السؤال الأول:
يكثر السؤال هذه الأيام، في المجالس الخاصة والعامة، بين الجيران والأقارب والأصحاب والأحباب، من ننتخب؟
يا شيخ: من تنصحني أن أنتخب؟
الجواب:
وحق للناس أن يسألوا.
ولا يُنتظَرُ مني أن أُجيب بأن أوجه السائل إلى أن ينتخب شخصاً معينا بذاته، ولا حزباً ولا لائحةً معينةً.
الانتخابات هي صوت -وهي أمانة-، ويجب عليك أن تراعي هذه الأمانة، وأن تعطيها مستحقيها، فمراعاة العشيرة والقرابة في الشّرع ممنوع؛ فهذه جاهلية.
يعني: أنا أنتخب قريبي أو من هو من عشيرتي لأنه من عشيرتي، أو لأنه قريبي، وأنا أعلم من أحواله ما لا يؤهله أن يتكلم في قضايا الأمة بعامة !!!.
كذلك الحزب؛ لا يجوز للإنسان أن يتعصب لحزبه؛ وأن يُقدِّم الانتخابَ لمن هو من حزبه دون سواه.
فهذه كلها من الجاهليات التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: “ما بال دعوى الجاهلية، دعوها فإنها منتنة” السلسلة الصحيحة ٣١٥٥.
سمع النبي صلى الله عليه وسلم أنصاريا ومهاجرا لما نزغ الشّيطان بينهما فقال المهاجر: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار.
والأنصار والمهاجرون أشرف الأسماءِ ومن أشرف أسماء القبائل، و أشرف من أسماء الأحزاب.
قال تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} [التوبة: ١٠٠]، اسم ذكره الله عزَّ وجل في كتابه في معرض الامتنان.
فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم كُلاً يتعصّبُ لقبيلتِه قال: “أجاهليةٌ وأنا بين ظهرانِيكم”.
فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا التعصب جاهلية.
من أردء وأسوأ الأخلاق، وأسوأ الممارسات التي ينبغي لصاحبها أن يعاقب بالحرمان، وأن يعامل على نقيضِ قصده: ذاك الإنسان المجرم الذي يشتري أصوات الناس بالمال، هذا الذي يشتري أصوات الناس بالمال هو ليس أهلاً أصلاً من أن يتكلم في قضايا الأمة، هذا الإنسانُ خائن؛ خائن لله وخائنٌ لرسولِه -صلى الله عليه وسلم- وخائن لقضايا الأمة.
وكذلك مثله وزيادة الّذي لا ينتخب إلا بالمال.
بعض الناس يبحث كم تدفع؟
يقال له: مائة دينار.
فيقول: لا؛ أنا أقدم صوتي لصاحب المائة وخمسين، وجاء واحد زادني مئتين أقدمه، وهكذا.
فهذا من الجرم، وهذا المال أكله عند الله حرام، وهو أكل مال بالباطل، ودفع المال للوصول إلى المجالس النيابية وشراء ذمم الناس من الجرائمِ ومن الكبائر الّتي لا يحبُّها الله سبحانه وتعالى ولا رسولُه.
من ننتخب؟
لا تنتخب الصالح فقط، الصالح -كما كان يذكُر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في السياسة الشرعية-:
بعض الناس عاجز.
يعجز على أن يدير قضايا الأمة، لا يعرف أن يخدم قضايا الأمة، وهو في نفسه على صلاح.
يقول شيخ الإسلام: فعجزه عن قضايا الأُمة وصلاحه لنفسه؛ فالأمة ما استفادت من صلاحه.
فليست العبرة بالصلاح فأن يكون تقيا وأن يكون -مثلاً- ورعاً من أهل المسجد الصلوات الخمس هذا أمرٌ مهم، لكن ليس هذا هو المعيار فقط، المعيار أن تنتخب من يفيد النّاس ومن يفيد الأُمّة، من يدافع عن قضايا الأمة.
لو عندنا اثنين، رجل أكثر من الآخر في الصلاح وعاجز عن خدمة الأُمة، وآخر يقدر على خدمة الأُمة ولكن صلاحه أدنى من الأول، فالثاني أحق بالصوت من الأول.
وأولاً وأخيراً: {بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره}[القيامة: ١٤-١٥]، الله يعلم منك مقصدك من هذا الرجل دون سواه.
إن علمت رجلاً يخدم الناس ويخدم قضايا المؤمنين العامة، وما أحوجنا لمثل ذلك، ونحن ولله الحمد والمنة في بلادنا المباركة بلاد الشام نحن من فضل الله علينا أننا أهل سُنة جميعاً، والأثر المترتب على الانتخابات ليس خطيرا كخطورة ذاك الأثر المترتب على البلاد التي فيها شيعة، البلاد التي فيها شيعة كالكويت والبحرين لما تصبح فيها انتخابات يصبح الأمر فيها من المهمات.
وقد أخطأ كثير من طلبة العلم والمشايخ عندما كانت الفتن تعصف بالعراق الجريح -أسأل الله أن يرده إلى أهل السُّنة وأن يدحر أولئك القوم-، العراق لما جرى فيه ما جرى، بعض الأخوة كانوا يقولون للعراقيين لا تنتخبوا، وجرى ماجرى ثم أُقصِيَ أهل السُّنة بالكلية.
نحن في بلادنا نحن ولله الحمد والمنة بلاد سُنة وكلنا في الأردن أهل سُنة، ولا يوجد بيننا شيعة أبدًا.
أصلاً بلاد الأردن من فضل الله تعالى ما فيها ولا شيعي واحد، ومن تَشيَّع من بلادنا إنما تشيَّع لغرض ولمطمع ولعرض ولدنيا فانية.
أما بلادنا ولله الحمد والمنة بلاد سُنة، وموضوع الانتخابات حتى لو أن بعض الذين نزلوا للانتخابات وكانوا على مقدرة بأن يخدموا قضايا الناس العامة وما كانوا متديّنين فما يترتب كبير أثر.
فمبادئنا وثوابتنا وحبّنا لأصحاب نبينا -صلى الله عليه وسلم- وديننا وطريقة فهم ديننا إن شاء الله في بلادنا في أمان، ولا تقلقوا مما يظهر هنا وهناك في بعض الأحايين: (عبدة شيطان، وقصص، وحكايات) هذه كلها طارئة على بلادنا، وطارئة على طبيعة أهلنا.
كم من إنسان تراه فاجراً، فتراه فجأة ولله الحمد من أهل المسجد.
كم من امرأة تراها متبرجة، فجأة تراها صالحة.
لكننا حقيقة نحن مقصرون في الدعوة إلى الله.
أنا أقول دوما لإخواني غيرنا أنشط منا في الدعوة إلى الله عز وجل.
فرصة ثمينة ما تجلس مجلسا إلا وتدعو إلى ربك عزّّ وجل، وأن تكون حريصاً على أن تنشر الدين بين الناس، ولله الحمد والمنة، لا يمنعك أحد من أن تأمر وتنهى وأن تُذكّر الناس، ولله الحمد والمنة هذه البيئة بيئة طيبة، وبيئة مباركة، أسأل الله جلَّ في عُلاه أن يحفظ علينا هذه النعمة وأن يبقيها.
فلا تنتخب شخصاً معيناً.
أُنظر إلى من تنتخبه.
هل هو أمين؟
هل هو قوي؟
يعني المصالح لا تغيره ولا تبدله وليس صاحب مصالح، بل صاحب مبادئ ويقدم المبدأ على المصلحة.
هل هو أمين؟
هذا هو المحور الأول.
المحور الثاني:
أن يكون قويا، لا يكون ضعيفا.
ممكن يكون إنسان قوته تأتي مع عشيرته، فهذا وارد، وما أحسن أن تجتمع عدة أبواب للقوة في الإنسان، مثلاً أن يكون وجيهاً، وأن يكون من عشيرة قوية، وأن يكون مثلاً صاحب مال، صاحب علم، صاحب رأي، صاحب فهم؛ فإذا اجتمعت هذه فهي القوة.
القوة تحتاج إلى قوة تصور، وفهم، وقوة موقف، لكن تكون المبادىء مقدَّمة على المصلحة؛ بعض الناس يعمل لمصلحته، يدخل ويخرج ولا يفكر إلا بنفسه، ويحرم على كل من قدم نفسه ليحقّق مآربه الشخصية، ومصالحه الشخصية؛ فيحرم انتخابه، ويحرم في حقه أن يرشح نفسه للانتخابات.
الأصل في مثل هذه المجالس أن تخدم الأُمّةَ، وقضايا الأمة المصيرية فنحن في فترة عصيبة أسأل الله أن يبعد الفتن عنا.
سائل يقول:
بعض الإخوة يقول أنا لا أريد أن انتخب أحداً؟
الجواب:
إذا كنت لا تعرف أحداً، فلا تنتخب أحداً.
لكن الإنسان كما يقول ابن خلدون مدني واجتماعي بطبعه.
ماذا يعني اجتماعي؟
يعيش في المجتمع ويعرف ماذا يجري، ويعرف هذا وذاك.
ينبغي على المسلم أن يكون حريصاً على دينه، وحريص على أن يرشح من يخدمه.
مثلاً إذا تم التصويت على أشياء محرمة فلا يفعل ديانة وخوفاً من الله عز وجل.
بعض الناس مفسدون، فلا نترك المجال للمُفسدين، ولا لأصحاب الأهواء والشهوات ولا للشياطين.
ينبغي أن يكون في هذا الميدان من يتق الله عزَّ وجل ومن يقول هذا حرام وهذا لا يجوز، إلى آخره.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
22 ذو القعدة 1437 هجري
2016 – 8 – 26 افرنجي
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
22 ذو القعدة 1437 هجري
2016 – 8 – 26 افرنجي
↩ رابط الفتوى:
◀ خدمة الدّرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان .✍✍🏻