[ربط الأحداث التي تحصل اليوم في غزة بأصولها الشرعية]
قال فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله:
الحرام منه ما هو حرام سد للذريعة ، ليس لذاته ، ولذا العلماء قالوا كفر دون كفر ، وقالوا ظلم دون ظلم ، وقالوا حرام دون حرام.
ليس الحرام في مرتبة واحدة ، وهذه أنا أقولها لكم حتى تفكروا فيها ، وهي مسألة مهمة جداً ، ولها فروع عملية كثيرة في هذا الزمان ، قالوا :
المنهي عنه شرعاً ليس كالمعدوم حساً.
إذا الشرع نهى عن شيء فلا يجوز لك أن تتعامل معه كأنه معدوم ، تذكر هذه وفكر فيها.
وتذكر مسألة أخرى مهمة ، حتى تفهم هذا الكلام فهماً صحيحاً:
لما تزدحم على المكلف المفاسد ، ومضطر أن يرتكب شيئاً منها ؛ ماذا يرتكب ؟
الفقهاء يقولون ترتكب أخف الضررين ، انتبه!
لما تقول أخف الضررين ؛ فلازم هذا أن المنهي عنه يعامل معاملة المعدوم أم المحسوس؟
الجواب : المحسوس.
الشرع لما قال ترتكب أخف الضررين ؛ إذاً تعامله معاملة الموجود.
أبوك فاجر وليس له سلطة عليك في المعصية ، لا طاعة في معصية ، لكن هل معنى فساد أبيك يمنعك من بره ، وتعامله معاملة المعدوم؟!
هذا معروف عند أهل العلم :
المنهي عنه لا يعامل معاملة المعدوم ، المنهي عنه أنا أرفضه ولا أقبله.
أنا أبي – لا قدر الله – فاجر ، لا يجوز لي شرعاً أن أطيعه في معصية ، لكن يبقى أب ، وهذه مشكلة الخوارج هذا الزمان ، يعني أولياء أمور المسلمين بحكم أنهم يرخصون بيع الخمر ، وفعل المنكرات ، والحفلات ، والترخيص بها.
ولكن هذا لا يسقط كونهم أولياء أمور ، ولا يجوز لنا أن نطيعهم في كل شيء ، في المعصية لا نطيعهم ، لكن في غير ذلك نطيعهم.
هذه مشكلة وهذه المشكلة ، تجسدت في عقول الناس كلهم ، وقل من فهم المسألة وأنزلها منزلتها ، وفهمها على واقعها وعلى حالها.
الناس يأخذون مواقف دون قواعد ، أتمنى أن يتكلم واحد من الناس في مسألة ، ويُـفصِّل فيها بالقواعد ، فإذا فصلَ بالقواعد لا يضيع عنه وجه من وجوه الحق فيها ، فإن نسي القواعد بدأ يتكلم بكلام عاطفي بعيد عن القواعد.
ولذا نحن اليوم بحاجة ماسة للتقعيد الفقهي ، لسنا بحاجة أن نردد مع أناس رداً أو سلباً ، لسنا حزباً ، نحن طلبة علم ، ولأننا طلبة علم ؛ نحن مؤصلون ، ومواقفنا قائمة على تأصيل ، فنحن لا نُعامِل المنهي عنه معاملة المعدوم ، بل نعامله معاملة الموجود ، ونبيِّـن حكم الله المقبول والمردود.
فالمردود هو التحزب والتعصب ، وهذا مرفوض ، والتهور مرفوض ، لكن صار أمر واقع انتبه!
الآن انتبه لِـما يتفرع عن قاعدة :
المنهي عنه شرعاً لا يعامل معاملة المعدوم حِـساً.
بناء على هذه القاعدة ؛ قال العلماء :
أحكام الشروع غير أحكام الوقوع.
المسلمون في سوريا ابتلوا بلاءً شديد ، وابتلوا مرتين ، ابتلوا بالإخوان المسلمين سنة 79 في ثورة حماة ، ثورة مدينة حماة ، وابتلوا أخيراً بالثورة التي زعمها مَن زعمها ، ولا أريد التفصيل في هذا الباب ، وكان قائد الثورة الأولى أيام حماة ، واحد اسمه عدنان عقلة ، كان ضابطاً في الجيش السوري ، ثار على نظام حافظ أسد للظلم الذي وقع عليه ، وفي آخر فترة تواطأ مع (عدو عدوك صديقك) ، كما يقولون في الأمثال السياسية ، تواطأ مع النظام العراقي ، وأصبح ينادي بعبارة سأحرر سوريا بالدبابة العراقية ، والساعد السوري ، والبندقية الفلسطينية.
كان متفق مع عرفات بحكم الخلاف ، ثم تبين أن المخيمات والمعسكرات في بغداد أو في العراق جلها مخابرات سورية ، فصاروا في السجون ، مجاهدين صاروا مسجونين.
فضج به الحال ، وتبين له خطأه ، فطلب لقاء شيخنا الألباني ، وهذا الشاهد من الكلام ، طلب لقاء شيخنا الألباني ، فقال أنا خلاص أريد أعلن أن جهادنا باطل وفاسد وإلى آخره.
فالشيخ قال له أول كلمة لما التقى به ؛ قال :
أحكام الشروع غير أحكام الوقوع ، ينبغي أن تنسحب بأقل ضرر على المسلمين ، وأقل ضرر على من التحقوا بك.
فلذا أحكام الشروع شيء ، وأحكام الوقوع شيء آخر ، وهذا كلام موجود في كتب الفقهاء ، يأتيك واحد يقول لك :
هذه القاعدة من أين؟
تقول من أين لأنك لا تقرأ ، ولا تفهم.
فالشاهد أن حال المسلمين خصوصاً في المسائل الكبار التي تخص الأمة ينبغي أن لا تنسى موضوع المنهي عنه شرعاً ليس كالمعدوم حساً ، وهذه المسألة تحتاج لبحث وأتمنى من إخواننا أن يخصوا هذه المسألة ببحث أتمنى ، يعني أنا أعلن عن مسابقة لبحث وليس فقط كلمة ، وإنما لبحث ، ونخص درس أو درسين في مسألة أحكام هل المنهي عنه شرعاً كالمعدوم حساً أم لا ، مع التطبيقات ، ومع أقوال الفقهاء فيها ، يا ليت من استطاع أن يفعل هذا ؛ فهذا أمر حسن ، وهذا أمر طيب ، وأمر مهم.
يعني أنا الآن جالس في عزاء ، وكان واحد يقرأ قرآن ، فقراءة القرآن غير مشروعة ، فهل يجوز لي أن لا أسمع القرآن ، وأن أعامل قراءة هذا البدعية ، أن أعامله معاملة المعدوم؟ أم الواجب أن نصغي؟
الجواب : أن نصغي.
إذاً المنهي عنه شرعاً كالمعدوم أم كالموجود ؟
هل يجوز أن تشوش على القرآن وتتكلم ، لأن واحد يقرأ قراءة بدعية ما أنزل الله بالسلطان؟
يعني واحد يقرأ في المقبرة قرآن على ميت ، هل يجوز أني ما أسمع وأشوِّش؟!
كثير من إخواننا يقول لك نرتكب أخف الضررين ، معنى ارتكاب أخف الضررين أن المنهي عنه شرعاً لم تعامله معاملة المعدوم ، إنما عاملتهم معاملة الموجود.
ابتلينا ببعض من درس معنا ، أنا الله أكرمني عملت دورة في فقه الجهاد في مركز الإمام الألباني ، وتكلمت في أحكام غزة ، ابتليت بطالب حضر الدورة ، ويرد على كلامي في الدورة.
يا جماعه الفتوى في ظرف خاص تختلف من حادثة لحادثة ، نتكلم في فتوى في مكان خاص ، ما نتكلم عن تأصيل الجهاد ، تأصيل الجهاد شيء والفتوى في موضوع شيء آخر ، وقل من يتنبه لهذا.
الباب هذا واسع، الفتوى ، غير التأصيل ، المفتي أمامه حالات محصورة ، وليست أمامه ما يريد.
بعض إخواننا الفضلاء جزاهم الله خير ، اتصل ، قال:
يا شيخ تكلم عن غزة ، أليس لو أهل غزة تم إخراجهم إلى كندا أم إلى بلد آخر أحسن؟
قلت له :
جيب طائرات وأطلعهم ، حافظ على دم المسلم.
المسألة ليست هكذا ، المسألة ليست مسألة أين يسافرون ، نتكلم عن ظرف معين ، أناس يموتون جوعاً ، وأناس يسحقهم اليهود ، واليهود عازمين على سحق الفلسطينيين بعامة على مدى بعيد ، وعلى سحق أهل غزة الآن ، شئتم أم أبيتم ، اليهود في قرارهم في غزة السحق ، إيش نعمل ؟
تصور المسألة تصوراً علمياً شرعياً صحيحاً ، ولا تقول مفاسد ، ولولا أنهم هم فعلوا ما فعلوا !
فهل صار اليهود رفقاء ورحماء بالأمة؟!
فالفتوى تحتاج إلى غير التأصيل ، فأنت أمام خيارات ، ومضطر أن ترتكب الأخف ، بناء على أنها موجودة.
أختم مجلسي وقد طال ، بقصة حدثني بها أخ من تلاميذ العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ، أخ من البحرين ، يقول:
بلادنا مبتلاة ، وأسأل الله أن يعافي بلادنا وبلاد المسلمين من البلاء.
بلاد المسلمين التي فيها الروافض ؛ مشايخنا وعلمائنا يقررون لها أحكاماً تختلف عن البلاد التي ليس فيها روافض.
يعني مشايخنا شيخنا الألباني والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين ، في الكويت والبحرين ؛ يجوزون انتخابات مجلس الأمة ، وكذلك في العراق.
لما سقط نظام صدام وصار موضوع مجلس الأمة ؛ إخواننا طلبة العلم المبتدئين أفتوا للناس بمنع مجلس النواب ، وجلسنا مع إخواننا العراقيين وقلنا أن هذا جائز ، لا يوجد فرق بين العراق وهي تحت حكم شيعي ، كـالكويت ، وكالبحرين، ما في فرق.
فتركوا الأمر للشيعة ، فتثبت فثبتت الشيعة في العراق!
العراق سميت عراقاً من العَرك ، ولذا لا تستغرب أن العراق تتحول خلال فترة قصيرة من سنة إلى شيعة ، ومن شيعة إلى سنة ، إلى آخره.
و تبلغنا أخبار الآن أن العراق تُهيَّئ أن تكون بإذن الله تعالى بلاد سنة وأرجو الله أن يكون هذا الأمر قريب بإذن الله ، الدنيا فيها تغيرات كثيرة.
أخ فاضل صالح في الجيش البحريني حليق بحكم أنه مسؤول كبير في الجيش وله قرارات مهمة ، وقراراته لها أثر في موضوع سنة البحرين ، وكيف تكون البحرين.
فهذا أخ من إخواننا من طلبة العلم ، يقول أتيت صديق لي في إجازة ووجدته مربي اللحية ، سألته كيف ربيتها وأنت مسؤول كبير في الجيش العراقي؟
قال أريد أقدم استقالتي ، قال : تستقيل ، واستقالتك يتولد عليها مضار لا يعلمها إلا الله ، أنت في موقع حساس ، موقع لك قرار ، وإذا استقلتَ ؛ يعني الأمر عسر جداً ، وموضوع حلق اللحية أمر بالنسبة للمكاسب التي يكسبها أهل السنة من خلال وجودك أحسن من مصالحك ، فهي معتبرة أكثر من حلق اللحية ، فقال أنا لا أقبل إلا أن استفتي عالم ، قال من تستفتي ؟
قال:
أستفتي الشيخ ابن عثيمين.
قال وحجزت له للشيخ ابن عثيمين على القصيم ، قال فدخلنا على الشيخ ، وهو يعرفني ، سلمت عليه وأخبرته الخبر بيني وبينه ، فلان في موقع حساس ولأهل السنة ناصر ، وإلى آخره.
فما قولك( أي ما قولك يا شيخ ابن عثيمين)؟
الشيخ سأله قال متى ترجع؟
قال جئنا لسؤالك ثم نرجع ، إن أعطيتنا الجواب الآن ؛ نرجع ، وإن أمهلتنا ؛ فلما تعطينا الجواب نرجع ، جئنا فقط لسؤالك.
قال الأخ :
فسكت الشيخ سكتة طويلة.
الشيخ عالِم ما يراد أن ينقل عنه أنه يُـجوِّز حلق اللحية .
فقال له الشيخ:
انصرف.
فأخونا يقول لي لما قال الشيخ له انصرف ؛ خلص الأمر تم ، يعني خلص احلق .
قال أبى الشيخ أن يقول له احلق ، ولكن قال انصرف.
فقال له الشيخ:
إن بقيت إلى يوم الدين لن أجيبك.
يعني إذهب ، إيش المعنى؟
وبقي الأخ واقف كي يفتيه الشيخ.
فأحياناً سكوت العالِم يتضمن فتوى ، العالِم قوله محسوب عليه ، وسكوته محسوب عليه.
لذا قلت لكم في كلمة قالها الشاطبي ، وهي مهمة قال:
تروك الذين يُقتدى بهم محسوبة عليهم.
أنا تركتُ الفتوى ؛ خلص افهم مني!
ما أنكرت عليك أن تحلق لحيتك أيها الأخ السني العراقي.
فالشاهد بارك الله فيكم :
نحن نعيش في ظروف عسيرة وصعبة ، ويجب علينا أن نؤيد كل من وافق حقاً ، كل من وافق الحق ؛ نقول جزاك الله خير بارك الله فيك إلى آخره.
فلم يبق لأهل غزة إلا أهل الأردن ، ففي الحقيقة وفي الواقع الذين وقفوا مع أهل غزة هم أهل الأردن.
فأسأل الله جل في علاه أن يوفق الجميع لما يحب الله تعالى ويرضى وأرجو الله جل في علاه أن يكشف عن بصائرنا وأن نربط الأحداث بأصولها الشرعية ، فإن فعلنا لن نندم ، وإن تجاوزنا ؛ فالندم يلاحقنا ، ويلتف بنا ، ويبقى من أعلى ما فينا من الرأس إلى أسفل ما فينا من القدم ، وسيبقى عاراً علينا إلى يوم الدين ، أما مسألة الله يوم القيامة ؛ فالحساب شديد ، لأن الأمر خطير أن تحول داراً من دار إسلام إلى دار كفر ، هذه مصيبه.
اليوم العبارة واضحة على لسان حاكم الدنيا (رئيس أمريكا) يقول:
غزة نريدها ريفييرا الشرق الأوسط ، المساجد دور القرآن التي في غزة يريد أن تكون مراقص ، وأن تكون صالات قمار ، وجو غزة جو ساحر ، جو الشرق الأوسط جو ساحر.
وما يزال هناك أناس يلقون اللوم على من يقاتل اليهود!
قلت مرات وكرات وسأبقى أقول ، أحكام الوقوع غير أحكام الشروع.
يجب على أهل غزة أن يشاوروا العلماء ، ما عندهم علماء، فوقعوا ما وقعوا فيه فباطل مما يعملون ، لكن لا يجوز لنا للباطل الذي ارتكبوه أن نكون مع اليهود!
ليس معقول أن نكون مع اليهود ، ما أدري هل هذه الكلمة تكفي أم نحتاج المزيد؟
الله يغفر لنا ولكم ، ووفقنا وإياكم لما يحب ويرضى ، وهناك كلام إذا قاله الإنسان فلا فائدة منه ، فتضطر أن تسكت.
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
المصدر :
الدرس الثالث / شرح مبحث النهي في أصول الفقه / فضيلة الشيخ مشهور بن حسن
بتاريخ ١٣-٥-٢٠٢٥ م✍️✍️
◀️ رابط الفتوى في الموقع الرسمي :