السؤال الثالث: أخ يقول: من كان مبتلى بالنظر المحرم عن طريق الجوالات الذكية في خلوته، وأصبح أسير شهوته، إلا أنَّ لهذا الشخص المسلم أعمالاً صالحة جليلة، هل هذه الأعمال تكفر تلك السيئات الشنيعة؟
الجواب: يبقى هذا وهذا في مغالبة، فإما أن تغلب حالك في قربك لربك وإما أن يغلب حالك في قربك للشيطان.
فأنت في هذه الصورة قلق وما استقر بك الحال، فإمأ أن تَغْلِـبَ نفسَكَ وشهواتِك فحينئذ أنت في خير.
وإلا فإنك على خطر عظيم.
ومن يحمل هذا الجوال، أنا دائما أقول الباب الذي يأتيك منه الريح سُـدَّهُ واسْتَرِح.
السؤال الأول: يا شيخنا، لي صديق طلب منّي مالًا دَينًا، فمن سياق الكلام خرجت منّي كلمة حياء؛ مفادها: “أنّ هذا المال هدية أو هبة”.
وأنا غير قاصد لهذه الكلمة، لكن غلب عليّ الحياء فقلتها، فهل لي حقّ بمطالبته بهذا المال -جزاكم الله خيرًا-؟
الجواب: هذا المال قسم من قسمين، وكلاهما فيه مخالفة، لكن واحدة أقلّ من الأخرى.
مال أعطيتَه ،وقلتَ له: هذا هبة، وصار مقبوضًا عنده؛ فهل لك أن ترجع؟
الجواب: ليس لك أن ترجع.
فقولك أنا قاصد أو غير قاصد، وخرجت منّي كلمة حياء.
فأنا لا أعرف إلّا الظاهر لي.
والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول فيما روى البخاري (2589) ومسلم (1622)، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ‘صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ).
وروى أبو داود (3539): (إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ). والحديث صحّحه الألبانيّ في صحيح أبي داود.
فالوالد له إن أعطى ذكورًا أو إناثًا أن يرجع، وهذا أمر ليس بمستنكر.
مسألة أخرى:
أنا وعدته، لكنّني لم أعطه بعد، أنا وعدته لكن ما أقبضتُه؛ فحينئذ صورة النفاق، وصورة عدم الوفاء بالوعد هو نفاق.
فالأصل أن تعطي، لكن الثاني أهون من الأوّل، لكن كلاهما الأصل أن تعطي.
ما هو الخلاص من هذا؟
الخلاص أن تقول له أقلنِي أقال الله عثرتك يوم القيامة.
أنا وعدتك وأنا ما أستطيع أن أفي، وابحث لي عن عذر.
لكن -كما قلتُ- الصورة الثانية أهون من الصورة الأولى.
بِرُّوا آبائكم تبرُّكم أبنائكم، وعِفُّوا عن نساء الناس، تَعِفُّ نسائكم؟
الجواب:
هذا معروف بالتجربة.
وأما الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا *فلم يثبت.*
*حديث: “بَرُّوا آباءكم، تبرُّكم أبناؤكم”. والحديث رواه الحاكم في المستدرك، وضعف إسناده غير واحد من أهل العلم، وذكره شيخنا الألباني -رحمه الله – في السلسلة الضعيفة برقم: 2043*.
فبرُّوا آبائكم تبرُّكم أبنائكم، وعِفُّوا عن النساء تعِفُّ نسائكم؛ هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا معروف بالتجربة.
التجربة لها قيمة، ولكن التجربة ليست كالنص، فقد تخرج بعض الأفراد.
قوة النص ثابتة في القرآن والسنة، فهذا أمر لا ينخرم أبدًا، أما التجربة فلها قيمة.
أنا لما قلت تجربة، فهذا هو الغالب، وهذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
هل يُتغاضى عن بعض تجاوزات النساء والأطفال؛ مثل: حفلات أعياد الميلاد للصغار بحجة عدم كسر خواطرهم؟
الجواب:
هذا غير صحيح، يعني بحجة عدم كسر خواطر الأطفال نُمضي لهم ما يريدون!!، ليس بصحيح.
لكن ما الذي يمنعك في يوم بدون شيء أن تجمع أولادك، وتعمل لهم احتفالًا، وتحضر لهم قالب كيك، ويفرح الأولاد؟
أنا تبقى تشعرهم بأن هذا ممنوع، وهذا ممنوع، وهذا ممنوع، ثم لا تبسطهم، ولا تجعلهم يُسرَّون، فهذا أمر ليس بحسن، فأنت بين الحين والحين خذ أولادك لأي مكان، على متنزه، وما في مشكلة بهذا، إذا أنت ما رأيت أحدًا، و لا أحد رآك في مثل هذا الوقت، ما في أحد يمنعك، وهكذا.
السؤال السادس :
سؤال عن كيفية التعامل مع الأب الذي لا يبالي عن كيفية اكتساب المال، مع العلم أنه تاجر عقارات، ويأتيه الناس ويشترون عن طريق بنك ربوي، وغيرهم عن طريق بنك إسلامي، وغيرهم عن طريق صندوق الحج .
السؤال عن طريقة التعامل من الناحية المالية، وعن طريقة التعامل من الناحية الشخصية؛ مع العلم أنه عصبي، ويصعب التكلم معه ؟
الجواب:
أولًا: إن كان والدك قد أمرك بالشرك فلا تطعه، والواجب أن تحسن إليه ولا تنفعل، ولا ترفع صوتك، وتكلَّم مع والدك بكلام كلّه شفقة، وكلّه رحمة، هذه واحدة.
الثانية: أنت إذا كنت ترى والدك لا يتقِّي الله -جل في علاه- في ماله، فأنت الواجب عليك ألّا تطاوعه، وألّا تتوسّع معه في المال.
وإذا كنت قاصرًا فحينئذ تأكل مضطرًا، ولا شيء عليك، كذلك إذا كانت البنت تحت إمرة الوالد حتى ييسر الله -عزّ وجلّ- لها زوجاً صالحاً وينفق عليها ؛وأما إذا كنت ذا اكتساب؛ والسؤال هكذا وهو مكتسب، فالواجب عليك أن تترفّق بأبيك، وأن لا تترك نصيحته أبدًا، ثم بعد هذا تتورّع عن ماله؛ لا تأخذ من ماله إذا كان والدك لا يبالي بالطريقة الشرعية .
السؤال الرابع:
ماهي مراحل ووسائل التأديب والتربية للأبناء بعد بلوغهم التكليف الشرعي، ومتى يحق لي أو يجب علي طردهم من البيت، ومنع الإنفاق عليهم، أم هل نصبر عليهم لو أنهم فرطوا في بعض أو جميع أركان الإسلام؟
الجواب:
موضوع التربية موضوع مهم، والسر في النجاح في التربية، ان تكون أنت قدوة لهم، وأن يحبوك وأن تتربع في قلوبهم، بعض الآباء التربية عنده صراخ وشتم ولعن وبهدلة، ويقول لك: أنا ربيت أولادي، أنت تحتاج أن تربي نفسك قبل أن تربي أولادك، إذا هذه هي طريقة التربية عندك، يجب أن تربي نفسك، وتحفظ لسانك، بعدها تربي أولادك، وفاقد الشيء لا يعطيه، فلا يمكن لوالد أن يربي أولاده ويستجيبون له، -إلا إن شاء الله تعالى بتوفيق منه ورحمة، -والوالد فاقد التربية.
فالمفتاح في موضوع التربية، لأن تربية الأولاد دعوة إلى الله في ساحة مكشوفة، ما يحتاج معها بلاغة كلام.
فخطيب الجمعة، والمعلم، والمدرس إذا أوتيا نصيبًا من علم أو بلاغة أو بيان أثروا في الناس.
لكن التربية في الساحةالمكشوفة التي تعيش فيها، لا تكون باللسان، إنما تكون بالأعمال، إنما تكون بالقدوة.
فأنت أعد برمجة طرقك بداية، ربِّهِم بالقدوة، والقدوة تكون منك ومن أمهم، ثم تتحبب إليهم، وتربع في قلوبهم، ليسمعوا كلامك، ثم كلامك يكون فيه شفقة.
ثم أن الله -جل في علاه- حباك وخصك بدعاءٍ لأولادك.
فدعاء الوالد لأولاده مستجاب.
من أحوج الأولاد للدعاء؟
أكثرهم بعدًا، وأكثرهم شرودًا.
تبتل إلى الله بالدعاء، ثم الصبر، تصبر، لا تتعجل النتائج.
فإذا كنت أنت على طريق غير مستقيمة ثم اهتديت، فرَأَوا منك سابقا القدوة بالشر، فالهدم ثم البناء، وإزاحة الأنقاض أمر يحتاج لوقت.
فأنت إن رأيت قصورًا في نفسك يا أيها السائل والمربي، إذا أردت أن تغير هذا القصور، كم تحتاج لوقت؟
فانظر إلى حال الأولاد، ثم أنت أيها الوالد، نسأل الله أن يحفظك ويحفظ أولادك، أنت رَبِّ أولادك مراعيًا حالهم ووقتهم، ولست مراعيًا حالك ووقتك.
أنت عندك زوجتك، ولعلك كبرت، والشهوة في حقك ضعيفة بسبب كبر سن أو لوجود الزوجة.
وهم ليسوا كذلك، فلا تقسهم على حالك، راعِ حالهم، وراعِ ضعفهم.
وامشِ مع ضعفهم، ولا تيأس.
ومن أهم أسباب التربية الصحبة الصالحة، اصنع لأولادك بيئة صالحة.
ومن أهم أسباب التربية أن تجهد أن تربطهم بالمسجد وبالقرآن.
فمن بركات المسجد أنهم يجدون شبابًا بعمرهم، ولذا الوالد الذي له أولاد، ولا يأتي بهم إلى المسجد مجرم في حقهم، هذا أب مجرم.
الوالد متى بلغ ولده، وأصبح فيه شيء من الرجولة، وبدايات البلوغ، ليكن في المسجد، والله -عزوجل- يحفظه.
ومن جلس في المسجد، وجلس فيه كحالنا الآن، كما يقول سلمان -رضي الله تعالى عنه-: (من جلس في بيت الله، فهو زائر على الله).
وحق على المزور أن يكرم زائره.
فأسأل الله أن يكرمنا، وأن يكرم أخانا السائل، بأن يصلح ذريته، وأن يصلح أولاده.
نسأل الله أن يصلح ذرياتنا جميعًا.
السؤال الثالث :
أشكو كثيرًا من المعصية والنظر إلى المحرمات؟
الجواب :
هذا خلل في الصلاة، { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قال: (أضاعوا) ما قال تركوا ، كل من يشكو من شهوة محرمة، ولا يستطيع أن يتحكم في نفسه، فإن خلله في صلاته، تحتاج أن تحكم الصلة بالله ، هذا هاجر أذكار الصباح والمساء، هذا هاجر لقراءة القرآن، أعد إحكام الصلة بالله واحتمِ بالله ، ولذ به، الجأ إلى حماه وقواه، لتستعين على الشيطان، فالشيطان ضعيف { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا } وأنت ضعيف { وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا } فضعيفان يتصارعان على حلبة، من الذي يغلب ؟
من يستنجد بالقوي، فمن لجأ إلى القوي – الله جل في علاه- ولاذ بحماه، فالله جل في علاه يحميه من هذا .
ثم علاج الشهوة المحرمة ما أحل الله، وهذا سر قول الله تعالى { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ } دقة القرآن ؛ الله ما قال: يغضوا أبصارهم، قال: (يغضوا من أبصارهم)، فهناك بصر تسرح فيه كما تسرح الخيل في المرعى، وتتمتع فيه، وأنت مأجور لا موزور، وهو النظر إلى زوجك، فهذا النظر يغني ويعطي النفس حظها من شهوتها التي أحلها الله، قال الله -جل في علاه-: (يغضوا من أبصارهم)، لو أن الله قال: يغضوا أبصارهم، لحرم عليك أن تتمتع بالنظر إلى زوجك، ثم قال: (ويحفظوا فروجهم) ولم يقل: يحفظوا من فروجهم، وإلا لكان الاستمناء حلالًا مثلًا، قال: (ويحفظوا فروجهم)، إتيانك لأهلك حفظ لفرجك وحفظ لفرجها، وهو طاعة من الطاعات وعبادة من العبادات، فالله ما حرم شيئًا إلا وجعل ما هو خير منه، وأبرك منه، وأحسن منه، وأنفع منه وهكذا .
السؤال الرابع عشر:
أنا شاب مقبل على الزواج، بماذا تنصحني؟
الجواب: لا تنسى نية أن يعُفك الله، يعني دائماً انوِ واستحضر أنك تريد الزواج حتى يعفك الله، فيبارك الله لك في زوجتك.
مَن تَزوَّج والنية قائمة عنده أن يُبعِده الله عن الحرام؛ يرى بركة في زوجته لا يراها غيره.
فهذه النية تبقى حاضرة عندك.
تكملة السؤال: وأنا الآن في فترة خطوبة، ما هي حدود التعامل مع الزوجة؟
الشيخ: إذا كَتَبتَ كتابك؛ هي زوجتك، ولَكَ أن تنال منها ما يرغبه الرجل من المرأة شريطة عدم الدخول.
لكن المرأة في بيت أبيها؛ تُقَدِّم طاعة أبيها على طاعة زوجها الذي كتب كتابه عليها .
فليس لك شيء، والمرأة ليست تحت ولايتك، ولايتك عليها ناقصة، لَمَّا تصبح زوجتك عندك؛ طاعتك مقدَّمة على طاعة أبيها، أمَّا وهي عند أبيها؛ فطاعة أبيها أو طاعة وليها؛ مقدَّمة على طاعة زوجها، وهكذا.
فأنت فليس لك منها؛ إلَّا ما يَأذن الولي، لا تستطيع أن تأخذ حاجتك منها إلَّا بما يَأذن به الولي الذي هي عنده.
السؤال الأول: رجل عمل كثيرًا من الأعمال الصالحة في السابق، ولكن بنيّة غير مسدّدة، والآن تاب وأخلص النيّة لله -عزّ وجلّ في علاه-، فهل توبته هذه تسدّد وتهب له سابق ما عمل، وتجعله من الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات؟
الجواب: يا جماعة، السيّئات التي تبدّل وتجعل السيئات حسنات في حق الزاني وفي حق مرتكب الكبائر، {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ }؛ فالكافر إذا أسلم فإن الله -تعالى- يكتب له عمله الصالح في كفره بسبب إسلامه، كما قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلم- لبعض من أسلم:{أسلمت على ما أسلفت من خير}، كما في صحيح الإمام مسلم، قال الإمام أحمد: من أسلم ثم أحكم عمله فإن الله ‘تعالى- يكتب عمله الصالح في أيام كفره وتكون في صحيفته، فما بالك في هذا الحال؟
لكن هنا أنبّه أنّ العبد -وقد ذكرت لكم هذا في الدرس الأخير في هذا المجلس- إذا ربط قلبه في الله، وربط قلبه بالدار الآخرة، وأكثر من ذكر الله فهذا فقط الذي يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة له في الظاهر والباطن، بعض الناس يحب النبي عليه السلام حبًا جمًا، وهذا أمر حسن، ولكن إن سبرته وخبرته وعايشته تجد أنّ الهدي الظاهر في حقّه أغلب من الباطن؛ فتجده ليس بصدوق وإذا خلا بمحارم الله لعلّه يفعل شيئًا، ويضجر من الناس ولا يحتسب، يمتثل هدي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في ظاهره دون باطنه.
{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }، فالذي يمتثل هدي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في ظاهره وباطنه من عنده هذه الثلاثة:
• ترجو الله أي تستحضر النيّة في كل عمل، وفي كل عمل تعمله ترجو الله وتخاف من الآخرة، والآخرة حاضرة أمامك تنكد عليك وتنغص عليك أحوالك، لذا أهل الجنة وهم في الجنة يقولون: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}، المؤمن حزين لا بدّ أن يلقى الله، ولمّا يلقاه يقول الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن؛ فهو يخاف أن يكون في اليوم الاخر خاسرًا فهو حزين، فالذي لا يخاف اليوم الآخر، ولا يرجو الله، ولا ينوي العمل الصالح، ولا يذكر الله كثيرًا لا يستطيع أن يقتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الظاهر والباطن، فقد يستطيع أن يقتدي بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الظاهر، لكن في باطنه ليس كذلك.
أنا أعجب من حديث أنس في الصحيح، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: “خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-َ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ، لِمَ فَعَلْتَ كَذَا، وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا”، كان يعرف ذلك من وجهه، هل هو راض عنه أم لا؟ فكان لا يؤنّب أصحابه، اليوم تعيش مع أخيك ثلاث أو أربع ساعات يقول لك لماذا لم تعمل عشر مرات؛ هذا عدم اقتداء بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالباطن، فالله ببركة الاقتداء بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الباطن ينفع بلحظك كما ينفع بوعظك وكلامك؛ لحظك وقسمات وجهك وقوتك وغضبك وتجاعيد وجهك وحركاتك الله ينفع بها، كما كان يقول أنس رضي الله عنه ، وقد قالوا قديمًا “من لا ينفعك لحظه لا ينفعك وعظه”.
أخونا يقول: تبت وعدت إلى الإخلاص لله هل تكتب له الأعمال؟
نعم، أبشر تكتب لك ،وزد ما أنت فيه واستشعر ما أنت فيه من خير.✍?✍?
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضِلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،
الاستقامة على معرفة الله، الاستقامة على تعظيم الله -عزّ وجلّ-، وعلى خوف منه بالغيب، ولا تكون الاستقامة إلّا بهذا.
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ وهم في سكرات الموت، والملائكة كما ذكر ربنا تعالى، قال:
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَاتحزنوا، ينتقلون من دار إلى دار، فبدأ الله تعالى بالطمأنينة على الدار التي ينتقلون إليها، قال: فلا تخافوا ، لاتخافوا ممّا أنتم مقدمون عليه.
والإنسان في حال التغير من دار إلى دار يحتاج أولًا أن يطمئن.
ثم قال الله -عزّ وجلّ- ولاتخافوا على ما تركتم من زوجة، ومن أولاد، وماتركتم من ذرية، لا تخافوا عليهم.
ثم قال: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ ، فهؤلاء الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، الله وليهم في حياتهم الدنيا يحفظهم من كل شر، ومن كل ضر، ومن كل سوء، وهو وليهم في الآخرة.
الله الربّ -جلّ في علاه-، والربّ هو المالك والسيد، وهذان أمران يستوي فيهما الخلق، والله -جلّ في علاه- المربي، والتربية لبعض أوليائه ليست كالتربية لسائر الناس.
علموا الله -عزّ وجلّ- بأسمائه وصفاته، واستحضروها
وعرفوا أحكامها والتزموها، واستقاموا على هذا، فالله يقول عنهم: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ.
لذا كان (الإمام الشافعيّ) -رحمه الله تعالى- يقول: إذا لم يكن العلماء أولياء الله فإنّي لا أعلم من هم.
وهنا مسألة مهمّة، لاينتبه لها إلّا الموفّق، عطايا الله وفتوحاته وتعليمه للعلماء، وحمايته لأوليائه أبلغ وأنفع من جريان الكرامات على أيددي أوليائه.
مَن الأنفع أن تجري الكرامة على يد الولي، أم أن يفتح الله عليه وأن يعلمه وأن يحفظه؟
الثانية أنفع من الأولى، وإن كان أثر الثانية لا يظهر للنّاس، لكن صاحبها الذي يستقيم على أمر الله -عزوجل- هو الذي يشعر بذلك.
فالاستقامة هي عين الولاية.
والاستقامة لا تكون إلّا بالعلم،
وإلّا بمعرفة الله تعالى.
وهنا مسألة وهي مهمة، المعرفة معرفتان:
١ – معرفة بالله وتعظيمه.
٢ – معرفة بأوامره وأحكامه.
الولاية بأيّهما ألصق، بمعرفة الله أم بمعرفة أحكامه؟
بمعرفة الله لابمعرفة أحكامه.
لذا ثبت في صحيح مسلم أن رجلاً جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله أوصني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (قل ربي الله ثم استقم).
فالاستقامة عزيزة، والاستقامة مأمور بها العبد.
ولكن أنَّا للعبد أن يحقق الاستقامة على وجه الكمال الذي يحبه الله.
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
يقول النبي صل الله عليه وسلم: شَيَّبَتْنِي هُودٌ وأخَوَاتُها، رواه الترمذي.
الشيب الذي في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب امتثال هذه الآية.
يقول (ابن القيم) رحمه الله في (المدارج): الذي شيبه صلى الله عليه وسلم من سورة هود قول الله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
من سيد المستقيمين؟
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تأمل معي.
هناك أشياء ينبغي أن تكون حاضرة، ولا يجوز أبدًا أن تغيب عن الذهن.
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ.
من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم خير الخلق لا يمكن أن يستقيموا الاستقامة التامة إلا بالتوبة والإنابة المرة تلو المرة.
الله يقول: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ.
الاستقامة لا تكون إلا على أمره،
والاستقامة لا تكون إلا بامتثال الوحي.
الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ، كما أُنزلت عليك من أحكام.
الاستقامة لا تكون بأن تفهم دينك فهما بالفكر، وأن تقارع العلمانيين وغيرهم ، مقارعتهم هذا نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله، أن تقارع العلمانيين والمجرمين والبعيدين عن أحكام الله هو جهاد، لكن في سلوكك مع ربك وطريقك إليه لابد أن تعرف أحكامه، وأن تستقيم على أمر الله عز وجل.
قد يكون الطبع يحب العبادة، فتقع بسبب الطبع طغيانًا وزيادةً، والله جل في علاه قال: «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا»، استقم على الحد والوجه والطريقة والمقدار الذي يحبه الله عز وجل.
تأمل معي آيات أخرى في الاستقامة لتعلم أن هذا الأمر هو للنبي صلى الله عليه وسلم، وليس له بخاصة، وإنما هو أيضاً لأتباعه، الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ.
وهل الأمر الموجه للنبي صلى الله عليه وسلم يشمل سائر أفراد أمته؟
الجواب: في التأصيل العلمي، والمبحث الأصولي أن الأمر الموجه للنبي صلى الله عليه وسلم يشمل أمته ما لم تأتِ قرينة تبين أن هذا الأمر خاصٌ به صلى الله عليه وسلم.
قال الله عز وجل: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ.
قال: فاسْتَغْفِرُوهُ، الأمر للأمة الآن، «فاستقم» كان الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم، «فاستقيموا إليه» أصبح الآن الأمر لأمته، جاء بعد «واستقيموا» «فاستغفروه»، قوله: «فاستغفروه» في هذه الآية، كقوله في سورة هود: «ومن تاب معك».
الاستقامة عزيزة، والاستقامة صعبة، ولما كانت كذلك فالمستقيم يحتاج إلى الإستغفار دومًا، ومع هذا فكان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر في اليوم والليلة مائة مرة، وفي بعض الروايات أكثر من سبعين مرة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في ترقٍ دائم، فهو اليوم يستغفر من مقامه لأمس، فهو في ترقٍ مع الله عز وجل، منزلته عند الله ترتفع، وكلما مضى عليه يوم ارتفعت منزلته، فهو دائمًا يستغفر، اليوم يستغفر من مقام أمس، وغدًا يستغفر من مقام اليوم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دائما في ترقٍ.
أما سائر الناس فكما قال الله تعالى: لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ، بل من أشراط الساعة أن يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، يقع في تذبذب، حاله في أول النهار عندما يحضر الدرس غير حاله في آخر النهار عندما يقارع الناس أو يتساهل قليلا في شيء من التبقر والتوسع في المباحات أو بغفلة، فيجره هذا الأمر إلى والعياذ بالله تعالى إلى قساوة قلب وسوء حال مع الله عز وجل.
تأمل معي الآية مره أخرى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَاالله ثُمَّ اسْتَقَامُوا،موقع يوحى إلي في الآية هذه، كموقع كما أمرت في سورة هود، النبي عليه السلام يوحى إليه، ولا تكون الاستقامة إلا كما أمرت (إلا بالوحي)، إنما إلهكم إله واحد، إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين، الذين هم على نقيض الاستقامة بالكلية هم المشركون، لكن الاستقامة عزيزة،فاستغفروه.
ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: سددوا وقاربوا واعلموا أنكم لن تدخلوا الجنة بأعمالكم.
ما معنى سدد وقارب؟
يعني عندك هدف إن رميت سدد وقارب، لا تبعد، إذا ما استطعت أن تحقق الاستقامة فالتسديد والمقاربة، وهذا حال أغلب الناس، حال أغلب الناس التسديد والمقاربة، سددوا وقاربوا، فمن من لم يستطع منكم الاستقامة وأن يصيب عين الهدف فلا يبعد عن الهدف، فيسدد ويقارب ويرمي حوالي الهدف، ما يكون الهدف هناك ويرمي هناك، كحال كثير من المصلين، فكأنه أعور أو أعمى والعياذ بالله تعالى في سيره وطريقه إلى الله عز وجل، سدد وقارب، كن يقظًا، كن منتبهًا كن مبصرًا، فإن رميت وأردت الهدف، فإن ما أصبته لا تيأس، إذا ما حصلت الاستقامة على وجه التمام والكمال فلا تيأس، الشيطان يأتي لبعض الناس فيكبر له بعض المخالفات التي يقع فيها، ويحاول أن يجره إلى طريق الغواية، ويبعده عن طريق الاستقامة بالكلية، ويجعله ينسلخ منها لعسر إصابته عين الهدف، فالنبي عليه السلام قطع هذه الوساوس، وهذه المداخل على العبد بقوله صلى الله عليه وسلم: «سددوا وقاربوا»، فإذا ما استطعت أن تحصل عين الهدف، فسدد وقارب، واتقِ الله ربك، واحرص على الاستقامة.
فإذا الاستقامة تحتاج لمعرفة بالله، وأن يمتثل العبد آثار أسماء الله وصفاته سبحانه، ويحتاج أن يعرف شيئًا من أوامر الله، فقد تتحقق الاستقامة من غير العلماء، وقد لا يحقق العبد الاستقامة، لأن الاستقامة تحتاج إلى معرفة الله عز وجل، ومعرفة المكلف ما يحتاجه من أوامر الله عز وجل، ثم الاستقامة تحتاج إلى معتقد سديد ومعتقد سليم، وأن يعرف العبد الله جل في علاه، وأن يعلم أنه لا يغيب البتة عن بصر الله وعن سمع الله.
تأمل معي قوله تعالى: «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»، فالعبد الذي يعرف الله، والذي يقول ربي الله، ومعرفته بالله معرفه شرعية، هذا الذي يكرمه الله تعالى بالاستقامة،فالاستقامة أسُّها ولبها ومنبعها وأساسها الذي تنبني عليه أن تعرف الله تعالى بأسمائه وصفاته، ولا سيما أن تعلم أنك لا تغيب عن بصر الله عز وجل ولا عن سمعه «إنه بما تعملون بصير».