السؤل: حول البدعة ومعنى كلام الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- لما قال: البدعة بدعتان محمودةٌ ومذمومة، قال: فما وافق السُنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم. ويُذكر في ألفاظ أُخر، كمثل مثلاً ما أُحدث يُخالف الكتاب أو السُنة أو أثراً أو إجماعاً فهو بدعة ضلالة، وما أُحدث من الخير – هكذا يقول الإمام- وما أُحدث من الخير ولا يخفاكم هذا شيخنا لا يُخالف شيئاً من ذلك فهو محمودة غير مذمومة شيخنا معنى كلام الإمام الشافعي. وهل هذا يدل على أن هناك بدعٌ حسنة في الشريعة؟ ونحن نعلم شيخنا أن للإمام كلام آخر في قضية الاستحسان. فما هو القول وما هو الجمع في هذا و ما معنى كلام الإمام الشافعي هذا شيخنا؟

السؤل: حول البدعة ومعنى كلام الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- لما قال: البدعة بدعتان محمودةٌ ومذمومة، قال: فما وافق السُنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم.
ويُذكر في ألفاظ أُخر، كمثل مثلاً ما أُحدث يُخالف الكتاب أو السُنة أو أثراً أو إجماعاً فهو بدعة ضلالة، وما أُحدث من الخير – هكذا يقول الإمام- وما أُحدث من الخير ولا يخفاكم هذا شيخنا لا يُخالف شيئاً من ذلك فهو محمودة غير مذمومة شيخنا معنى كلام الإمام الشافعي.
وهل هذا يدل على أن هناك بدعٌ حسنة في الشريعة؟ ونحن نعلم شيخنا أن للإمام كلام آخر في قضية الاستحسان.
فما هو القول وما هو الجمع في هذا و ما معنى كلام الإمام الشافعي هذا شيخنا؟

الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
الكلام طويل وله ذيول وأنت نوّهت في آخر الكلمة أن للإمام الشافعي -رحمه الله- كلمة بخلافه في الاستحسان، وأُثر عنه أنه قال: (من استحسن فقد شَرّع).
وعلماء الأصول يُرجّحون فقد شَرَع، وليس بتشديد الراء ولم تذكر هذه العبارة في كتبه -رحمه الله تعالى-.

أمّا الجواب المباشر على السؤال: فالبدعة يُنظرُ في مُراد مُطْلِقها، فمن أدخل الدُنيويات فحينئذ لا بد أن تكون البدعة قسمين كما قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-.

وممن تبنى هذا القول وفصّله وطوّله ومثّل عليه شديداً الإمام العز بن عبد السلام -رحمه الله تعالى- في كتابه الجيد (قواعد الأحكام) .

فقد ذكر في (قواعد الأحكام) أن البدعة تعتريها الأحكام الخمسة، ومثّل على هذا بأشياء كثيرة.

والناظر في هذه الأمثلة يعلم أن المُراد من البدعة الشيء المحدث مطلق الإحداث، لم يكن له عند السابقين أصل، فمثّل عليه بالتوسّع في المآكل والمشارب وبناء القناطر، إحداث الروض، والأربطة على الحدود والمدارس والمناخل -المناخل يعني التي ينخل فيها القمح وترقيق الخبز-، إلى آخر ما مثّل به على هذه الأشياء.

ولايخفى علينا ولا يجوز لنا أن نذهب بعيداً وقد ثبت عند البخاري أن عمر -رضي الله تعالى- عنه لما جمع الناس على التراويح قال: “نعم البدعة هذه” البخاري ٢٠١٠.

فعن عبدالرحمن بن عبد القاري قال خَرَجْتُ مع عُمَرَ بنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، لَيْلَةً في رَمَضانَ إلى المَسْجِدِ، فَإِذا النّاسُ أوْزاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، ويُصَلِّي الرَّجُلُ فيُصَلِّي بصَلاتِهِ الرَّهْطُ، فَقالَ عُمَرُ: إنِّي أرى لو جَمَعْتُ هَؤُلاءِ على قارِئٍ واحِدٍ، لَكانَ أمْثَلَ ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمعهُمْ على أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ معهُ لَيْلَةً أُخْرى، والنّاسُ يُصَلُّونَ بصَلاةِ قارِئِهِمْ، قالَ عُمَرُ: *نِعْمَ البِدْعَةُ هذِه*، والَّتي يَنامُونَ عَنْها أفْضَلُ مِنَ الَّتي يَقُومُونَ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وكانَ النّاسُ يَقُومُونَ أوَّلَهُ). صحيح البخاري ٢٠١٠.
فهذا المراد بالبدعة الذي ليس له من جميع الجوانب نظير عند السابقين.

فالبدعة شرعية بمعنى: الطريقة المضادّة للشريعة من حيث ماجاءت في الشريعة، فهذه مذمومة كُلها، وأما البدعة بالمعنى اللغوي فحينئذ يشملها الأمرين.

وتلقّف كلام العز تلقّفاً حسناً وفصّل فيه وطوّل فيه تلميذه القرافي المالكي وذكر هذا طويلاً في كتابه (الفروق).

والآثار والأحاديث الصحيحة كحديث جابر عند مسلم في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “كل بدعة ضلالة” مسلم ٨٦٧.
فقال: (كل)، والمراد ها هنا بالبدعة الشرعية.

فكل بدعة شرعية عند الإمام الشافعي، وعند العز وغيرهما ممن أخذوا التأصيل الذي ذكره الإمام الشافعي، وهذا يؤكد ما قلناه من أن المراد بالبدعة مُطلق الإحداث، ومُطلق الإحداث بعضه مصالح مُرسلة وبعضه وسائل، والواجب لا يتحقق إلا بها، كالأربطة مثلاً على الثغور، فالجهاد في سبيل الله ودرء العدو ودفعه لايتحقق إلا بهذه الوسائل، وهذا كلام الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى-.

وكذلك ماروي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال: ( كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة). أخرجه ابن نصر المروزي (رقم: 83) واللالكائي في شرح أصول الإعتقاد (1/ رقم: 126) وابن بطة في “الإبانة” (رقم: 205) والبيهقي في المدخل، (رقم: 191).

فإذاً: -بارك الله فيك- حَمْل مُراد الإمام الشافعي، ومَن أخذ كلامه، وتنزيل هذا الكلام على بدع بمعنى أنها لم تحدث في الشرع وتُفعل تعبُّداً، فهذا كلام قطعاً باطل.

وفصّل في هذا وطوّل وناقش وما ترك شيئاً الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى- في كتابه العظيم (الاعتصام).

فمثلاً: كتاب الشاطبي في (الاعتصام) في الجزء الثاني صفحة (٣٢٢)يقول -رحمه الله تعالى- وكأنه يتكلم عن القرافي: إنما اتبع شيخه في هذا التقسيم من غير تأمّل، فإن ابن عبد السلام ظاهرٌ من كلامه، أنه سمّى المصالح المرسلة بدعاً، بناءً على أنها لم تدخل أعيانها تحت النصوص المعينة، وإن كانت تُلائم قواعد الشرع، وذَكر الأمثلة وفصّل فيها تفصيلاً جيداً وحمَل كلام عمر -رضي الله تعالى عنه- على أنه ما أحدث الصلاة، وإنما أحدث الاجتماع الدائم، والذي فيه الإذن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ترك هذا الاجتماع، مَخافة أن يُفرض على أُمّته كما ثبت ذلك في الصحيح، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
“أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا “.
البخاري ٩٢٤، مسلم ٧٦١.

وبالتالي: من قال أن في الدين بدعة حسنة.
قلنا له: هات مثالاً، وهذا المثال يكون مما ورد في الشرع ومما نص عليه الإمام الشافعي -رحمه الله-، أو ممن تلقوا كلامه بأنهم يقولون البدعة حسنة في الشرع أي في التشريع، وهذا واضح جداً من خلال النظر في فتاوى العز بن عبد السلام، وطُبع للعز بن عبد السلام الفتاوى الموصلية، التي سُئل عنها في الموصل، والفتاوى المصرية، ولو تأملت أجوبته على هذه الأسئلة لعلمت أن مُراده من البدعة، مُطلق اللغة.

فمثلاً كان في الشام بدعة الفجر والعصر يقف الناس طابورين، وكلٌ يُسلّم على الآخر، الطابور بتمامه، فهذا العمل قال عنه بدعة.

فالتطبيقات العملية عن العز بن عبد السلام -رحمه الله تعالى- ينبغي أن تُربط بفتاويه العملية.

لمّا مثلاً ما صحّ عنده المسح على الوجه، مسح اليدين على الوجه في الدعاء، فقال: لا يفعل ذلك إلا غبي أو إلا جاهل.

فأقول -بارك الله فيكم- التأصيل النظري لا يتضّح على الوجه الذي ينبغي أن يكون بيّناً إلا بالفتاوى العملية، ومن صنع هذا علِم دقّة كلام الإمام الشاطبي في الاعتصام.
هذا ماعندي بإيجاز.

مداخلة الأخ المتصل:
هل نستطيع أن نقول أن الخِلاف قد يكون بينكم وبين علمائنا من جهة وبين العز، خلاف لفظي شيخنا؟

الشيخ مشهور:
هو أشبه ما يكون بالخلاف الذي يقع فيه التقسيم والتنويع، فإن أدخل وافقنا، وإن أخرج وافقنا، فالخلاف ليس حقيقي، الخلاف لفظي.

ولكن لا يمنع أن تقع مخالفات يسيرة في بعض التطبيقات العملية، لكن مُرادي من التطبيقات العملية إبراز منهج العز بن عبد السلام في البدعة من خلال التطبيقات العملية حتى نَعلم أصوله بالحكم على البدعة.

مداخلة الأخ المتصل:
شيخنا إذاً هناك في الشرع ما يُسمّى بالسُنّة التَّرْكية.
هل يُقال فعل ما تركه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من العبادات يكون بدعة كذلك شيخنا؟
هذه مسألة تحتاج حقيقة لمقدمة، والكلام حولها يطول، وإيراد الشبه ودفعها يحتاج لمصنف، نحن نعلم أن الأصل في المعاملات الحِلّ، والأصل في العبادات الحُرمة.
بمعنى أننا لايجوز لنا أن نتعبَّد ربنا إلا إن ورد الدليل عليه.
هذه القاعدة يُنازُع فيها بعض المحسوبين على العلم، ويتعلقون ببعض الأشياء.

وبناءً عليه فإن الذي تركه النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمقتضى قائم لفعله لا يُسمّونه بدعة، ولذا لايقولون بالبدعة التَرْكية.

لكن الأصل والذي دلّت عليه النصوص أنّ الأصل في التقرب لله -عز وجل- المنع إلا ما أذن الشرع به، لأحاديث كثيرة وآيات عديدة، من مثل قول الله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}. [الشورى: ٢١].

ومن مثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). مسلم ١٧١٨.

فالعمل الذي تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وهذا التَرْك كان على وجه الدوام، فَفِعْله بدعة.

وهنا مسألة دقيقة وحاجب رقيق يحتاج عَوداً على بِدء للفرق بين البدعة ولا سيما التَرْكية مع المصالح المُرسلة.
فإذا كان هذا المتروك ليس عبادة وإنما هو وسيلة، أو مايتحقق الواجب إلا به ويُحقق مصلحة معتبرة والمُقتضى لم يكن قائم في العهد الأول الأنور، فحينئذ يُقال بالحِل.

وأما إذا كان المُقتضى قائماً ولم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- طوال حياته ولم يفعله أصحابه؛ فحينئذ يُقال في مثل هذا بدعة تَرْكية.

انظر مثلاً:
ترك الأذان والإقامة في صلاة العيدين.
رجل أراد صلاة العيد ويجمع الناس بالأذان، فماذا نقول عن فعله؟.

مداخلة الأخ المتصل:
ماينبغي.

الشيخ مشهور:
بدعة إضافية، بدعة تَرْكية، تركها النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل بعض الأشياء قد تكون في أصلها مُباحة، ولكن لاعتقادٍ ما قد يُحكم عليها بالبدعة.

مثل طلب الدعاء.
وهذا أمر وقوعه كثير بين الناس، الناس فيما بينهم يقولون ادعُ لي، وهذا أمر حسن لابأس فيه، لكن من اعتقد أن بطلبه للدعاء من فلان وفلان رجل كبير ورجل وليّ، والله لا يرده ويتقبل منه، فطلب الدعاء منه على هذا النحو هذا الطلب خطأ وليس بصحيح.

ولذا ورد عن جمع من الصحابة والتابعين لمّا طُلِب منهم الدعاء كانوا يقولون كحذيفة مثلاً، كما ورد هذا عند ابن جرير في تهذيب الآثار يقول: هذا يرجع لزوجه وأهله ويقول: دعا ليَ اليوم حذيفة!.
أما إن ما اعتقد فيه شيئاً خاصاً، وإنما يريد أن يتقرب إلى الله بدعائه ودعاء إخوانه، فطلب الدعاء فلا حرج في ذلك.

الحديث الوارد (عند الترمذي برقم٣٥٦٢) : (لا تنسنا يا أخي من دعاءك) ، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عمر، والحديث ضعيف، لم يثبت.

لكن جاء رجل لطاووس فطلب منه الدعاء، فقال له: أنت المضطر ؛ والله يقول: {أمّن يجيب المضطر إذا دعاه}[النمل: ٦٢].
فبعض الناس لايدعو، فقط يقول ادعوا لي، ادعوا لي، ادعوا لي، وهو لا يدعو.

فقد يكون أصل الشيء مباحا، لكن اعتقاد شيء غيبي في هذا الأمر ولم يرِد فيه دليل، والأصل في مثل هذا الأمر يحتاج لدليل؛ فقد يكون المخالفة في جزئية من جزئيات هذا الموضوع.
والله تعالى أعلم.

مداخلة الأخ المتصل :
حفظكم الله شيخنا.
يُقال شيخنا في المسألة الأخيرة التي ذكرتموها، هل يُقال أن طلب الدعاء ربما يخالف كمال التوحيد شيخنا؟

الشيخ مشهور:
يخالف كمال التوكل، لكن الدعاء لا يخالف بخلاف الأشياء الأخرى.

والله تعالى أعلم.✍️✍️

↩️ الرابط:

السؤل: حول البدعة ومعنى كلام الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- لما قال: البدعة بدعتان محمودةٌ ومذمومة، قال: فما وافق السُنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم. ويُذكر في ألفاظ أُخر، كمثل مثلاً ما أُحدث يُخالف الكتاب أو السُنة أو أثراً أو إجماعاً فهو بدعة ضلالة، وما أُحدث من الخير – هكذا يقول الإمام- وما أُحدث من الخير ولا يخفاكم هذا شيخنا لا يُخالف شيئاً من ذلك فهو محمودة غير مذمومة شيخنا معنى كلام الإمام الشافعي. وهل هذا يدل على أن هناك بدعٌ حسنة في الشريعة؟ ونحن نعلم شيخنا أن للإمام كلام آخر في قضية الاستحسان. فما هو القول وما هو الجمع في هذا و ما معنى كلام الإمام الشافعي هذا شيخنا؟


⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.

📥 للاشتراك:
• واتس آب: ‎+962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor