التعليق على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ ».
وفي هذا الحديث الحث على التعفف والقناعة والصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا.
ما لم تمتثل أمر الله فإنك في هذه الحياة لا تهنأ ولو كان عندك كنوز الدنيا ، فإن امتثلت أمر الله وأنت فقير فأنت هنيء.
ولذا ما وجدتُ أحداً أهنأ في حياته ممن شاهدتُ من العلماء ، العلماء يهنئون بحياتهم يتكيفون مع أوضاعهم ، ويمتثلون أمر الله عز وجل ولا يقنطون ، وأكثر الناس نكداً وشقاءً في هذه الحياة من أراد أن يحوز كل شيء ، فيقع عنده الاعتداء ، وتقع المنافسة ، ويقع التنافر وما شابه.
كثير من الأغنياء أشقياء ، أما العالِـم بأمر الله ، المطمئن بقضاء الله وقدره ، ويعلم أن الصبر هو خير ما أعطي للإنسان ؛ فهذا عنده عُـدة صحيحة لمقاومة الابتلاءات التي تمر به في هذه الحياة .
فمهما جرى على الإنسان وهو معتقد أن الأمر مقدر عند الله عز وجل وأن الصبر هو خير عطاء للإنسان ؛ يبقى صابراً ، لا ينفذ الصبر.
متى نفذ الصبر من الإنسان ، متى ترك الصبر ؛ بدأ الشقاء.
أما وأنت متسلح بالصبر ؛ أنت الآن تفهم الدنيا ، وتعلم أن هذه الدنيا دار بلاء ، وهذا البلاء يحتاج إلى صبر ، يحتاج إلى أن تصبر.
فمهما جرى ، وقد وطنت نفسك على الصبر ؛ فحينئذ أنت بخير.
ومتى غرتك الدنيا ، وتركت الصبر ؛ فحينئذ تشقى من ولدك ، ومن زوجك ، ومن أقاربك ، وتشقى من الناس إلى آخره.
اصبر كل ما نفختَ ووسعتَ في إناء الصبر الذي عندك ، وكبرته ؛ مـرَّت عليك هذه الدنيا ببلائها ، ومُـرِّها ، مرت عليك وأنتَ مطمئن مستقر.
المصدر :
◀️شرح صحيح مسلم (كتاب الزكاة : باب فضل التعفف والصبر) || جـ1 الشيخ مشهور بن حسن
◀️رابط التعليق في الموقع الرسمي:
الجواب :
الأمر واضح وبيِّـن ، لكن نحن أغنياء ما جُـعنا ، وأسأل الله أن لا نجوع على وجه نضع فيه على بطننا حجارة.
نسأل الله عز وجل ذلك ، في ناس يضعون على أبطنهم حجارة من الجوع ؟
نعم ، يشعر أن بطنه خاوي ، يعني التصق الظهر بالبطن ، فيضـعون شيئاً ليشد الظهر كما يحصل الآن مع أهل غزة ، وليس فقط يضعونها بسبب الجوع ، بل اليهود يُـجوِّعونهم ثم يُرسلون إليهم مَن يُطعمهم ، ثم يأتون لأخذ الطعام فيقتلونهم.
وذلك هوان المسلمين عند اليهود ، لا يعبأون بأحد من المسلمين ، ولا يحسبون لأحد حساب ، ذل ما مر على الأمة في تاريخها مثله.
السؤال:
كيف نوفق بين «اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قوتاً» ، وبين دعاءه عليه الصلاة والسلام «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى» ؟
الجواب :
نوفق بينهما بالحديث الذي مر معنا في مسلم ، والغنى غنى النفس ، اللهم أسألك الغنى أن تكون نفسي غنية ، فالغنى المحمود هو غنى النفس ، والغنى المذموم غنى المال فحسب.
واحد يعتقد أن الغنى هو غنى المال فقط وأن هذا هو الغنى !
لا ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث -وهو متفق عليه- ، قال :
«الغنى غنى النفس».
فلذا لما تقول أسألك الغنى :
أي أن تجعلني صاحب نفس غنية.
فحينئذ لا تستشكل مع قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً أو كفافاً ، فلا تستشكل ذلك.
السؤال:
هل الدين عند الحاجة يدخل في سؤال غير الله؟
الجواب :
عند الحاجة لا ، لكن أخذ الدين من غير حاجة يدخل في سؤال الناس.
يعني واحد يستدين لكي يغير الأثاث!
ويستدين لكي يشتري سيارة فارهة!
لكن إنسان يحتاج أن يستدين ليواري نفسه أو ليعلم ولده أو لأن المصروف والراتب الشهري الذي يدخل عليه نفذ ، ما عنده ما يأكل ويشرب ؛ فهذا لا حرج في سؤاله للدَّين ، أو تعرض مثلاً لمرض أو لأزمة ، احتاج أن يستدين ، فطلب الدَّين لا حرج فيه حينئذ.
أما طلب الدَّين لغير حاجة ؛ فهذا من السؤال ، وأما للحاجة فلا حرج في ذلك ، والسؤال تكرر .
الجواب :
مصطلحات العلماء هذه تحتاج لقراءة كتب ، تحتاج إلى تدريس كتب ، ولا يستطيع أحد أن يسردها أو أن يحصرها ، فهي تتفاوت حسب العلوم ، تتفاوت حسب الأعلام ، وكلٌّ له منهجه.
ومن اتسعت معرفته فهم منهج العلماء ، يعني مثلاً الآن
خطر في بالي الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” ، خلافا لمنهج سائر العلماء ، القول المعتمد عنده هو القول الأخير في الرواة ، فيذكر أقوال الناس ، ويذكر آخر قول، وآخر قول هو المعتمد.
فلكل عالم منهج ، وينبغي قبل أن تقرأ أي كتاب أن تقرأ مقدمته ، فإن لم تكن له مقدمة ؛ تقرأ من عَـرَّف به ، وأن تكون ذا إلمام بمنهجه ، حتى تُـحسِنَ فَـهمَ كلامه على مراده وليس على مرادك ، فقراءة مناهج العلماء من الأمور الجيدة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« ومن يَـستعفِف ؛ يُـعِفَّهُ الله ».
من يستعف ويمسك عن السؤال ؛ يرزقه الله عز وجل العفة ويجاوزه ويجازيه سبحانه وتعالى على استعفافه بصيانة وجهه وتركه لسؤال الخلق.
من يستعِـف ، من يصبر ، من يستعف ، من يطلب من نفسه العفة عن السؤال أو من يكف نفسه عن سؤال الحرام ؛ فهذا الله عز وجل هو الذي يتكفل بعطائه.
ومن يستغني بالله عما سواه ؛ يغنه الله ، يعطيه سبحانه وتعالى ما يجعله مستغنياً عن الناس ، وعن سؤال الناس ، ومن يصبر ، من يعالج نفسه بالصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا ، ويعالج نفسه على ترك الحرام ، ويعالج نفسه ويصبرها على فعل الواجب ؛ فالله جل في علاه سبحانه وتعالى يصبره على هذا الأمر.
قال الله :
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}
[البقرة : 257]
الله وليك ، فإن كان الله وليك وجاهدتَ نفسك ؛ فالله يخرجك مما تكره إلى ما يحب.
وإذا كانت في الدنيا ، وأحببت الدنيا وعطائها ؛ فالله يخرجك مما هو يكرهه إلى ما يحب.
فالله جل في علاه إن أعطاك لِـحكمة ، وإن منع عنك لِـحكمة ، فكم من فقير أحسن من غني ، كم من فقراء أحسن من جيوش من الأغنياء.
فاصبر على ما قدره الله لك ، اصبر على نفسك ، اصبر سواء فعلتَ طاعة أو الصبر على محارم الله سبحانه وتعالى.
ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا قاعدة جليلة عزيزة ، أسأل الله جل في علاه أن يكون لنا النصيب الأوفر والأتم والكامل من هذه القاعدة ، قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم:
«ما أُعطِـي».
صيغة الفعل المبني للمجهول ، ما أعطي أحدٌ -نكرة في سياق نفي- ، والنكرة في سياق النفي للعموم ، كل الخلق ، لو أنك فحصت وصبرت.
أحسن شيء أعطيه الناس الصبر.
قال صلى الله عليه وسلم :
«وما أعطي أحدٌ من عطاء خير وأوسع من الصبر».
أحسن عطاء وأوسع عطاء من الله عز وجل للإنسان إنما هو الصبر ، وهذا يفيد العموم.
«أحد من عطاء خير» ، هذه خير إعرابها خبر لمبتدأ محذوف ، والمبتدأ المحذوف هو خير ، عند النسائي هو خير.
مسلم قال :
خير دون هو ، وهو مقدَّر ، وعند البخاري ، لفظ البخاري وما أعطي أحد عطاء خيراً.
فتكون خيراً صفة لـ عطاء ، بالنصب.
عطاء خيراً من الصبر ، فمقام الصبر أعلى المقامات ، لأنه جامع لجميع الأخلاق الحسنة ، وهو نصف الإيمان ، والصبر أصناف ، وأعلى أصناف الصبر ، وأجمل أنواع الصبر أن تصبر على طاعة الله ، ثم أن تصبر على ترك المعصية ، ثم أن تصبر على ما يلاقيك من قضاء الله وقدره.
وقال العلماء:
الصبر على فعل المأمور أحب إلى الله تعالى من الصبر على ترك المكروه.
أن تصبر على فعل المأمور ، تصبر على الطاعات التي يحبها الله ويرضاها ، وتذكر القاعدة إن صـبَّرتَ نفسك على أي طاعة من الطاعات ، قد تسهر سهراً طويلاً ، تصلي الفجر ، فالنفس تقول لك :
نم بعد الفجر ، تقول لا أصبر.
من يتصبر يصبره الله ، أي أمر عَـسِر إن أخلصتَ في نيتك وفعلته بإخلاص ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال :
يصبرك الله.
هذه قاعدة من قواعد السلوك عند المؤمن ، إن نفسه مالت إلى الترداد والضعف والخور بأن تترك واجب ، أو أن تترك سنة هو عليها أو أن تفعل محذوراً ، فيصبر ، فإن صبر ؛ فالنبي ﷺ يقول :
يصبرك الله.
ومن يتصبر يصبره الله ، هذه قاعدة عامة.
الصبر :
هو شيء جامع لكل ما يحب الله سبحانه وتعالى.
المصدر :
شرح صحيح مسلم (كتاب الزكاة : باب فضل التعفف والصبر) || جـ1 الشيخ مشهور بن حسن .✍️✍️