إذاً الفتن التي ندرسها هي الفتن التي تموج موج البحر، وإن سألت عن موج البحر في الفتن فانظر إلى بلاد المسلمين، ولا سيما في وقت الثورات، وقت الاضطرابات، الوقت الذي تلعب فيه هذه الأمواج بهذه الأمة.
اسمع إلى حذيفة ماذا يقول فيما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما أخرجه مسلم في صحيحه، قال:
« قالَ حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ: وَاللَّهِ إنِّي لأَعْلَمُ النَّاسِ بكُلِّ فِتْنَةٍ هي كَائِنَةٌ، فِيما بَيْنِي وبيْنَ السَّاعَةِ، وَما بي إلَّا أَنْ يَكونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَسَرَّ إلَيَّ في ذلكَ شيئًا، لَمْ يُحَدِّثْهُ غيرِي، وَلَكِنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، قالَ وَهو يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فيه عَنِ الفِتَنِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَهو يَعُدُّ الفِتَنَ: منهنَّ ثَلَاثٌ لا يَكَدْنَ يَذَرْنَ شيئًا، وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ، منها صِغَارٌ وَمنها كِبَارٌ. قال حُذَيفةُ: فذَهَب أولئكَ الرَّهطُ كلُّهم غَيْري ».
الراوي : حذيفة بن اليمان | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 2891
| التخريج : أخرجه البخاري (6604)
«إني لأعلم الناس بكل فتنة هي قائمة بيني وبين قيام الساعة»، أي أعلم خلق الله.
« منهنَّ ثَلَاثٌ لا يَكَدْنَ يَذَرْنَ شيئًا، وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ» ريح الصيف عارض.
فقال حذيفة رضي الله تعالى عنه:
«فذهب أولئك الرهط غيري».
كان معي مجموعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ماتوا قبلي فبقيت أنا أذكر هذا الحديث، الشاهد: أراد الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم شبّه الفتن بالأمواج، شبَّهها برياح الصيف، وقسَّم الرياح إلى قسمين: قسم كبار وقسم صغار.
فالفتنة تموج بالأمة ، وتشبيه النبي ﷺ بعضها برياح الصيف دلالة على سرعة مجيئها ، وسرعة انقضائها ، وبيان ضعف أثرها.
الفتن التي وقعت في أمة الإسلام كثيرة ، ومن أكبر الفتن التي وقعت في بلاد المسلمين فتنة التتار، قتلوا فيها أعدادًا كبيرة جدًّا.
والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن اشتداد الفتن، وهنا لفتة لا بد أن أربط بها الحديث الأول مع الحديث الثاني: كيف تبدأ الفتنة؟
تبدأ بالاختلاف ، والخلاف يشتد ونترك التحاكم إلى: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ”، نأخذ الداء ونترك الدواء.
فتبدأ الفتنة بالاختلاف، وتتربع ويظهر أثرها القوي في القتال، وأول فتنة ظهرت في الأمة:
مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه.
فالفتن تبدأ بالاختلاف، تشتد حتى تصل إلى سفك الدماء.
وهناك حديث جليل فيه كثير من الفوائد التي تخص الفتنة، سأذكره لكم وسأكرر ذكره في كل مناسبة يأتي ذكرها للفائدة التي فيه، وهي تخالف ما قبلها وما بعدها، حديث أخرجه مسلم في الصحيح قال :
«عن عبد الله بن عمرو -رضى الله عنهما- قال: كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فنزلنا منزلا فمنا من يُصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جَشَره، إذ نادى منادي رسول الله ﷺ: الصلاةَ جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله ﷺ فقال: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرَها بلاءٌ وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة يُرقِّق بعضها بعضًا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مُهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»
أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء، الأول فالأول، برقم (1844).
قال عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ـ تابعي الحديث ـ قال لعبد الله بن عمر وهو صحابي الحديث:
آلله سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فأهوى عبد الله بن عمرو بيديه إلى أذنيه وقلبه فقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي.
هذا حديث جليل، وفيه بيان أسباب النجاة من الفتنة، ولما ننتهي من أسبابه سنذكره مرة أخرى، ولكن شاهدي من إيرادي الحديث في هذا الموطن أن أقول:
إن الفتن ستعصف بالأمة وتأتي على شكل أمواج، وذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: “حتى تجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، ثم تجيء، فيقول المؤمن: هذه هذه”.
فدل هذا القسم من الحديث على أن الفتن تعصف وتهب على الأمة على شكل أمواج، تأتي ثم تنكشف، ثم تأتي، ثم تنكشف، المؤمن الذي يحافظ على ثوابته أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: يقول المؤمن: هذه مهلكتي، لا يغير ولا يبدل، ثم تنكشف، ثم تجيء، فلما تجيء في الموجة الأخرى يقول المؤمن: هذه هذه، أي: هذه مهلكتي.
المؤمن في الفتن العُـمِّـيَّةِ يجب عليه أن يعتزلها، ولا يجوز له أن يشارك فيها، فالمؤمن في وقت الفتنة يخاف، ولا سيما يخاف من الدم، يخاف من القتل، وكان الإمام أحمد لما يُسأل عن القتل كان يقول:
أجبُن عن الإجابة فيه، فكان جبانًا، وهذا الجبن محمود وليس بمذموم.
المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الأولى.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️
[ قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ..} [البقرة : 31] ، تحتاج الآية لوقفة، بل وقفات، بل مجلدات، ولا سيما مع المعارف الموجودة اليوم، بانفتاح الحضارات واللغات على بعضها بعضًا]
الله المستعان، طيب، نأتي لآية أخرى، مثلاً، الآية الأخرى مهمة، ألفاظ العموم تعطيك دلالة واضحة، تعطيك ضوءًا، تنبّهك لأشياء، الله عز وجل يقول آيةً نحفظها كلنا، ولكننا نغفل عن دلالات مهمة جدًا فيها، قول الله عز وجل:
{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ..} [البقرة : 31]
“وعلّم آدم الأسماء كلها،” ممكن أن يقول الله: “وعلّم آدم الأسماء،” لكن لا، ما قال الله عز وجل هكذا، “وعلّم آدم الأسماء،” الأسماء جمع، جمعٌ مُحلّى بالألف واللام، ماذا يفيد الجمع المُحلّى بالألف واللام؟
جميع الأسماء، جميع الأسماء وليس فقط.
أكد الله عز وجل على هذه الأسماء بـ”كلها”:
“وعلّم الله آدم الأسماء كلها”.
طيب، ما معنى الآية؟ تحتاج الآية لوقفة، بل وقفات، بل مجلدات، ولا سيما مع المعارف الموجودة اليوم، بانفتاح الحضارات واللغات على بعضها بعضًا.
يوجد اتجاه قوي كَـتب فيه جمعٌ من المعاصرين ومن أصحاب العلوم، وهذا الاتجاه أصبح اليوم قويًا، وكان قديمًا ضعيفًا، وقرره بقوة ابن حزم في كتاب “الإحكام” في أوائل كتاب “الإحكام”.
قرر أن العربية هي أصل اللغات، العربية أصل اللغات، كل اللغات الموجودة كلها أصلها العربية، قال لما؟
قال: هل العربية أصل اللغات أم ليست أصل اللغات؟
قائمة على أصل.
طالب العلم: كل مسألة يردها إلى أصلها، فإن ردّ المسألة إلى أصلها، تكلّم بعمق، قال: هل اللغة توقيفية أم اجتهادية؟
الآية تدل على إيش؟ “وعلّم آدم الأسماء كلها” ؟
اللغة توقيفية من الله، نزلت، أم أننا نحن البشر اصطلحنا على عبارات فيما بيننا، فلما توزعنا في أرجاء الأرض، فصار كل قوم لهم اصطلاح خاص بهم، وبالتالي ظهر لكل قوم لغة دون الأخرى؟
فإن قلنا الثاني، فحينئذٍ اللغة ليس لها أصل واحد، وإن قلنا الأول، إن اللغة هي توقيفية وليست اصطلاحية، إيش نقول؟ نقول: إن أصل اللغات واحد، علمًا أن من يقول إن أصل اللغات واحد يقول فيه: الأصل واحد، لكن لما افترق الناس، أصبح بينهم مواضَـعة، أصبح بينهم عبارات.
أنتم الآن انظروا، تعيش في بلد مثل الأردن أو فلسطين، مجرد ما ينطق كلمتين بتقول: هذا كركي، وهذا من الرمثا، لأن الذي من الرمثا يتكلم غير الذي يتكلم من الكرك، أهل الكرك، أول كلمة فيه بتقول: هذا كركي، أو هذا من الرمثا، أو هذا من فلسطين، اللغات الطويلة الكبيرة، القرى، كل قرية لها لهجة.
هذا فيه مواضَعة، ما أحد ينكر المواضعة، مواضعة كل قوم على كلمات معينة، لكن الأصل، أصل اللغة هل توقيفية من الله؟ “وعلّم آدم الأسماء كلها،” وقوله: “كلها” التأكيد بعد الأسماء، الجمع المُحلّى بالألف واللام، يفيد ماذا؟
يفيد أن اللغة توقيفية.
ولذا، الآن يوجد دراسات عميقة جدًا وعندي مجموعة منها، واعتنيت بهذا وكرّمني الله عز وجل بأن حققت كتابًا للشيخ تقي الدين الهلالي، وكان يتقن سبعةً من اللغات، ألّف كتابًا سماه “الفوائد السامية في اللغات السامية،” وهو مجلد كبير في أكثر من 600 صفحة، بَرهن فيه أن أصل اللغات كلها ؛ اللغة العربية ، أصل اللغات كلها، اللغة العربية.
وأعجبني كلام الإمام ابن القيم يقول: قرأت عليه من كتاب “الخصائص” لابن جني، كتاب “الخصائص في اللغة” وكتاب “الخصائص” يقارن بين اللغة العربية والعبرية، ويذكر الفروق بينها بقواعد محصورة، قال: فقرأت كلام “الخصائص” على شيخي شيخ الإسلام ابن تيمية، في الفرق بين العربية والعبرية، فبعد أن فرغت، قال لي: أعد، قال: أعدت مرة ثانية، فلما فرغت، قال لي: أعد، قال: فقرأت المرة الثالثة، يقول ابن القيم: فأصبح شيخ الإسلام ابن تيمية يتقن العبرية !
بهذه الاوراق التي قرأها، صار يتقن العبرية.
أنت الآن ما تعرف العبري، لو وجدنا واحدًا بيتكلم عبري نفهم شيئًا من الكلام؟ لأنه أقرب أخت للعربية، العبرية، العبرية أخت العربية، أقرب أخت، وهذا واضح، أي واحد بيعرف عربي سمع يهودي بيتكلم بتفهم منه، في كلمات تفهم منه، العبرية، وهكذا سائر اللغات.
عندي دراسة عميقة جدًا أن الانجليزية، أن الإنجليزية أصلها العربية، وأن الإسبانية أصلها العربية، فكل اللغات تابعة للآية، من أين أخذنا هذا؟ من أين أخذنا هذا؟ من “وعلّم آدم الأسماء كلها” أن الله قال: “كلها،” ما قال: “وعلّم آدم الأسماء،” لو أن الله قال: “وعلّم آدم الأسماء” فقط، قلنا: هذا خبر، “علّم الله آدم الأسماء” ، وعلّم غيره، واصطلح غيره على لغة أخرى، لكن ما قال الله هكذا، قال: “كلها،” إشارة إلى صحة مقولة أن الأصل في اللغات التوقيف.
طيب، أيضًا نسهب قليلاً قليلاً وهي مهمة جدًا، الآن، لله الحمد، هذا الكلام لا يفيد، لكن قديمًا كان يفيدنا، ولا سيما في البيئات الروسية، وما تبعها من انتشار الفكر الذي يسموه اليوم الماركسي، “وعلّم آدم الأسماء كلها،” الماركسية تقول: إن أصل التفكير المادة، والمسلم المتبع للكتاب والسنة يقول: أصل التفكير المعلومات السابقة، فإذا سمعت كلامًا لا تفهمه، يعني سمعت منطوقًا دون أن تقف على حقيقته وعلى معناه، لا تستطيع أن تفكر فيه.
الماركسي بيقول لك: أنت الآن سيارة، مثلاً، سيارة خربانة، قال: هي السيارة علّمتك وجعلتك تفكر أنه هذه السيارة خربانة ولا تستطيع أن تمشي عليها، وأن تسير عليها بناءً على العجل الموجود، فقالوا بناء على كلمات كثيرة، لكن أوجز، قالوا: أصل تفكير المادة، نحن لا نقول هذا، أصل التفكير قول الله عز وجل: “وعلّم آدم الأسماء كلها”.
ما معنى قول الله عز وجل: “وعلّم آدم الأسماء كلها”؟ علّم الله آدم الاسم والحقيقة، يعني ما علّم الله آدم أن هذه اسمها نار فقط، وما علّمه أن النار تحرق فقط، إنما علّمه أن هذه نار والنار تحرق، علّمه هذا الماء والماء يغرق، علّمه أن هذا سكين والسكين تقطع، فعلّم الله آدم الأسماء كلها، علّمه الاسم والحقيقة، ولو آدم يريد أن يعلم أن النار تحرق بعد أن مارس، لكان مات.
فالله عز وجل لما نزل آدم على الكون على الدنيا، وأخرجه عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام من الجنة، كان يعلم الأسماء كلها بأسمائها ومسمياتها وحقيقتها، فلما ماركسي يلعب عليك يقول لك: شوف السيارة خلت، السيارة هي أصل التفكير، قل: لا!
قل: أنا عندي علم مسبق، اللي مما علّم الله آدم به، إنه الأمر هذه السيارة ما تسير إلا أن كان العجل صالحًا، وليس هو العجل الذي علّمني، وإنما أنا عندي علم سابق إنه السيارة لا تسير، فأنا أصلاً انطلقت من: “وعلّم آدم الأسماء كلها،” علّمني علم الحقيقة والاسم وهكذا، فالآية مهمة، الآية “وعلّم آدم الأسماء كلها” من الآيات المهمة.
لكن مرادي من الاستدلال بقول الله عز وجل: “وعلّم آدم الأسماء كلها” أن “كلها،” طبعًا هي مضاف ومضاف إليه، الهاء والمضاف إليه تعود على الأسماء، كل الأسماء، “وعلّم آدم الأسماء كلها” أنها تفيد أن آدم عليه السلام تعلّم كل الأسماء، ثم هذه الأسماء تبعثرت في اللغات، اصطلح على بعضها في لغات أخرى، ولعل الاسم الواحد له أكثر من نطق وأكثر من تعريف، ومن هنا يأتي موضوع الترادف، هل هو ثابت في اللغة أم لا؟ وهذه مسألة طويلة وتحتاج منا إلى كلام طويل.
المصدر:
الدرس السابع – شرح مبحث العام والخاص في أصول الفقه – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن.
تاريخ:
3 ربيع أول 1447 هـ
26 أغسطس 2025 م✍️✍️
[الآن المسائل الكبيرة غاب عنها منهج العلماء في البحث، وهذه مصيبة كبيرة جداً، والأعداء تمكنوا من الأمة من خلال هؤلاء الناس]
فالعلماء أقاموا بناء هذا الدين على النصوص الصحيحة وهذا يخص علم الحديث ، وعلى الدلالات الصريحة الواضحة البينة ، وعلى اللغة الصحيحة أيضاً.
تنتيف الدين مشكلة هذا الزمن ، أصبح ما فيه علماء، وصار العمل العلمي مثل البقالة والسوبر ماركت، دكتور فاتح سوبر ماركت، يُدرِّس مادة معينة، طيب، علِّمنا؟ قال:
لا أستطيع أن أعلمكم ، أنا حافظ المادة فقط، وأتكسَّـب.
أنت عندك وظيفة وأنت عندك بقالة، أنا أحفظ كلمات أقولها.
يحدثني إخواني الدكاترة، يقولون لما نوزع البرنامج السنوي للطلبة، تكون في مجازر مقاتلة بين المشايخ (هذه أعرفها ، أما هذه لا أعرفها ، هذا المبحث أنا أعرفه ، وهذا لا أعرف أن أُدرِّسه ، أنا لست متخصص في كل مادة التفسير أو الحديث، لا، بل في جزئية من هذه الجزئيات).
وحدثني الأستاذ عمر الأشقر رحمه الله، قال:
كنت أشهد هذه الوقائع الساخنة ، قال:
فكنت أتحسر وأتأسى،
وكنت أقول للأساتذة: أنتم وزعوا المواد التي تريدون فيما بينكم، وابقوا لي المادة التي لا تريدون تدريسها ، أنا طالب علم، فإذا وكلتم لي مادة أنا لا أعرفها، أعرف علماء أذهب إليهم يعلموني ثم أعلمكم.
هذا طالب العلم، هذا طالب العلم، الخلاصة، الأمر حقيقة القلب مليء أوجاع والسبب حال عوام الناس، وإنما حال الخواص.
تخيل لو الأطباء مرضى، ومرض مستشرٍ، ووصل المرض للأطباء، والطبيب يحتاج مَن يعالجه ، كيف يستطيع أن يعالِج المريض؟
الأطباء مرضى كيف يعالجون الناس؟!
فسيبقى المرض.
خذ هذا المثل واحفظه.
واعلم أنك يا طالب العلم ، ينبغي أن تشارك الأمة في رفع الجهل عنها، ولن تقوم للأمة قائمة وهي جاهلة، ولن تقوم للأمة قائمة وهي متنكبة عن طريقة العلماء في بحث المسائل، الآن المسائل الكبيرة غاب عنها منهج العلماء في البحث، وهذه مصيبة كبيرة جداً، والأعداء تمكنوا من الأمة من خلال هؤلاء الناس ، نسأل الله العفو والعافية.
المصدر:
الدرس السادس – شرح مبحث العام والخاص في أصول الفقه – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن.
التاريخ:
٢٥ صفر ١٤٤٧ هـ
١٩ أغسطس ٢٠٢٥ م✍️✍️
فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال:
يَتَقارَبُ الزَّمانُ، ويُقْبَضُ العِلْمُ، وتَظْهَرُ الفِتَنُ، ويُلْقَى الشُّحُّ، ويَكْثُرُ الهَرْجُ قالوا: وما الهَرْجُ؟ قالَ: القَتْلُ. وفي رواية: يَتَقارَبُ الزَّمانُ، ويَنْقُصُ العِلْمُ.. وفي رواية: لَمْ يَذْكُرُوا: ويُلْقَى الشُّحُّ.
التخريج : أخرجه البخاري (6037)، ومسلم (157).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يتقارب الزمان، ويُقبض العلم، وتظهر الفتن”، وفي رواية: “ويقل العلم، ويقل العمل”، “يتقارب الزمان، ويُقبَض العلم، ويقل العمل، وتظهر الفتن، ويُلقى الشُّح، ويُلقَّى الشُّح، ويكثر الهَرْج”، قالوا: وما الهَرْج؟ قال صلى الله عليه وسلم: “القتل”.
بيئة الفتنة ما هي؟
الفتنة لا تكون في أقوام غلب عليهم العلم وكثر فيهم العمل الصالح.
النبي صلى الله عليه وسلم يذكر لنا متى تظهر الفتن، فقال: “يتقارب الزمان”.
وتقارب الزمان إشارة إلى نزع البركة عن هذه الأمة، ولا سيما في الوقت، فقال صلى الله عليه وسلم موضحًا ومفسرًا قوله: “يتقارب الزمان”، قال: “لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر، وحتى يكون الشهر كالجمعة، وحتى تكون الجمعة كاليوم، وحتى يكون اليوم كالساعة”.
فالفتن لما تُرفَع البركة من الأمة، وتذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الجماعة بركة والافتراق عذاب”، ما دامت الأمة غير مفترقة ومجتمعة، وأفهامهم مجتمعة، الاجتماع انتبه، انتبه واحفظ وانشر:
“الجماعة”، قال الشافعي في “الرسالة”، كتابه “الرسالة”: “الجماعة جماعتان: جماعة أفهام، وجماعة أبدان”، فلم يكن للزوم جماعة أبدانهم معنى، إذ وَجدْنا أبدان قوم مسلمين بين أبدان قوم كافرين، فلم يكن للزوم جماعة أبدانهم معنى، وإنما الجماعة هي جماعة الفهم الذين يجتمعون بأفهامهم على دين الله عز وجل.
فالفُـرقة في الفهم في المسائل التي لا يُستساغ الخلاف فيها هي بداية الفتنة، فالأصل في أفهام المسلمين أنهم يجتمعون على “لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم”، والكلام على “لا إله إلا الله محمد رسول الله” كلام طويل، لكن بإيجاز، ما يجوز لطالب علم ألا يَعرِف هذا الكلام الذي سأقوله: معنى قولك “لا إله إلا الله” هو “لا معبود بحق إلا الله”، لا تقل: “لا معبود إلا الله”، لو قلت: “لا معبود إلا الله”، الناس تعبد الأصنام، وتعبد الأبقار، وتقول: “لا معبود إلا الله”، فهذا يقوله أصحاب وحدة الوجود، يقولون معنى “لا معبود إلا الله” يعني يعبدون الصنم ويعبدون البقر، ويقولون:
كل شيء معبود الله حَـلَّ فيه!
فهم يعبدون الله، هذا كفر.
وإنما الصواب أن تقول: “لا معبود بحق إلا الله”، فهنالك معبودات بباطل مع الله عز وجل، لذا لا بد للمسلم لَما يقول “لا إله إلا الله” أن يفهم “لا معبود بحق إلا الله”، ومعنى قول المسلم “محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم” هو “لا متبوع بحق إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم”، أنا لا أتبع أحدًا غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أحب العلماء وأعظمهم، وليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه؛ لأنهم يدلّون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدلّون المسلمين على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لا تقل: “من لا شيخ له فالشيطان شيخه”، لا تقول هذا، فالمقدم عندنا الذي لا نقبل غيره ولا نعدل بقوله قول أحد سواه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فجماعة المسلمين جماعة أفهام، فإن افترق المسلمون في أفهامهم وما اعتمدوا القاعدة المأخوذة من “لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم” وقعت الفرقة، فإن وقعت الفرقة تنتهي، تبدأ بالفرقة في الخلاف في الآراء، وتنتهي بالفِـرَق، وبعد الفرق والأحزاب تنتهي بإيش؟
تنتهي بالقتال واستحلال دماء بعضهم بعضًا، وهذه من المصائب، من المصائب الكبيرة، متى تظهر الفتنة؟
لما تزول البركة، البركة في الجماعة، والجماعة جماعة فهم، أفهام مجتمعة، كما قال سفيان الثوري ليوسف بن أسباط، تلميذه يوسف بن أسباط كان عالمًا زاهدًا.
يوسف كان أعمامه روافض وأخواله خوارج، فكان يقول: أعمامي روافض، أخوالي خوارج، ونجانا الله بسفيان، نجاني الله بسفيان، كان يقول:
“إذا سمعت بمسلم في أقصى المشرق وأنت في أقصى المغرب فابعث له بسلام، فما أقل أهل السنة هذه الأيام”.
فالمسلم في أقصى المشرق والمسلم في أقصى المغرب فهمهم لدين الله واحد، فهمهم لدين الله تعالى واحد، والخلاف عذاب، ولذا إياك أن تفهم قول الله سبحانه في أواخر سورة هود: “وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ” إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ”.
فمن رحم ربك متفقون وغير مختلفين، ولذلك خَـلَقََـهُم، انتبه لله سنتان:
سنة في شرعه وله فيها غاية، وسنة في كونه وله فيها غاية، وذكر الله الغاية من خلقه في شرعه وفي كونه، أما سنة الله تعالى في شرعه فعنوانها قول الله تعالى في سورة الذاريات: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”، لماذا قدم الله الجن على الإنس؟ لأن الله خلق الجن قبل الإنس، أو لأن العبادة الأصل فيها الخفاء، والجن سُمّوا جِنّاً لخفائهم، فالأرض سُمّيت جَـنة لأن أرضها مستورة بالخُضرة، والمجنّ سُمّي مجناً لأنه يحمي صدر صاحبه، يُـغيِّب صدر صاحبه، والجنين سُمّي جنيناً لأنه مستور، والمجنون سُمّي مجنوناً لأن عقله مستور، لا عقل عنده فهو مجنون.
ففِعل “جَـنّ” يدور على الخفاء ، والأصل في العبادة أن تكون في خفاء ، والأول أرجح وهو أن الله خلق الجن قبل أن يخلق الإنس كما هو مذكور في كثير من الآيات، هذه غاية الله تعالى في خلقه، هذه غاية الله تعالى من خلقه وهي السنة الشرعية، أما سنة الله في كونه فعنوان “وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ” إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ”.
فالبشر حتى يقع بينهم تمايز، خَـلَقَـهُم مختلفين، فإذا ما تسلحوا بالكتاب والسنة، فالعقول لا تَجتمع، إنما الذي يَجمع العقول سلطان الدين.
العقل عجيب!
العقل يعني المجنون الذي لا عقل له لو قال يقول في نفسه: يا سلام لو عقول الناس مثل عقلي لكانت الحياة أحسن شيء!
والعجيب في العقل كما ثبت في البخاري عن عمر كان يقول: “اتَّهِمِ الرَّأْيَ”، كلما اتهمت رأيك واتهمت عقلك، أنت سَموتَ وعَلوتَ، وكلما غرَّك عقلك هبطتَ ونزلتَ.
ولذا العلماء يقولون:
أيهما المقدم؟ العلم أم العقل؟
اسمعوا ماذا يقول الشاعر، قال الشاعر:
“علم العليم وعقل العاقل اختلفا ..
من ذا الذي قد أحرز السبقا ..
فالعقل قال أنا أحرزت غايته ..
والعلم قال أنا الرحمن بي اتصفا ..
هل الله وصف نفسه أنه عاقل أم عالِم ؟
عالم.
“فالعقل قال أنا أحرزت غايته ..
والعلم قال أنا الرحمن بي اتصفا ..
فأيقن العقل أن العلم سيده ..
فقبّل العقل رأس العلم وانصرفا .
إذا مَن الغالب؟
العلم، ولا يجمع الأمة إلا سلطان الدين، إلا قال الله، قال رسوله صلى الله عليه وسلم.
فالفتن تظهر لما تذهب البركة، “يتقارب الزمان”، ولما يرتفع الجهل ويكثر الجهل.
المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الثانية.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️
ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية، نكرة لو كانت “الآية”، لكن “الآية” بكل آية، فـ”بكل آية” دلّت على أن أي آية في حق الجاحد الذي أوتي الكتاب، الذي لا يريد أن يؤمن، لا تنفعه.
وهذا يفسر لك كثيرًا من الحقائق، ترى بعض النصارى متخصصًا في علم ويتكلم عن الله عز وجل، وأنه حق واحد، مثلاً، متخصص في علم البحار والمحيطات، وآخر في الأجنة، وثالث في الطب والأعصاب، الأطباء والعقلاء يرون الله في كل شيء، يرون قدرة الله عز وجل في كل شيء، فبعضهم عنده كل آية لكن غير (مسلم)، يعني واحد يتكلم لك بالإعجاز العلمي أو الإعجاز العددي، وهو كافر، هذا لا يؤمن، ما هو سر عدم إيمانه؟
الآية ، لأن عنده التعصب.
الشاطبي في “الموافقات” و “الاعتصام”، نعم في “الاعتصام” ينقل عن عالم قديمًا تعب وهو يقرأ في التوراة والإنجيل، ووقف على 70 خطأ، 70 تناقضًا، والذي فصّل في التناقضات هو ابن حزم في كتابه “الفصل”.
“الفصل” بدأ بنسب عيسى عليه السلام ، فتبين أن عيسى الذي يؤمن به النصارى على اختلاف مللهم، هذا غير ذاك وهذا غير هذا، وكل عيسى له نسب عندهم، بدأ بهذه البداية، بدأ بنسب عيسى عليه السلام.
فالشاطبي يذكر يقول: عالم جمع 70 خطأ في التوراة والإنجيل، قال فالتقى بقسيس كبير، قال فسرد عليه شيئًا من التناقضات، فقال هذا: “كم عندك؟” قال: “70” قال: “فقط؟” قال: “فقط”، فقال له القسيس: “أنا عندي 700، أنا جمعت تناقضًا في الإنجيل 700 خطأ”، فقال له العالم: “700 وما أسلمت؟!”
قال: من قبلي أفهم مني.
هذا تقليد ، قاتل الله التقليد ما أسوأه!
البلايا دخلت على المسلمين من تأجير عقولهم لغيرهم، أغلب المسلمين اليوم عقله لا يَعمل، لا يفكر بعقله، ولذا العلم ما ينتشر، والتقليد كما يقول الطحاوي: “لا يقلد إلا غبي”، الغبي يقلد، أما العاقل ما يقبل التقليد، العاقل يريد أن يفهم الحقيقة، ومن حق كل طالب علم أن يفهم الحقيقة، وما تجعلني أنا أسير في ظل الشيخ الفلاني والشيخ العلاني أو المذهب الفلاني والمذهب إلى آخره… كلهم يصيبون ويخطئون، وأنا أبتغي الحق، وأينما وجدت الحق قبلته.
ولذا أبو قلابة الجرمي التابعي الجليل، تلميذ أنس بن مالك، قال كما أسند الإمام الدارمي في مقدمة سننه، قال الإمام أبو قلابة الجرمي: “إذا أردتَ أن تعرف خطأ شيخك فجالِس غيره”.
كل شيخ يقول لك لا تأخذ إلا مني، لا تأخذ منه، كل شيخ يقول لك: “إياك أن تأخذ شيئًا من غيري”، فلا تأخذ منه، التابعون يقولون: “إذا أردت أن تعرف خطأ شيخك جالس غيره”.
لقِلة العلماء المتفننّين هذه الأيام، يحق لنا أن نقول: “إذا أردت أن تعرف الخير الذي عندي جالس غيري”، لأن القلة هم الذين يقفون على الأدلة، هم الذين يقفون على الأدلة، لكن قاعدة طالب العلم لا يَقلد شيخاً، وإذا قرأت لعلماؤنا، للعلماء الكبار، تجد له 400 شيخ وبعضهم له 1000 شيخ، 1000 شيخ استفاد من هذا شيئًا ومن هذا شيئًا ومن هذا شيئًا.
المصدر:
الدرس السابع – شرح مبحث العام والخاص في أصول الفقه – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن.
تاريخ:
3 ربيع أول 1447 هـ
26 أغسطس 2025 م✍️✍️
هذه الفتن لا تبقى نظرية، كما نقول الآن، نتكلم فيها بكلام نظري، أنا الآن أجهد أن أذكر لكم كليات فيها سنن لله جل في علاه، وفيها فهم مُجمل عام للفتن التي تنزل بالأمة، لكن الفتن لما تصبح لها وجود وحضور في المجتمعات، فالفتنة لا تروج ولا تقوم إلا بثلاثة أركان ، وهذه الأركان هم وكلاء الفتنة ، وهذا صح عند أبي شيبة في المصنف وعند أبي عمرو الداني في كتابه الفتن ، وكتاب أبي نعيم في “حلية الأولياء”.
قال حذيفة رضي الله تعالى عنه:
وكلت الفتنة بثلاثة، بالحاد النحرير، الذي لا يريد أن يرتفع له منها شيء إلا قمعه بالسيف، وبالخطيب الذي تدعو إليه الأمور، وبالشريف المذكور، فأما الحاد النحرير فتصرعه، وأما هذان فتبحثهما حتى تبلو ما عندهما».
[كتاب السنن الواردة في الفتن للداني-باب ما جاء في الفتن وغوائلها، وكثرة الهرج، وفساد الدين]
قوله “وأما هذان” :
أي الشريف والخطيب.
قال “فتبحثهما فتبلوا ما عندهما”، ولفظ أبي نعيم في “الحلية”: قال: “فأما هذان فتبطحهما لوجوههما”.
إذًا الفتنة قوة ضاغطة، “تبطح”، “تبطح” إيش يعني؟
يعني تجعل الرجل ينام على وجهه، الإنسان واقف في هواء ريح شديد فيأتيه ريح فيخر على وجهه من شدة ضغط الهواء، من شدة ضغط الفتنة، بعض الناس ينبطح، شو يعني ينبطح؟
يعني يغيِّـر ويبـدِّل.
الفتنة يحركها:
① الصنف الأول:
رجل نحرير صاحب همة ، ليس عنده أناة ولا حكمة ، ويؤمِن بالسيف والقتل والدم ، ويتورط في ذلك ، هذا الأول ، وهذا الصنف تَنبعُ الفتن من تحت قدميه.
الصف الثاني:
② الخطيب، الإعلام، وسائل الإعلام، ومن يحرك هذه الفتن وينشرها في المجتمع، فحذيفة أطلق عليهم “الخطيب”.
نحن الآن نقول “خطباء للفتن”؛ الآن تنتقل للناس عبر وسائل التواصل وعبر التلفاز وما شابه.
③ الصنف الثالث:
رجل وجيه، حسيب، له منزلة وله مكانة في المجتمع، فهذا النحرير يلعب بهؤلاء الصنفين، فالفتنة تبطحهما على وجوههما.
فالفتنة حتى تنتشر في الأمة، لا بد لها من ثلاثة وكلاء، وكلاء الفتنة، حذيفة سماهم “وكلاء الفتنة”.
كل فتنة إن بحثتها وفحصتَـها ، ونقَّرتَ ونقّبتَ عن أصحابها، فهي تدور على هؤلاء الثلاثة:
قسم “نحرير” شديد، ذكي، لكنه متهور، و”خطباء” يدعون إليها، ثم بعض الناس الذين لهم مكانة في المجتمع، يتعلق النحرير بهما، فيكون بوقًا لما يريد.
ولذا الفتنة ، العاقل يجب عليه الحلم والتؤدة وعدم العجلة، والأصل في المسلم في الفتنة العزلة، ولنا كلمة مطولة في طرق مقاومة الفتنة، ومنها العزلة، سيأتينا الكلام مطولًا عن ذلك.
وقد مدَح عمرو بن العاص الروم ؛ لأنهم حلماء عند الفتنة، وهنالك كلام جرى بينه وبين “المستورد بن شداد” أخرجه مسلم في صحيحه ، قال:
«تَقُومُ السَّاعَةُ والرُّومُ أكْثَرُ النَّاسِ. فَقالَ له عَمْرٌو: أبْصِرْ ما تَقُولُ، قالَ: أقُولُ ما سَمِعْتُ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذلكَ، إنَّ فيهم لَخِصالًا أرْبَعًا: إنَّهُمْ لأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وأَسْرَعُهُمْ إفاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ ويَتِيمٍ وضَعِيفٍ، وخامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وأَمْنَعُهُمْ مِن ظُلْمِ المُلُوكِ ».
الراوي : المستورد بن شداد | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2898
“تقوم الساعة والروم أكثر الناس”، الروم بنو العيص، من سلالتهم الآن ؟
أهل أوروبا، غير العجم، العجم غير الروم، العجم أقوام مختلطوا النسب ، أشبه ما يكون العجم الآن بأمريكا، والروم أوروبا.
“إن فيهم” ، “في الروم” ، إن فيهم لخصالًا أربعًا:
① إنهم لأحلَـمُ الناس عند فتنة.
② وأسرَعُـهُم إفاقة بعد مصيبة ، إذا نزلت بهم نازلة يلملمون أنفسهم ويفيقون.
③ وأوشكَهُـم كَرّةً بعد فَرّة”؛ إنِ انهزِموا يلملموا أيضًا أحوالهم ويقومون.
④ “وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف.
⑤ وخامسة حسنة جميلة، وأمنَـعُهُم من ظلم الملوك”.
هذا موجود، لا يظلمون شعوبهم.
فالشاهد من هذا، إيراد هذا الحديث، أن الأصل في وقت الفتن الحلم، فالحلم في وقت الفتنة محمود، لما وقع ما وقع بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من فتن وقتال ، فكان بعضهم معتزلًا، فقيل له: “لِم لا تقاتِل؟”، قال: “أعطوني سيفًا له عين تبصر ، ولسان ينطق ، يخبرني من أقتل!
أنا لا أقتل المسلم.
الفتن التي نتكلم عنها هي الفتن التي تقع بين المسلمين ، يريق بعضهم دم بعض، فالواجب حينئذ العزلة، ولا يجوز لنا أن نشارك فيها ولو بكلمة، والكلام يأتي بإذن الله تعالى مطولًا فيما بعد.
المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الثانية.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️
السؤال:
ما هو ضابط إمامة المسلمين؟
وهل إمامنا في إندونيسيا مسلم؟ وهل يلزم أن نطيعه؟ وقد سألت الأستاذ الشيخ الدكتور باسم، وهو يوجهنا أن نسأل إليكم شيخنا الحبيب.
البلاد التي تجاور إندونيسيا: ماليزيا، سنغافورة، وأيضًا ماليزيا مسلمة، سنغافورة مسلمة.
علماؤنا مجمعون على أن أحكام الإسلام إذا ظهرت في بلد، من أمثال الصلاة والزكاة واللباس والعادات والتقاليد المأخوذة من الإسلام، فهذه دار إسلام، وهذا مذهب جماهير أهل العلم، وهو مذهب الأئمة الثلاثة عدا الإمام أبي حنيفة، ويقول بهذا صاحبا الإمام أبي حنيفة: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي، ومحمد بن الحسن الشيباني.
فظهور الإسلام واضح في إندونيسيا، ترى المرأة تقود دراجة بحجاب، مختمرة أو مستورة تغطي رأسها، تقيم حكم الله جل في علاه، على تفاوت في المعاصي، فالإسلام ظاهر في إندونيسيا، فإندونيسيا الحمد لله بلاد الإسلام، دار إسلام،
وهذا كلام جماهير أهل العلم.
أبو حنيفة رحمه الله اشترط في دار الإسلام ثلاثة شروط:
① الشرط الأول: أن يأمن أصحاب هذه الدار بالأمان الأول الذي فُتحت فيه البلد، من الذي فتح بلادكم؟
نحن أهل الشام نترضى عن أبي بكر وعن أبي عبيدة، وأنتم تترضون عن الصحابة وعن التجار، أخلاق التجار التي فتحت البلاد، والمسلمون في إندونيسيا منذ أن فتحت بالإسلام هم في الأمان الأول، فهذا الشرط متحقق عنده.
② الشرط الثاني عند الإمام أبي حنيفة:
أن تتاخم الديار ديار إسلام، ولا يمكن أن تكون هنالك دار كفر والذي يتاخمها دار الإسلام، واستدل بقول النبي ﷺ الحسن: “الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه”.
واستدل بأن الأموال التي أخذها الكفار من المسلمين حال كونها دار حرب لما يُهزم الكفار، تعود إلى المسلمين، فالإسلام لا يُقَرُّ بيد عادية، واستدل بأن الجهاد لَـما يحتل الكفار البلاد يجب على كل أحد، وفي هذا الوجوب دلالة بالإيماء على أن البلاد ما زالت بلاد إسلام، وقد أفتى عدد من فقهاء الشافعية لما احتلت هولندا بلاد إندونيسيا، أفتوا بأنها دار إسلام وليست دار كفر بالاحتلال، فكيف والناس ليسوا محتلين؟ وقد امتن الله تعالى على أهل جاوا أو أهل إندونيسيا بتعبير أوسع، أن دحروا الكفار الذين احتلوا هذه البلاد.
فإندونيسيا بلاد إسلام، وهذا مدون في الكتب كما هو مدون أن بيت المقدس سلتها الصليبيون واحتلها اليهود، وشعائر الإسلام ظاهرة في فلسطين وبيت المقدس، يا إمامة الألوف المؤلفة في الصلوات ولا سيما صلاة الجمعة، ولذا قال الإمام الذهبي: “قال وبيت المقدس ما زال منذ أن فتحه عمر إلى يومنا هذا بلاد إسلام” ، فما اعترف بكون بلاد بيت المقدس بلاد كفر.
وهذا كلام علمائنا في البلاد التي احتلت، كـ(عدن) لما احتلتها بريطانيا في القرن الثامن عشر الهجري، وكـ مصر لما احتلها نابليون بونابرت، احتلت من قبل الفرنسيين، فعلماؤنا من فتش وبحث في دواوينهم ولي كتاب، تحت الطبع الآن كتاب حول هل فلسطين بلاد إسلام أم بلاد كفر؟ وما هو الواجب على المسلمين؟ فصلت هذا بتطويل، فالشاهد أن البلاد التي تتاخم البلاد الإسلامية هي بلاد الإسلام.
فبلاد إندونيسيا المتاخمة لها بلاد إسلامية، ماليزيا مثلاً، والعجيب أن علماءنا قالوا ونص على هذا أحمد في مسائل ابنه عبد الله، ونص عليه الشافعي في الأم، أن البحر لا يقطع المتاخمة، يعني إذا وجد بين بلد وآخر بحر، فهذا البحر لا يقطع المتاخمة، وكذلك الفيافي والصحاري والبلاد الشاسعة، فهي لا تقطع المتاخمة.
فبلاد إندونيسيا بلاد مسلمة، والحكم على البلاد، هل هي دار إسلام أم دار كفر؟ إنما هي بقواعد، ليس الحكم محكوماً بالحكم بما أنزل الله، ما عرف أحد من السابقين قال بأن الدار تصبح دار إسلام بأن تُـحكَم بما أنزل الله، وإنما قال وعَلق الحكم بهذا أن هذه بلاد إسلام أو بلاد كفر هم جماعة التكفير والهجرة، وأخذوه من كلام موهِـمٍ مبهم لسيد قطب في “ظلال القرآن”.
فالبلاد بلاد الإسلام، والأصل في من حكم بالإسلام أن يبقى مسلماً، ولذا قال العلماء: “لو أن رجلاً قال قولاً أو فعل فعلاً يحتمل مائة وجه، تسعة وتسعون منها كفر وواحد يحمل على الإسلام، فالواجب علينا أن نحمله على الإسلام”.
وهذا يعرفه من درس التاريخ دراسة مفصلة، تحولت ثلاثة دور من دار إسلام إلى دار كفر: الأولى الأندلس، الأندلس أصبحت اليوم إسبانيا، وسموا بـ المورسكيين أو المدجنين، وكان بعض المورسكيين من قريش، حُـمِلوا بالقتل أو النفي حتى استطاعوا أن يجعلوا السيادة للنصرانية وليست بلاد المسلم، والبلد الثانية أنطاكية، والبلد الثالثة طرسوس.
لو أنكم قرأتم، وأنتم شافعية المذهب، جل الناس “شافعية”، لو قرأتم “فتح العزيز” للرافعي وهو شيخ من شيوخ الشافعية، شيوخ الشافعية من اثنان، إن اتفقا على قول فهو المذهب من الشافعية، من هما؟
الرافعي والنووي، الرافعي والنووي، النووي اختصر “فتح العزيز شرح الوجيز”، أبو حامد الغزالي كتب “الوجيز والوسيط والبسيط”، “الوجيز” و”الوسيط” و”البسيط” طُبع من قريب.
فشرح الرافعي “فتح العزيز” واختار النووي في “روضة الطالبين”، “روضة الطالبين” مختصر لـ “فتح العزيز” وزاد عليه بقوله: “قلتُ”، فإذا قرأتم “روضة الطالبين” وفيه “قلتُ”، فهذه “قلتُ” وما بعدها من زيادات الإمام النووي، وما عدا ذلك لخص فيه كلام الرافعي في “فتح العزيز”.
لو نظرتم في مبحث “اللقيط” في “فتح العزيز” وغيره من كتب الشافعية، قالوا: “اللقيط في طرسوس” و “اللقيط في أنطاكية”، إيش يعني طرسوس وأنطاكية؟
يعني بلاد بين الشام وبين تركيا، إيش المراد؟
قال: “لو وجدنا لقيطاً لو وجدنا لقيطاً في بلدة من هاتين البلدتين، كيف نحكم عليه؟” قالوا: “نعامله معاملة اللقيط المسلم ونحكم بإسلامه، وإن كنا علمنا أنه لا يوجد مسلم في هذه البلاد” ، لعله جاء من امرأة، أم ولد، وأبوه ممن هربوا.
والشاهد من إرادي لهذا المثال، أنه متى احتمل أن يكون الإنسان مسلماً فلا يجوز لنا أن ننقله إلى الكفر، حتى اللقيط، وهذا كلام نقوله ديانة وفقهاً، ولا نقوله سياسة ولا لنرضي أحداً أو نسخط أحداً، هذا هذا كلام علماء، فقال علماؤنا: “أن تخطئ في تكفير الكافر، وأن تجعله مسلماً أحب إلى الله من أن تخطئ في نقل المسلم إلى الكفر”.
فمتى وجد احتمال الإسلام، فالأصل أن نلقي الناس على الإسلام وليس على الكفر.
فلسنا مطلوباً منا أن نبحث عن عيوب الناس، مع مراعاة أن هذا أمر للاسف، طلبة العلم يغفلون عن أن الأحكام الدنيوية غير الأحكام الأخروية، واضح؟ أبسط؟ طيب أبسط، انتبه، أتكلم في مسائل دقيقة ومهمة، قال الله تعالى في أواخر الأحزاب: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، قال الله بعدها: {لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.
أقسام الناس الملّية ثلاثة لا أربعة، وهذا مذهب القرآن وهذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، خلافاً للخوارج وخلافاً للمعتزلة، تأمل الآيات، لما حمل الإنسان الأمانة، ووصفه الله تعالى بأنه ظلوم جهول، فقسم أصناف من حمل الأمانة، فالصنف الأول من حملها في الظاهر دون الباطن، فقال الله عنهم: {لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ}، المنافق كيف يعامل في الدنيا؟
مؤمن، وكيف يُعامل في الآخرة؟ {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}.
لكن كيف نجري الأحكام على المنافق في الدنيا؟
نجري عليه أحكام الإسلام أم أحكام الكفر؟
إذاً أحكام الإسلام وأحكام الكفر تنفك في الدنيا والآخرة، أولاً أو لا تقبل الانفكاك؟
تقبل الانفكاك، في الدنيا يعامَل كمسلم وقد يكون عند الله كافر.
الصنف الثاني لما ذكر الله الأمانة، قال:
{لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ}
من رد الأمانة في الظاهر والباطن.
القسم الثالث:
تأمل معي ، ماذا قال الله عن القسم الثالث: قال: {وَيَتُوبَ}
{وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.
ما في منزلة بين منزلتين كما يقول المعتزلة، ولا يوجد أن المؤمن يكفر بالكبيرة، لو كانت الكبيرة تكفِّـر ما قال الله {وَيَتُوبَ}، قال: {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.
الأمانة ثقيلة، فأصناف الناس المِـليّة ثلاثة لا أربعة، أصحاب الكبائر ليس صنفاً، أصحاب الكبائر داخلون في { وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.
فأمر صاحب الكبيرة، أمره إلى الله، لا نُكفره، إن عامله بعدله هلك، عذبه في النار ولم يَخلد فيها، وإن عامله بفضله نجا، فأصحاب الكبائر يدورون بين العدل والفضل، أصحاب الكبائر يدورون بين معاملة الله لهم بالعدل أو معاملة الله عز وجل لهم بالفضل، {وَيَتُوبَ اللَّهُ }.
فالمعتزلة قالوا: “مرتكب الكبيرة منزلة بين المنزلتين، لا مسلم ولا كافر”، طيب ربنا قال الناس ثلاثة!
الشاهد من إرادي أن هنالك صنف، هذا الصنف نعامله في الدنيا على حال والله يعامله على حال، لأن عِـلم الله جل في علاه هو الخبير.
فرق بين عليم وفرق بين خبير، الخبير الذي يعلم دقائق الأشياء، فالخبير عنده علم وزيادة، فنتركه إلى الله جل في علاه.
هناك قسم من الأحكام الشرعية تُعامَل في الظاهر غير معاملة الباطن، وهذا موجود في كتب القضاء.
طيب، أسألكم الآن، تخيل معي قاضي مسلم ويقضي على البينة، رجل غصب من آخر سيارة، ثم رشى شهوداً فشهد الشهود أنهم شهدوا أنه اشترى السيارة، فيأتي القاضي فيقال: “فلان يدَّعِي أن هذه السيارة له”، فيقول السارق الغاصب: “لا، أنا اشتريتها بشهود، فلان وفلان شهود”، ويحلفون اليمين، القاضي يقضي لمن؟
يقضي بالشهود.
طب حكم الله سبحانه وتعالى؟
هل هذا حكم ظاهر ولا حكم باطن؟
حكم القاضي حكم ظاهر والله يعامِل بالحكم الباطن.
لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة الذي أخرجه الستة: البخاري ومسلم، أصحاب السنن.
قال صلى الله عليه وسلم:
«إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».
صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 7169
النبي ﷺ يقول للصحابة:
“أنا بشر أقضي بينكم على نحو ما أسمع، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض”.
أقضي على نحو ما أسمع، وحقيقة الحال يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً، فإنما أقضي له بقطعة من نار”.
إخواننا عاملين دوشة في قضية العمل وجنس العمل، وهل هو شرط أم هو ليس شرطاً للإيمان، نحن نحكم بإسلام من يقول “لا إله إلا الله” ، وحكمه عند الله جل في علاه ، وقد يكون خلاف الظاهر ، الأمر لله.
الحكم الدنيوي :
لا نحكم بكفر الناس ، نحكم بإسلام من قال لا إله إلا الله.
لكن إنسان زنديق ما فعل شيئاً من خير لا يحب هذه الكلمة ؛ هذا أمره إلى الله عز وجل.
فعدم الفطنة إلى افتكاك حكم الدنيا عن حكم الآخرة سبب من أسباب انتشار التكفير والجرأة على التكفير، وبعض الناس التكفيريون أصناف، بعض الناس أبله، يقول: “كل موظف دولة كافر”، لا إله إلا الله، المدرس كافر، بعضهم يقول: “إمام المسجد كافر”، نعوذ بالله، نعوذ بالله.
فسؤالك يا أخي بارك الله فيك، فليس هنالك ارتباط بين الشريعة التي يُحكَم فيها الناس وبين كون الدار دار إسلام أو دار كفر.
فالشخص أمره إلى الله عز وجل ما دام أنه مسلم ويقول “لا إله إلا الله” فهو مسلم، هذا حكمنا عليه في إيش؟
في الدنيا، وهو يفضي إلى الله، والله الذي يحاسبه، وارتحنا وخلاص، أما أن ندخل في التفاصيل والدقائق وبعض الناس يتكلم عن الحكام كأنه عايش معهم 24 ساعة، ويعرف أنه بيصلي ولا ما بيصلي، وإذا رآه بيصلي بيقول لك:
“لا لا لا هذا مش، هذا بيصلي بدون وضوء”.
ما أدراك؟ تعلم الغيب؟ ما أدراك؟
احمد ربك عز وجل أنه حاكمك بيصلي، احمد الله عز وجل.
في السفرات الماضية، أنا لعل هذه سفرة رقم 21، 22 لي في إندونيسيا، كنا في “سورابايا” ، أعلى المسؤولين في الشرطة والجيش والأمن، جزاهم الله خيراً، لما كنا في “سورابايا” يستقبلنا ويعزمنا ويحس بنا ويفرح بنا، جزاكم ربي خيراً، هذا شأن المسلم.
أصير أدور وأفتش؟!
إذا أردتَ تدخل في الباطن ؛ العابد تجعله منافق، ليس لك الباطن، الباطن ليس إليك.
المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الأولى.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️
[ الذي لم يقرأ كتب شيخ الإسلام ابن تيمية لن يتحرر من الصوفية، والذي لم يقرأ كتب شيخنا الألباني ويسمع أشرطته لن يتحرر من الحزبية ]
قال فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله:
الذي لم يقرأ كتب شيخ الإسلام ابن تيمية لن يتحرر من الصوفية، والذي لم يقرأ كتب شيخنا الألباني ويسمع أشرطته لن يتحرر من الحزبية، متى يتحرر الإنسان من الحزبية؟
بالطلب ، بالتلمذة.
من الشيخ الذي يستطيع أن يخرجك من الحزبية؟
الشيخ الألباني، فلا يوجد أحد في الدنيا مثله في تعريفك للحزبية والتفاصيل والدقائق في الحزبيين، السبب أنه عاش معهم وناظرهم ومكث 50 سنة وهو يناظرهم.
سألت الشيخ الألباني عن أعلام معروفين من الحزبيين على كافة توجهاتهم، هل التقيت مع الشيخ مع فلان ؟
فكان الشيخ يمازحني فيقول عبارة، كان يقول: أنا ما أعرف المزح، فما طلب مني أحد مجلس مناظرة إلا وسعيت واستعددت وناظرته، فقلت له:
حتى تقي الدين النبهاني، مؤسس حزب التحرير؟
وحزب التحرير أصبحوا أصحاب لدَدٍ في النقاش، فقال: واعدته مرتين، موعدين في لبنان، وسافرت إلى لبنان من الشام وتخلف في الموعدين، قال: في الموعدين ما جاء، رحمه الله تعالى الشيخ الألباني.
هذا جواب الشيخ الذي أريد أن أقوله:
لن نستطيع أن نتحرر من الصوفية وآثارها السيئة، وأثر الصوفية الغلاة منهم، إلا بالإدمان في النظر في كتب شيخ الإسلام.
شيخ الإسلام عاش في الشام، الشام كانت تَـنغُف بالصوفية ، وتَـعِبَ ، وسُجِنَ، سُجِنَ حتى نفوه إلى مصر، وسُجِنَ في مصر، والله أكرمه، فرجع إلى الشام مع السلطان قلاوون، السلطان قلاوون ذهب إلى السجن وأخذ ابن تيمية ورجّعه إلى الشام مع سلطان ذاك الزمان؛ لأنهم كانوا يعرفون، والساسة يعرفون الصادق من الكاذب، ويعرفون الأصيل من الدعِـيّ، ويعرفون من يقاتل وهو حريص على الدين ، ومن هو يطمع في لُعاع الدنيا، يعرفون الحقائق.
المصدر:
الدرس السابع – شرح مبحث العام والخاص في أصول الفقه – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن.
تاريخ:
3 ربيع أول 1447 هـ
26 أغسطس 2025 م✍️✍️
[صاحب الحق دائمًا لابد قبل أن يضع الله له القبول أن يسمع ما يؤذيه ]
قِيلَ للإمام الشافعي -قولٌ جميلٌ، قال يا إمام:
أيّهما أحسن للرجل، أن يُمكّن أم أن يُبتلى؟ من أحسن؟ فقال جوابًا عجيبًا، قال الإمام الشافعي:
سبحان الله!
وهل يُمكّن الرجل حتى يُبتلى؟ وهل يُمكّن الرجل حتى يُبتلى؟
إذاً ليس البلاء فقط في الطعام والشراب والرزق والمال، وإنما الصراع الذي يقع بين الحق والباطل صراعٌ شديدٌ، وإن كان الإنسان غير مفتونٍ بقلة مالٍ أو قلة شرابٍ أو طعامٍ، لكن صاحب الحق دائمًا لابد قبل أن يضع الله له القبول أن يسمع ما يؤذيه.
فسماع لما يؤذي ليس دائمًا علامة شر، بل في الغالب علامة خير، فأسأل الله عز وجل أن يكتب لي ولكم الخير حيث كان، وأن يرزقنا الخير بجميع ألوانه وضروبه، وأن يرزقنا الصدق والإخلاص والاستقامة على أمر الله عز وجل، وأن يُظهر كذب الكذّابين الذين يتّهمون الناس بظنٍّ وتخمينٍ وهم لا يَعرفونهم ولا يسمعون شيئًا، وهذا من مظنة الكذب، والعاقل لا يفعل ذلك،
أسأل الله لي ولكم الخير والهدى والرشاد والتقى.
المصدر:
البث المباشر – لدرس شيخنا شرح صحيح مسلم – فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله
هذه آفة الملوك والأمراء والمسؤولين، وليس فقط هؤلاء، بل كل من بيده وظيفة، كل من هو مسؤول عن وظيفة.
الأثرة :
هي أن مجموعة يشتركون في حق، فالمسؤول يُميل أحبابه وأقاربه على غيره، الأثرة أن جماعة يشتركون في حق، في وظيفة، في عَطية، في أي شيء ، فالمسؤول الذي يوكل إليه بتوزيع هذا المال يُميِّـل مَن ؟
يقرِّب ابنه أو أخاه أو ابن عمه أو واحد من معارفه، هذا الاستئثار.
هذه الآفة التي أخبرنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم للحكام من أعلى درجة لأسفل درجة.
النبي ﷺ ماذا علمنا؟
النبي يحب الحق ولا يوجد أحد أحب إليه من الحق من النبي صلى الله عليه وسلم، هذا مرض، ما هو علاجه؟
قال ﷺ : “فاصبروا”، علاج الأثرة هو الصبر، وعلى هذا منهج أهل السنة والجماعة.
ليس كل من فعل خطأ من الحكام يستحق أن تراق الدماء عليه وأن يقوم الناس عليه، الواجب أن نصبر ونسأل الله عز وجل الذي لنا ونؤدي الذي علينا، هذا الذي علمناه صلى الله عليه وسلم، قال: “اصبروا”.
قال: الاستئثار بالمشترَك، حق مشترك، يستأثر عليكم ويفضل عليكم غيركم بغير حق، يفضل البعض على بعض من غير حق، هذا “الأثَـرَة”.
هذا معنى الأثرة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالالتزام بها.
المصدر:
البث المباشر – لدرس شيخنا شرح صحيح مسلم – فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله