( بعض التنبيهات في أحكام الجنائز)
[ العجلة في دفن الميت / أجر اتباع الجنازة / حال الناس أثناء اتباع الجنازة وعند دفنها ]
جاء في الحديث الصحيح:
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ, فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ, وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
قال الشيخ مشهور بن حسن شارحاً:
سبحان الله!
لما يموت الإنسان ينسي الله تعالى أحبابه وأعز الناس عليه اسمه فيصبح الناس يقولون أين الجثة؟
لا يقولون أين فلان؟
ولا أين أبو فلان ؟
سبحان الله!
والنسيان نعمة من الله -عز وجل- ، ويلقي الله جل في علاه في قلوب أحب الناس إليه أن يكونوا هم أول من يحرص على دفنه ومواراته تحت التراب ، وهذا دلالة على قيمة الإنسان متى خرجت روحه لا يطيق أحدٌ أن يبقى عنده ، وإنما يتعجل أن يبقى في التراب ، فاعمل عملاً تكون في خلوتك الدائمة إلى أن تقوم الساعة ؛ تجد مؤنساً لك ، إرضي ربك سبحانه ، حتى تأنس به ، وحتى تنعم بالنعيم الذي عنده.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
«أسرعوا بالجنازة».
الأصل في الأمر هو الوجوب ، الجماهير حملوا الأمر على الندب ، وابن حزم حمله على القاعدة المعروفة قال أسرعوا بالجنازة فرض الإسراع ولا يجوز ألا نسرع في الجنازة ، والإسراع أن ندفنه مباشرة ، يعني مات الصباح الباكر الساعة السابعة ، فلماذا نبقيه لبعد الظهر؟
ما أسرعنا ، ما لبينا ، ما امتثلنا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أسرعوا.
الناس يؤجلون لصلاة الظهر لأن أقاربه لا يصلون ، وعدم الصلاة شر ، والشر لا يأتي بخير ، الشر لا يأتي إلا بشر ، والخير لا يأتي إلا بخير ، فالخير لا يأتي بشر ، والشر لا يأتي بخير ، فالأصل المسارعة في الدفن لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- أسرعوا.
ذكر ابن الرفعة في كتاب “المطلب العالي شرح وسيط الغزالي” ، حقق في الجامعة الإسلامية في 100 ومجلدتين ، والله يسر لي نسخة منه نال به 100 شخص وشخصان رسائل الدكتوراه والماجستير ، كتاب واحد “المطلب العالي”.
فلما قرأت مبحث الجنائز في هذا الكتاب يذكر ابن الرفعه يقول دخل العز بن عبد السلام ليخطب الجمعة ويصلي ، فوجد أناساً بجانب ميت لهم ، فقال لهم :
لما لا تدفنونه؟
قال جئنا للمسجد نصلي عليه نصلي الجمعة ثم ندفنه ، قال لا أخرجوا وادفنوه ، لا تتأخروا ، اخرجوا لا تبقوا معنا ، لا تصلون معنا الجمعة.
يعني لو مات لك ميت في وقت الجمعة ؛ لك عذر شرعي أن تمتثل قول النبي أسرعوا بالجنائز ، ولا تصلي الجمعة.
انظر إلى هذه الحادثة وانظر إلى حادثة تأخير الناس في صلاتهم على أحبابهم ، والله ليسوا أحبابا لهم لو كانوا أحبابا لهم لتعجلوا بالدفن ، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم قال أسرعوا بالجنازة ، فإن تكن صالحة فخيرٌ تقدمونها له ، وإذا كانت ليست كذلك في الحديث ؛ سوى ذلك شر تضعونه عن رقابكم.
فكيفما كان تعجل في الصلاة ، وكذلك يشمل الإسراع أن تمشي بها مشياً وسطاً ، بين المشي المعتاد وبين السعي ، لا تسعى امشي لا تمش مشا بطيئاً ، ليكن قبل الركض بقليل ، إسراع دون ركض ، أن تسرع على وجه لا تصل فيه إلى الركض ، إلى السعي ، والسعي هو أول الركض ، فأسرع إسراعاً شديداً.
لو مات الرجل ليلاً ؛ هل نسرع؟
إذا تغيَّـر ؛ نعم نسرع وندفنه ليلاً ، وثبت أن أبا بكر وفاطمة دفنا ليلاً.
إن لم يتغير ؛ لا نسرع ، ندفنه نهاراً ، لأن الدفن في الليل مكروه في أصله ، إلا أن وقع التغيُّـر ، وكان شيخنا الألباني -رحمه الله- يذكر ضابطاً مهماً فكان يقول:
متى احتاج الإنسان أن يوضع في الثلاجة ؛ جاز دفنه ليلاً.
لا نضع الميت في الثلاجة ، متى احتجنا لوضعه في الثلاجة ؛ ندفنه ليلاً ، وأما إن كان الجو لا يقع فيه تغيير للميت ، كالليالي الباردة ؛ فحينئذ ندفنه نهاراً ، ولا ندفنه ليلاً.
والأصل في الدفن إكرام الميت بالإسراع في دفنه ، وأخذوا هذا من قول الله عز وجل:
{ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس : 21]
أتت الآية ( ثم أماته فـ أقبره) ، وليس أماته ثم أقبره.
وأما الحديث الذي فيه أن إكرام الميت العجلة في دفنه ؛ فهذا حديث لا أصل له.
معناه صحيح ولكن لا يوجد له إسناد عند المحدثين.
٥٦٩ – وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا ⦗١٦٤⦘ فَلَهُ قِيرَاطٌ, وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ». قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ? قَالَ: «مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ: «حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ».
وَلِلْبُخَارِيِّ: «مَنْ تَبِعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا, وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطَيْنِ, كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ».
قال الشيخ مشهور بن حسن شارحاً:
مما ينبغي أن يذكر وفاتنا في الإسراع في الجنازة أن بعض الناس يدب دبيب النمل في حمله للجنازة ، ويمشي خطوة خطوة مخالفاً لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- أسرعوا بالجنازة ، وهذا من البدع ، وهذه العادة أن يدب الإنسان وأن يمشي خطوة خطوة بأنه هذه عادة أهل الكتاب في الجنازة ، وليست عادة أهل السنة وهذا أمرا فيه مخالفة.
متى نلغي أسرعوا بالجنازة؟
سبق الجواب إذا مات الإنسان فجأة ، حتى نتحقق من وفاته أو لغرض معتبر يعني مثلاً إنسان مات في حادث جنائي ، وحتى نعرف من القاتل نؤخر دفنه ، فلا حرج في هذا التأخير أو قدوم عزيز عليه ، وهو في الطريق تعجَّل لكن بعد ما وصل ، لا حرج في ذلك ، أما يقال فلان إنه في أمريكا أو في أوروبا والله الحجز بعد أسبوع ، وخلوه في الثلاجة أسبوعاً !
هذا التطويل يخالف السنة ، قولاً واحداً ، ولعل الولد فاجر فاسق أزعجه القدوم للصلاة على أبيه ، وهذا وارد في هذا الزمان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
«مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ»
حصول الأجر أولاً على الصلاة ، الشرط أولاً تصلي عليه ، فإن أردتَ الزيادة فحينئذ تتبعها ، الأجر متوقف على الصلاة عليه.
«وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ»
فإن تابع بعد الصلاة عليها حتى توصل للمقبرة وتدفن ؛ فهذا له قيراطان.
فسأل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما القرطان؟
فقال مثل الجبلين العظيمين.
هذا الحديث ثبت عن 12 من الصحابة رضوان الله تعالى عليه وسمع هذا الحديث ابن عمر من عائشة لما سمعه من أبي هريرة :
(قيراط) مثل أحد.
و جبل أحد ممتد من شرقي المدينة إلى غربيها من جهة الشمال ، والآن العمران توسع ، وأصبح أقرب شيء على أُحد حي الشهيد ، وسمي حي الشهيد نسبه إلى حمزة عم النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ابن عمر استغرب فزار عائشة وسألها عما يحدث به أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- ، فقالت له إيه صدق أبي هريرة ، فقال -رضي الله تعالى عنه- كما في الصحيح :
لقد فرطنا في قراريط كثيرة.
من لم يعرف هذا الحديث ؛ فرط في قراريط كثيرة.
احرص يا عبد الله على أن تصلي على الجنازة ، واحرص على أن تتبعها ، حتى يحصل لك القيراطان.
الإنسان ليس دائماً نشيطا في قيام الليل والصيام وتلاوة القرآن ، فهذا يعوض ، فلو عندك شيئ من كسل ؛ تذكر الآخرة واذهب للقبر ، واتبع ، وازجر هذه النفس ، وقل لها يا نفس ستدفنين مثل هذا الميت ، اثبتي على ما أنت عليه من خير من عبادة.
لذا قال العلماء كلاماً عجيباً في هذا الحديث ، قالوا اتباع الجنازة على ثلاثة ضروب ، الضرب الأول :
يتبعها من أين؟
اليوم اتباع من أين؟
الجواب: من المسجد ، وثبت معنا في الدرس الماضي أن الصلاة في المسجد لم تكن هي الأصل كانوا يصلون عليها في المصليات.
طيب كيف تتبع جنازة ومن أين؟
الجواب: من بيتها ، اتباع الجنازة حتى تحصل على القيراط تكون من بيتها ، من المكان الذي تخرج منه ، وفي أغلب الصور هذه الأيام قد يكون من المستشفى.
من المكان الذي تخرج منه للصلاة عليها ، وليس من المسجد ، من صلى على الجنازة في المسجد له أجر ، لكن أجر القيراط يكون من حيث تخرج ، هذا الأمر الأول الأمر.
الثاني:
أن يتبعها إلى القبر والأحسن من هذين الأمرين ؛ الأمر الثالث ، وهو أن يبقى قائماً عندها يدعو بمقدار ذبح جزور ، وأن يشارك في الدفن ، أن يشارك الناس في الدفن هذا الأمر الثالث.
إذا عندنا المرحلة الأولى الصلاة وله قيراط ، الاتباع له قيراطان ، أمر زائد أن تشارك في الدفن ، وأن تبقى بعد الدفن.
فهذه ثلاثة مراحل ولكل مرحلة أجر أكثر من الأجر الذي قبلها.
في رواية في البخاري وهي مهمة جداً ، وكثير من الناس يغفل عنها ، وسيأتينا نوع من توسيع بهذا الشرط ، يأتينا إن شاء الله بعد قليل.
قال صلى الله عليه وسلم:
من تبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا.
تخرج للجنازة من أجل حق الميت ، لا من أجل الجاه والمال والغنى للأحياء ، تخرج للصلاة على الجنازة من أجل الميت أم من أجل الأحياء؟
خروج الجنازة من حق المسلم ، فالمسلم مات فله حق عليك أن تخرج في جنازته ، والناس اليوم يخرجون للجنازة ولا يستحضرون الإيمان والاحتساب والنية الصالحة.
لذا قال الفقهاء من دعي إلى وليمة عرس ، فرأى منكراً ؛ فالواجب عليه أن يغادر العرس والوليمة ، بسبب المنكر ، وقالوا من تبع جنازة فرأى منكراً ؛ لا يشرع له أن يرجع لأن المنكَر من فعل الأحياء ، وهو يؤدي حق الميت ، وهو لا يلتفت للأحياء.
الناس اليوم في جنائزهم يخرجون مبتسمين يضحكون يمزحون لا ينزل الهاتف عنهم ، وبعضهم يدخن في الجنازة ، فيؤذي كل الأرواح ، وأوصى عمرو بن العاص صحيح مسلم ألا يتبعه نار ، فالنار تؤذي الأرواح كلها ، فالذي يدخن في المقبرة هذا يؤذي جميع الأرواح ، والناس تأتي إلى الجنائز وكأنها من متاع الدنيا ، وكأنها ليست من الآخرة.
كانوا إذا ذهبوا للجنازة لا ينتفع بهم أحد مدة شهر ، سادهم الحزن ، ولذا أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثروا من ذكر هادم من اللذات.
المصدر:
المحاضرة الثالثة لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله ، من كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام ت الزهيري ، لابن حجر العسقلاني رحمه الله.
الموافق :
هجري 10 محرم 1447 –
ميلادي 05 يوليو 2025.✍️✍️
◀️ رابط الفتوى: