[صدق التوجه والإخلاص في طلب العلم لوجه الله عز وجل]
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله
قال صلى الله عليه وسلم:
«من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض، حتى الحيتان في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء هم ورثة الأنبياء إنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثوا دِينارًا ولا دِرهمًا، إنَّما ورَّثوا العِلْمَ، فمَن أخَذَه أخَذَ بحظٍّ وافرٍ».
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : أبو الدرداء | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه
الصفحة أو الرقم : 183
أنت وارث نبي ﷺ ، نال النبوة بالاصطفاء ، فالوارث مثله ، نعم الجِـد والتعب له نصيب لكنه ليس كل نصيب ، لابد للإنسان من عناية إلهية تحيط به ، ولا ينال ذلك إلا بصدق التوجه وبالإخلاص في طلب العلم لوجه الله عز وجل ، أما من أراد العلم ليتصدر المجالس ، وليقال عنه فإنه والعياذ بالله أول المعذبين ، أول ما تسعر نار بمن إخواني؟
بالعلماء.
العلماء الربانيين!؟
أعوذ بالله ، بل بمن تعلمه أو بمن قرأ القرآن ليقال عنه ، ليشار إليه.
ورحم الله ابن القيم لما قال :
وعالمٌ بعلمه لَم يَـعملن ، مُعذَّبٌ قبل عُباد الوثن.
إذن إخواني العلم فيه الخير والعلم هو أول طريق الخير، من غيره يتخبط الإنسان ، وإن عَمِل داعية.
كثير من الدعاة الآن :
هم ليسوا دعاء عاملين ، هم عاملين أنهم دعاة ، يمثلون على أنهم دعاة لكي يحصلوا أصوات الناس ، ولكي يشار إليهم في المجالس ولكي ينتخبوا في المجالس وهكذا ، وإلا الحرام يحيط بالناس من كل مكان ، ولا نسمع صوتا ينكر حراماً ، ولا نسمع صوتاً يأمر بواجب شرعي.
العلم إخواني:
قال الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورحم الله ابن القيم لما قال :
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه
ولهذا إخواني العلم أولى الواجبات التي ينبغي على المسلمين أن يشتغلوا بها.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول طلب العلم فريضة على كل مسلم.
ليس فريضا على كل مسلم أن يصبح عالماً ، ولكن الواجب والفريضة على كل مسلم أن يكون طالب علم ، أن يكون عنده حب ورغبة في طلب العلم ، والشرع ترك الوسيلة ، الوسيلة متروكة ، أن تأخذ من شيخ أن تقرأ من كتاب ، أن تسمع شريطاً ، الوسيلة متروكة المهم أن تكون طالب علم.
فطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ومن الواجبات التي سيسأل عنها الناس جميعاً العلم.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ، ومن بينها وعن علمه ماذا عمل به.
هل عندما يُسألون الناس يوم القيامة عن العلم ، يقولون هذا العلم فقط للعلماء ، لطلبة الشريعة ، أو لطلبة الجامعات؟!
يجب على كل مسلم ، حتى الأمي قبل الذي يقرأ و يكتب ؛ يجب عليه أن يناله وأن يتعلم ما يدخل به الجنة ، ويجب عليه أن يتعلم ما يجعل توحيده سليماً ، وما يجعل عبادته سليمة ، وما يلزمه في يومه وليلته من الأحكام الشرعية.
على كل واحد حتى على الذي لا يقرأ ولا يكتب، الله أكبر!
الذي يقرأ الذي لا يقرأ ولا يكتب يجب عليه أن يتعلم ، فلا يقال هذا أمي لا يحسِن!
بل يجب عليه أن يتعلم.
هذا الأمي إن كانت له بقالة البقالة ، أقل شيء فيها خمسمائة صنف ، بقالة متواضعة فيها خمسمائة صنف ، يعني عنده أي خمسمائة معلومة ، ويحفظ الـ 500 صنف أين موجودة بين الرفوف ، وهكذا صارت 1000 معلومة ، ويحفظ الـ 500 صنف ، كم عليها ، أي صار يحفظ 1500 معلومة ، ويحفظ كم بيبيع كل صنف ، وهكذا صاروا 2000 معلومة ، ويحفظ كم بيربح في كل صنف 2500 معلومة ، اللي يحفظ 2500 معلومة من الدين هذا عالِم ، هذا أمي ويحفظ!
لكن إخواني عنده توجه ، عنده حب للمال عنده حب للكسب ؛ توجه للحفظ ، أشغل دماغه أشغل عقله ، أما الدين إن كان ما فيه حب ما فيه توجه فأنى له أن يحفظه ، وأن له أن يتعلم؟!
إذن إخواني العِـلمُ العِلمْ ، وبالعلمِ تنهض الأمم ، وبالعلم يصعد الإنسان ويسعد ، وبالعلم يسير الإنسان على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إخواني العلم هو في الحقيقة مقياس لا أقول بين الأفراد وإنما أقول بين الأمم ، وأقول بين التجمعات وغيرها.
إخواني لما ابتعد الناس عن العلم ، ابتعدوا عن خير كبير ، أريد منكم أن تتأملوا شيئاً أحب أن أردده كثيراً ، وأحب أن يرسخ في القلوب والعقول ، لأنه هو بحق معيار المفاضلة.
روى البخاري في الصحيح قال جاء جماعة يشكون إلى أنس بن مالك ما يلقون من الحجاج فقال أنس اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي يليه شر منه ، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.
أيهما قبل الحجاج أم عمر بن عبد العزيز؟
الحجاج قبل ، هذا ما فيه خلاف ، أيهما أفضل؟
لا يأتي عليكم زمان إلا والذي يليه شر منه.
إذاّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا:
يا أيها الناس انتبهوا ، إن المفاضلة ليست بين حاكم وحاكم.
أنا أقول لا يأتي عليكم زمان إلا والذي يلي شر منه ، مع أن عمر أحسن من الحجاج ، وجاء بعده!
إذن المفاضلة ليست بين حاكم وحاكم أبداً، نحن مأمورون أن نزن الناس بالشرع ليس كذلك؟
أم بالعاطفة أم بالجعجعة؟!
لسأن حال الناس يقول بالجعجعة إلا من رحم الله.
الليث بن سعد فقيه مصر ، الليث قال فيه الشافعي:
لو اجتمعت الليث مع مالك ؛ لباع الليثُ مالكا فيمَن يزيد.
يعني كان أعلم من مالك.
الليث كان يقول:
لو رأيتم الرجل يسير على الماء لا تسمعوا له ، حتى تعرضوا عمله على الكتاب والسنة.
الشافعي يقول رحم الله ليث فأنه قَـصَّر ، فأنا أقول :
لو رأيتم الرجل يسير على الماء ويطير في الهواء فلا تسمعوا له حتى تعرضوا عمله على الكتاب والسنة.
إذن الميزان ميزان شرع ولا عاطفة وجعجعة؟
شرع الكتاب والسنة.
كنت أقول في فتنة مرت بالمسلمين من قريب لو رأيتم صورة الرجل في القمر ؛ فلا تسمعوا له حتى تعرضوه على الكتاب السنة وإياكم الجعجة والعواطف.
الشرع قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الجعجعة بعيدة.
إذن إخواني ليست المفاضلة بين حاكم وحاكم.
قد يأتينا حاكم أفضل من الحاكم الذي قبله والعصر الذي قبله أحسن من العصر هذا.
ممكن أم غير ممكن؟
ممكن ، لأن الحجاج معروف بشره ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يأتي عليكم زمان إلا والذي يليه شر منه ، كيف؟
معاذ الله أن نقارن بين الحجاج وبين عمر ، الحجاج لما ترجمه الإمام الذهبي في كتابه “السير” ، ترجمه بأسطر قليلة.
قال نبغضه ولا نحبه ، نعاديه ولا نواليه ، له حسنات مطموسة في بحر سيئاته ، لو تخابثت الأمم فجاءت كل أمة بخبيثها، وجئنا بالحجاج ابن يوسف الثقفي لغلبناهم.
وعمر بن عبد العزيز الخليفة الخامس الراشد ، كيف نفهم الحديث مع هذا الواقع؟
نفهم الحديث إخواني إن علمنا أن عصر الحجاج فيه صحابة ، عصر الحجاج فيه علماء ، والعلم الطري ندي بعد ، إذن المفاضلة في المنهج ، المفاضلة في العلم ، عصر الحجاج فيه علماء ربانيين فيه صحابة أجلة رضي الله عنهم ، ولا يوجد صحابي ألبتة في عصر عمر بن عبد العزيز ، ولذا روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال ما عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرة مال يصيبه أحدكم ، في الحديث لا يأتي عليكم زمان إلا والذي يلي شر منه.
لو كان لا يأتي عليكم زمان إلا والذي يلي شر منه بالمال وبالخير ؛ لكان عصرنا خير من عصر الصحابة.
كان أبو هريرة بجانب المنبر يُـصرَع من الجوع ، أصابه الصرع ، لا يجد ما يضع في بطنه ، وكان أحدهم يضع الحجر والحجرين على بطنه من الجوع.
إذن ليست العبرة بطعام ، لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرة مال يصيبه أحدكم ، وإنما العلم.
احرص يا أخي هداني الله وإياك على العلم ، وأقبِـل عليه ، وبه تَعرِف مع من تسلك ، تعلم العلم أول ، اعرف الحق ، ومن ثم تعرف من هم أهل هذا الحق ، وتأمل معي دعاءك في صلاتك
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة : 6-7]
أولاً تسأل ربك الصراط ، ومن ثم تسأل ربك أن تسلك مع من أنعم الله عليهم ، أولاً أنت تريد الصراط ، لا تريد أهل الصراط ، إعرِف الحق ؛ تعرف أهله.
اهدنا الصراط المستقيم ومن ثم صراط الذين أنعمت عليهم ، إذا بالعلم تستطيع أن تعرف المحق من المبطل ، المحسن من المسيء.
الآن إخواني أغلب العاملين للإسلام فضلاً عن غيرهم أخذوا من الإسلام وتعلموا منه أشياء يسيرة ودندنوا بنصوص هي حق ولكنهم وظفوها واستخدموها على وجه فيه باطل ، ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية لما قال :
إنما أفسد الدين أنصاف الفقهاء ، وإنما أفسد الأبدان أنصاف الأطباء ، وإنما أفسد اللغة أنصاف النحاة.
أي نعم إذن إخواني العلم هو المعيار الحقيقي في تقدم الأمم وتأخرها وهو المعيار الحقيقي في معرفة المحق من المبطل ، وكما قال الإمام النووي رحمه الله :
ما من طاعة من الطاعات أحب إلى الله من العلم ، وجميع الطاعات ، الطاعات جميعها بلا استثناء خيرها يعود على أصحابها ، خيرها يعود على المتلبسين بها ، إلا العلم فإن خيره يتعدى صاحبه إلى غيره إلى الناس جميعاً.
فالعلم طاعة من الطاعات تتعدى صاحبها ويتعدى الخير الذي فيها فيصيب الناس جميعاً ، ولذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الحيتان في البحر تدعو لمعلم الناس الخير ، حتى الحيتان في البحر تدعو لمعلم الناس الخير.
فضل العلم عظيم ، وبه الإنسان ينمي فطرته ويقوي إيمانه ، ويحافظ على ما هو عليه.
أعود إلى الحديث بعد هذه الاستراحة ، فأقول قال حذيفة رضي الله عنه :
أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثين ، أما أحدهما فقد رأيته وأما الآخر أنتظره.
أخبرنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من الكتاب ثم علموا من السنة.
إذن علم الكتاب والسنة هو الغذاء للفطرة ، والفطرة تتلاشى وتذوب وتموت بل تنحرف وتُغتال وتُجتال إن لم يتعاهدها صاحبها بالعلم.
المصدر:
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله.
من اليوتيوب بعنوان
(لأول مرة ينشر الشيخ مشهور_بن_حسن_آل_سلمان 04- شرح مسلم).✍️✍️
◀️ رابط الفتوى:
[صدق التوجه والإخلاص في طلب العلم لوجه الله عز وجل] فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله