السؤال:
ذكرتُم في الدورة الصيفية في مركز الإمام الألباني عن عِلْمِ الظهورِ لله عزّ وجل فلو تيبنوه لنا .
الجواب :
ذكرتُ هذا عندَ قولِ الله تعالى في سورة الأنفال:
( الآنَ علِمَ اللهُ أنَّ فِيْكُمْ ضَعْفًا).
قبلِ الآن هل كانَ اللهُ يَعْلَم؟
طبعًا يعلم .
الله لا يخفى عليهِ شيء.
وعِلْمُ الله ليسَ بالكُلِيّات كما يقول بعض الضُلّال، عِلْمُ الله بالكُلِيّات والجُزئيات والتفاصيل.
فالله خبير.
والخبير الّذي يَعْلَمْ ما يَدورُ بِالنّفس، ما يدور في نفسِكَ الآن اللهُ خبيرٌ به فالله يعلَمُهُ ، فهو خبير سبحانه وتعالى.
فالعِلم عِلمان:
عِلم كُمون.
الشيء الكامِن.
عِلِم ظهور.
فالله يعلم الكمون ويعلم الظهور.
ولِذا المُفسّرون حمَلوا قولِ الله تعالى (الآنَ عَلِمَ اللهُ أنّ فِيْكُمْ ضَعْفًا) لما نَسَخَ الله ، الواحِد كان يصبِرُ أمامَ عشرين فأصبح الوحِد يجب عليه أن يصبر أمام اثنين، ((إِن یَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَـٰبِرُونَ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِۚ))، عشرون صابرون يغلبوا مئتين.
في أوّل الإسلام، في غزوةِ بَدِر.
وما أدراكَ ما أهل بَدِر؟
الملائكةُ التي قاتلت مع المُسلِمين هم خيرُ ملائِكَةِ الله.
فالرسُلُ يتفاضلونَ فيما بينَهُم والملائِكه يتفاضلون فيما بينهم. الملائكهَ التي نَزلَت هي أفضلُ الملائكه ،
فالبدريّونَ هم خيرُ الصحابة، والنّبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لمّا يأتي رجل فعَلَ شيئًا كان يقول لعَلّ الله أطّلَعَ على أهل بدِر فقال أعملوا ما شئتُم إنّي قد غَفَرتُ لَكُم.
اعملوا ما شئتُم إنّ الله قد غفرَ لَكُم. فالعِلم عَلمان:
عِلم كمون.
عِلم ظهور.
والله عز وجل ما من شيء إلا وهو سبحانه وتعالى يعلَمُه سواء علم كمون أو علم ظهور.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة.
٢٦ -ربيع الأول – ١٤٤٤هـ
٢٢ – ٩ – ٢٠٢٢م✍️✍️
السّؤال:
أخٌ يقول: النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقول:
“…إن المؤمن لا ينجس” رواه البخاري (٢٨٥)، ومسلم (٣٧١).
هذا منطوق الحديث، لكن مفهوم الحديث يدلّ على أنّ غير المؤمن نجس، لكن ورد في بعض الأدلّة أنّ الإنسان غير نجس، حتّى لو كان كافرًا.
الجواب:
الله يقول: {إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسࣱ…} [التّوبة: ٢٨].
لماذا ذهبتَ تبحث؟
في منطوق الآية، حين نبحث مسألة في الشّرع ينبغي أن نُلمّ بجميع ما ورد فيها، قال أهل العلم، كالشّاطبي، يقول: أنت لا تسمّى رأسًا لكون لك رأس؛ أنت تسمّى رأسًا إذا كان لك بدن وأطراف؛ تسمّى رأسًا، قال: وكذلك الأحكام الفقهية لا تؤخذ من نص، وإنّما تؤخذ من مجموع ما ورد في الباب من النصوص.
النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صافح الكفّار؟
نعم، صافحهم، هل غسل يديه؟ لا، لم يغسل يديه.
ما معنى: {إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسࣱ}؟
النّجس في قلوبهم، الكفر بالله، والشّرك بالله، والاعتداء على الله، والإلحاد ، وإنكار الله، هذا نجس.
فمعنى: {إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسࣱ} نجسٌ معنوي، وليس نجسًا ماديًّا، فالمؤمن لا ينجس فبسبب إيمانه، لا يحمل النّجاسة؛ لا الماديّة، ولا المعنويّة.
فالكافر ليس بنجس نجاسة ماديّة، يعني لو صافحنا كافرًا (لابأس)؛ الشّرع جوَّز للرّجل أن تكون له زوجة كتابية، فهل كلّ ما مسّها يتنجس؟ ليس بصحيح.
لو مسّها ولدها هل ينجس؟
لا، وهكذا.
والله تعالى أعلم .✍️✍️
شيخنا -بارك الله فيك-، ونحن على الطّريق كنّا مع بعض الإخوة نتكلم عن حبّ الكافر، وقالوا: (إنّ حبّ الكفّار كفر).
فقلتُ لهم: (إنّ المقصود -هنا- هو “حبّ الاتباع”، وهو الّذي لا يجوز، وأمّا حبّ الكفّار، كحبّ الزّوجة الكتابية فهو جائز). فما قولكم؟
الجواب:
(الحبّ يتجزأ)..
أن تحبّ الكافر لأنّه كافر؛ فُحبّ الكفر كفر.
لماذا تحبّ فلان؟
أحبّه لأنّه صادقٌ في وعده؛ لا حرج. أحبّه لأنّه أفاد الأمّة؛ فاكتشف كذا،
فهذا الحبّ يتجزّأ.
أمّا أن تحبّ الكافر لأنّه كافر، أو لأنّه يحمل الكفر؛ فهذا حرامٌ شرعًا.
(الحبّ الغريزي):
كحبّ الزوجة والشّهوة، رجلٌ يتزوج كتابيةً، فيراها جميلة مطيعة، ذات أخلاق عالية -وهي غير مسلمة-، فهذا الزّوج الّذي تزوج هذه الكتابية إن أحبّ زوجته فلا حرج.
يحبها حبًّا غريزيًّا، فلا حرج في ذلك.
ابنها يحبّها -أيضًا-، امراةغير مسلمة تزوّجت مسلمًا، وانجبت له أولاد، فالأولاد هل لهم ان يحبوا أمهم؟
نعم، حبّ غريزي.
لذا من بديع تفريق الإمام علي القاري في كتابه “شرح ألفاظ الكفر” قال:
(هذا الولد، هل له أب يبعث أمه للكنيسة)؟ أمّه كتابية تريد أن تذهب إلى الكنيسة، فهل يجوز للولد أن يُوصِلها للكنيسة؟
يقول القاري-رحمه الله-:
(له أن يُرجعها من الكنيسة، وليس له أن يذهب بها الى الكنيسة).
فإن طلبت منه أن يرجعها من الكنيسة إلى البيت؛ فتجب عليه الطّاعة.
و أمّا إن طلبت منه أن تذهب الى الكنيسة، فهذا أمرٌ في معصية الله، والأمر في معصية الله لا يجوز فعله، وهذا تدقيق جميل، هذا تفصيل جميل، يُنبئ عن فقه، والله -تعالى- أعلم.✍️✍️
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
١٩ – صفر – ١٤٤٤هـ
١٦ – ٩ – ٢٠٢٢م
جَاري نَصرَانيٌّ، يقول في أغلب الأوقات -عندما يغضب-: (لا إله إلّا الله)، هل هذا يُفيدُ إسَلَامَهُ؟
الجواب:
النّصارى حينَ يُولَد لهم ولد، ثُمّ يموت؛ فيسمّوا المولود الآخر: (محمّدًا -صلّى الله عليه وسلّم-).
ويتفاءَلون بتسميتهم (محمّدًا -صلّى الله عليه وسلّم-)؛ أنّه يعيش.
قَوَلُ من يَقول: (لا إله إلا الله) -غضبان- وهو لا يدري؛ لا يؤمن، والإيمان لا يكون -فقط- من قِبلِ النّصرانيّ بقول: (لا إله إلا الله -فقط-)، النّصرانيّ يجبُ عليه -كما ذكر لنا علماؤنا- أن يؤمن أنّه لا إله إلا الله، وأنّ محمّدًا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وأّن عيسى -عليه السّلام- ليس ابنًا لله.
فمن اعتقد هذا؛ فهو مسلم، أمّا من قال: (لا إله إلّا الله) وهو لا يعتقد أنّ محمّدًا رسول -الله صلّى الله عليه وسلّم- فهذا الجنّة عليه حرام؛ لما ثبت في “صحيح مسلم” (١٥٣) من حديث أبي هريرة أنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال:
هذا ليس بمسلم، فالنّصرانيّ بقوله: (لا إله إلّا الله )في الغضب، وهو لا يريدُ ما يقول، وهو متلطّخٌ بالشّرك، ويؤمنُ أنّ الله ثالث ثلاثة، والله يقول:
﴿لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَـٰثَةࣲۘ وَمَا مِنۡ إِلَـٰهٍ إِلَّاۤ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۚ وَإِن لَّمۡ یَنتَهُوا۟ عَمَّا یَقُولُونَ لَیَمَسَّنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ﴾ [المائدة ٧٣].
مسلم يقول: (لا إله إلّا الله محمّدٌ رسول الله)، ويقول: الله ثالث ثلاثة، هذا كافر؛ لأنّ (لا إله الا الله) صارت منقوضة.
(لا إله إلا الله) يعني: الله واحد، وليس واحدًا -فقط-، [بل] واحدٌ أحد، (الأحد): الّذي لا يتجزّأ.
والواجب علينا أن نقول: (لا إله إلا الله)، (قل هو الله أحد).
(الله الصّمد): الّذي تصمدُ إليه الأمور -كلّها- وترفع إليه، ولا يستغيث العبد -إن نزل به شيء- إلّا بالله، فيصمد الأمور إلى الله -عزّ وجلّ-.
فهذا معنى (لا إله إلّا الله): لا معبود بحقّ إلا الله.
فكلّ ما ينزل بك ترّده إلى الله، وتستغيث بالله، وتتوسّل بالله، وتلجأ إليه في الشّدائد.
والله -تعالى- أعلم.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
١٩ – صفر – ١٤٤٤هـ
١٦ – ٩ – ٢٠٢٢م
السؤال:
أخٌ يسأل: ما حُكم ما يفعله بعض الإخوة من التَرَحُّمِ على النَّصارى و الكُفَّار و الدعوة لهم بالمغفرة ؟
الجواب:
وهُم أحياء أن تدعو لهم بالهدايةِ لا بالمغفرة فهذا أمرٌ حَسَن، و بعد أن فارقوا الحياة فالكُفَّار -كما أَخبر الله- و أهل الكتاب من أهل النار وهُم شرُّ البريَّة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) سورة البيِّنة 6 ، هذا كلامُ الله، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) سورة البيِّنة 7.
و ثبتَ في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ و سَلَّم قال: (والذي نفسُ مُحمَّد بيدِه، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌّ، ولا نصرانيٌّ، ثم يموتُ ولم يؤمن بالذي أُرْسِلتُ به، إلَّا كان مِن أصحاب النار) صحيح مسلم (153)، هذا كلام النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ و سَلَّم و هذا كلام الله، و لا نقبلُ بهذا الكلام بديلاً، لا نقبل بديلاً بما قال الله و قال رسول الله، و أمرُ الجنة و النار ليست للناس، و ليست لعواطف الناس، و ليست فلانة ماتت لأنها مجاهدة، و جهاد فلسطين، هذا كلام لا يصلحُ في الدِّين، الدِّين مآلُ الخَلْق عند الله عزَّ و جلّ؛ فاستنبط بعض أهل العلم من هذه الآيات أنّ المومنين خيرٌ من الملائكة، لأن الله يقول: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) البينة 7، خيرُ من بَرا، خيرُ من خَلَقَ الله؛ و بعض أهل العلم قالوا: المؤمن الذي يُجاهدُ نَفْسَه و يَستقيمُ على أمر مولاه و يترك داعي هواه فهذا خيرٌ من الملائكة؛ و الراجح و التفصيل على ما بُسِطَ في غير هذا المكان، لذا قال النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ و سَلَّم في الحديث القدسي الذي أخرجه الإمام مسلم في الصحيح، قال: (فَإن ذَكرَني في نَفْسهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفسي، وإنْ ذَكَرَني في ملإٍ، ذكَرتُهُ في ملإٍ خَيْرٍ منْهُمْ)، ما المُراد في قوله ملأ خير منهم ؟ الجواب: الملائكة، فجِنْسُ الملائكة خيرٌ من جِنْسِ البَشَر، و الآحادُ من البشر الذين ترقٌوا في الطاعات و العبادات و استقاموا هم خيرٌ بآحادهم من آحاد الملائكة، أما جنس الملائكة ـ بشكلٍ عام ـ خير من جنس البشر.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
٦ – صفر – ١٤٤٤هـ
٢ – ٩ – ٢٠٢٢م
السؤال:
حكم الاحتفال بمولد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلــم-؟
الجواب: ما الفرق بين المصلحة المرسلة وبين البدعة؟
هل المقتضي قائم على فعله أم ليس بقائم؟
هل حبنا لنبينا -صلى الله عليه وسلم- يفوق حب من قبلنا؟ أم حبهم أشد؟
الجواب: حبهم أشد.
هل المقتضي قائم بالاحتفال بميلاده ؟
المقتضي قائم.
هل نُقل؟
يحرر هنا:
من الذي أحيا الموالد؟
الاحتفال بالمولد من الذي أحياه؟
العبيديون.
ذكر هذا أبو شامة المقدسي في كتابه الباعث وذكره جُل المترجمين.
العبيديون فالحاكم بأمر الله الذي زعم الألوهية، هو أول من أقام الاحتفالات، ومد الأسبطة التي فيها الطعام والشراب، وأقام احتفالاً رسمياً لميلاد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ونحن لم نؤمر إلا باتباع السابقين، والسابقين احتفالهم بمولد نبيهم -صلى الله عليه وسلم- ما كان في لحظة ولا كان في يوم، وإنما كان في أن تحققوا هديه وساروا واقتفوا أثره، فاقتفاء الأثر وتحقيق الهدي هذا الذي يجب على المسلمين أن يصنعوه.
أما أن يصبح النبي -صلى الله عليه وسلم- في ساعة يذكر فيها شكله وجماله ولون بشرته، ويذكر جفونه، ويذكر فيها ما يخص بدنه وجسمه، وأن تثور العواطف تجاهه، ونحوه وأن ينسى هديه والتمسك بسنته؛ فهذا حال المخذولين المحرومين وليس حال المرحومين، فحال المرحوم: يتأسى ويقتدي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في وقته كله، في هديه كله.
ومعنى قول العبد: (أشهد أن لا إله إلا الله): أي لا معبود بحق إلا الله.
ومعنى قول العبد: (وأشهد أن محمداً رسول الله): أي لا متبوع بحقٍ إلا رسول الله.
فأن يتبع الإنسان غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن احتفاله به لا ينفعه.
فالذي ينفعك كما أنك توحد الله بالعبادة، فإنك توحد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالاتباع، وهذا معنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فكما أنك لا تشرك مع الله في العبادة غيره؛ فإنك لا تشرك مع رسول الله في الاقتداء غيره.
واذا فهمنا هذا وانطلقنا من الشهادتين: أصبحت مسألة المولد والاحتفال بالمولد ظاهرة جلية، فإن السنة والبدعة كالثمن والسعة، لا يجتمعان في يد، فالتاجر إن أعطاك السلعة فلا تبقى في يده السلعة ويأخذ منك ثمنها، وأنت لا تدفع الثمن دون السلعة، فالسلعة والثمن يتبادلان، والسنة والبدعة هكذا.
فكل من يحتفل بالمولد النبوي بالرقص وما شابهه وما يلحق به من أكل الحلوى وما شابه، لو أنك سبرت وفحصت حاله لرأيته أبعد الناس عن السنة، بهديه الظاهر وبهديه الباطن.
فهذا الاحتفال لا ينفع صاحبه، وهذا الاحتفال ليس من شرع الله -عز وجل- في شيء. الاحتفال الحقيقي بمولد النبي صلى -الله عليه وسلـم- أن توحده بالاتباع، فلا تشرك معه غيره في الاتباع، فتجهد أن يكون باطنك كباطن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتقتدي به، وكذلك أن يكون ظاهرك كظاهره، فهنالك صلة وثيقة بين الظاهر والباطن.
السؤال:
بالنسبة لتصوف أبو نُعيم في كتابه” الحلية وذكر الأخبار” ، هل يُعد أبي نُعيم شيخ الصوفية في زمانه؟
الجواب:
قالوا ضبط البدايات سلامةٌ في النهايات.
الشرع جاء بالتزكية.
وأبو نُعيم في الحلية اعتنى بالتزكية وبالرقائق، وذكر أحوال الزُهاد، ومن بين من ذكر الشافعي.
وأسند أبو نُعيم في الحلية عن الشافعي، قال الشافعي: ما تصوف رجل في أول النهار إلا وتزندق في آخره. هذا في الحلية.
كل نِحلة فيها فريق يُسمى الصوفية، البوذية عندهم صوفية.
فالشاهد أن أبا نُعيم انشغل في منهجه في الحلية بالزهد والتزكية.
والله تعالى أعلم.✍️✍️
السؤال:
الأبدية المذكورة في القرآن هل تتعارض مع أبدية الله سبحانه وتعالى؟
الجواب:
كل صفة إذا أُضيفت إلى ذوات متعددات، فتختلف باختلاف إضافتها للذوات.
خذ الرأس، قل رأس جبل وقل رأس إنسان وقل رأس خنزير وقل رأس إبرة هل هي بمعنى واحد؟! أم أن هذه الصفات تختلف باختلاف إضافتها للذوات؟!
هذا في حق المخلوق، فما بالك إذا أُضيف شيء للزمان ثم أُضيف لله جلَّ في عُلاه!
في الفترات الأخيرة كثُرت الأسئلة في أثناء لقاء الأخوة في السؤال والجواب وجاءني سؤال أكثر من مرة ((كُلُّ شَیۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُ)) قالوا: هذا ذاته.
قلت: لا الوجه.
قالوا: ((كُلُّ شَیۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُ))
فغير الوجه يهلك.
قلت: أعوذ بالله.
من قال هذا كفر وخرج من الملة، لأن هذا مأخوذ بمفهوم المخالفة والله تعالى يقول (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) فالله سبحانه وتعالى حي لا يهلك.
فأي شيء لله فيه صفة وللمخلوق فيه صفة فهذه الصفة على حال وهذه على حال.
وهذه أبدية الله ذاتية فالله حي قيوم ولا يحتاج سبحانه وتعالى إلى أحد بخلاف كل شيء غيره سبحانه. وتعالى.✍️✍️
السؤال:
ما قولكم فِيمن يقول بأنّ الأشاعرة هُم أولى النّاس بلقب أهل السنّة والجماعة لأنّهم أول من ذبَّ عن السنّة وناظر المعتزلة ؟
الجواب:
الأشاعرة مرُّوا في مراحل، وأحسنها أولها.
مدرسة أبي الحسن الأشعري وتمثّلت بالباقلاني، قريبون من مذهب الإمام أحمد، صحيح وقعت تجاوزات ، لكن إن قارنت بين مدرسة أبي الحسن الأشعري بمرحلتها المتأخرة المتمثلة بالفخر الرازي والقانون الكلي، مع المدرسة الأولى مدرسة أبي الحسن الأشعري في كتابه الإبانة، تجد فرقًا كبيرًا!
بعض تلاميذ الباقلاني وصلوا للمغرب، وبدأت تتململ الأشعرية في المغرب على إثر تلاميذ الباقلاني، وقبل ذلك المغرب العربي لا يعرف الأشاعرة، والكلام الشائع عند كثير من الطلبة ممن يقرؤون، ولا سيّما شبه المخالفين هذه الأيّام، يقول لك: كل علماء المغرب أشاعرة، وهذا ليس بصحيح.
وهناك فِرية أشد من هذه الفِرية، يقولون: ابن تيمية -رحمه الله- هو الذي قعّد ما عليه السلفية اليوم، ولم يسبقه أحد، هذا تُتمم الفرية الأولى، وهذا من الخطأ الشنيع.
وبعض إخواننا في الإمارات، له كتاب بديع جدًا في تأييد المالكية وبيان أن مذهبهم مذهب أهل السنّة، ونقل عن عدد كبير من المالكية قبل أن يولد شيخ الإسلام، وقارن كلامهم بكلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتبه.
فما جاء به شيخ الإسلام:
أولًا: تقرير.
ثانيًا: تفنيد شبه.
في معرض التقرير ما جاء شيخ الإسلام بجديد.
في معرض التفنيد صالَ معهم وجال، وحاقَقهم وضايقهم، وأكّد على صدق تقريره.
وإذا نظرتم إلى الشبه التي تُثار حول شيخ الإسلام، إنما هي شبه تثار في معرض مناقشته للإشاعرة وليس في معرض تقريره لعقيدة السلف!
وجُلّ هذه الشبه، لأن العقول قاصرة على إدراك كلام شيخ الإسلام.
ولذا من العلماء الذين غضبوا على شيخ الإسلام، صديقه وحبيبه ومعظمه الإمام الذهبي، كان يقول عقلك أكبر من عقولهم، وهم لا يفهمون كلامك، اسكت!
كانت نصيحة الذهبي لشيخ الإسلام، يعني من سعة علمه، قال: اسكت، هؤلاء لا يفهمون ماذا تقول!
أيضًا هذا كلام، البعض يستدل به على أنّ ابن تيمية مغموزٌ بهِ بسبب كلام الذهبي في السير وتاريخ الإسلام والذيل على السير عن شيخ الإسلام، وكل مراد الإمام الذهبي
وقد بينتُ هذا بالتفصيل والتطويل في كتابي الأغاليط……إلخ
فالشاهد أن السائل لمّا ذكر الأشاعرة، إذا أراد أبي الحسن الأشعري ومدرسته فصحيح.
أبي الحسن بدأ معتزليًّا وعرف ثغرات المعتزلة، وما وافقهم.
لكن الفخر الرازي وأئمة الأشاعرة المتأخرين معتزلة، الفخر الرازي في كثير من كتبه يقول: “الحديث صحيح” الحديث هذا صحيح في معرض ذكر بعض الصفات، صحيح، لكن لا يمكن أن أقول به!
لماذا؟
قال :الحديث هذا صحيح والحديث آحاد، والقاطع العقلي ينفيه.
المشكلة أين تَكمن؟
الكلام طويل وذو شجون -كما يقولون، طريقة إثبات الخالق عند الأشاعرة، ينطلقون من نظرية الجوهر، وكلّ من أثبت الخالق بناءً على هذه النظرية، مسبقًا من أثبت صفة الذهاب والمجيء والحركة والتنقل لله -جلَّ في علاه- هو مجسّم مسبقًا، لأنهم يعتقدون، بناءً على هذه النظرية أنّ الجوهر (الجسم) لا بد أن يكون ذو حركة ولا بد أن تكون هذه منفية عن الله -عز وجل-، لذلك نحن لا نستغرب عندما يقولون عن ابن تيمية : أنه مُجسم.
ليس ابن تيمية مجسم، كل من أثبت الصفة عندهم : مجسم.
لأن الأصل في إثبات أن الله حقٌّ عندهم ليس بسديد.
وشيخ الإسلام ناقشهم طويلًا في هذا، وبيّن أن أحسن طريقة بأن الله حقّ، طريقة الأنبياء، وطريقة الأنبياء -عليهم السلام- الفطرة والتأمّل في خلق الله، وليست النظريات الفلسفية وما شابه.
فالأشاعرة الخلاصة:
أنهم مرُّوا بمراحل ومرُّوا بمدارس، وليسوا سواءً.
فالمدرسة الأولى:
مدرسة أبي الحسن الأشعري.
مدرسة نحبُّها.
لكن أنبّه أنّ كثير من الناس يقولون: أن الإمام أبو حنيفة ماتريدي، ويقولون: أن الإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام مالك أشاعرة.
من المتقدّم ومن المتأخر؟
هناك نحو تسعين سنة بين وفاة الإمام أحمد، وميلاد أبي الحسن الأشعري.
يعني أبي الحسن الأشعري ولد بعد الإمام أحمد بتسعين سنة.
يعني لو سمعتَ -مثلًا- قائلًا يقول: ابن حجر كان تلميذًا للألباني، فماذا تقول؟ هذا جنون.
ابن حجر متقدم على الألباني رحمهما الله تعالى.
فلمّا تقولون أن الأئمة أشاعرة، فهم متقدّمون على أبي الحسن الأشعري فكيف يقال عنهم أنهم أشاعرة؟!
هذا الآن كلام يُسمع، وهذا كلام يُقال، وهذا كلام ليس له نصيب ليس فقط من العلم، حتى من العقل!
وشيخ الإسلام قال في المجلد الرابع من مجموع الفتاوى: العقيدة أكبر من أن تُؤخذ منّي، أو من أبي الحسن الأشعري، أو من الشافعي، أو من أحمد، أو من مالك.
العقيدة أكبر من هذا.
العقيدة لا تؤخذ إلا من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالعقيدة لا تُؤخذ من أشخاص. والعقيدة التي نادى بها أئمة السلف سهلة، تُناسب القاصي والداني، والعالم والجاهل، بخلاف العقائد الأخرى.
سؤال من أحد الحضور:
يستدل الأشاعرة المعاصرون اليوم أن جُلّ علماء الأمة هم من الأشاعرة، فلازم هذا أن الأمة كانت على العقيدة الصحيحة، وهي عقيدة الأشعرية؟
الجواب:
إخواني بارك الله فيكم العِصمة لمن؟ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- زكّى مَن؟
أي القرون -صلى الله عليه وسلم- زكّاها؟
زكّى النبي -صلى الله عليه وسلم- العصر الذي هو فيه، والذي يليه، والذي يليه، هذه هي العصمة.
مابعد هذا ليس عندنا تزكية.
والكثرة ليست دليلًا.
هذه النقطة الأولى التي ننطلق منها. العصمة في الجيل الذي ربّاه النبي -صلى الله عليه وسلم- وجيل التابعين وتابعي التابعين، فما كان هؤلاء عليه ما ينبغي أن يُحاد عنه، لأنهم مُزكوْن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الأمر الآخر:
العلماء يتابع بعضهم بعضًا.
مثلًا درسنا مع إخواننا شرح الإمام النووي على صحيح مسلم، الإمام النووي لو قارنت كلامه في تأويله للصفات، بكتاب “إكمال المُعلِم” للقاضي عياض فإنه ينقل منه كلمة بكلمة، وحرفًا بحرف، فما أنشأ الإمام النووي كلامًا من عنده، وإنما نقل عن كلام من قبله وهكذا، فالمؤولة شاع وذاع.
فمثلًا كتب الغريب، “النهاية” لابن الأثير، أصبح كل من أراد أن يفسّر حديثًا، ينقل من ابن الأثير ويسكت، العلماء كما قرر الغزالي في “المُستصفى” قال: الاجتهاد يتجزأ. وقال بعض العلماء قد يكون إمامًا في فن، وقد يكون عاميًّا في فنٍّ آخر، فراجَ وشاعَ وذاع كلام التأويل من خلال كتب الغريب، ومن خلال كتب شرح الأحاديث..إلخ
لكن لا يمكن لأحد أن يقول كل علماء الأمة أشاعرة.
نُوقشت رسالة دكتوراه من قريب، وكان المشرف عليها حسن الشافعي الأشعري لكنه منصف ، أخينا كتب رسالته بعنوان “مذهب السلف الصالح إلى القرن السابع عند الشافعية” وسرد أعلام كثر للشافعية، وكانت عقيدتهم على مذهب السلف الصالح.
مشاكل شيخ الإسلام ابن تيمية مع الشافعية، لا أكتمكم، كل أعداء شيخ الإسلام شافعية.
والشافعية مدرستان:
١)مدرسة السبكي تقي الدين وروّجها ولده عبد الوهّاب تاج الدين.
٢)مدرسة البُلقِيني أو البُلقَيْني -بتعبير أدق-.
وشاعت وذاعت مدرسة السُبكي. السُبكي متقدّم على ابن تيمية ومات بعده، وبعد وفاته بإحدى عشر سنة كتب ترجمة لابن تيمية، وكتابته لترجمة ابن تيمية فيها تحذير منه، وآذى ابن القيم تلميذ ابن تيمية وقد سُجن.
والكلام في هذا الباب كثير.
لكن الشاهد أن عددًا كبيرًا من الشافعية يؤيدون كلام شيخ الإسلام.
أمس كنت أراجع مسألة أظنّ في المجلد التاسع (٤٥٣)، من كتاب “النجم الوهّاج شرح المنهاج” للدَّميري، فينقل ثم يقول: وأفتى ابن تيمية بكذا، فقدح في نفسي قلت: يا ليت طالب علم يجمع فتاوى شيخ الإسلام أو نقولات الشافعيّة عن ابن تيمية من كتب الشافعية.
نقولات الشافعية عن ابن تيمية موثّقة من الكتب.
ما السر في ذلك؟
ابن تيمية إمام، وكلامه معتمَد ومعتدٌّ به ليس فقط عند الحنابلة، وإنما عند غيرهم.
وشاهدي من هذا مادام أن الشافعية هم كانوا في مُناكدة مع ابن تيمية، فنحتاج أن نبرز قيمة شيخ الإسلام عند الشافعية أنفسهم.
فالشاهد بارك الله فيكم الحكم عن الأشاعرة ليست العبرة بالشخص إنما العبرة بالتقرير، والتقرير نُخضعه لقواعد العلماء؛ فالمقبول منه مقبول، والمرذول منه مرذول، والذي يقبل الصواب والخطأ في مسائل يُقال هذا صواب وهذا خطأ.
فالقول بأنّ العلماء كلهم أشاعرة هذا خطأ، ليس بصحيح.
ونحن قول صحابيٍّ واحِد أحبُّ إلينا من قول مئات من المتأخرين.
العبرة بالقرون الثلاثة الأولى التي زكّاها النبي صلى الله عليه وسلم.✍️✍️
السؤال:
كل من أنكر شيئا من الدين معلوم بالضرورة هل يكفر ؟
الجواب:
إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام.
والمعلوم من الدين بالضرورة ابن حزم يرى بأنه هو الإجماع، يعني الإجماع المعتد به إجماع القرون الأولى فقط عند ابن حزم، لأن الفقهاء افترقوا في البلدان، ويستحيل الواحد أن يحيط بهم وأن يعرفهم. ويرى أن الإجماع هو المعلوم من الدين بالضرورة.
المعلوم من الدين بالضرورة، قد يقع في حق من أسلم حديثا، فيجهل شيئا معلوما من الدين بالضرورة. وأما من قامت عنده الدلائل على أن هذا حلال، على أن هذا من شرع الله جل في علاه فأنكره، أو أن هذا حرام فأحله، أو أن هذا حلال فحرمه، فهذا كفر –عياذا بالله تعالى-.
مثل، الآن إنسان يحل الزنا، أو يحل الخمر، أو يستحل القمار، أو ما شابه؛ لكن القمار له صور. قد يجهل كثير من الناس بعض صور القمار، فهذا لا نكفره وإنما هذا نقيم عليه الحجة.
ممكن تأتيك رسالة على الهاتف، تقول لك ابعث كذا، من يفوز في المباريات، ابعث رسالة بستين قرشا. هذا قمار، هذا قمار. لكن واحد يجهل لا يعرف أنه قمار ففعل واستحل هذا، هذا يعلم، هذا يعلم.
فالشاهد –بارك الله فيكم، أن المعلوم من الدين بالضرورة قد يختلف من بلد لبلد، وقد يختلف من زمن لزمن، وقد يختلف من شخص لآخر. والذي دخل الإسلام حديثا، قد يشرب الخمر وهو لا يعرف أن الخمر حرام.
من دخل الإسلام، إذا ما عَُرِّف، فقد يجهل. فالعذر بالجهل – الصواب عند أهل العلم- أن الإنسان يعذر بجهله، على ضوابط معروفة ومذكورة عند العلماء.✍️✍️