هل من نصيحة توجهونها لطلبة العلم إذا كان أحد عنده قلم سيّال، ويحبّ التّأليف، بدل أن يجعل همّه في التّأليف يجعل هذا الهمّ في التّحقيق.

بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالمين، و صلّى الله على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا، *وبعد:*

ما عندي -صراحة- كلمة وسط مشايخنا الكرام، ولكن أريد أن أفتح موضوعًا يُحبّه الشّيخ مشهور، لعلّه إن شاء الله هو الّذي يفيض في هذا الموضوع، تكلمنا قبل قليل -في البيت- عن المخطوطات -أحسن الله اليكم- و أذكر كلامًا لعلّكم قرأتموه للشّيخ المحدّث العلّامة أحمد شاكر -رحمه الله تعالى-، قال: إنّ المخطوط الّذي خرج -تقريبًا بمعنى كلامه- لا يتجاوز العشرة بالمئة، وتسعون بالمئة من المخطوط غير موجود -الآن-، وغير مطبوع.
فهل من نصيحة توجهونها لطلبة العلم إذا كان أحد عنده قلم سيّال، ويحبّ التّأليف، بدل أن يجعل همّه في التّأليف يجعل هذا الهمّ في التّحقيق.

جزاك الله خيرًا..
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه، أمّا بعد:
أخونا -جزاه الله خيرًا- فتح بابًا واسعًا، المخطوطات كثيرة -كما هو معلوم-، وهنالك مؤامرة على الأمّة، و من المؤامرة على الأمّة التزهيد في تحقيق المخطوطات، واليوم حتّى رسائل التّرقية يُؤذن لمن ينال التّرقية لدرجة الأُستاذية ببحثٍ واحدٍ يكون في المخطوط -دون سواه-، وهذه مصيبة من المصائب، إلى آخره…
المخطوط يحتاج الى أشياء كثيرة، وأبواب عديدة، ولو قلت جواب سؤال الأخ العلمي يحتاج الى مؤتمر، لا أقول إلى ندوة أقول يحتاج إلى مؤتمر؛ لما أبعدت النُّجعة، وينبغي الاستفادة من الوسائل العصرية، ومن الاستفادة من الوسائل العصرية عندي شقّان مهمّان:

الشّق الأول:
سبحان الله! كنتُ أتكلم مع أخ يفهم في البرمجة، أحيانًا الّذي يحقّق المخطوط يترسّم كلمة، كلمة حينً يترسّمها يتيقّن على حرفين أو ثلاثة، والكلمة ما صلحت معه، يعني: هو يجزم أن الكلمة -مثلًا- من أربعة حروف، ويجزم أن الحرف الأول كذا، والثّالث كذا، والرّابع كذا، الثّاني يتردّد فيه، أو الثاني كذا، والثّالث يتردّد فيه، أو الحرف الأخير يتردّد فيه، فقلت مرّة لأخ مبرمج : يا ليت تربط برنامج حاسوبي على القواميس العربيّة، فأضع الحرفين أو الثّلاثة الّتي أنا متيقّن عليهم، والقاموس يظهر لي كل الاحتمالات الباقية مع معانيها.
فهذا أو حل عقبة من عقبات تحقيق المخطوط.
العقبة الكبرى التي حالت دون الاستفادة من عدد كبير من المخطوطات: (مخطوطات المجاهيل).
المخطوطة المجهولة، وقد تكون بعض المخطوطات المجاهيل -وهذا عندي عليه أمثلة عديدة- قد تصل إلى المئات، مخطوط واحد بخط شخص واحد، أجزاء متعدّدة كلّ جزء في بلد، نفس المخطوط نفس المؤلف نفس الكتاب، قد تظفر باسم المخطوط على الغلاف الأول، لكن الأجزاء الأُخرى تكون غير معروفة، لو كان الأمر إليّٙ في الجامعات الأكاديميّة؛ لعملت ورشة في استكشاف المخطوطات المجهولة، ومحاولة ردّها إلى أصحابها عبر المعطيات الموجودة -اليوم- في الحاسوب.
بعض إخوانّٙا كان يعمل معي، وهو ذكيّ جدًّا في الحاسوب، اقترحت عليه أمرًا، وهذا الأمر أخذ عليه الدكتوراة، بل بعض الجامعات السّعودية هي الّتي طلبته أن يقدّم الدكتوراه عندهم -على خلاف العادة-، يعني: لمّا سمعوه يتكلّم، ومثّل المملكة في مؤتمرات عديدة في خارج المملكة، في تركيا وغيرها… بهذا الموضوع، الموضوع أنّك تستطيع أن تعمل برنامج تُغَذّيه بأكبر كمّ من خطوط العلماء، ثمّ تُدخل على هذا البرنامج خطّ غير معروف، فالبرنامج يقول لك: هذا خطّ فلان، وهذا الخطّ لفلان، والأمر ممكن، والأخ كان عنده عقبة، كانت العقبة عنده أنّي -أنا- أحتاج خطوط علماء كُثُر، وكانت المخطوطات آنذاك (في وقت دراسة هذا العمل) كانت الخطوط قليلة، فالأخ اضطر أن يحصر نفسه بألف خط، فكنّا في منى، فجاءنا وافد، فقال: السّيد جمعة الماجد عندنا، و هو صاحب المكتبة المعروفة، الرّجل الثري الّذي خدم الإسلام خدمة عظيمة، أسأل الله -عزّ وجلّ- أن يتقبّل منه، وأن يجعل خدمته في ميزان أعماله ، فزرنا السّيد جمعة الماجد، وقلنا له ، من تقدير الله -تعالى- كان بجانبه ضيفٌ عنده، رجل مسئول عن الأمن في دبي، فلمّا اقترحنا الفكرة؛ قال: هذا المشروع عندنا نحن في الأمن، هذا المشروع عندنا.
لماذا عندكم؟
قال: كلّ جريمة فيها قصاصة ورق نضعها على البرنامج، فيخرح لنا من هو المجرم (من صاحبها)، سبحان الله! فقال: هذا البرنامج كوعاء موجود، كإناء موجود، هذا الأخ دارت به الدّنيا، فذهب إلى أمريكا، فيقول لي: أكبر مستفيد من هذا البرنامج دوائر الأمن الأمريكية هي الّتي تستفيد من هذا، فهذا موضوع المخطوط المجهول.
أنا العبد الضّعيف أُقدر المخطوطات، وعندي هاردات، وعندي -من فضل الله- كميّات كبيرة من المخطوطات، المخطوط الّذي أكتشفه؛ أسحبه وأكتب عليه اسمه، ويكون في الهارد، وفي فهارس، إذا كانت المكتبة مفهرسة في فهرسة الهارد يكون المخطوط مجهول، فاستطعت أن أجد ثلاث مجلدات من كتاب -مثلًا- “جامع الاصول” لابن الأثير بخط ابن الأثير، والمخطوط في المكتبة مجهول (غير معروف)، والنّسخة بعد البحث تبيّن أنّها لابن الأثير وبخطّه، وهذا مثل من أمثلة كثيرة -وكثيرة جدًا.

الشّاهد:
لسنا بحاجة -فقط- إلى جهود المحقّقين، بحاجة إلى جنود ممّن جمع الله له حبّ الشّرع، وخدمة التّراث، ومعرفة الوسائل الحديثة، الّتي تعين في استكشاف المخطوط.

أمّا موضوع التّحقيق فنحن بحاجة إلى ورشات، وبحاجة إلى دورات، وبحاجة إلى رفع مستويات.
حقيقة التّحقيق بدأ قويًّا، وبدأ بفرسان، وبدأ بأئمّة كبار، وبأئمّة متفنّنين، وانتهى التّحقيق في هذا الزّمان على وجه يندى له الجبين، إلّا إذا استثنيت ثُلّة قليلة من العارفين، ولو أردت أن أسرد لكم أمثلة على مثل هذا لكان عجبًا، الأمثلة مضحكة، حتّى خَطَرَ في بالي أن أكتب أضحك مع المحقّقين، شيء من أعجب ما يمكن، تضحك كثيرًا وأنت تقرأ على بعض التّعليقات، والكلام في هذا طويل، لكن التّحقيق مهمّ، ويحتاج إلى صبر، و إلى جلد، ويحتاج إلى رفع مستويات، ويحتاج المحقّق إلى ما يسمّى: بالمعرفة الدّؤوبة الّتي لا تخصّ فنًا، أنت كمؤلف، الشّيء الصّعب تلغيه (تتجاوز عنه)، لكن أنت وأنت محقّق ينبغي أن تسير على أسنان المشط متابعًا المؤلفَ في كلّ فقرة يقولها، ويُظهر عيبك، وعدم تفنّنك في مواطن كثيرة -إذا تعجّلت-، يعني: كلّ جزئيّة لا بدّ أن تفهمها، ولا بدّ أن تعلّق عليها، ولا بدّ أن ترسمها صحيحة وصوابًا، فللأسف من خيانات بعض المحقّقين في هذا الزّمان الأشياء الّتي لا يحسن قراءتها، أو لا يُحسن فهمها يحذفها ، وهذا -والعياذ بالله تعالى- أردأ وأسوأ آفة من الآفات في التّعامل مع المخطوط، أنّ يصبح فيه حذف، فالحاجة للتّحقيق حاجة مهمّة وكبيرة.
 

↩️ الرابط:

هل من نصيحة توجهونها لطلبة العلم إذا كان أحد عنده قلم سيّال، ويحبّ التّأليف، بدل أن يجعل همّه في التّأليف يجعل هذا الهمّ في التّحقيق.

⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.

📥 للاشتراك:
• واتس آب: ‎+962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor