*السؤال الرابع: شيخنا المبارك أبي ينهانا عن استخدام الخلويات الذكية ويقول لن أسامحكم إذا استخدمتم تلك الأجهزة إلا قبيل الزواج فإني أخاف عليكم أن تفتنوا بفتنة شهوات النساء ، هل يجب طاعة الأب؟*
الجواب: نعمّا هذا الأب، ومخالفة أمره فيه معصية فمن حق الوالد إن أمرَ بشيء مباح فمن حقه أن يطاع ، فالوالد إن أمر فهذا أمر حسن، *ومن مات ولم يحط رعيته بنصيحة، فالنبي صلى الله عليه وسلم هدّده: قال: *فقد مات غاشاً لرعيته.*
فالوالد الذي يرى المنكر في أولاده، و يرى الواحد واقفا حامل التلفون الولد أو البنت ويرسل رسائل ويستقبل وينظر.
ويغلب على الظن في قرائن الأحوال وفي بعض الأحايين في حق بعض الناس الاستخدام يكون فيه مخالفات.
فالواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والواجب الغيرة على محارم الله عزوجل.
الواجب على كل والد أن يغار على محارم الله عزوجل، فإن رأى رعيته وهم ينتهكون محارم الله فإذا لم يأمرهم ولم ينهاهم مات وهو غاش لرعيته.
فهذا الوالد جزاه الله خيراً يُطاع، وهذا الوالد أكثرَ الله من أمثاله، ويا ليت جميع الآباء يحيطون أبناءهم بنصيحة، ونرى الآباء يأتون وهم حريصون كل الحرص على الصلاة في الجماعة في المسجد، والأبناء في البيوت لا يُأمرون ولا يُنهَون ولا يُؤتى بهم للمسجد أبداً ولا يُنصحون وهذا تقصير.
*السؤال الخامس: توفيت والدتي قبل أسابيع ووالدي قد طرح موضوع زواجه من امرأة أخرى في الوقت الحالي كيف نوفق يا شيخ بين برِّ الوالد وعدم معارضة مشاعرنا وعواطفنا؟*
الجواب: الإنسان يحزن لشيء ويفرح لشيء، وهذا لا تعارض فيه من كل الوجوه.
التعارض من كل الوجوه أن يكون الشيء نفسه أبيض وأسود، بارد وحار، لكن إذا كان هنالك تفريق فلا مانع بأن أباك يتزوج ويبقى في قلبك حزن على أمك، حتى لو أن والدك تمهل فترة فهل يُرفع الحزن من قلبك؟
متى سيرفع الحزن من قلبك؟
من فقد أمه يعرف معنى الفقد.
من فقد غيرها هذا لا يشعر بكثير من الفرق ، أما الأم فسبحان الله لفقدها شيء، حتى سمعت بعض أهل الصلاح يقول: *أنا أعجب كيف الواحد يفقد أمه ورجلاه يحملانه*.
فما المانع.
ورد عن جمع من السلف، قال: *لو ماتت زوجتي اليوم تزوجت غدا*
هل في عدة للرجل؟
في عدة نادرة، في *صورتين،* الرجل يعتد في صورتين:
*الصورة الأولى:* لما يتزوج الخامسة، فواحد يطلق الرابعة ويريد أن يتزوج الخامسة لازم يعتد.
كيف يعتد؟
حتى تبين الزوجة منه، حتى تصح له الزوجة الاخرى ، أما من تزوج الثالثة أو الرابعة فهذا لا عدة عليه.
*الصورة الثانية:* إذا تزوج امرأة لا يجوز له أن يجمعها مع امرأته، مثل إنسان تزوج عمة زوجته، أو خالة زوجته، أو أخت زوجته، فهذا يحرم عليه أن يتزوجها حتى يعتد، حتى تنتهي عدة الزوجة، ثم بعد انتهاء العدة يتزوج أختها أو يتزوج عمتها أو يتزوج خالتها أو يتزوج ابنة أخيها أو ابنة اختها فهذا ماذا يسمى؟
هذه من الاحاجي.
فهذه هي العدة للرجل .
أما واحد ماتت زوجته ،فهل له أن يتزوج اختها؟
له أن يتزوج اختها.
هل يحتاج لعدة؟
ما يحتاج لعدة إذا ماتت، فشخص زوجته ماتت أراد أن يتحول لأختها قال: والله أتزوج اختها واختها خالة والخالة أُم، والخالة تحن على الأولاد، له أن يتزوج بدون عدة.
فكيف أنت يا أيها السائل تجبر أباك على العدة؟
هو مضطر، فهو أعلم بحاجته، فموضوع الزواج يا إخواني الرجل هو الذي يقدر فيه حاجته ولذا قال سبحانه (ألا له الخلق والأمر)، فالشرع ما شرع شيئا يخالف الفطرة والطبع والسجية التي خلق الله الناس عليها، فله سبحانه الخلق وله سبحانه الأمر، فالخلق خلقه والتشريع له، ولا يصلح خلقه إلا بالتزام شرعه.
فإذا والدك أراد الزواج فلا تمانع ولا تبدي شيئا يمنع ذلك .
*السؤال الثاني عشر: أمي تريد أن أهنئها بعيد الأم ماذا أعمل؟*
الجواب: هنئها في كل يوم، وأبسطها في كل يوم، وأدخل السرور عليها في كل يوم، وإذا أمك تحب هدية ما تفهم منك عشان إنك متدين يعني أنت حرمتها من عطائك.
أعط أمك في كل يوم ،أين المشكلة؟
يعني واحد مبتلى عنده أقارب يعملوا أعياد ميلاد للصغار ،هل لكونك أنت متدين تحرمهم من هذه الأكلات، كل شهر اعمل لهم قالب كيك واطعمهم، لا تشعرهم بالحرمان ما تشعر ولدك لأنك أنت متدين أنه والله هو الآن أصبح محروما، هذا علة فيك هذا الشعور إذا تسلل لقلب ولدك هذا علة فيك، *وهذا سبب من أسباب الصد عند سبيل الله،* فأنت صاد عن سبيل الله، وكذلك أمك وكذلك أبوك، لكن قد يوافق بخلك أنه والله عيد الأم حرام .
……..
أعط أمك.
أكرم أمك.
ماتشعرها بالحرمان.
ما تشعرها أنها تطلب منك يوم عيد الأم.
أشعرها واجعلها تنطق وتقول أنا بفضل الله ولدي غير مقصر معي، ولدي يعطيني في كل حين، فإن فعلت هذا فأنت الآن موفق، أما أن تغلب بخلك وتغلب إمساكّك أو مطاوعتك لزوجتك أو أو أسباب كثيرة تكون في المجتمع أنه والله بحجة عيد الأم ليس بمشروع فأنت تمنع وتمسك عن أمك فهذا أمر ليس بحسن.
الإحسان ميدان فسيح، الشرع ما وضع له حدا، وكل شيء لم يضع الشرع له حدا تعريفه يكون على حسب ما تعارف الناس عليه.
وأول معنى من معاني الإحسان أن يرضي الإنسان والديه، فالرضا من الإحسان، والإحسان الرضا وزيادة، فقد أحسن لأبويّ وهما أموات.
فالدعاء مثلاً للأبوين داخل أو خارج الصلاة هذا من الإحسان إليهما.
أما الرّضا فلا يكون إلا في حياتهما، ولذا الله عزوجل يقول
*وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا،* ليشمل برّ الوالدين بعد الحياة وقبل الممات ، بعد الممات مطلوب من الإنسان أن يتففد والديه بأن يتصدق عنهما وأن يدعوا لهما ويصل أهل ودّهما أهل الود لأمك وأبوك هم من كانوا يحبون، النبي صلى الله عليه وسلم بلغ به الحال كان يصل أهل ود خديجة صويحبات خديجة يرسل إليهن إذا جاء مثلاً لحم أو شيء يهدي إليهن، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت :
ما غِرتُ على أحدٍ من نساءِ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما غِرتُ على خديجةَ، وما رأيْتُها، ولكن كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُكثرُ ذِكرَها، وربما ذبح الشاةَ، ثم يُقَطِّعُها أعْضاءً، ثُمَّ يَبْعَثُها في صَدائِقِ خديجَةَ، فربما قُلْت له : كأنهُ لم يكُن في الدنيا امرأةٌ إلا خديجةُ، فيقول : ( إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولدٌ ) . . لفظ البخاري (٣٨١٨) فهذا من الوفاء، ومن أكثر الناس يجب الوفاء في حقه الوالدان، فالوالدان يحسن إليهما ويكمل هذا الإحسان برضاهما.
لذا سعيد من يقول : اللهم وفقني لأحسن لوالديّ اللهم أكرمني لأن ارضيهما ووفقني لأن ابرهما وما شابه.
*السؤال السادس: أنا رجل أعيش في نفس البناية مع أمي وأبي وأخواتي وإخوتي الذكور وعوائلهم وأختي المتزوجة وعائلتها، وأرى منهم الكثير من التجاوزات، مثل: التبرج وسماع الأغاني ومتابعة المسلسلات، ولا استطيع السكوت عما أرى من أي منهم، وأُقَابَلُ بالصد والإنزعاج من أمي لدرجة أنها تغضب ولا ترغب في مجالستي علما بأن تصرفي من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟*
الجواب: هذه نيتك، لكن كيف صنيعك؟ وما هو أسلوبك؟
الموفق يبدأ مع من يتكلم بالذي يحب وينتهي معه بالذي يحب بمعنى أنك ينبغي أن تكون رفيقا وأن تتكلم مع الناس بلين ورفق، الله يأمر موسى وهارون لما ذهبا لفرعون فقال:﴿فَقولا لَهُ قَولًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَو يَخشى}.
مع فرعون والأمر لنبي لكليم الله موسى وأخيه هارون عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام أن يقول قولا لينا، اصبر وصابر أكثر من الدعاء لهما أكثر من الدعاء لهما ولا تتوانى عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن ليكن هذا في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة وليكن هذا بحكمة ويرتفق معه الدعاء، ولعل بعض الناس ينفر من الأسلوب ،بعض الناس ينفر من أن تأمر أمام الملأ فتكلم بينك وبينهم يعني بسر بينك وبين أختك اشفع ذلك بهدية بشيء يقبل منك وسل ربك عز وجل أن ينتفع الناس بك.
والله تعالى اعلم.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة.
16 جمادى الأولى1439هـجري.
2018 – 2 – 2 إفرنجي.
↩ رابط الفتوى:
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.✍✍
*السؤال الحادي عشر : أبٌ توفاه الله تعالى كان لا يسمح لأولاده البالغين باستعمال الجوالات الحديثة.*
مداخلة الشيخ : *جزاه الله خيراً، اليوم من ليس عنده جوال كأنه فقد الحياة.
تكملة السؤال : لأنه كان يحذرهم ويخشى أن ينزلقوا في فتن الشهوات التي أصبحت من الميسور ، إلاّ أن الأولاد بعد وفاته أصابهم ما أصاب الشباب المسلم من استعمال الجوال فيما حرّم الله ، سؤال شيخنا هل يلحق الوالد شيئا من الإثم والحرج ؟
الجواب : لا ، لكن الولد آثم مرتين؛ الولد آثم إثمين، وقلت لكم أكثر من مرة الإثم قد يكون حراما من وجه و حراما من وجهين و حراما من ثلاثة وجوه .
رجل يأمر إبنه أن يصلي وهو بالغ والولد ما صلّى ما هو الإثم الذي عليه ؟
عليه إثم ترك الصلاة وإثم عقوق الوالدين ، تارك الصلاة للوالد الصالح أشدّ إثماً من تارك الصلاة للوالد الفاجر ؛يعني الولد الذي أبوه صالح إن ترك الصلاة هو أشد إثماً ممن ترك الصلاة وكان أبوه فاجراً.
مثل قاطع الرحم وكانت الرحم جارة مثل أختك أو بنتك جارة لك وأنت قاطع لها ،ما هو الوزر الذي عليك ؟
وزرين.
وزر قطع الرحم ووزر عدم صلة الجار .
وذكرت لكم الإمام أحمد قال هذا حتى يوضح المسألة والمسألة أشبه ما تكون بنظرية ، موضوع لحم الخنزير من أكله آثم ، فإن سرقه وأكله آثم مرتين ، قال فإن أكله غير مذكّى آثم ثلاث مرات .
هذا الذي استخدم الجوال وأبوه موصي؛
– واحمد الله على مثل هذا الأب وترحّم على أبيك –
ألاّ تستخدم الجوال ،فاستخدمته واستخدمته على وجه حرام ، فإذا استخدمته على غير وجه حرام
آثم من وجه لأن الوالد أمر ومن حق الوالد أن يطاع في مثل هذا ، فاستخدمه بالحرام آثم من وجهين ؛ الوجه الأول الحرام والوجه الثاني مخالفة الأب وعقوق الأب .
فالذي يستخدم الجوال على الصورة المذكورة آثم.
والله تعالى اعلم.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة.
25 ربيع الأخر 1439هـجري
2018 – 1 – 15 افرنجي
↩ رابط الفتوى:http://meshhoor.com/fatwa/1838/
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.✍✍
البر؛ والبر والإحسان إلى الوالدين والصلة ميدان واسع فسيح لم يضع له الشرع حداً، وإنما تركه على حسب الورع والتقوى، فكلما ازداد الورع، ازداد البر، وما حديث الثلاثة الذين هم في الغار عنكم ببعيد، كيف كان بره لأبيه، وما قدم الشراب لأبنائه وهم يتصايحون حواليه، حتى استيقظ أبواه فغبق لهما من اللبن ثم بعد ذلك أعطى أولاده.
وقال تعالى: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة}، وأثر عن مسروق وبعض السلف أنه لما يتكلم عند أبويه لا يكاد يسمع له صوت ذلاً ورحمة، فمهما حلقت وارتفعت وأصبحت غنياً أو ذا منصب اجتماعي فعند الوالدين اخفض الجناحين، وكن لهما ذليلاً ورحيماً، {ولا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهام قولاً كريماً}، فلا يجوز لك أن ترفع صوتك على صوتيهما، فليس البر الطعام والشراب، وإن كان الطعام والشراب من البر، فالبر أيضاً الجانب النفسي، فليس من البر أن تعيش في النعيم، وأن تتنعم في الخيرات وما لذ وطاب، ووالداك يعيشان في نوع عوز وفقر، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم {أنت ومالك لأبيك}، وهذا يفسره الحديث الآخر، وإن كان فيه نوع ضعف، {يد الوالد مبسوطة ليد ابنه} والمطلوب من الابن أن يجعل الوالد يعيش في مستواه، ولو كان {أنت ومالك لأبيك}، على الإطلاق، لما كان معنى لقول الله تعالى: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس}، أي يكون معنى الحديث: {أنت ومالك لأبيك} يد أبيك مبسوطة في مالك يأخذ عند الحاجة، ويعيش في مستوى الابن.
وسئل عمر بن ذر : كيف برك أبيك؟ فقال (بري لأبي: أن لا أمشي بنهار بين يديه، وألا أمشي بليل خلفه، وأن لا أصعد ظهر بيت وهو تحته}، فالبر أمر فوقي؛ يحدد مداه الورع والتقوى، وقيل عن والد عمر بن ذر أنه كان يتأذى من الماء البارد، فسجن يوماً وابنه، فمكث عمر على ضوء القنديل يحمل الإناء طوال الليل حتى لا يؤذى أبوه من استخدام الماء البارد، فهذه صور من صور البر لا يقدر عليها إلا الورع والتقي، فالأصل في الأب إن أمر أن يطاع، وأن ترفع صوتك على صوت أبيك وأمك هذا من العقوق، وأن تقدم رأيك وأن تفرضه على أبيك وأمك من العقوق ، لكن تبدي رأيك.
لكن هذا في دائرة المعروف، فربنا يقول: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً} فمهما يجاهداك على أن تكون مشركاً، وربنا يقول: {وصاحبهما في الدنيا معروفاً}.
فينظر إن كان الأمر في البر فكما النبي صلى الله عليه وسلم: {لا طاعة إلا بالمعروف} وقال: {لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق}، فقد يكون بعض الوالدين ظلمة، فالابن يتزوج امرأة تلبس جلباباً لكن الوالدين لا يريدانها، لأنها تستر بدنها وشعرها أمام إخوانه وأعمامه، فالوالدين في هذه الحالة لا يطاعان.
لكن إن كان الابن يعلم من أبيه عدلاً، وإنصافاً وديانةً، وأمره بالطلاق، فيجب عليه أن يستجيب، ولا يجب على الأب أن يخبر ابنه بالسبب، فلعل الأب رأى سبباً يوجب عليه شرعاً أن يأمر ابنه بالطلاق، ويرى من المصلحة أن يكتم هذا السبب على الابن، فعلى الابن أن يستجيب ما دام يعرف أن أباه ذا عدل وديانة ولا يعرف عنه ظلم ولا هوى، ولم يأمر ابنه هكذا، فعليه أن يطلق، والله أعلم.
لا حول ولا قوة إلا بالله .
طالب العلم ينبغي أن يكون أسوة وقدوة، وينبغي أن يضرب المثال الحسن في علاقته مع سائر الناس، فكيف مع من هم سبب وجوده، وهما الأبوان؟
والعقوق قبيحة، ومن العابد أقبح، ومن طالب العلم أقبح وأقبح.
وطالب العلم لا يوفق إلا برضا أبويه، وطالب العلم لماذا يطلب العلم؟ فلو أنك وجدت طريقاً للجنة أقصر من طريق طلب العلم، أتسلكه أم تبتعد عنه؟ تسلكه أليس كذلك؟ فطلب العلم عند الموفق اليوم هو أقرب طريق للجنة، فمجلس طلب العلم له جائزة، وجائزته أن تغشاه الرحمة، وتحفه الملائكة، وأن يذكر الله تعالى من فيه بأسمائهم وأعيانهم مباهياً بهم الملأ الأعلى، وكفى بهذا فخراً وكفى بهذا أجراً.
والقاعدة التي يعلمها هذا الطالب أن التخلية قبل التحلية، فمن على يده نجاسة لا يضع عليها طيباً، وإنما يضع الطيب بعد أن يزيل النجاسة، فهذا طالب العلم يسلك طلب العلم، من أجل الجنة، ما عمل بهذه القاعدة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {لا يدخل الجنة قاطع}، رواه الشيخان، فأنت تطلب العلم من أجل الجنة، فخلي وابتعد عن الأسباب التي تحول دون دخول الجنة، حتى إن تحليت بطلب العلم دخلتها، فتخلى قبل أن تتخلى.
ثم كيف الإنسان يبقى يستمر في الخيرات والتوفيق من الله عز وجل في حياته الدنيا وهو متلبس بأسباب الغضب، غضب الله عز وجل، فالإنسان إن سما وعلا وإن أصبح عالماً وإن أصبح غنياً أو ذا شهادة، وإن أصبح ذا منزلة اجتماعية فينبغي أمام أبويه أن يخفض هذه الأجنحة، وألا يطير بها، وأن يتواضع لأبويه فربنا يقول: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً}.
فأمام الوالدين لا شهادة ولا طلب علم ولا ثراء ولا مال وإنما خفض أجنحة وذل، ومن يقرأ ترجمة قتادة بن دعامة التابعي الجليل، يجد كيف كان يتكلم مع أمه بذلة، فيكاد لا يسمع صوته.
فليس بر الأب أن تطعمه أو أن تعطيه مالاً فقط، فقد يقع مع الإطعام والنفقة عقوق، كأن لا تسمع رأيه وتنفر فيه وترفع صوتك على صوته، فالبر أوسع من الإطعام والنفقة، وهذا من محاسن ديننا، وهذا من معايب ومقابح الكفار اليوم، فالأب يكبر ويضعف بدنه ولكنه صاحب تجربة، فالابن المسلم يعمل على رضاه، لا يتحرك إلا بإذنه واستشارته، والأب يضعف ولا يقوى أن يخدم نفسه، والابن لا يسقط له كلمة ولا رأي في الأرض ويحترمه ويعتبره تاجاً على رأسه، ويعبد الله عز وجل بتبجيله وتعظيمه وتوقيره.
أما الكافر لما يكبر أباه يذهب به ويضعه في دار العجزة، ويأت ببدل منه بكلب في بيته، فكفاهم قبحاً هذا، وكفانا فخراً بآبائنا أن نتسابق لرضاهم بأن نخدمهم فيما لا يقدرون عليه، وإن كانت هذه الخدمة تؤذي النفس، لكن يفعلها الإنسان مبتغياً الأجر والثواب من الله عز وجل؛ لأن بر الوالدين لا سيما الأم سبب من أسباب التوفيق.
وتأملوا قول الله عز وجل: {وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً}، فمن مفهوم المخالفة في الآية أن من لم يبر والدته فهو في الدنيا جبار شقي، فلا يوفق لمال ولا لجاه ويصاب بالحرمان والانتكاسات وعدم التوفيق، وهذا أمر مشاهد. وكذلك قوله تعالى: {وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً}، فمن لم يكن باراً بوالديه فهو في الدنيا جبار وعاصي.
إذاً بر الأب أولى الناس به طالب العلم، لكي يدفع عن نفسه أن يكون في الدنيا أن يكون جباراً شقياً.
والإنسان لا يستطيع أن يطلب الخير على غيره، حتى يستقر في بيته، وحتى يعظم أبويه، وحتى يجد من زوجه وأولاده قرة عين له، قال تعالى في الدعاء: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً}، فالإنسان يكون للمتقين إماماً لما يجد قرة عينه في بيته، لما يعيش في طمأنينة وسكون وراحة في بيته، وينعم ويسعد بزوجه وأولاده، والخير الذي عنده يفيض عليهم، بعد ذلك يفيض على غيرهم، فهذه مفاهيم ومعاني ينبغي ألا ننساها.
وقبيح جداً بطالب العلم أن يكون عاقاً، فطالب العلم ينبغي أن يقدم أمر أبويه على كل أمر، وينبغي أن يعبد الله عز وجل بهذا، لا سيما أن هذه أبواب مفتحة للجنة معرضة لأن تغلق في أي وقت، فهنيئاً لمن له أم وهنيئاً لمن له أب.
ومن العقوق الذي يفعله كثير من الناس اليوم، سواء كان آباؤهم أحياءً أم أمواتاً أن ينسى الابن الدعاء لأبويه، فكثير منا لا يدعو لأبويه، وهذا نوع من أنواع العقوق، فإن من باب البر بالأبوين أن تكثر من الدعاء لهما، ولا ينساهما ولاسيما في الأوقات التي يرجى فيها الإجابة، وفي الأحوال والهيئات التي تجد لك فيها حضور قلب وخشوع وقرب زائد من الله عز وجل، نسأل الله عز وجل أن يبعد العقوق عنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا، وأن يجعلنا من البارين.