السائل:
أيهم أفضل -شيخنا- السُّنن الرَّاتبة أم قيام الليل؟
الجواب:
وقع خلاف في المسألة كما هو معلوم، وغالبًا المفاضلات يكون فيها التَّفصيل والتَّدقيق.
فصلاة الليل أفضل من حيث طُول القنوت.
وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “أفضل الصلاة طولُ القنوت”. مسلم ٧٥٦.
والمراد بطول القنوت:
طول القيام، وطول الركوع، وطول السجود، فيتمكن الإنسان من المُناجاة، واجتماع القلب مع اللِّسان أشد وطئًا وأقوَم قيلًا.[ المزمل: ٦ ].
قالوا في تفسير: {وَأَقْوَمُ قيلًا}:
أن يجتمع اللسان مع القلب، ولا سيما هذا الوقت الذي ينزل الله جل في علاه، ينزل الرب للسماء الدنيا ويقول: “هل مِن داعٍ فأستجيب له”؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما-، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ، هَلْ مِنْ تَائِبٍ، هَلْ مِنْ سَائِلٍ، هَلْ مِنْ دَاعٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ”. مسلم ٧٥٨.
أمَّا موضوع صَّلوات النَّوافل والرَّواتب، فصلوات النَّوافل والرَّواتب تَجبُر النَّقص الذي في الفريضة.
فالآن وقع خلاف، والخلاف لو فُصِّل في المفاضلة بالطَّريقة التي ذكرتُ لكان أفضل.
لكن ثبت عند الإمام مسلم في “صحيحه”: من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَرْفَعُهُ، قَالَ: سُئِلَ (أي: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-): أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: “أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ “. مسلم ١١٦٣.
الآن: هذا الحديث ظاهرُه أن صلاة الليل أفضل، وبلا شك أن صلاة الليل أتم، وأكمل، وأخشع، وأدعى لأن يقع فيها التدبر، وأقوم قيلًا كما قال الله تعالى.
العلماء اختلفوا حقيقة في المفاضلة المطلقة، فالنووي لما شرح -وذكرنا هذا في شرحنا لصحيح مسلم- لما شرح حديث: “أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل” قال: فيه حجة لأبي إسحاق المروزي من أصحابنا ومن وافقه أن صلاة الليل أفضل من السُّنن الراتبة.
ثم قال بعد هذا: وقال أكثر أصحابنا (وهذا قول الأكثرين من الشافعية وغيرهم من أصحاب المذاهب)، قالوا: الرَّواتب أفضل؛ لأنها تُشبِه الفرائض.
تُشبِه الفرائض: أولًا هي راتبة ليست كالقيام، فالشرع أكد عليها، فقد يُقال أن صلاة الرواتب في النظر الشرعي تُكرر وتُفعل على وجه الدوام بخلاف قيام الليل، فهي أفضل من هذه الحيثية.
التَّفصيل له أكثر من جانب.
لكن الشاهد وهذا حقيقة يُؤكد ما قلناه مرات وكرات في شرحنا على “صحيح الإمام مسلم”، أن اختيارات الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في شرحه على “صحيح مسلم” تخالف اختياراتِه في كتبه الفقهيَّة، ككتاب “التحقيق”، وككتابه “المجموع شرح المهذب”، وككتابه “روضة الطالبين” إلى آخره.
وأقرب اختياراتٍ له للأدلة الشرعية اختياراته في شرح “صحيح مسلم”.
تأمل معي:
يقول: وقال أكثر أصحابنا: الرواتب أفضل لأنها تُشبه الفرائض، والأول أقوى وأوفق للحديث.
ما هو الأول؟
الأول: قول أبي إسحاق المروزي، أنه قال: صلاة الليل أفضل من السنن الرواتب.
والله تعالى أعلم.
مداخلة الأخ المتصل:
إذن شيخنا: قول النووي في شرحه لمسلم يُقدَّم على غيرها من الكتب شيخنا؟
الجواب:
عند المذهبيين: لا.
عند المذهبيين: المقدم “التحقيق” لكن “التحقيق” النووي مات قبل أن يُتمه، مات وهو يكتب في حُكم صلاة المسافر، وهو آخر كتبه، واعتنى فيه عناية جيدة بأقوال أئمَّة الشَّافعية، والقول المُحقق عندهم في المذهب.
أما قول الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم غالبًا هو القول الذي يوافق نص الحديث في صحيح مسلم.
مداخلة الأخ المتصل:
غلبت الصنعة الحديثية فيه شيخنا؟
الجواب:
بلا شك، وأنه نقل كثيرًا عن القاضي عياض، بل كاد أن يحصر نفسه في ألفاظ أو مباحث القاضي عياض في “إكمال المُعلم” إلا أنه شرَحه وبسط القولَ في مذهب واختلاف الفقهاء، وركز على مذهب الشافعية، والقاضي عياض كما هو معلوم ينقل عن المالكية.
والله تعالى أعلم ✍️✍️
↩️ الرابط:
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.
📥 للاشتراك:
• واتس آب: +962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor