السؤال : ماحكم الجمع والقصر للصلاة لمن يسافر إلى بلد ويمكث فيها أسبوعاً أو أكثر؟
الجواب: القاعدة عند أهل العلم أن كلَّ ما علّقه النص كتاباً وسنّة على أمرٍ وهذا الأمر ليس معروفاً في الشرع ولا في اللغة إنما أمره إلى العُرف ، كل نص ورد في كتاب الله وفي سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم والشرع علّقه على أمر وهذا الأمر ليس له حد في نصوص الشرع وليس له حد في اللغة العربية فمرده إلى العرف ، يعني مثلاً روايتان في صحيح مسلم النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من غشّ فليس منّا ويقول : من غشّنا فليس منّا ، ما هو الغشّ؟ ما فيه غش يبحث بكل معاجم اللغة ماتعرف حدّاً ضابطاً هل هذا غش أم ليس بغش ولايوجد آية أو حديث يُبين لنا ما هو الغش ، إذن ما هو الغش؟ الكلمة فيه إلى أعراف التجار ، فأي مسألة تسأل عنها غش أم ليس غش اعرضها على التجار ،هل هذا في أعرافكم غش ؟ إن كان غشاً حرام وإن كان مأذوناً به في الأعراف فهذا حلال.
وانتبه وهذا أصل مهم،كل مسألة معلّقة على العوائد والأعراف فهذا النوع من المسائل يختلف باختلاف الأزمان والأمكنة.
يقول لك هل الأحكام الشرعية ثابتة أم غير ثابتة؟ هل تتغير الأحكام الفقهية بتغير الأزمان والأماكن أم لا تتغير ؟
الجواب – انتبه- كل ماعلّقه الشرع على الأعراف والعادات فإنها تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، ممكن في زماننا شيء أهل الخبرة مايعتبروه غشا ويكون حلالاً لكنه لو كان عند من قبلنا لكان غشاً ، فكان قديماً حراماً والآن حلال فالحكم يختلف باختلاف الأعراف والعوائد وهذا أمر معروف،فهذا فقط النوع من الأحكام تختلف أحكامه باختلاف الزمان والمكان، وفصّل في هذا وطوّل فيه ابن القيم في كتابه البديع “إعلان الموقعين”.✍️✍️
↩️ الرابط:
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.
السؤال: شيخنا بارك الله فيك، رُخَص السفر، الآن المسافر هل له أن يأخذ هذه الرُخَص أحياناً وأن يترُكَهَا أحياناً؟
الجواب:
ما دام رُخْصَة نعم.
لكن هناك رُخصَة وهناك عزيمة فالقَصرُ عزيمة.
فلم يثبت أن النبي صلى الله عليه أتمَّ في سفر وإنما صلى الله عليه وسلم كان يقصُر، القصر واجب وهو عزيمة، أما الجمع فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن لا يحرِج أُمته فهو سنة، ولك أن تفعلها ولك ألا تفعلها، والأفضل أن يفعل المُسافر الأرفق به، سواء كان الجمع تقديماً أم تأخيراً أو كان الصلاة في وقتها ،كالمترفه فهو ليس عنده شيء متفرغ فهو يحتاج إلى أن يتذكر ويصلي فلا يجمع، إنسان يقضي غرضاً ويركب، فالأرفق به يفعله تقديماً أو تأخيراً
والله تعالى أعلم.
السائل:
شيخنا إذا كانت هناك مصلحة مثلاً في ترك عزيمة وهو القصر، هل له ذلك؟
الشيخ:
إذا صلى خلف مُقيم الواجب عليه الإتمام، فقد ثبت عند أحمد عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه سُئِلَ عن المسافر إذا صلى خلف مقيم فقال رضي الله تعالى عنهما يُتِمّ
وفي رواية صحيحة عند أحمد قال تلك سُنة أبي القاسم.
علماء المصطلح يقولون: القول بأن تلك سنة أبي القاسم لها حكم الرفع للنبي صلى الله عليه وسلم.
فالمسافر متى صلى خلف مقيم يُتمّ ولا يقصر إلا إن صلى إمامً فيَقصُر
السائل:
هل يجب أن يَقصُرإذا قلنا بالعزيمة؟
الشيخ:
طبعاً يجب القصر، لم يثبت أبداً أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى بإتمام في سفر، والأحاديث الواردة أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث عشرين يوماً لمّا فتح مكة والأحاديث الواردة في اتمامه مدارها على مجاهيل ومناكير من الرواة، والثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث عشرين يوما يَقصُر في فتح مكة، ولذا الإمام البخاري في صحيحه جعل أقصى حد للمسافر بالقصر عشرين يوم، قال استقرأت كل فعل النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته عشرين يوم قصر الصلاة وما وجدت زيادة عليه، أما الآثار فلا تخفى عليكم آثار الصحابة كانوا يقصرون ستة أشهر وزيادة.
السائل:
شيخنا بارك الله فيك هل نأخذ من هذا مثلاً الذي نعرفه ودرسناه، أن الأصل في أفعال النبي عليه الصلاة والسلام أنها ليست على الوجوب، هل هذا الكلام صحيح أو يُقيّد إلا إذا كان لا يُعرف خلافه.
الشيخ:
جزاك الله خير.
متى كان فعل النبي صلى الله عليه وسلم امتثالَ أمر قولي فهو واجب، أقول لك شيئاً:
ما قولك في قطع يد السارق من الرسغ وقطع اليمنى؟
واجب، ولا خلاف في ذلك ، إلا أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المضطرد ولم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم خلافه أنه قطع من الرسغ في اليد اليمنى، وهي امتثال لقول الله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فإذا كان فعل النبي صلى وسلم امتثال أمر قولي ولم يفعله إلا على وجهة واحدة فحينئذ هذا الفعل الذي هو امتثال الأمر القولي واجب وما عدا ذلك الأصل في فعله صلى الله عليه وسلم السُنية وليس الوجوب
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ : (فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ) والنبي صلى الله عليه وسلم ما ثبت عنه البتة أنه أتمّ في سفرٍ، وبالتالي القول بأن القصر يكون ثلاث أيام أو أربعة أيام كما يقول الحنابلة ومشايخ من الكبار من الحنابلة يُخالفه فعل النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى له نقاش وكلام طويل في هذا الباب.
السائل:
ولكن يا شيخ يقول الأحوط أن نأخذ بقول الجمهور.
الشيخ:
الأحوط أن الأصل في الصلاة أنها ركعتين.
السائل:
أقصد المدة الأربعة أيام.
الشيخ:
أربعة أيام تقصر ، تقصر ولا تتم، إلا إن صليت خلف مُقيم.
أنت وَرِع، لكن السُنة هي الوَرَع
السائل:
بارك الله فيك شيخنا لست ورعاً، أنا سائل.
الشيخ:
الله يوفقنا وإياك، سؤال وَرِع.
السائل:
شيخنا اسمح لي بعض الإخوة الأئمة يُنتَدَبون، مثلاً يُسافر لكي يؤم، في رمضان أو كذا فيُقَدم إمام لصلاة العشاء ويصلي التراويح فيُتِمُّ.
الشيخ:
المسافر له أن يقوم الليل وله أن يصلي التراويح، لكن هو حتى يخرج من هذا يُصلي مأموماً في الفريضة، الفريضة ما يصلي إماماً، يصلي مأموماً في الفريضة، ثم يقوم الليل ويصلي قيام الليل لرمضان.
السائل:
لكن هم ترتيباتهم أو بالوزارة هكذا.
الشيخ:
يُهيّئ نفسه بترتيب ثاني، المسافر إن صلى إماماً يقصر، وإن صلى مأموماً يتم.
والله أعلم.
السائل:
شيخنا أفهم من كلامكم السابق أن فِعل النبي عليه الصلاة والسلام إذا كان امتثالا لأمر، والقيد الثاني: ولم يفعله إلا على وجهة واحدة فهو واجب.
الشيخ:
نعم، وإلا لقلنا قطع اليد ليس واجب ولا أحد يقول بهذا، وليس لنا دليل إلا فعله.✍️✍️
السؤال :
ما هو ضابط العرف الذي يحدد للسفر، وهل الواجب أن يقول كل الناس بأن هذه المسافة سفر ؟
الجواب:
المسألة فيها خلاف، والخلاف مبني على توجيه بعض الأحاديث ومبني على أقوال لبعض التابعين.
والكلام في المسألة يطول ولكن، مثلا، سفر النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في الرابع، ومكث فيها الخامس والسادس والسابع، ثم انتقل النبي صلى الله عليه وسلم في الثامن إلى منى، فقال بعض أهل العلم أن السفر ثلاثة أيام غير اليوم الذي تصل فيه. ثم النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في هذا السفر؛لكن هذا دليل ناقص. صحيح التوجيه، لكن ناقص. لماذا ؟ لأن النبي في فتح مكة مكث فيها تسعة عشر يوما. وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة كان يقصر؛ مكث تسعة عشر يوما.
الإمام البخاري أراح نفسه . الإمام البخاري في صحيحه أفاد أن من مكث تسعة عشر يوما مسافر، زاد عنها ليس بمسافر. لأن أطول مدة قصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم تسعة عشر يوما. والأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة قد أتم ولم يقصر كلها فيها رواة مجاهيل أو متروكين، يعني أنها ضعيفة أو شديدة الضعف ولم تثبت. لكن الصحابة مكثوا فترة أطول من تسعة عشر يوما، لما حاصروا سجستان وغيرها، وكانوا يقصرون لمدد طويلة جدا.
فالشاهد أننا أمام أشياء، إما أن نأخذ بنص فنقرر شيئا بمعزل عن سائر النصوص، وإما أن نأخذ بجميع النصوص. والواجب الإعمال لا الإهمال، والواجب إعمال جميع الأدلة لا إهمال بعضها، والعبرة بالعرف. ما هو العرف ؟
كل حكم علقه الشرع على شيء، ولم يجعل له حدا، ولا يوجد له حد في اللغة، فأمره إلى العرف.
يعني، السفر لا يوجد في العربية ضابط للسفر، ولا يوجد في الشرع ضابط للسفر، فالحكم في السفر متروك للعرف.
فإذا كنت بين أقوام، وكان العرف أنك مسافر، فحينئذ لك أن تقصر ولك أن تجمع؛ تقصر عزيمة وتجمع رخصة.
وأما إذا كنت غير مسافر، فحينئذ الواجب عليك أن تتم ولا تقصر. يعني رجل له زوجتين وفي بلدتين، فهو هناك مقيم وهناك مقيم. والسفر يكون في الذهاب والإياب. فيقصر وهو ذاهب وكذلك وهو راجع. وأما في بيته مقيم والبيت الآخر الذي سافر اليه مقيم، وهكذا، وهكذا.
فالمسألة عرفية.
والله تعالى أعلم.✍️✍️
السؤال:
سؤال من امرأة أردنية مات زوجها، وكانت هي في زيارةٍ لابنها في الرياض -وهي بالمناسبة شيخنا كبيرة في العمر-، فجعلت عدتها في بيت ابنها في الرياض، ولها ابنة في الدمام، وابنها يسأل يقول: هل لأمي أن تذهب إلى بيت أختي في الدمام، لأن هذا أيسر لها وأفضل والأجواء هناك أكثر راحة وأكثر رعايةً لها، هل لها يا شيخنا أن تنقل بيت عدتها في مثل هذه الحالة؟
الجواب:
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
من المعلوم أن للزوج حقًا بعد وفاته، وهذا الحق متمثل في العدة، وهذه العدة تجب على الزوجة ويحرم على غيرها من النساء أن تحد أكثر من ثلاثة أيام.
والعدة أن تترك المرأة في عدتها التشوف والتشوق للأزواج، فتترك الزينة والكحل، إلا ضرورة تطببًا لا تزيُنًا، والخضاب ولبس الزاهي من الثياب.
والواجب عليها أن تقضي عدتها في بيت زوجها.
وبالمناسبة أعظم الناس على الإطلاق النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولعظم حقه على أمته كانت عدة نسائه ممتدةً إلى وفاتهن.
ولذا يحرم عليهن التجمل والتزين والتشوق للأزواج بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-، وهن أمهات المؤمنين، ويبقين في العدة إلى يوم الدين.
وهذا من عِظَمِ حق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أمته.
الانتقال يجوز لضرورة، والضرورة تقدر بقدرها؛ فالمرأة إن خافت على نفسها، كأن تكون شابة وتخاف على نفسها أن يعتدى عليها، وليس عندها من الأولاد، فلها أن تنتقل إلى بيت أبيها أو بيت وليها وتقضي عدتها عندهم، وهذا لا حرج فيه، وكذا إن خافت على نفسها، أو إن لم تجد مقومات الحياة.
أما أنها تمل أو تحتاج إلى شيء فيه ترفه زائد وأكثر، والنفس ترتاح بالتنقل من مكان إلى مكان فالأصل المنع، الأصل في الزوجة أن تقضي عدتها في بيت زوجها، ولا يجوز لها أن تخرج من بيت زوجها إلا لحاجة.
وقد خرجت أم السنابل – رضي الله تعالى- عنها تستفي فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: إلزمي بيتك، أي: ابقي في البيت ولا تخرجي وأقرها -صلى الله عليه وسلم- على الخروج للفتوى.
فقال أهل العلم:
الخروج للفتوى مثله التطبب، ومثله عيادة المريض ومثله التعزية والتهنئة بالمقدار اللازم من غير زيادة.
فهذه المرأة إذا ولدها يعتقد أن ذهابها فيه استرواح زائد، وفيه راحة زائدة وإن بقيت عنده فكل الأشياء مؤمنة فيصبرها حتى تنتهي عدتها.
وعدة الوفاة أربع أشهر وعشرًا وتكون هذه الأشهر بالهجري لا بالميلادي.
هذه كلمة حول الجواب وما يلزمه.
والله أعلم.
مداخلة الأخ المتصل:
شيخنا الذي فهمته من أخينا السائل أن العناية بها من ابنتها في الدمام أفضل.
الجواب:
الأفضلية كما يقولون متفاوتة، فإذا كانت عناية الولد طبعًا متمثلة بزوجه وليس بنفسه ولا سيما فيما يخص الطهارة، وقد تضطر لكشف العورة والتغسيل، لأن من الظاهر أن هذا المرأة كبيرة أو ما شابه، فإذا كانت قائمة، فالأصل أن لا تذهب إلا لما تنتهي عدتها، وإذا كانت لا تستطيع إلا أن تذهب وقد تخفى الأسباب على الولد ويرى من أمه إصرارًا شديدًا، ولعله هنالك معاملة ليست حسنة، لا تأخذ ما تريد من النظافة والأشياء التي هي حاجية وليست ترفيهية. فعندنا ضروريات وعندنا حاجيات وعندنا ترفيهيات.
فالضرورات والحاجيات يجوز من أجلها الانتقال، وأما الترفيهيات فلا، الترفيهيات يفوتها زيادة متعة ولا يوجد مشقة، فضلًا عن أن تفقد حياتها وأن تفقد شيئًا من بدنها؛ عضوًا أو أن تصاب بمرض أو ما شابه؛ فالأول الحاجيات والثاني المشقة الزائدة التي لا تستطيع أن تتحملها الحاجيات.
وكثير من الناس بهذه المناسبة في كثير من الفتاوى، وهذه آفة كبيرة وعظيمة، أنهم لا يميزون بين الضروريات والحاجيات، وينزّلِون اقتحام الكبائر كالربا مثلًا ليس للضروريات، وإنما للحاجيات وهذا خطأ كبير وكبير جدًا.
فالتمييز بينهما من الأشياء المهمة، والأشياء التي تلزم في هذا الزمان. وقد مثلت وفصلت وفرقت بأمثلة كثيرة بين الحاجيات وبين الضروريات في شرحي على منظومة ابن السعدي، في الكتاب المعنون -بالتعليقات الأثرية في التعليق على المنظومة السعدية-.
هذا والله أعلم.
مداخلة الأخ المتصل:
شيخنا بالمناسبة المطلقة إذا اعتدت في بيت أبيها وليس في بيت زوجها؛ كأن تكون الطلقة الثالثة أو لخلافٍ نشبَ بين الزوجين، واستحال مقامها في بيت زوجها ماذا عليها شيخنا غير الامتناع؟
الجواب:
أما المطلقة فهي زوجة، ويحرم عليها أن تنتقل إلى بيت أبيها أو وليها، والواجب شرعًا أن تبقى عند زوجها وزوجها يزهد في أن يقربها مدة ثلاث حيضات، وإذا لم تكن من أهل الحيض ثلاثة أشهر فحينئذ تنتقل بانتهاء الأشهر الثلاثة أو برؤية الحيضة الثالثة، فحينئذ تصبح أجنبية، لا تظهر شيئًا من مفاتنها ومن زينتها على زوجها.
وأما المطلقة وهي في العدة؛ فتتزين لزوجها كما هي زوجة، ولو مات زوجها لورثته وهو يرثها لو ماتت بالعدة، فالمرأة المعتدة، وأعني المعتدة الطلقة الأولى والثانية غير البائن بينونة كبرى والبائن بينونة كبرى فيه خلاف بين أهل العلم، ولسنا الآن بصدد هذا الكلام والتفصيل فيه.
لكن المرأة المطلقة الأصل فيها أن تبقى في بيت زوجها، وذلك من أجل التقارب بينهما .
ومن المعلوم أن الزوج إذا مضت عليه مدة واحتاج للجماع، فإنه يبدأ يراجع نفسه، ولعل حاجته هي التي تسعف في الإصلاح بين الزوجين.
والإنسان يتعامل مع الإنسان وينظر إلى ضعفه، فهو لا يسمو به سموًا كما يقولون لا يعيشه في مملكة أفلاطون، وإنما ينظر للإنسان بحاجياته وما شابه.
وأما إذا الزوج ما أراد أن تكون هذه الزوجة عنده، ونقلها إلى بيت أبيها فتذهب قطعا لبيت أبيها وحينئذ -بارك الله فيك- تبقى زوجة، وهو الآثم في نقلها إلى بيت أبيها أو بيت وليها، ليس الطلاق أن تفتح الباب وترميها خارج المنزل، المرأة ينبغي أن تعتد مدة ثلاثة شهور ولها أن تخرج، وتبقى حياتها كحياتها العادية، وليس محرمًا عليها الزينة.
وفرق كبير بين المعتدة من طلاق والمعتدة بوفاة، فرق كبير بينهما.
ومما ينبغي أن يذكر ويغفل هذا على الناس، وهذا أمر مجمع عليه عند أهل العلم: التي عُقِد عليها ولم يدخل بها الواجب العدة، في عدة وفاة، الواجب عليها في عدة وفاة.
أما المرأة المطلقة -بارك الله فيك- فتبقى على حالها في خروجها ودخولها وما شابه.
والآن مسألة مهمة نحتاجها كثيرًا، من ولي المرأة؟
المرأة يجب عليها أن تطيع الولي التي هي محبوسةٌ عنده؛ فالمرأة تقدم طاعة الولي المحبوسة عنده.
بتعبيرنا الدارج ( المرأة لما تحرد وتروح عند أبيها فأمر أبوها مقدم على أمر زوجها).
والمرأة عند زوجها مقدم أمر زوجها على أمر أبيها.
فالمرأة الآن لما تعتد وتذهب إلى بيت أبيها وزوجها يريدها، لا يجوز لها أن تذهب إلى بيت زوجها إلا بموافقة ولي أمرها، إما الأب وإما الأخ وإما العم إلى آخره.
لكن عدة الطلاق غير عدة الوفاة، المطلقة تبقى في بيت زوجها، وتبقى حالها كحالها قبل الطلاق.
بمعنى تذهب للعمل وتنتقل من مكان لمكان تبقى حالها بالضوابط الشرعية والأمور المرعية.
السؤال السادس عشر :
أنا متزوجه ومغتربه عن أهلي ووطني منذ ثلاثين عاما (أسأل الله أن يردك إلى وطنك وإلى من تحبين إن شاء الله تعالى ) ، ولا أرآهم إلا كل خمس سنوات ، فهل يؤجر الإنسان على غربته وصبره وعلى بعده عن أهله ووطنه ؟
الجواب :
نعم ،وعند النسائي
أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : مَاتَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ مِمَّنْ وُلِدَ بِهَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ : ” يَا لَيْتَهُ مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ “. قَالُوا : وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ” إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ “.(
1832 )وحسنه الشيخ الألباني
، والغريب الذي يتقي الله جل في علاه ،ويصبر على مفارقه الأهل والوطن ،فهذا أمر في الشرع لا حرج فيه ، ولا سيما إذا كان حاله لا يصلح في دنياه إلا بالغربه ،وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول كما في مصنف عبد الرزاق ( لا تلثوا بدار معجزه ) ، فلان كان في دار ثم ضاق عليه الرزق وكانت هذه الدار بالنسبه اليه معجزه ( يعني مافتح الله عليه وما وسع عليه في الرزق ) فعمر يقول ( لا تلثوا بدار معجزه ) يعني لو رحلت من أجل إكتساب الرزق ، فهذا أمر إن شاء الله تعالى لا حرج فيه .
والله تعالى أعلم
السؤال الرابع والعشرون : المسافر الذي لم يدرك إلا التشهد الأخير مع الإمام كيف يتم صلاته؟
الجواب: يتم ولا يقصر ، فقد ثبت عند أحمد في المسند عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن إتمام المسافر خلف المقيم فقال ابن عباس:( تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم)؛
كنَّا مع ابنِ عباسٍ بمكةَ ، فقلتُ : إنا إذا كنَّا معكم صلَّينا أربعًا ، وإذا رجعنا إلى رِحالِنا صلَّينا ركعتينِ ؟ قال : تلكَ سُنَّةُ أبي القاسمِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . يعني إتمامَ المسافرِ إذا اقتدى بالمُقيمِ ، وإلا فالقَصْرُ.
الراوي : عبدالله بن عباس.
السلسلة الصحيحة للألباني ٦/٣٨٦.
فإتمام المسافر خلف المقيم سنة، فإذا أدرك المسافر أي شيء من الصلاة الواجب عليه الإتمام .
مسافر أدرك مع الإمام ركعتين (في الصلاة الرباعية)يأتي بركعتين ، ولو أدرك ثلاث ركعات فعليه أن يأتي بالرابعة فيصلي الصلاة كاملة ، وكذلك لو لم يدرك شيئاً(مثل أن يأتي والإمام في التشهد الأخير )، هذا هو الراجح .
مداخلة أحد الحضور : لو كان العكس ؟
أي لو كان الإمام هو المسافر .
الشيخ : المسافر يقصر والمقيم يتم؛ ولذا عمر رضي الله تعالى عنه لما أمَّ بالناس وهو مسافر فلما كان يسلم يقول: أتموا صلاتكم نحن قوم سفر، أي: نحن قوم مسافرون، فأنا قصرت ركعتين وأنت يا مقيم أتم صلاتك .
ولذا قال بعض الفقهاء: المسافر عندما يسلم يسلم بالسر، أي عندما يقول السلام عليكم لا يرفع صوته وبعدها يقول أتموا صلاتكم نحن قوم سفر؛ حتى يفهم الناس أننا مسافرون وأنا قصرت وعليك أنت الإتمام ، فالإمام لو أنه ما جهر بالسلام ثم قال: ( أتموا صلاتكم نحن قوم سفر ) فهذا أمر صحيح. والله تعالى أعلم .
أخٌ يسأل يقول الرجاء العناية بالجواب عن سؤالي مشكورين مأجورين من الله تعالى.
الشيخ: نسأل الله ذلك.
السؤال: يقول رجل هاجر من بلد يكثر فيها الفساد والشرك إلى هذه الأرض المباركة -ووضع لي في الهامش تحت أنه هاجر من أرض العراق إلى هذه الأرض المباركة- وترك مصالحه الدنيوية في بلده لله تعالى ثم هو الآن بعد سنوات تراكمت عليه الديون و أقعده المرض عن العمل.
السؤال: فضيلة الشيخ هل على هذا الرجل جُناح وإثم إن هو رجع إلى بلده مضطراً ؟ حيث أنه لا يجد عملاً مناسباً له، علماً أنه هو كاره الرجوع، لكن إلى الله المشتكى؟
الجواب:
أولا العراق بلد مسلم ولله الحمد والمنة، و العراق على تراميه وتباعده ليست حالُ إقامةِ أهلِ السنةِ دينَهم فيه على وجه واحد، يوجد أماكن في العراق لأهل السنة خالصة، ويتمكن أهل السنة من إقامة دينهم.
فإن اضطررت أن تكون في بلد فيه رافضة فاحرص أن تكثِّر إخوانك أهل السنة، وأن تكون بينهم وأن تقيم دين الله عز وجل هناك، والأمر واسع ولله الحمد والمنة.
نعم، ثبت أن خير مُهاجر، مُهاجر إبراهيم عليه السلام ومُهاجر إبراهيم هو الإنتقال من أور، وأور اليوم تقع على بعد بضع كيلو مترات عن مدينة الناصرية، جنوب العراق، على بعد (١٠٠) ميل شمال البصرة، هاجر من أور إلى الخليل، وكان ابن أخيه (لوط) هنا في الأغوار في الأردن، و كان يزوره، فبلاد الشام هي خير مُهاجر.
وسنة الله تعالى قضت كما في الآثار والأخبار الشهيرة أن دين الله عز وجل في آخر الزمان بلادُ الشام هي موئله، وهي مصدره، ومنها ينتشر دين الله عز وجل.
ولذا المقيم في الشام مرابط ومجاهد في سبيل الله.
والشام تشمل الأردن و فلسطين لبنان و سوريا و أجزاء يسيرة من تبوك و من شمال العراق.
فأنت تنتقل من ديار الإسلام إلى ديار الإسلام ولا حرج عليك في ذلك.
السؤال الثاني عشر:
هل تسقط صلاة الجمعة إذا كان هنالك مسافة كبيرة مثل الدول الغربية؟
الجواب:
المسافر لا جمعة عليه ، والمسافر إن حضر الجمعة فصلى جماعة فهذا حسن ، كالمرأة و الصبي ؛ فالمرأة ليست عليها صلاة جمعة، لكن لو حضرت الجمعة اجزاءتها عن الظهر، وكذلك المسافر إن حضر الجمعة تجزئه عن الظهر ولكن ليست عليه جمعة، سواء كانت المسافة طويلة أو قصيرة ما دام أنه مسافر.
السؤال الحادي والعشرون : دخل رجل المسجد في صلاة العصر، فقام ليصلى وحده يريد أن يصلي العصر منفرداً فمنعه الإمام ، فقال الرجل: أنا مضطر أن أصلي الآن وأن الحافلة ستذهب بدوني ، وإذا ركبت الحافلة ولم أصلي الآن فإني لن أدرك العصر إلا بعد المغرب.
فهل يجوز له أن يقيم الصلاة ويصلي منفرداً للحاجة؟
الجواب:
طبعاً الأصل في الحافلة أن يكون صاحبها مصلياً.
فالشرع لما يتجزأ والواحد يصير فريد ويصبح شريد وهو يقيم الدين وغيره ممن له به صلة في العمل لا يقيم الدين تقع المشاكل.
يعني: سألني أحدهم يقول: يا شيخ هل معقول أن الشرع يُجَّوز للسائق-سائق باص وكان في أزمة-، هل يُجوز له الشرع أن ينزل ويصلي والناس واقفين على الدور ، والدور طويل وأزمة في المواصلات فيصلي العصر ويترك الناس؟!.
قلت: هؤلاء الواقفين على الدور المطلوب منهم أن يصلوا؛ فلو ذهبوا للصلاة فليس هنالك مشكلة، يعني ما تسرق عقلي!
ما تأخذ شيئا من الدين وتوظفه لمصلحتك وتنسى حقائق أخرى تنساها وما تذكرها.
فالأصل أن الكل يصلي: السائق يصلي، والواقف على الدور لما يسمع الأذان يذهب ليصلي، وبالتالي ما في زحمة وما في أزمة، يعني سبب أزمة المواصلات لما سائق الباص ينزل يصلي ما هو سببه؟
أن الناس لا تصلي وليس السبب الصلاة.
فرق لما نقول السبب الصلاة فالصلاة عملت أزمة وبين أن نقول أنّ الناس لم تذهب تصلي فصارت الأزمة!
قلت: عدِّل القاعدة التي في رأسك، عدلها وقومها تقويماً شرعياً صحيحاً ؛ وافهم أن الشرع ما يعمل أزمة مواصلات ، الناس خالفوا أمر الله فصارت الزحمة هكذا ينبغي أن نفهم الأمر فالأصل أن يكون مصلياً؛ وأن يكون سائق الحافلة ومن في الحافلة أن يكونوا مصلين أيضاً.
لكن إذا وصل الأمر إلى مثل هذا الحال: أن تفوتك الصلاة بالكلية فلا يقف الباص إلا بعد المغرب فأداء الصلاة منفردًا أحسن من تركها.
أداؤها مع الجماعة واجب وأحسن.
فإذا ما استطعت أن تؤديها جماعة ماذا تفعل؟ صلها منفرداً، صل منفرداً ، وصلاة الفريضة الأصل فيها القيام، ولا يجوز أن تؤديها جالساً إلا لضرورة، إن صليت وأنت جالس فلضرورة، مثل الصلاة في الطائرة فالإنسان تفوته صلواته والسفر طويل
ماذا يصنع؟ له أن يصلي جالساً ، له أن يصلي جالساً.
السؤال الخامس: هل يجوز الجمع لمن خرج من بيته إلى ديار خارج مكان الإقامة؛ لزيارة أحد الاقارب، أو رحلة أو درس علمي، يجمع ويقصر -مثلاً- من منطقة صويلح إلى منطقة جرش؟
الجواب: من صويلح إلى جرش لا نعتبره نحن في عرفنا سفراً، والعبرة في العرف الذي نحن فيه.
وليس لأحد أن يقصر أو يجمع إلا إن كان سفرا معتبرا ومُعتداً به في الأعراف التي تعيش بينها.