يعلم الله كم ننتفع من (خدمة الدرر الحسان) هذه التي تنشرون من خلالها علمكم، لكن أود من شيخنا حفظه الله أن يخبرنا ولو بالتسجيل هل يوجد له غير هذه الخدمة؟
الجواب:
الإخوة جزاهم الله خيرا من المصورين ثم الذين يفرغون أجوبة هذه الأسئلة في خدمة تسمى (الدرر الحسان).
فأسأل الله أن يجزيهم خيرا وأن يبارك فيهم وفي أهاليهم وفي أوقاتهم.
وأنا ليس لي إلا أن أتكلم هذا الكلام ثم أنشغل بأعمالي.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى.
فجزاهم الله خيرًا.
ولا يوجد خدمة منظمة كهذه الخدمة؛ فالكل ينقل الفتاوى ويتداولها.
السؤال الحادي عشر : هل العلم الشرعي اصطفاء من الله أم اجتهاد من الإنسان؟
الجواب: لماذا هذا التخيير؟
لماذا لا يقال بالاجتهاد والاصطفاء؟
روى الخطيب في تاريخ بغداد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ». (9 /127)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم 342.
العلم بالتعلم، لكن الله جل في علاه لا يوفق الإنسان للطلب إلا إذا أراد به خيرا.
تأمل معي: روى البخاري (71) ، ومسلم (1037) عن مُعَاوِيَةَ بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ).
الحديث له مفهوم وله منطوق.
منطوقه واضح، من اشتغل بالعلم والفقه فهذا الله عز وجل يريد به خيراً، ومفهومه خطير جداً، وأدعوا كل أخ يسمعني أن يتأمل مفهوم هذا الحديث.
الذي لا يطلب العلم الشرعي لا خير فيه، من يرد الله به خيرا يفقه في الدين، ومن لم يطلب العلم الشرعي لا خير فيه وهذا مفهوم خطير جداً.
يعني يعيش أجلكم الله كما تعيش الدواب.
ولذا الإنسان منزلته عند الله عز وجل بأن يتفقه وأن يتعلم.
من يرد الله به خيراً يفقه في الدين، فهو اصطفاء، والعلماء ورثة الأنبياء، والنبوة ليست مكتسبة إنما هي اصطفاء من الله.
فالوارث كذلك لكن الوارث يحتاج أن يجد وأن يجتهد.
وهذا أثر لطيف معناه شريف خرجه مسلم في الصحيح، فقال:
حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال: أخبرنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير قال: سمعت أبي يقول: « لا يستطاع العلم براحة الجسم » .الصحيح : أوقات الصلاة رقم (612).
طالب العلم يحتاج أن يتعب ويحتاج أن يملأ وقته بالخير.
والعلم مخلوق عجيب مدلل دلال شديد، اهجر العلم أسبوع يهجرك شهر، اهجره شهرا يهجرك سنة، اهجره سنة يهجرك ثلاث سنوات عشر سنوات، ابتعد عن العلم قليل يبعد عنك أكثر، وإن قربت منه وبحثت فيه فإنه يأخذك أخذاً لا يقبل المشاركة، فتكون للعلم فقط.
لذا قالوا: إن أعطيت العلم بعضك لم يعطك شيء وإن أعطيته كلك يعطيك بعضه، إن أعطيت العلم شيئا لا يعطيك شيئا إن أعطيته بعضك لا يعطيك شيء، وإن أعطيته كلك فالعلم يعطيك بعضه.
السؤال الثاني: أخ يسأل هل الجويني تراجع عن أشعريته؟
الجواب: نقل (ابن القيم) في كتابه (إعلام الموقعين) وقبله شيخه (شيخ الإسلام) بأنّ إمام الحرمين الجويني في كتابه الإرشاد تراجع عن أشعريته وذكرت في تعليقي على (إعلام الموقعين) بعد مراجعة كتاب (الإرشاد) أنَّ (الجويني) – رحمه الله- تراجع عن أشعريته في كتابه الإرشاد إلى القول بالتفويض.
فآخر أقوال الجويني التفويض وليس التأويل.
والمذاهب كما هو معلوم فمنهم من هو يفوض الكيفية ومنهم من يفوض المعنى .
ومذهب السلف تفويض الكيفيةواثبات المعنى .
فالجويني يفوض المعنى ، فهرب من التأويل إلى التفويض.
والله تعالى أعلم.
⬅ مَجْـلِسُ فَتَـاوَىٰ الْجُمُعَة:
١ – ربيع الأول – ١٤٤٠ هِجْـرِيّ.
ح – ١١ – ٢٠١٨ إِفْـرَنْـجِـيّ.
السؤال الخامس: أخٌ يقول:
يعيب بعض العوام على طالب العلم عندما لا يستطيع الإجابة عن بعض المسائل مثل القصص والغزوات والتاريخ الإسلامي، فهل هذا يعيب طالب العلم؟!
الجواب:
طالب العلم يعيش ويموت وهو يطلب العلم، وهو يقول لعل المسألة التي فيها نجاتي لم أقف عليها بعد.
والواجب على طالب العلم أن يكامل معرفته، وأن يتعلم الكليات، ولا يتعلم التفصيل والتدقيق في الجزئيات؛ فينمو عنده علم دون علم آخر.
-هذا في البدايات-.
ولكن في النهايات( طالب العلم) لا بد أن يميل، وأن يحط رحله في جنة من جنات العلم، ويقول: أنا الآن في التفسير، وآخر يقول: أنا الآن في الحديث وآخر، يقول: أنا في الفقه، ورابع يقول: أنا في اللغة وهكذا…
طالب العلم لا يعاب، لكن ينبغي أن يكون على إلمامة حسنة بالقصص، وأهم هذه القصص قصص القرآن الكريم، وكذلك الغزوات، ومعرفة جيدة بالسيرة النبوية.
السؤال الحادي عشر:- توفي منذ أيام الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني – صاحب كتاب حصن المسلم الشهير- لو حدثتنا عنه قليلاً ؟
الجواب :- زارنا في الحج قبل الماضي – جزاه الله خيراً-، هو وأحد أصدقائه من إخواننا ، رجل فاضل – والله حسيبه- أن الله – جل في علاه – وضع له القبول في كتبه .
فقد حدثني بعض أصحاب دور النشر قالوا: ما كان يأخذ قرشاً على كتبه، كان يبذل كتبه في سبيل التعليم ، وسبحان الله كتابه (حصن المسلم) وضع الله له القبول ، وطبعت منه – لا أبالغ إن قلت مئات الملايين – من هذا الكتاب ، وهذا فيه دلالة، والله تعالى أعلم ، ومن يعرفه ويقرب منه ، وحدثنا بعض إخواننا أن الرجل على ورع وإستقامة، وحفظ لسان، ولا يذكر أحداً بشر، ولا بسوء ولا بغيبة ، وإن ذُكر احد هو لا يحبه يدعو له، ولا ينشغل بالقيل والقال، ولا ينشغل بهذه الأشياء .
فأسأل الله – عز وجل- أن يرحمه، وأن يرفع درجاته في الجنان .
السؤال العاشر:
أنا أخت درست جميع مراحل التجويد وفي الفترة الأخيرة، أنشؤوا دورة تسمى الإتقان، يطلبون من الطالبة التركيز في أحكام الفتح والكسر والضم وصفات الحروف والاستطالة، وفيه مبالغة كبيرة، ويعتبرون من لا يقرأ بهذه الصورة لا تصح قراءته، ما القول الفصل في هذا- بارك الله- فيكم؟
الجواب:
في كتاب للإمام الذهبي اسمه (زُغَلُ العلم) .
ماذا يعني زغل العلم؟
يعني القرآء يبقون يفرشون لك في القراءات ، لو أنك عشت ومُتَّ طول عمرك لن تكمل القراءات، وتلاوة القرآن الكريم والحديث والفقه،
فَبَيَّن الزغل في كل علم من العلوم.
طيب أنت طالب علم، طالب نجاة عند الله،
إيش المطلوب منك؟ المطلوب تأخذ رؤوس وكليات العلوم، كليات التوحيد ،كليات الفقه ،كليات الحديث وهكذا. فهذه مرحلة للمتخصص لا حرج فيها، لكن أن لا تنشغل إلا بهذا، وتدقق تدقيقاً زائداً، فهذا أمر ليس بمحمود.
والله تعالى أعلم.
لذا صاحب الأحكام والتجويد إذا قرأت عليه الفاتحة يقول لك : عندك أربعون خطأ في الفاتحة، والأربعون خطأ أمورها سهلة، لكن هو لايعرف شيئاً إلا هذا،
لا يعرف إلا أحكام التلاوة والتجويد منذ ستين سبعين سنة .
أما أحكام الفقه وأحكام التوحيد لا يعرف شيئا، ولا يدري شيئاً .
الأصل في طالب العلم أن يكون طالب نجاة ،
وطالب النجاة يعرف كليات العلوم، لذا الدراسة التدقيقية والتفصيلية مع التوجيه في كل مسألة من المسائل، في كل فن من الفنون، هذا أمر لايمكن أن يجمعه أحد.
لكن تأخذ كليات العلوم
مثلاً( منهج السالكين في الفقه )تستطيع أن تقرأه في يومين قراءة مجملة، وليست تفصيلية، وبعد أن تقرأ قراءة مجملة، تبدأ تتخصص ،وتقرأ شيئاً فشيئاً .
والله تعالى أعلم.
هذه الآية وما قبلها وما بعدها ذكر الله تعالى سننًا كونية، فهذه سنة كونية لله تعالى.
فالانشغال بالسياسة وتفاصيلها، فهذا له دَهانِقَتُها، وله تخصص وما شابه.
الواجب علينا أن نعلم ماذا يجري معنا، وأن نحذر أمتنا والناس حولنا من المزالق والمخاطر التي تُصنع لهم، وأن يحافظوا على دينهم.
وأما تفاصيل هذه الأحداث فهذا أمر ليس بحسن، ولا سيما من قبل خطيب الجمعة.
خطيب الجمعة إذا بقي يتكلم في السياسة، وخرجت الأشياء على خلاف قوله؛ ماذا يصبح موقفه؟
مثلما طلع مرة واحد، وقال على المنبر: صدام منصور من أربعين وجه، فبعضهم حلقوا لحاهم، وأرسلوها في الرسائل، قالوا له: (هذه اللحى تبنا إلى الله -عز وجل- لأن الناس يعتقدون أن كلام الخطيب هو كلام الشرع، وهو يمثل الشرع، فإن أخطأ فيشكّون في الشرع، لا يقولون فلان أخطأ، يقولون الشرع أخطأ.
وهذه مصيبة من المصائب، وهذا مزلق من المزالق، والتضخم في العمل الإسلامي في السياسة تضخم سيء وليس بحسن.
فالواجب ولا سيما على الخطيب وهو على المنبر: أن لا يتكلم إلا بالشرع والحقائق الشرعية.
يعني مثلًا -وكتبت هذه في مقدمتي لكتب (الشيخ أبي إسلام) أسأل الله له الرحمة-
،ونقلت كلاما (للعز بن عبد السلام): أن الخطيب لا ينبغي أن يتكلم وهو بعيد عن الناس، لكن لمّا يتكلم ويريد أن يقرب الناس، ينبغي أن يعتمد على أصول ثابتة، وليس فيها شك.
يعني مثلًا الناس يعتقدون نصرًا، وسنةً الله عز وجل أن النصر غير متحقق، أنا كخطيب أخطب عن غزوة الأحزاب، يوجد في السيرة النبوية كل ما يلزم الناس، والذكي الذي يستطيع أن ينقل الناس من خلال النصوص الشرعية، من خلال السيرة النبوية، من خلال الحديث النبوي، يعدل على الناس ما يتوهمونه وما يتصورونه، وما ابتعدوا فيه عن سنة الله تعالى في التغيير، ولكن أن تسمع وأن تفهم وماذا يكاد للإسلام هذا أمر حسن، ولكن لا تُشغل الناس إلا بالحقائق الشرعية.
السؤال الخامس عشر: سمعت اليوم من دكتور في الحديث أن (الإمام الدارقطني) اكتشف أن البخاري ومسلم قد صححا أحاديث قد يراها ضعيفة وساقها بالحرف فهل يصح هذا القول؟
الجواب:
أولاً: البخاري ومسلم لهما منزلة عظيمة، ومن المؤامرة الكبيرة على الإسلام والمسلمين :
التشكيك بالثوابت.
وهذه مؤامرة كبيرة جدا وتحتاج إلى جيوش من الإعلام وتحصين لأهل الإسلام الذين يرتادون المساجد.
واليوم الحملة شرسة جداً على صحيح البخاري وصحيح مسلم، وهذه الحملة موجودة في كثير من البلدان.
فعندنا واحد هلك وهو معتزلي ألف كتاباً سماه صحيح صحيح البخاري، ولما رأيته وجدته أهبل لا يفهم شيئاً.
رأيته في مكتبة من مكتبات عمَّان يقول: أنت فلان؟
قلت: نعم أنا فلان، ماذا تريد؟ فغادرني ورجع وبيده صحيح البخاري.
قال: في هذا الكتاب أي حديث أردتَه أجعَلُه لك ضعيفاً.
فقلت: أنا أتكلم مع مجنون.
كل علماء الملة في كل الأمّة من العصر الأول إلى الآن يعظمون صحيح البخاري وصحيح مسلم.
فأن تكون أنت ضالاً عندي أحب إلي من أن أضلل كل علماء الأمة.
فقال الحديث في صحيح البخاري كيف تقبله؟
بعقلك؟
قلت : لا، بعقل المحدثين.
أنا أقبل صحيح البخاري بعقل المحدث ليس بعقلك أنت ليس العقل المحَرَّر المجَرَّد.
هل صحيح البخاري وصحيح مسلم مثل القرآن؟
لا ليس مثل القرآن.
القرآن كل حرف من حروفه أمرٌ مجمعٌ عليه ما اختلف فيه.
ولذا علماؤنا يقولون: من شك بحرف من القرآن كفر، من قال حرف من القرآن زائد أو ناقص كفر.
أما صحيح البخاري ففيه أحرف يسيرة انتقدها الكبار.
ولذا قال علماؤنا: وذكر هذا من ألف في المصطلح، قالوا: وجميع ما في الصحيحين صحيح، سوى أحرف يسيرة تكلم فيها أهل الصَّنعة، كلمات قليلة، مثلاً حديث في صحيح مسلم رواه راوٍ فيزيدُ قبل عائشة يقول مثلاً “سبلان” ولفظة عن سبلان عن عائشة غير صحيحة.
ماذا يضير الناس في هذا الكلام؟
جملة مافي الصحيحين صحيح وهناك أحرف عند أهل العلم وكلمات يسيرة وقليلة جداً في الصحيحين منتقدة.
أما بالنسبة لجميع مافي الصحيحين فهو صحيح.
أهل الصنعة يصححون جميع مافي الصحيحين.
لذا قال إمام الحرمين (الجويني): لو أن رجلاً أخذ صحيح البخاري بيمينه وأخذ صحيح مسلم بيساره وقال: جميع ما في هذين الكتابين قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم به – وإن لم يكن ذلك كذلك- فزوجي طالق.
فيقول إمام الحرمين الجويني: زوجته لا تطلق، لأن النبي قد قال جميع ما في هذين الكتابين.
لو أدرك الليث الإمام مالك لباعه في من يزيد، أليس في ذلك حط من قدر الإمام مالك؟
الجواب:
لا، ليس كذلك، تعَلم بارك الله فيك، واسمع مني، وتعلَم أن علماؤنا إذا قارنوا بين المفاضلات، فالمفضول يرفعون شأنه، ليظهرون فضله، مالك اتفق أهل العلم على علمه وفضله، والليث لا أحد يعرفه.
فقالوا في الليث : لو اجتمع الليث مع مالك، لباع الليث مالكًا فيمن يزيد.
هذا رفع للإمام الليث، وليس خفضًا للإمام مالك.
إذا أنت فاضلت بين اثنين، وشعرت بالمفاضلة أنك تقدح بالمفضول فيه، فتحرم عليك المفاضلة بين الأنبياء.
لذا لما النبي ﷺ شمَّ رائحة من تفضيله على يونس عليه السلام فقال النبي ﷺ :
*”لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى”.*
ونسبه إلى أبيه.
(البخاري:3395) .
مع أن الله عز وجل يقول { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ }
البقرة[ 253 ].
فمحمد ﷺ أفضل من يونس، لكن لما تشعر بالمفاضلة بأن المفضول مقدوح فيه، فحينئذ تمنع المفاضلة.
نحن لما نتكلم بين الفضائل،
فضائل القرآن، هل يجوز أن نفاضل بين سور القرآن؟
قطعاً، الفاتحة وآية الكرسي ليست كغيرها من السور، لكن إن فهمت أن بعض الآيات في القرآن مفضولة، فحينئذ يمنع هذا الباب، وكذلك بين الأنبياء، وكذلك بين الأشياخ، فلما تفاضل فالأصل أن لا تسقط المفضول، لكن واحد مغمور غير معروف فتفضله وترفعه، فلا حرج في هذا.
فضل مالك هذا أمر ثابت، أمر لا خلاف فيه أبدا، لكن فضل الليث ضيعه تلاميذه، رحم الله إخواننا المصريين ضيعوا الليث، وما عرفوه، فضاع علمه، فقال أهل العلم المقولات التي وردت عنه.