السؤال :
هل يوقن العبد بالإجابة عند الدعاء أم يطمع بالإجابة؟
الجواب:
العبد يوقن، لكن هذه الدعوة ليست متيقنة، أنا أدعو بعزيمة والرجاء من الله عز وجل، وكان بعض السلف يقول: إني لا أحمل هم الاستجابة، ولكنني أحمل هم الدعاء، فمن يسر الله، ومن حبب الله إليه الدعاء، فالله ما فعل له ذلك إلا لكي يستجيب له ، والشقي من الناس من لا يرفع يديه إلى الله ويسأله.
كثير من الناس تمضي الشهر والشهران والسنة والسنتان، لا يرفع يديه يقول: يا رب، يا الله، هذا شقي، ولذا السلف ما كان الواحد منهم يحمل هم الاستجابة، كان يحمل هم الدعاء، أن الله يشرح صدرك ويلهمك كيف تثني عليه، وكيف تسأله، وبماذا تسأله، هذه طاعة جراء طاعة سبقتها، وأن تنصرف عن الله عز وجل بكليتك ولا تسأله، وتتكل على غيره، هذا جراء معصية.
القلوب اليوم لَما يمرض الولد تتجه إلى الطبيب والدواء، لا بأس، اذهب للطبيب وخذ الدواء، لكن قلبك ينبغي أن يكون أول ما يتجه إلى الله:
{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء : 80]
واليوم :
الرازق الراتب أو المصلحة أو البقالة.
التوكل قليل على الله، لذا المسلمون يُـحرَمون المطر وما أحد يشعر بمشكلة!
ونخشى أيضًا أن نبقى على حالنا الذي نحن فيه، ونخشى أيضًا من القحط.
فالنبي أخبرنا صلى الله عليه وسلم في صحيح حديثه – وأختم بهذا – فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
« ليس السَّنَةُ بأنْ لا تُمطَروا ، ولكِنَّ السَّنَةَ بأنْ تُمطَروا وتُمطروا ؛ ولا تُنْبِتُ الأرضُ شيئًا ».
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الموارد | الصفحة أو الرقم : 503
ليس السَّـنة – أي ليس القحط – أن لا تمطروا، ولكن السَّـنة – أي القحط – أن تُمطروا ثم تُمطروا ثم تُمطروا ، ولكن لا تنبت الأرض شيئًا.
نزل المطر والمزارعون في حسبانهم أن المطر لا يَنزل، فما بذروا في الأرض البذر الذي يناسب المطر في هذا الوقت، فالمطر كثير ولكن الأرض قاحلة.
ليس السَّـنة أن لا تمطروا، ولكن السَّـنة – أي القحط – أن تمطروا ثم تمطروا ثم تمطروا، ولكن لا تنبت الأرض شيئًا.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
«لم يَمْنَعْ قومٌ زكاةَ أموالِهم إلَّا مُنِعوا القطرَ من السماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ».
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم : 5204
نسأل الله سبحانه وتعالى العفو والعافية، وقتادة كان يقول: ما أنزل الله عذابًا على قوم إلا عند انسلاخ الشتاء.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يدرأ الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن أمتنا، وعن مجتمعاتنا، وعنا ، وعن ذويْنا ووالدينا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصدر:
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله.
من اليوتيوب بعنوان
(لأول مرة ينشر الشيخ مشهور_بن_حسن_آل_سلمان 150- شرح مسلم)✍️✍️
السؤال :
ما حكم قراءة الفاتحة على الأموات ، بعد صلاة الجنازة أو قراءة القرآن على الأموات ؟
الجواب:
أرجح الأقوال ما قاله الإمام الشافعي فيما نقل عنه ابن كثير في تفسير سورة النجم عند قول الله عز وجل:
{وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} [النجم : 39]
فنُقل عن الشافعي أن القرآن لا يصل للأموات، فحب الخير كان عند مَن قبلنا، والقرآن كان موجودًا، والأموات كانوا موجودين، ولم يُؤثر عن أحدٍ أبدًا أنه قرأ القرآن عن آخر.
وورد أثر واحد عن ابن عمر أنه أوصى أن تُقرأ خواتيم البقرة على رأسه أو على قبره، وهذا الأثر فيه رجل كذاب، فلم يثبت شيء في قراءة القرآن على الأموات.
والفاتحة دعاء، ويقول الإنسان بعد أن يمجد الله ويثني عليه:
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ … (7)} [الفاتحة : 6-7]
وهذا الذي مات إما اهتدى وإما لم يهتدِ، ، واللهُ أعدلُ العادلين، إنسان غني يأتي بألف قارئ يقرؤون القرآن عليه، فهل يسبق الصالح الفقير الذي لا يجد أحدًا يقرأ عليه!؟
فالإنسان عند الله بعمله، {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} [النجم : 39]
أما عمل الابن فيُكتب في صحيفة أبويه دون أن ينوي ، كل عمل، يعمله الولد الصالح ؛ هو في صحيفة أبويه، قال تعالى:
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}
[الطور : 21]
وما ألتناهم : أي أنقصناهم.
المصدر:
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله.
من اليوتيوب بعنوان
(لأول مرة ينشر الشيخ مشهور_بن_حسن_آل_سلمان 150- شرح مسلم)✍️✍️
[الصراع القائم الآن إنما هو صراع حضاري وصراع بالأدلة ، لا يُقاوَم إلا بضبط هذه المسائل وردها إلى أصولها]
والكلام عن المنهيات طويل وكثير، والأمة بحاجة ماسّة لأن تعلمه، وطلبة العلم أشد حاجة لأن يضبطوا أصوله وقواعده، فمفردات المنهيات تحتاج إلى دهر، وأما الأصول فينبغي لطالب العلم أن يضبطها، وإن أخطأ في ضبطها ـ كما هو شائع في بعض الفروع هذه الأيام ـ وينفخ فيها الإعلام من أجل التحريف والتشويه، وتغيير الثوابت المعروفة عند السابقين.
ولذا سأتكلم بكلام مهم، وأنت قَيِّد يا طالب العلم المراجع التي أُحيلك إليها ، لأني لا أستطيع أن أبحث كل مسألة، وأن أكشف عن الأتربة التي تراكمت على هذه المسألة، وكيف استقرت هذه الأيام، وأُذيعت وأشيعت على وجه فيه تحريف.
من القضايا المهمات والتي لا تقبل النقاش:
أن الهجمة الشرسة هذه الأيام على ثوابت المسلمين في معتقدهم، وهذه الهجمة الشرسة لا تُقاوم إلا بالعلم والحجة والبرهان، والصراع بيننا وبين غيرنا من الأمم، ولا سيما الصراع القائم الآن بيننا وبين اليهود، وبيننا وبين النصارى، إنما هو صراع حضاري وصراع بالأدلة، ولَما أذن لنا الغرب أن نعيش في ديارهم، أصبح ـ ولله الحمد والمنة ـ الإسلام شائعًا هناك، فكل عاقل إن حكم البرهان والدليل، فلا بد أن يصل إلى الإسلام، لكن وجد غيرنا أنه لا يستطيع أن يبقى إلا أن يلعب بثوابت ديننا، وأن يغزونا من داخلنا.
فطالب العلم إذا ما ضبط هذه المسائل وردها إلى أصولها ـ وأنا أتكلم عن المنهيات ـ فحينئذ لا يسعد ولا يصعد ولا يُسعِد، وحينئذ يكون لَـبِنة هدم، لا لبِنة بناء.
كما علّمنا مشايخنا الأموات منهم والأحياء من أهل العلم، أن أي مسألة تُذكر في بساط البحث العلم الحر النزيه الذي فيه تحكيم “قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”، والمَفزع إلى هذه النصوص، وما قضى الله ورسوله ﷺ ، لا يجوز لنا أن نحيد عنه.
المصدر:
المحاضرة السادسة
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
شرح مبحث النهي في أصول الفقه
التاريخ:
7 ذو الحجة 1446 هـ
3 يونيو 2025 م✍️✍️
[حكم من يبيع على بيع أخيه ، ومن يخطب على خطبة أخيه]
هناك أشياء محرَّمة مثل أن يبيع الرجل على بيع أخيه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث:
«البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا -أوْ قالَ: حتَّى يَتَفَرَّقا- فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما، وإنْ كَتَما وكَذَبا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِما».
الراوي : حكيم بن حزام | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 2079
ولذا كان ابن عمر رضي الله عنه إذا باع واشترى وأراد أن يُلزِم البائع بما باعه، يخرج من المجلس ثم يعود، فخروجه ثم عوده جعل البيع لازمًا.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «البيعان» عن البائع والمشتري بالخيار، جالس البائع مع المشتري، ويقلبوا النظر ويتكلموا، ممكن في المجلس الواحد يصير بيع ثم رَد البيع ، وبيع ثم رَد البيع، هم بالخيار، البائع له الخيار والمشتري له الخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا ثم اجتمعا بعد الافتراق – تعبيرًا دارجًا – إذا واحد ندم وقال لا أريد الإتمام ، لازم يرد الآخر فيقول له:
أَقِلْني، أقال الله بيعتك يوم القيامة.
إذا أقاله بطيب نفس جاز، فالخيار مرفوع، «البيعان بالخيار ما لم يفترقا».
واحد اشترى من آخر، وأنا علمت أنه اشترى ولم يقبض وافترقا، أنا شرعًا يَحرُم علي – ولي حاجة في هذه السلعة – أن أذهب للبائع فأغريه وأزيد على السعر الذي بذله المشتري.
يحرم علي شرعًا أن أذهب إليه:
أنت بعتَ فلانًا السلعة بألف دينار، أنا أعطيك ألفًا وخمسمائة دينار، هذا حرام شرعًا، هذا حرام لغيره وليس حرامًا لذاته، لأنه لو ما باع الأول لجاز لي أن أشتري.
ومثل ذلك:
أن يخطب الرجل على خطبة أخيه.
واحد عريس يبحث، وله مواصفات، يريد أن يجمع الخير في هذه المرأة من جميع الجوانب، فبعد تعب وجد امرأةً، فبلغ آخر جالس ويعلم أن هذا ذوقه عالٍ ورفيع، واختياره دقيق، فذهب إلى أهلها، فإن ذهب إلى أهلها وقد تمت الخطبة – وإن لم يُكتب الكتاب – تمت الخطبة، إيش يعني تَـمَّت الخطبة؟
يعني قبلناك زوجًا، مجرد ولي أمر البنت يقول للمتقدِّم:
قبلتك زوجًا، فتمت الخطبة، فيحرم على رجل آخر أن يتقدم لهذه البنت، وإن لم يُكتب الكتاب.
لكن إذا ما تمت الخطبة، يعني رجل جاء، ولم يتم شيء، ما وصل الجواب، ما حصل جواب، فأراد آخر أن يتقدم لنفس البنت، ممنوع أم مشروع؟
مشروع
لماذا مشروع؟
نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطب الرجل على خطبة أخيه.
فما تمت الخطبة أما إذا تمت الخطبة فحينئذ ممنوع شرعا .
المصدر:
المحاضرة السادسة
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
شرح مبحث النهي في أصول الفقه
التاريخ:
7 ذو الحجة 1446 هـ
3 يونيو 2025 م✍️✍️
وكل نهي في كتاب الله عز وجل فيه لعن أو وعيد أو حد أو وُصِـف بأنه كفر، ولو كان الكفر لفظيًا أو كان عمليًا ليس بمخرج من الملة، فهذه الأشياء كلها كبيرة من الكبائر.
فإذا أردتَ أن تميز بين الكبائر وغيرها، فانظر: فكل لعنٍ، وكل وعيد وتهديد بالنار، أو رتب الله عز وجل عليه إقامة حد في الدنيا، أو كان ذلك كفراً، أو فيه لعنٌ، فهذه الأشياء الأربعة هي حد الكبائر من الصغائر، على مباحث طويلة عقدية نابعة من أصول عقدية معروفة في كتب العقائد.
ولملمتُـها وجَهِـدتُ في لملتها في مقدمة نشرَتي لكتاب “الكبائر” للإمام الذهبي، علماً أن كتاب “الكبائر” للذهبي كتاب عزيز نظيف، فيه أسانيد صحيحة، والضعيف الذي فيه قليل محتمل التحسين.
وأما الكتاب الذي انتشر واشتهر على أنه للإمام الذهبي، فهذا كَذب النسبة إليه، وليس بصحيح النسبة.
والكتاب الذي طُبع في الطبعة الصحيحة أنا العبد الضعيف نشرت الكتاب، ونشره غيري من السوريين أيام حكم حافظ الأسد، ولما نُشر الكتاب حُذف منه ما يخص تكفير العلويين، والكتاب عن عَمد ناقص، فلما قابلت المطبوع بالمخطوط قلت: لا بد لنا من نشرة من الكتاب تليق به؛ فالإمام الذهبي إمام كبير.
كحال كتاب “الغُنية” لعبد القادر الجيلاني الإمام الحنبلي السلفي الكبير.
وكتاب “الغُنية” إلى الآن لم يُطبع كاملًا، وهناك فصل يقدَّر أن يكون في مَلزمة، وأعني بالمَـلزمة المعروفة في أعراف الناشرين مقدار 16 صفحة، فيها مَـلزمة عزيزة نفيسة جدًا عن الشيعة.
وطُبع كتاب “الغُنية” في العراق، وهي من أحسن طبعات كتاب الغُنية، وفي وقت الصلح مع إيران، ولذا ناشره لم يُؤذن له بالنشر إلا أن يحذف الملزمة.
وأنتم طلبة علم، انظروا للكتب الأُمَّات المهمات التي لها دوران بين طلبة العلم، وينبغي أن تعرفوا أحسن النسخ، وأن تعرفوا النسخ الناقصة.
ولما أرى كتابًا من الأُمَّات نشرته دار شيعية، أي دار إحياء التراث مثلًا، أخاف وأقول، وما زلت أقول، وأنا بنفسي ضعيف لا أستطيع أن أفعل: يا ليت تُقارَن هذه الطبعة، بالطبعات الأخرى للكتاب، حتى ننظر: هل تَـقصَّد هؤلاء في نشر هذا الكتاب حذف كلام معين منه أم لا؟!
فنحن طلبة علم، ونحن حُرَّاس التراث، وحُرَّاس العقيدة، وحُرَّاس الكتاب والسنة إن شاء الله، فلا بد أن نتقدم خطوات، ولا نبقى كسائر الناس، نحن طلبة علم، والواجب علينا كبير، وأرجو الله أن يعيننا على أداء هذا الواجب.
المصدر:
المحاضرة السابعة
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
نيل المرام في شرح آيات الأحكام
الدورة العلمية 27
التاريخ:
11 صفر 1447 هـ
5 أغسطس 2025 م✍️✍️
[ النهي عن التكبر والمرح في الأرض، عبارة الإمام مالك “لا أدري”، وبيان خطورة الكلام بغير علم ]
قال فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله:
قال أهل العلم في التفريق بين المرح والفرح، فقالوا في التفريق، ومقولتهم دقيقة، وتأتينا بعد قليل.
قالوا: الفرق أن الفرح قد يكون بحق، فيُحمَد صاحبه، وقد يكون بالباطل، فيندم عليه.
أما المرح فلا يكون إلا بالباطل.
الفرح قد يكون بالحق وقد يكون بالباطل، فإن كان بالحق حُمِد صاحبُه، وإن كان بالباطل ذُمّ صاحبه.
أما المرح ـ بالميم ـ فلا يكون إلا بالباطل.
وأخذوا هذا التفريق الدقيق من قوله سبحانه وتعالى في سورة غافر:
تفرحون في الأرض بغير الحق، إذًا: في فرح بغير الحق.
والغالب في الفرح أنه بحق، فالفرح بالحق يُحمد صاحبه،
والفرح بالباطل يُذم صاحبه، والمرح لا يكون إلا في الباطل، كما قال الله سبحانه وتعالى.
{ .. وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر : 75]
فعلَّل الله عز وجل هذا النهي بقوله:
{إنك لن تخرق الأرض}:
لن تقدر أن تُحدث في الأرض خرقًا بشدة وطأتك ودوسك عليها.
أي: لا يمكن أن تنقبها أو أن تثقبها إلى الجانب الآخر.
فأصلُ الخرق يدل على مَزق الشيء وقطعه.
ثم قال:
{ولن تبلغ الجبال طولا}
مهما تعاظمتَ ومددت قامتك وارتفعت ووقفت على رؤوس قدميك، لن تستطيع أن تصل إلى الجبال.
فمنها :
يا أيها المتكبر المتعاظم في مشيك، لن تثقب الأرض بشدة وطأة قدمك عليها عند اختيالك في مشيتك، ولن يبلغ طولك الأعلى في مشيتك طول الجبال، فما الذي يُغريك بهذه المشية، وقدرتك لا تبلغ بك هذا المبلغ؟!
تواضَع لا تتكبّر ، اعرِف قدرَ ضعفك وقدرَ عجزك،
فأنت محصورٌ بين جامدين لا تقدِر على التأثير فيهما:
الأرض من تحتك، والجبال من فوقك.
وهذه الجبال شامخة لا تستطيع أن تؤثر فيها.
فإذاً الآية تدل على التواضع.
والعلم ثقيل، ولا يسع العلمَ إناءٌ إلا إناءَ الحلم، فالعلم بلا حِلم لا فائدة منه من حيث الأثر في النفس.
من أراد أن ينفع الله تعالى به، فالواجب عليه أن يكون ذا حِلمٍ مع العلم، وأما إن بقيتَ صاحب علم دون حِلم، فأثرك في الناس ضعيف.
ولذا:
طالب العلم كلما ازداد علمًا ينبغي أن يزداد تواضعًا، ومن ازداد علمًا ولم يزدد تواضعًا، فليتَّهم علمه، كما كان يقول بعض السلف.
هذه خلاصة المعنى الإجمالي في الآية.
أما الأحكام التي تُستنبط من هذه الآيات، فكثيرة:
الأمر الأول: وجوب الدليل للحصول على العلم.
العلم بالدلائل، لا بالقائل.
ولكن الإنسان في الطلب في البدايات يغلب عليه التقليد، ولا سيما تقليد من ألقى الله تعالى محبته في قلبه، وكلما ازداد العلم، ابتعد الإنسان عن التقليد.
ولسعة العلم، لا بد لطالب العلم الموفق أن يأخذ العلم من أهله.
وكما كان يقول أيوب السختياني رحمه الله:
إذا أراد الله بالحدث ـ الصغير ـ، والعامِّي، والأعجمي خيرًا،
يسّر الله له عالمًا من أهل السنة.
إذا أراد الله بالحدث ـ الولد الصغير ـ، والعامي ـ عوام الناس وليس بطالب علم ـ، والأعجمي ـ ليس بعربي ـ، إذا أراد الله به خيرًا، يسّر الله تعالى له عالمًا من أهل السنة.
طالب العلم لا يلزم أن يكون مجتهدًا في كل ضَربٍ من ضروب وألوان العلم، ففي اللغة مثلًا: ما ينبغي أن يكون كل طالب علم مثل سيبويه، ويعرِف المذاهب والأقوال والأدلة!
لا يستطيع، فلا بد أن يُقلّد.
والتقليد ليس عِلمًا ، التقليد للضرورة والحاجة، فأنت تلجأ للتقليد ليس من باب العلم، ولكن الأصل في العلم كما قال الله عز وجل:
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء : 36]
أي مسألة تُسأل عنها ولا تعرفها، قل: لا أدري.
وكانوا يقولون: “من ترك (لا أدري)، فقد أُصيبت مقاتله”.
وكان يقول بعض من لازم مالكًا:
لو أردنا أن نملأ الألواح من قول الإمام مالك: (إن نظنُّ، إلا ظنًا، وما نحن بمستيقنين)، لملأنا الألواح.
وجاءه رجل وقال:
“عندي أربعون مسألة”، فأجابه على مسألتين أو ثلاث، فاستغرب ، قال: أنت إمام دار الهجرة، أنت إمام المدينة النبوية، وتقول: لا أدري؟!
فقال مالك بكل أريحية:
“اخرُج وأذِّن في الناس، ونادِ بأعلى صوتك: مالك لا يدري”.
اخرُج، أذِّن، في الناس: “مالك لا يدري”.
ماذا يضيرك أن تقول: لا أدري؟
الله يقول:
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء : 36]
العلم قائم على الدليل، والتقليد ليس بعلم.
لذا قالوا: لا يُقلد إلا غبي أو جاهل.
نعم، يُلجأ إلى التقليد للضرورة، أما هو فليس عِـلماً ، والأدلة على هذا كثيرة.
الواجب على الإنسان إن تكلم بشيء، أن يتكلم بعلم،
وهذا أصلٌ أصيل، وركنٌ ركين عند طالب العلم.
والأدلة عليه كثيرة، ومنها في القرآن الكريم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ..}
[الحجرات : 12]
الشيء المظنون: لا تتكلم فيه ، تكلَّـم بعد أن تتثبت.
لسان حالك ينطق، ونطقه في بعض الأحيان أبلغ من لسان القال.
تفهمون الحال والقال؟
نعم، إن شاء الله.
ولذا قال أهل العلم:
من أصول مسائل العلم الكبار التي لا يجوز أبدًا أن يُغفل عنها الإنسان:
أصلان،
اكتب هذين الأصلين، وتفقد نفسك، واحمل حالك على أن تكون من أهلهما:
قال أهل العلم:
إن كنت مدّعيًا فالدليل، إن ادَّعَـيْتَ أي شيء ، قال عز وجل:
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء : 36]
وإن كنت ناقلًا فالصحة.
إذا نقلت، اعتنِ بالصحة، انقل الأمر على حاله ، وإن كنت مدعيًا، لك دعوى:
تقول هذا حلال، هذا حرام، هذا مكروه،
فالواجب عليك أن تكون على دليل.
هذان أصْلان كليّان، وقاعدتان مهمتان، تلزمان طالب العلم في كل زمان، وأينما كان، وفي أي مسألة تكلم:
① إن كنت مدعيًا: فالدليل.
② إن كنت ناقلًا: فالصحة.
المصدر:
المحاضرة الثانية
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
نيل المرام في شرح آيات الأحكام
الدورة العلمية 27
التاريخ:
4 صفر 1447 هـ
29 يوليو 2025 م✍️✍️
قال أهل العلم: الضبط ضبطان:
ضبط السطر، وضبط الصدر.
وكان الغالب على العرب ضبط الصدر.
ثم أصبح العلم – ما بعد القرن الخامس الهجري – إجازات وروايات ونقلًا من كتب، وتعطل أو كاد أن يتعطل ضبط الصدر.
قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:
{ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء : 110]
حتى أصحابك يأخذون عنك القرآن.
كيف كانوا يأخذون القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
بـضبط الصدر.
ولذا الإمام الذهبي ترجم لعشرات من العلماء في سير أعلام النبلاء، فنعتهم بأمرين، وهما ليسا بمتناقضين، وإن ظن بعض الحمقى في هذا الزمان أنهما متعارضان، فقال:
“كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب، وكان يحفظ القرآن.”
هل تعرفون أناسًا أميين يحفظون القرآن ولا يقرأون ولا يكتبون؟
نعم.
كيف حفظوا القرآن؟
إخواننا الأكفاء، –العمي– يحفظون القرآن عن ظهر قلب،
فهذا ضبط صدر.
فقال الله للنبي صلى الله عليه وسلم في خبر عبد الله بن عباس:
“ولا تُخافت بها عن أصحابك”، تُسمعهم القرآن حتى يسمعوه فيأخذوه عنك.
“لا تُخافت بها”.
مقصد شرعي في الصلاة أن يجهر الإنسان بالصلاة حتى يبقى حفظ القرآن.
لذا الآية التي تسمعها ويتكرر سماعها، يسهل عليك حفظها،
ولذا أحسن أنواع الحفظ – كما قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى – حفظ الإدمان.
حفظ القرآن سهل على من يسّر الله عز وجل عليه ذلك،
“ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر”.
لكن الصعوبة في أن يثبت في قلبك.
فمعالجة هذه الصعوبة أن يكون حفظك للقرآن حفظ إدمان.
ما معنى حفظ الإدمان؟
حافظ القرآن وِرده في اليوم خمسة أجزاء،
إذا أردت أن تحفظ القرآن، داوم كل يوم على خمسة أجزاء،
وامكث سنة أو سنتين تقرأ كل يوم خمسة أجزاء، لا تحفظ، أدمن على النظر في القرآن على خمسة أجزاء، ثم احفظ.
تبدأ تجمع القرآن الذي في صدرك.
لذا أحسن حفظ هو حفظ الإدمان، فهو أحسن من أن تتعنّى
تنتقل لسورة تحفظها ثم تنساها، تنتقل للسورة الثانية تحفظ آيات منها ثم تنساها.
حفظ الإدمان هو الأحسن.
أرأيتم الذين كانوا قديمًا يعملون على مقاسم الهاتف؟
يُسألون عن تلفون شركة كذا وكذا… هذا الذي يعمل،
تجد بعضهم يحفظ عشرات الألوف، إذا لم يكن ملايين من الأرقام.
فتسأل سؤالًا:
كيف حفظ هذا هذه الأرقام؟
بالإدمان.
فحفظ الإدمان هو أحسن حفظ.
المصدر:
المحاضرة الـرابعة
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
نيل المرام في شرح آيات الأحكام
الدورة العلمية 27
التاريخ:
6 صفر 1447 هـ
31 يوليو 2025 م✍️✍️
[أكثر آية ينبغي لطالب العلم أن يجعلها شعارًا له في حركاته وسكناته، وأقواله وأفعاله، وخلجات قلبه]
من هم أكثر الناس نصيبًا من هذه الآية ؟
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : 36]
أكبر الناس نصيبًا من هذه الآية؟ طلبة العلم.
أكثر الناس نصيبًا من قوله تعالى:
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : 36]
الناس تُبصر وتسمع، تسلية، تُضيّع وقتها ، أما طالب العلم، فكل شيء يسمعه أو يقوله أو يتأمله، يقوله على أنه ديانة، وعلى أنه دين.
ولذا أكثر آية ينبغي لطالب العلم أن يجعلها شعارًا له في حركاته وسكناته، وأقواله وأفعاله، وخلجات قلبه ، هذه الآية.
في الآية تحذيرٌ للإنسان لكي لا يستعمل سمعه وبصره وقلبه فيما لا يحل له، وهذا من باب أولى، وهذا يشمل جميع المكلّفين.
وخصّ السمع والبصر والقلب، لأنها أهم الوسائل التي تمكّن الإنسان من إدراك ما هو خارج عنها.
قد يدفع العلمُ صاحبَه إلى أن يرى نفسه، وأن له فضلًا على غيره.
وهذا هو سرّ ذكر الله عز وجل، بعد أن قال:
{.. إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : 36]
فقال عز وجل:
{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا }
[الإسراء : 37]
العلم له طغيان إذا لم يُزكِّ الإنسانُ نفسَه، كما قال عبد الله بن المبارك:
“إن للعلم طغيانًا كطغيان المال”.
إذا جلستَ في مجلس، وكان فيه مليونير، يتميّز عن سائر الناس – له طغيان.
وإذا جلستَ في مجلس فيه عالم، فالعالِم أيضًا متميّز.
لكن العالِم حين يتكلم، ينبغي أن يتكلم من باب الحرص، وهو يستحضر قوله تعالى:
{.. إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : 36]
يُـعرِّف الناسَ بالله، يدعوهم إليه، يُرغِّـبُهم ويُـرهِّـبُهم.
وهذه هي مهمة النبيين، كما قال الطحاوي رحمه الله:
“وبعث النبيين إليه داعين، وبه معرّفين، ولمن أجابهم مبشّرين، ولمن خالفهم منذرين”.
هذا ميدان طالب العلم: هذه الأمور وما يتفرع عنها.
المصدر:
المحاضرة الثانية
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
نيل المرام في شرح آيات الأحكام
الدورة العلمية 27
التاريخ:
4 صفر 1447 هـ
29 يوليو 2025 م✍️✍️