ختم اسمك طالب علم، تتكلم، ما أحد يراجعك!!!، فالناس مساكين لا يعرفون شيءفعندما قلتَ أمام الناس : حديث موضوع ؛ خلص عند الناس المساكين هو حديث موضوع ، ما يعرفوا شيء.
دعونا !
هذه الأختام، اتركوها، كسروها، ارموها، فأنا لأني طالب علم، لأني سلفي، أنا بقول بإسم السلفية!
بل أنت تقول ما يخدم اليهود ، وليس لهم النصيب من كلامك.
ليست هذه السلفية، السلفية مش ختم، السلفية حقيقة، فاتبع السلف، ومنهج السلف، وأقوال السلف ، وأن تكون عندك غيرة على الدم المسلم، والأرض المسلمة، وبلاد المسلمين، أسأل الله أن لا يمكنهم من غزة.
بدأوا يصيحون:
بأخذ الأردن، وأخذ الشام، وأخذ وأخذ مصر، وأخذ السعودية، وهم لم يتمكنوا بعد، وأسأل الله أن لا يمكنهم، وأسأل الله تعالى أن يحفظ بلاد المسلمين، وكنا نقول هذا وسنبقى نقول، ولن ننثني عن هذا الأمر.
فـ اخرجوا من الرسوم إلى العلوم، اخرجوا من الألفاظ إلى الحقائق، العلوم حقائق، ليست ألفاظ، ليست أختام، تطبع نفسك بالختم فتصبح ناجي، فانجُ عند الله بمعتقدك وعبادتك وأخلاقك ومعاملاتك، وليس بختمك، ليس بالختم الذي وضعته على نفسك، أنت وضعت ختمًا صرت ناجيًا عند الله!!!، لذا نجد وهذا واقع: بعض العوام أحسن كثيرًا من طلبة العلم خلقًا وعبادة، وهذا مصيبة، مصيبة أن يصبح الأمر هكذا، هذه مصيبة كبيرة.
المصدر:
شرح صحيح مسلم – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.
التاريخ:
12 ربيع أول 1447 هـ
04 سبتمبر 2025 م✍️✍️
ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية، نكرة لو كانت “الآية”، لكن “الآية” بكل آية، فـ”بكل آية” دلّت على أن أي آية في حق الجاحد الذي أوتي الكتاب، الذي لا يريد أن يؤمن، لا تنفعه.
وهذا يفسر لك كثيرًا من الحقائق، ترى بعض النصارى متخصصًا في علم ويتكلم عن الله عز وجل، وأنه حق واحد، مثلاً، متخصص في علم البحار والمحيطات، وآخر في الأجنة، وثالث في الطب والأعصاب، الأطباء والعقلاء يرون الله في كل شيء، يرون قدرة الله عز وجل في كل شيء، فبعضهم عنده كل آية لكن غير (مسلم)، يعني واحد يتكلم لك بالإعجاز العلمي أو الإعجاز العددي، وهو كافر، هذا لا يؤمن، ما هو سر عدم إيمانه؟
الآية ، لأن عنده التعصب.
الشاطبي في “الموافقات” و “الاعتصام”، نعم في “الاعتصام” ينقل عن عالم قديمًا تعب وهو يقرأ في التوراة والإنجيل، ووقف على 70 خطأ، 70 تناقضًا، والذي فصّل في التناقضات هو ابن حزم في كتابه “الفصل”.
“الفصل” بدأ بنسب عيسى عليه السلام ، فتبين أن عيسى الذي يؤمن به النصارى على اختلاف مللهم، هذا غير ذاك وهذا غير هذا، وكل عيسى له نسب عندهم، بدأ بهذه البداية، بدأ بنسب عيسى عليه السلام.
فالشاطبي يذكر يقول: عالم جمع 70 خطأ في التوراة والإنجيل، قال فالتقى بقسيس كبير، قال فسرد عليه شيئًا من التناقضات، فقال هذا: “كم عندك؟” قال: “70” قال: “فقط؟” قال: “فقط”، فقال له القسيس: “أنا عندي 700، أنا جمعت تناقضًا في الإنجيل 700 خطأ”، فقال له العالم: “700 وما أسلمت؟!”
قال: من قبلي أفهم مني.
هذا تقليد ، قاتل الله التقليد ما أسوأه!
البلايا دخلت على المسلمين من تأجير عقولهم لغيرهم، أغلب المسلمين اليوم عقله لا يَعمل، لا يفكر بعقله، ولذا العلم ما ينتشر، والتقليد كما يقول الطحاوي: “لا يقلد إلا غبي”، الغبي يقلد، أما العاقل ما يقبل التقليد، العاقل يريد أن يفهم الحقيقة، ومن حق كل طالب علم أن يفهم الحقيقة، وما تجعلني أنا أسير في ظل الشيخ الفلاني والشيخ العلاني أو المذهب الفلاني والمذهب إلى آخره… كلهم يصيبون ويخطئون، وأنا أبتغي الحق، وأينما وجدت الحق قبلته.
ولذا أبو قلابة الجرمي التابعي الجليل، تلميذ أنس بن مالك، قال كما أسند الإمام الدارمي في مقدمة سننه، قال الإمام أبو قلابة الجرمي: “إذا أردتَ أن تعرف خطأ شيخك فجالِس غيره”.
كل شيخ يقول لك لا تأخذ إلا مني، لا تأخذ منه، كل شيخ يقول لك: “إياك أن تأخذ شيئًا من غيري”، فلا تأخذ منه، التابعون يقولون: “إذا أردت أن تعرف خطأ شيخك جالس غيره”.
لقِلة العلماء المتفننّين هذه الأيام، يحق لنا أن نقول: “إذا أردت أن تعرف الخير الذي عندي جالس غيري”، لأن القلة هم الذين يقفون على الأدلة، هم الذين يقفون على الأدلة، لكن قاعدة طالب العلم لا يَقلد شيخاً، وإذا قرأت لعلماؤنا، للعلماء الكبار، تجد له 400 شيخ وبعضهم له 1000 شيخ، 1000 شيخ استفاد من هذا شيئًا ومن هذا شيئًا ومن هذا شيئًا.
المصدر:
الدرس السابع – شرح مبحث العام والخاص في أصول الفقه – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن.
تاريخ:
3 ربيع أول 1447 هـ
26 أغسطس 2025 م✍️✍️
السؤال:
ما هو ضابط إمامة المسلمين؟
وهل إمامنا في إندونيسيا مسلم؟ وهل يلزم أن نطيعه؟ وقد سألت الأستاذ الشيخ الدكتور باسم، وهو يوجهنا أن نسأل إليكم شيخنا الحبيب.
البلاد التي تجاور إندونيسيا: ماليزيا، سنغافورة، وأيضًا ماليزيا مسلمة، سنغافورة مسلمة.
علماؤنا مجمعون على أن أحكام الإسلام إذا ظهرت في بلد، من أمثال الصلاة والزكاة واللباس والعادات والتقاليد المأخوذة من الإسلام، فهذه دار إسلام، وهذا مذهب جماهير أهل العلم، وهو مذهب الأئمة الثلاثة عدا الإمام أبي حنيفة، ويقول بهذا صاحبا الإمام أبي حنيفة: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي، ومحمد بن الحسن الشيباني.
فظهور الإسلام واضح في إندونيسيا، ترى المرأة تقود دراجة بحجاب، مختمرة أو مستورة تغطي رأسها، تقيم حكم الله جل في علاه، على تفاوت في المعاصي، فالإسلام ظاهر في إندونيسيا، فإندونيسيا الحمد لله بلاد الإسلام، دار إسلام،
وهذا كلام جماهير أهل العلم.
أبو حنيفة رحمه الله اشترط في دار الإسلام ثلاثة شروط:
① الشرط الأول: أن يأمن أصحاب هذه الدار بالأمان الأول الذي فُتحت فيه البلد، من الذي فتح بلادكم؟
نحن أهل الشام نترضى عن أبي بكر وعن أبي عبيدة، وأنتم تترضون عن الصحابة وعن التجار، أخلاق التجار التي فتحت البلاد، والمسلمون في إندونيسيا منذ أن فتحت بالإسلام هم في الأمان الأول، فهذا الشرط متحقق عنده.
② الشرط الثاني عند الإمام أبي حنيفة:
أن تتاخم الديار ديار إسلام، ولا يمكن أن تكون هنالك دار كفر والذي يتاخمها دار الإسلام، واستدل بقول النبي ﷺ الحسن: “الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه”.
واستدل بأن الأموال التي أخذها الكفار من المسلمين حال كونها دار حرب لما يُهزم الكفار، تعود إلى المسلمين، فالإسلام لا يُقَرُّ بيد عادية، واستدل بأن الجهاد لَـما يحتل الكفار البلاد يجب على كل أحد، وفي هذا الوجوب دلالة بالإيماء على أن البلاد ما زالت بلاد إسلام، وقد أفتى عدد من فقهاء الشافعية لما احتلت هولندا بلاد إندونيسيا، أفتوا بأنها دار إسلام وليست دار كفر بالاحتلال، فكيف والناس ليسوا محتلين؟ وقد امتن الله تعالى على أهل جاوا أو أهل إندونيسيا بتعبير أوسع، أن دحروا الكفار الذين احتلوا هذه البلاد.
فإندونيسيا بلاد إسلام، وهذا مدون في الكتب كما هو مدون أن بيت المقدس سلتها الصليبيون واحتلها اليهود، وشعائر الإسلام ظاهرة في فلسطين وبيت المقدس، يا إمامة الألوف المؤلفة في الصلوات ولا سيما صلاة الجمعة، ولذا قال الإمام الذهبي: “قال وبيت المقدس ما زال منذ أن فتحه عمر إلى يومنا هذا بلاد إسلام” ، فما اعترف بكون بلاد بيت المقدس بلاد كفر.
وهذا كلام علمائنا في البلاد التي احتلت، كـ(عدن) لما احتلتها بريطانيا في القرن الثامن عشر الهجري، وكـ مصر لما احتلها نابليون بونابرت، احتلت من قبل الفرنسيين، فعلماؤنا من فتش وبحث في دواوينهم ولي كتاب، تحت الطبع الآن كتاب حول هل فلسطين بلاد إسلام أم بلاد كفر؟ وما هو الواجب على المسلمين؟ فصلت هذا بتطويل، فالشاهد أن البلاد التي تتاخم البلاد الإسلامية هي بلاد الإسلام.
فبلاد إندونيسيا المتاخمة لها بلاد إسلامية، ماليزيا مثلاً، والعجيب أن علماءنا قالوا ونص على هذا أحمد في مسائل ابنه عبد الله، ونص عليه الشافعي في الأم، أن البحر لا يقطع المتاخمة، يعني إذا وجد بين بلد وآخر بحر، فهذا البحر لا يقطع المتاخمة، وكذلك الفيافي والصحاري والبلاد الشاسعة، فهي لا تقطع المتاخمة.
فبلاد إندونيسيا بلاد مسلمة، والحكم على البلاد، هل هي دار إسلام أم دار كفر؟ إنما هي بقواعد، ليس الحكم محكوماً بالحكم بما أنزل الله، ما عرف أحد من السابقين قال بأن الدار تصبح دار إسلام بأن تُـحكَم بما أنزل الله، وإنما قال وعَلق الحكم بهذا أن هذه بلاد إسلام أو بلاد كفر هم جماعة التكفير والهجرة، وأخذوه من كلام موهِـمٍ مبهم لسيد قطب في “ظلال القرآن”.
فالبلاد بلاد الإسلام، والأصل في من حكم بالإسلام أن يبقى مسلماً، ولذا قال العلماء: “لو أن رجلاً قال قولاً أو فعل فعلاً يحتمل مائة وجه، تسعة وتسعون منها كفر وواحد يحمل على الإسلام، فالواجب علينا أن نحمله على الإسلام”.
وهذا يعرفه من درس التاريخ دراسة مفصلة، تحولت ثلاثة دور من دار إسلام إلى دار كفر: الأولى الأندلس، الأندلس أصبحت اليوم إسبانيا، وسموا بـ المورسكيين أو المدجنين، وكان بعض المورسكيين من قريش، حُـمِلوا بالقتل أو النفي حتى استطاعوا أن يجعلوا السيادة للنصرانية وليست بلاد المسلم، والبلد الثانية أنطاكية، والبلد الثالثة طرسوس.
لو أنكم قرأتم، وأنتم شافعية المذهب، جل الناس “شافعية”، لو قرأتم “فتح العزيز” للرافعي وهو شيخ من شيوخ الشافعية، شيوخ الشافعية من اثنان، إن اتفقا على قول فهو المذهب من الشافعية، من هما؟
الرافعي والنووي، الرافعي والنووي، النووي اختصر “فتح العزيز شرح الوجيز”، أبو حامد الغزالي كتب “الوجيز والوسيط والبسيط”، “الوجيز” و”الوسيط” و”البسيط” طُبع من قريب.
فشرح الرافعي “فتح العزيز” واختار النووي في “روضة الطالبين”، “روضة الطالبين” مختصر لـ “فتح العزيز” وزاد عليه بقوله: “قلتُ”، فإذا قرأتم “روضة الطالبين” وفيه “قلتُ”، فهذه “قلتُ” وما بعدها من زيادات الإمام النووي، وما عدا ذلك لخص فيه كلام الرافعي في “فتح العزيز”.
لو نظرتم في مبحث “اللقيط” في “فتح العزيز” وغيره من كتب الشافعية، قالوا: “اللقيط في طرسوس” و “اللقيط في أنطاكية”، إيش يعني طرسوس وأنطاكية؟
يعني بلاد بين الشام وبين تركيا، إيش المراد؟
قال: “لو وجدنا لقيطاً لو وجدنا لقيطاً في بلدة من هاتين البلدتين، كيف نحكم عليه؟” قالوا: “نعامله معاملة اللقيط المسلم ونحكم بإسلامه، وإن كنا علمنا أنه لا يوجد مسلم في هذه البلاد” ، لعله جاء من امرأة، أم ولد، وأبوه ممن هربوا.
والشاهد من إرادي لهذا المثال، أنه متى احتمل أن يكون الإنسان مسلماً فلا يجوز لنا أن ننقله إلى الكفر، حتى اللقيط، وهذا كلام نقوله ديانة وفقهاً، ولا نقوله سياسة ولا لنرضي أحداً أو نسخط أحداً، هذا هذا كلام علماء، فقال علماؤنا: “أن تخطئ في تكفير الكافر، وأن تجعله مسلماً أحب إلى الله من أن تخطئ في نقل المسلم إلى الكفر”.
فمتى وجد احتمال الإسلام، فالأصل أن نلقي الناس على الإسلام وليس على الكفر.
فلسنا مطلوباً منا أن نبحث عن عيوب الناس، مع مراعاة أن هذا أمر للاسف، طلبة العلم يغفلون عن أن الأحكام الدنيوية غير الأحكام الأخروية، واضح؟ أبسط؟ طيب أبسط، انتبه، أتكلم في مسائل دقيقة ومهمة، قال الله تعالى في أواخر الأحزاب: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، قال الله بعدها: {لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.
أقسام الناس الملّية ثلاثة لا أربعة، وهذا مذهب القرآن وهذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، خلافاً للخوارج وخلافاً للمعتزلة، تأمل الآيات، لما حمل الإنسان الأمانة، ووصفه الله تعالى بأنه ظلوم جهول، فقسم أصناف من حمل الأمانة، فالصنف الأول من حملها في الظاهر دون الباطن، فقال الله عنهم: {لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ}، المنافق كيف يعامل في الدنيا؟
مؤمن، وكيف يُعامل في الآخرة؟ {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}.
لكن كيف نجري الأحكام على المنافق في الدنيا؟
نجري عليه أحكام الإسلام أم أحكام الكفر؟
إذاً أحكام الإسلام وأحكام الكفر تنفك في الدنيا والآخرة، أولاً أو لا تقبل الانفكاك؟
تقبل الانفكاك، في الدنيا يعامَل كمسلم وقد يكون عند الله كافر.
الصنف الثاني لما ذكر الله الأمانة، قال:
{لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ}
من رد الأمانة في الظاهر والباطن.
القسم الثالث:
تأمل معي ، ماذا قال الله عن القسم الثالث: قال: {وَيَتُوبَ}
{وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.
ما في منزلة بين منزلتين كما يقول المعتزلة، ولا يوجد أن المؤمن يكفر بالكبيرة، لو كانت الكبيرة تكفِّـر ما قال الله {وَيَتُوبَ}، قال: {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.
الأمانة ثقيلة، فأصناف الناس المِـليّة ثلاثة لا أربعة، أصحاب الكبائر ليس صنفاً، أصحاب الكبائر داخلون في { وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.
فأمر صاحب الكبيرة، أمره إلى الله، لا نُكفره، إن عامله بعدله هلك، عذبه في النار ولم يَخلد فيها، وإن عامله بفضله نجا، فأصحاب الكبائر يدورون بين العدل والفضل، أصحاب الكبائر يدورون بين معاملة الله لهم بالعدل أو معاملة الله عز وجل لهم بالفضل، {وَيَتُوبَ اللَّهُ }.
فالمعتزلة قالوا: “مرتكب الكبيرة منزلة بين المنزلتين، لا مسلم ولا كافر”، طيب ربنا قال الناس ثلاثة!
الشاهد من إرادي أن هنالك صنف، هذا الصنف نعامله في الدنيا على حال والله يعامله على حال، لأن عِـلم الله جل في علاه هو الخبير.
فرق بين عليم وفرق بين خبير، الخبير الذي يعلم دقائق الأشياء، فالخبير عنده علم وزيادة، فنتركه إلى الله جل في علاه.
هناك قسم من الأحكام الشرعية تُعامَل في الظاهر غير معاملة الباطن، وهذا موجود في كتب القضاء.
طيب، أسألكم الآن، تخيل معي قاضي مسلم ويقضي على البينة، رجل غصب من آخر سيارة، ثم رشى شهوداً فشهد الشهود أنهم شهدوا أنه اشترى السيارة، فيأتي القاضي فيقال: “فلان يدَّعِي أن هذه السيارة له”، فيقول السارق الغاصب: “لا، أنا اشتريتها بشهود، فلان وفلان شهود”، ويحلفون اليمين، القاضي يقضي لمن؟
يقضي بالشهود.
طب حكم الله سبحانه وتعالى؟
هل هذا حكم ظاهر ولا حكم باطن؟
حكم القاضي حكم ظاهر والله يعامِل بالحكم الباطن.
لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة الذي أخرجه الستة: البخاري ومسلم، أصحاب السنن.
قال صلى الله عليه وسلم:
«إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».
صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 7169
النبي ﷺ يقول للصحابة:
“أنا بشر أقضي بينكم على نحو ما أسمع، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض”.
أقضي على نحو ما أسمع، وحقيقة الحال يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً، فإنما أقضي له بقطعة من نار”.
إخواننا عاملين دوشة في قضية العمل وجنس العمل، وهل هو شرط أم هو ليس شرطاً للإيمان، نحن نحكم بإسلام من يقول “لا إله إلا الله” ، وحكمه عند الله جل في علاه ، وقد يكون خلاف الظاهر ، الأمر لله.
الحكم الدنيوي :
لا نحكم بكفر الناس ، نحكم بإسلام من قال لا إله إلا الله.
لكن إنسان زنديق ما فعل شيئاً من خير لا يحب هذه الكلمة ؛ هذا أمره إلى الله عز وجل.
فعدم الفطنة إلى افتكاك حكم الدنيا عن حكم الآخرة سبب من أسباب انتشار التكفير والجرأة على التكفير، وبعض الناس التكفيريون أصناف، بعض الناس أبله، يقول: “كل موظف دولة كافر”، لا إله إلا الله، المدرس كافر، بعضهم يقول: “إمام المسجد كافر”، نعوذ بالله، نعوذ بالله.
فسؤالك يا أخي بارك الله فيك، فليس هنالك ارتباط بين الشريعة التي يُحكَم فيها الناس وبين كون الدار دار إسلام أو دار كفر.
فالشخص أمره إلى الله عز وجل ما دام أنه مسلم ويقول “لا إله إلا الله” فهو مسلم، هذا حكمنا عليه في إيش؟
في الدنيا، وهو يفضي إلى الله، والله الذي يحاسبه، وارتحنا وخلاص، أما أن ندخل في التفاصيل والدقائق وبعض الناس يتكلم عن الحكام كأنه عايش معهم 24 ساعة، ويعرف أنه بيصلي ولا ما بيصلي، وإذا رآه بيصلي بيقول لك:
“لا لا لا هذا مش، هذا بيصلي بدون وضوء”.
ما أدراك؟ تعلم الغيب؟ ما أدراك؟
احمد ربك عز وجل أنه حاكمك بيصلي، احمد الله عز وجل.
في السفرات الماضية، أنا لعل هذه سفرة رقم 21، 22 لي في إندونيسيا، كنا في “سورابايا” ، أعلى المسؤولين في الشرطة والجيش والأمن، جزاهم الله خيراً، لما كنا في “سورابايا” يستقبلنا ويعزمنا ويحس بنا ويفرح بنا، جزاكم ربي خيراً، هذا شأن المسلم.
أصير أدور وأفتش؟!
إذا أردتَ تدخل في الباطن ؛ العابد تجعله منافق، ليس لك الباطن، الباطن ليس إليك.
المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الأولى.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️
[ الذي لم يقرأ كتب شيخ الإسلام ابن تيمية لن يتحرر من الصوفية، والذي لم يقرأ كتب شيخنا الألباني ويسمع أشرطته لن يتحرر من الحزبية ]
قال فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله:
الذي لم يقرأ كتب شيخ الإسلام ابن تيمية لن يتحرر من الصوفية، والذي لم يقرأ كتب شيخنا الألباني ويسمع أشرطته لن يتحرر من الحزبية، متى يتحرر الإنسان من الحزبية؟
بالطلب ، بالتلمذة.
من الشيخ الذي يستطيع أن يخرجك من الحزبية؟
الشيخ الألباني، فلا يوجد أحد في الدنيا مثله في تعريفك للحزبية والتفاصيل والدقائق في الحزبيين، السبب أنه عاش معهم وناظرهم ومكث 50 سنة وهو يناظرهم.
سألت الشيخ الألباني عن أعلام معروفين من الحزبيين على كافة توجهاتهم، هل التقيت مع الشيخ مع فلان ؟
فكان الشيخ يمازحني فيقول عبارة، كان يقول: أنا ما أعرف المزح، فما طلب مني أحد مجلس مناظرة إلا وسعيت واستعددت وناظرته، فقلت له:
حتى تقي الدين النبهاني، مؤسس حزب التحرير؟
وحزب التحرير أصبحوا أصحاب لدَدٍ في النقاش، فقال: واعدته مرتين، موعدين في لبنان، وسافرت إلى لبنان من الشام وتخلف في الموعدين، قال: في الموعدين ما جاء، رحمه الله تعالى الشيخ الألباني.
هذا جواب الشيخ الذي أريد أن أقوله:
لن نستطيع أن نتحرر من الصوفية وآثارها السيئة، وأثر الصوفية الغلاة منهم، إلا بالإدمان في النظر في كتب شيخ الإسلام.
شيخ الإسلام عاش في الشام، الشام كانت تَـنغُف بالصوفية ، وتَـعِبَ ، وسُجِنَ، سُجِنَ حتى نفوه إلى مصر، وسُجِنَ في مصر، والله أكرمه، فرجع إلى الشام مع السلطان قلاوون، السلطان قلاوون ذهب إلى السجن وأخذ ابن تيمية ورجّعه إلى الشام مع سلطان ذاك الزمان؛ لأنهم كانوا يعرفون، والساسة يعرفون الصادق من الكاذب، ويعرفون الأصيل من الدعِـيّ، ويعرفون من يقاتل وهو حريص على الدين ، ومن هو يطمع في لُعاع الدنيا، يعرفون الحقائق.
المصدر:
الدرس السابع – شرح مبحث العام والخاص في أصول الفقه – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن.
تاريخ:
3 ربيع أول 1447 هـ
26 أغسطس 2025 م✍️✍️
[صاحب الحق دائمًا لابد قبل أن يضع الله له القبول أن يسمع ما يؤذيه ]
قِيلَ للإمام الشافعي -قولٌ جميلٌ، قال يا إمام:
أيّهما أحسن للرجل، أن يُمكّن أم أن يُبتلى؟ من أحسن؟ فقال جوابًا عجيبًا، قال الإمام الشافعي:
سبحان الله!
وهل يُمكّن الرجل حتى يُبتلى؟ وهل يُمكّن الرجل حتى يُبتلى؟
إذاً ليس البلاء فقط في الطعام والشراب والرزق والمال، وإنما الصراع الذي يقع بين الحق والباطل صراعٌ شديدٌ، وإن كان الإنسان غير مفتونٍ بقلة مالٍ أو قلة شرابٍ أو طعامٍ، لكن صاحب الحق دائمًا لابد قبل أن يضع الله له القبول أن يسمع ما يؤذيه.
فسماع لما يؤذي ليس دائمًا علامة شر، بل في الغالب علامة خير، فأسأل الله عز وجل أن يكتب لي ولكم الخير حيث كان، وأن يرزقنا الخير بجميع ألوانه وضروبه، وأن يرزقنا الصدق والإخلاص والاستقامة على أمر الله عز وجل، وأن يُظهر كذب الكذّابين الذين يتّهمون الناس بظنٍّ وتخمينٍ وهم لا يَعرفونهم ولا يسمعون شيئًا، وهذا من مظنة الكذب، والعاقل لا يفعل ذلك،
أسأل الله لي ولكم الخير والهدى والرشاد والتقى.
المصدر:
البث المباشر – لدرس شيخنا شرح صحيح مسلم – فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله
آفة المسلمون على مر التاريخ الخوارج، ولك أن تتفكر ، وسيأتينا شيء من هذا التدبر مع بعض الحقائق التاريخية المهمة في الباب الآتي.
والسؤال وأنت في خلوتك، سَل نفسك أولاً:
من أشد على الإسلام ، الروافض أم الخوارج؟ كلاهما شر، لكن من أشد؟
الكفار يلعبون على الخطين، الكفار يلعبون على الخوارج، ويلعبون على الروافض.
الدول الكبرى التي عندها جيوش من الباحثين يعرفون المسائل وأصولها وجذورها، وكيف يوظفونها لمصالحهم، تارة هكذا وتارة هكذا.
لكن يبقى السؤال قائماً:
أيهما أشد شراً؟
هذا السؤال متروك لكم لتتدبروا فيه في الخلوة:
من أشد على الإسلام؟ هذا الأمر هو السؤال الأول.
والسؤال الثاني وهو مهم:
إن قلتَ “لا أريد أن أقول”، فأزيد، فأكون قد أخطأت فتكون قد أخذت الجواب.
إن قلتَ إن الروافض أشرّ من الخوارج، فعليك أن تجيب على سؤال ثانٍ وهو:
لماذا حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الخوارج ولم يحذرنا من الروافض؟
لماذا حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الخوارج؟
الروافض على مر التاريخ محصورين في مكان، والخوارج موجودين بين المسلمين في كل مكان. ولذلك كان الخوارج أشد شراً من الروافض، والتفصيل يأتي في الباب الآتي.
والإمام مسلم وضع باباً للخوارج في الباب القادم.
المصدر:
البث المباشر – لدرس شيخنا شرح صحيح مسلم – فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله
إخواني، ما ينبغي لأحد أن ينسب نفسه إلا لجهة معصومة، والنسبة إلى الجهة غير المعصومة قصور، وفي بعض الأحاديث ضلال.
النسبة للسلف، نسبة لجهة معصومة (الصحابة، التابعين، تابعيهم)، تقول ملخصًا هذه النسبة: “أنا سلفي”، لأنك نسبت نفسك إلى جهة معصومة، فهذا ممن يحبه الله ويرضاه، لا إلى حزب يرأسه فلان أو علان.
بعض الناس يعتقد إذا قلت:
أنا “سَـلَفِـي” ، أنني من حزب يرأسه في هذا الزمان الشيخ الألباني)، وإذا كان في الحجاز (يرأسه الشيخ ابن باز)، ليست السلفية هكذا!
السلفية هي النسبة إلى الصحابة والتابعين وتابعيهم، لا يجوز لك أن تنسب نفسك لجهة غير معصومة أو لإمام ، بعض الناس استحكم في عقله أن السلفي هو ابن باز والألباني، فقال: “أنا شافعي”، ثم تبدأ المقارنة: من أعلم؟
الشافعي أم الألباني؟
لا، الشافعي أعلم، والشافعي أعلم من ابن تيمية.
يا من تنتسب للشافعي، انتسب للشافعي تفقهًا وتعلمًا، وإن وجدت حديثًا للنبي يخالف قول الإمام صلى الله عليه وسلم فقل:
“إمامي معذور بتركه للحديث، وأنا معذور بتركي لقول إمامي، ولا أتبع إلا النبي صلى الله عليه وسلم وأتبع السلف الصالح”.
فكل أتباع الشافعي هم أتباع الصحابة والتابعين.
أفضل الصحابة على الترتيب:
أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي.
وكان سفيان يفضل عثمان على علي، ثم تاب من هذا التفضيل.
فأفضل خلق الله عز وجل الصحابة ، وأفضل الصحابة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، بالجملة، والمفاضلة علم وعمل، بالعلم والعمل.
لذا قال أهل العلم إن الصحابة اختلفوا على قولين، فدائمًا الراجح مع الفريق الذي فيه أبو بكر وعمر، لماذا؟
لأنهم هم أعلم خلق الله بعد الأنبياء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر” رضي الله عنهما.
لكن هل يلزم من هذا أن يكون أبو بكر وعمر لا يخفى عليهما شيء؟
لا، لكن بالجملة، عِـلم أبي بكر ، وعِـلم عمر هو أحب إلى الله وأقرب وأصوب من أقوال المتأخرين، هل يُستدرك عليهم؟ نعم، يُستدرك عليهم، فكم من مفضول استدرَك على فاضل، وكم من تلميذ استدرك على شيخ له، فالاستدراك في بعض الجزئيات لا ينافي هذه الأفضليات.
فأفضل خلق الله عز وجل الصحابة، وأفضلهم بالترتيب ، بترتيب وجودهم في الخلافة الراشدة، وهذا مما اجتمعت فيه سنة الله تعالى في خَـلقه وكونه مع سنته في شرعه، وهذا الاجتماع يحتاج لتتبع في القضايا الكبيرة، يحتاج إلى تصنيف وتفصيل، وليس فقط في الأفضلية وإنما في أشياء كثيرة، فالصحابة رضي الله عنهم هم خير الخلق.
المصدر:
البث المباشر – لدرس شيخنا شرح صحيح مسلم – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.
التاريخ:
٢٠ صفر ١٤٤٧ هـ
١٤ أغسطس ٢٠٢٥ م.✍️✍️
[الصراع القائم الآن إنما هو صراع حضاري وصراع بالأدلة ، لا يُقاوَم إلا بضبط هذه المسائل وردها إلى أصولها]
والكلام عن المنهيات طويل وكثير، والأمة بحاجة ماسّة لأن تعلمه، وطلبة العلم أشد حاجة لأن يضبطوا أصوله وقواعده، فمفردات المنهيات تحتاج إلى دهر، وأما الأصول فينبغي لطالب العلم أن يضبطها، وإن أخطأ في ضبطها ـ كما هو شائع في بعض الفروع هذه الأيام ـ وينفخ فيها الإعلام من أجل التحريف والتشويه، وتغيير الثوابت المعروفة عند السابقين.
ولذا سأتكلم بكلام مهم، وأنت قَيِّد يا طالب العلم المراجع التي أُحيلك إليها ، لأني لا أستطيع أن أبحث كل مسألة، وأن أكشف عن الأتربة التي تراكمت على هذه المسألة، وكيف استقرت هذه الأيام، وأُذيعت وأشيعت على وجه فيه تحريف.
من القضايا المهمات والتي لا تقبل النقاش:
أن الهجمة الشرسة هذه الأيام على ثوابت المسلمين في معتقدهم، وهذه الهجمة الشرسة لا تُقاوم إلا بالعلم والحجة والبرهان، والصراع بيننا وبين غيرنا من الأمم، ولا سيما الصراع القائم الآن بيننا وبين اليهود، وبيننا وبين النصارى، إنما هو صراع حضاري وصراع بالأدلة، ولَما أذن لنا الغرب أن نعيش في ديارهم، أصبح ـ ولله الحمد والمنة ـ الإسلام شائعًا هناك، فكل عاقل إن حكم البرهان والدليل، فلا بد أن يصل إلى الإسلام، لكن وجد غيرنا أنه لا يستطيع أن يبقى إلا أن يلعب بثوابت ديننا، وأن يغزونا من داخلنا.
فطالب العلم إذا ما ضبط هذه المسائل وردها إلى أصولها ـ وأنا أتكلم عن المنهيات ـ فحينئذ لا يسعد ولا يصعد ولا يُسعِد، وحينئذ يكون لَـبِنة هدم، لا لبِنة بناء.
كما علّمنا مشايخنا الأموات منهم والأحياء من أهل العلم، أن أي مسألة تُذكر في بساط البحث العلم الحر النزيه الذي فيه تحكيم “قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”، والمَفزع إلى هذه النصوص، وما قضى الله ورسوله ﷺ ، لا يجوز لنا أن نحيد عنه.
المصدر:
المحاضرة السادسة
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
شرح مبحث النهي في أصول الفقه
التاريخ:
7 ذو الحجة 1446 هـ
3 يونيو 2025 م✍️✍️
[هل الأصل في الناس الامتحان، وأن تفحص عن عقائدهم، وأن تتتبع أحوالهم؟ ]
ومن الأمور المهمة جدًا التي ينبغي لطلبة العلم أن يُحتاطوا لها، وأن ينتبهوا لها، وأرجو أن تعطوني اهتمامكم، وهي مسألة مهمة: تأمل معي:
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..} [الإسراء : 36]
هل الأصل في الناس أن تمتحنهم؟
أو أن الأصل أنك تعاملهم وأنت لست مسؤولًا عنهم؟
هل الأصل في الناس الامتحان، وأن تفحص عن عقائدهم، وأن تتتبع أحوالهم؟
أقول بتعبيرٍ أدق:
بعض المشايخ -للأسف- وأدركنا هذا، وأنا أتكلم وفي مخيلتي أشخاص لا عناية لهم بالعلم، ولا بمسائله وأهله وكتبه، وإن انشغلوا به فيوظفونه لأمر آخر، ينشغلون ببعض الناس، ولكل واحد من هؤلاء الناس له عنده ملف، ويعاملونهم معاملة الساسة، متى أغضبهم أخرجوا الملف، ومتى سكتوا عنه غلقوا عليه.
هذا ليس دينًا، وهذا على أصل معوج، هذا الفعل قائم على أصل أعوج، قائم على أصل أن يتتبع سقطات الناس. وهؤلاء، الله يُمهلهم، فإن سقطوا لا يقومون بعدها.
وهذا أمر معروف بالسَّـبر، وما نجا أحد من هؤلاء، فالله يفضحهم في عقر دارهم.
لا تنشغل بالناس، انشغل بنفسك، انشغل بعيوب نفسك، لا تنشغل بالناس، والذي ينشغل بسؤال الناس والسؤال عن الناس، من هم؟
هم الخوارج.
طالب العلم يُقرّر الحق ولا يبالي، إن قرر الحق لا يبالي بأثره، يقول الحق.
وجدتُ عبارة فرحتُ بها كثيرًا للإمام الذهبي، في المجلد السادس من كتابه “تاريخ الإسلام” :
وقال القاسم بن أبي صالح: جاء أيام الحج أبو بكر محمد بن الفضل القسطاني، وحريش بن أحمد إلى إبراهيم بن الحسين، جاءه اثنان فسألاه عن حديث الإفك، رواية الفروي، عن مالك. فحانت منه التفاتة، فقال له الزعفراني: يا أبا إسحاق تحدث الزنادقة؟
وقال: ومن الزنديق؟
فقال الزعفراني : هذا وهذا، ثم قال إن أبا حاتم لا يحدث حتى يمتحن.
فقال: أبو حاتم الرازي أمير المؤمنين في الحديث: والامتحان دين الخوارج.
ثم قال ابن ديزيل: من حضر مجلسي فكان من أهل السنة، سمع ما تقر به عينه؛ ومن كان من أهل البدعة يسمع ما يُـسخِّن الله به عينه ، فقاما، ولم يسمعا.
——–
ص708 – كتاب تاريخ الإسلام ت بشار – إبراهيم بن الحسين أبو إسحاق بن ديزيل الكسائي –
فالشاهد: من إيراد القصة، أن الامتحان والبحث عن عيوب الناس، والسؤال عن عقائد الناس، متى بدا لنا شيء يخالف الشرع رددناه، فالناس وسط وطرفان:
متساهل يسمع الباطل، ويرى أن الرد ليس بمشروع، وهذا خطأ.
فالله الذي تولى الرد على فرعون ، وأهل الباطل يُردُ عليهم.
وصنف آخر:
يُنقّر عن الناس، ويدخل في خفاياهم، ويبحث عن عيوبهم.
وهذا الفعل خطأ، والأصل:
{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..} [الإسراء : 36]
فإن علمت وبدَا باطله، رددت عليه.
فبعض الناس يقول:
الردود ليست من الشرع!
وهذا خطأ.
وبعض الناس يتعنّت في البحث عن بواطن الناس وخفاياهم، ويصنع لكل واحد إضبارة.
أنا أعرف هذا، هؤلاء الناس، أعرفهم ، يعني: كل واحد عنده شيء!
وهذا يُخالف قول الله عز وجل.
تسمعون، والله هذا كلام لا أحبه، ولكن لولا أنه واقع، والله ما تكلمت به.
وليس لأنه واقع، وأنا أعلم أنه واقع من 20 سنة، وأنا ساكت عنه، لكن أصبح له أثر، وأصبح له مدرسة، وأصبح هناك ناسٌ يدافعون عنه.
وإن قلتُ:
يا أيها الناس، اعتدلوا، الزموا الحق،
يُقال لك: أنت تطعن في إمام الجرح والتعديل!
لا حول ولا قوة إلا بالله.
المصدر:
المحاضرة الثانية
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
نيل المرام في شرح آيات الأحكام
الدورة العلمية 27
التاريخ:
4 صفر 1447 هـ
29 يوليو 2025 م✍️✍️
[ الإسلام ينتشر في السِّلم أكثر من انتشاره بالحرب ، وقد أدركنا هذا في أمريكا وأوروبا]
قال الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله:
قول الله عز وجل:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ..} [البقرة : 208]
ما معنى: “ادخلوا في السِّلم كافةً”؟
ما هو “السِّلم”؟ إنه الإسلام.
طيب، لماذا عدل الله عن قوله “الإسلام” إلى “السِّلم”؟
احفظ هذه القاعدة، احفظها جيدًا، ورددها وأنت جالس، وتأمَّلها قبل أن ترددها :
الإسلام فوزه في السِّلم أكثر من فوزه في الحرب.
الإسلام ينتشر بالسِّلم أكثر مما ينتشر بالحرب.
أدركنا هذا في أمريكا وأوروبا.
كل الذي يجري الآن في أمريكا وأوروبا: لما كانت الأمور سلمًا، كان الإسلام هو الغالب.
فقلبوا الأوضاع، من أجل أن يُخفَّ فوز الإسلام.
اتركوا الأمور على ما هي عليه،
اتركوا الصراع، ودَعوه يجري وَفق سُنن الله في كونه، ثم انظروا إلى النتائج.
لا تصطنعوا مؤثّرات للنتائج، دعوا الصراع كما هو، وانظروا.
في حديقة من الحدائق في بريطانيا، يجتمع فيها أناس متعددو الأديان، ويتناقشون.
وكان من بين الحاضرين مجموعة من إخواننا الفضلاء،
وكلما مروا على الحديقة، ودار نقاش، خرجوا منها بعشرات ممن أسلم، من الذكور والإناث.
اتركوا الصراع على ما هو عليه.
لذا سمى الله الإسلام سلما.
الإسلام سلمٌ للأفراد، وسلمٌ للمجتمعات.