الجواب: الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام ألف كتاباً اسمه(غريب الحديث)، كتاب مطبوع، تشتريه بأقل من عشرين ديناراً، ومكث الإمام أبو عبيد في تأليف الكتاب أربعين سنة، حتى لما سمع به (الإمام أحمد) و (يحيى بن معين) جاؤوا إليه ليقرؤوا عليه الغريب، وكان أبو عبيد لا يعرف ابن معين “أبو زكريا يحيى بن معين” وهو من أئمة الحديث الكبار.
أبو عبيد يُسند، فبدأ بالإسناد. قال له يحيى بن معين: دعك من الإسناد؛ فالاسناد شغلنا وليس شغلك، يعني نريدك أن تذكر الحديث وتذكر الغريب، فأبى أبو عبيد إلا أن يحدثهم بالإسناد، لعلهم يقولون حدثنا أبو عبيد، فهذه رفعة عظيمة لأبي عبيد أن يقول ابن معين أو أحمد حدثنا أبو عبيد، فحدثهم بالإسناد وشرح لهم الغريب.
فلما عرَّف الدُف أبو عبيد القاسم ابن سلام قال: الآلة التي تستخدمها النساء فقط.
ولذا الإمام مالك -رحمه الله تعالى- في فتاوى شيخ الإسلام في أواخر المجلد الثامن والعشرين، (من مجموع فتاوى ابن تيمية) قال الإمام مالك: لم يكن رجال السلف الصالح يعرفون في أعراسهم ضرب الكف بالكف، ولا ضرب الكف بالدُف، ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال.
فقد كانوا يجتمعون على الطعام في الوليمة.
أنا أقول شيئا زائدا خروجا عن السؤال، وقد أجبت عن السؤال.
في أعراس المستقيمين أقرب طريقة للشرع هي (الناس تسولف وتأكل المنسف وتغادر)، هذا أقرب شيء للشرع وليس الموعظة، ولا الكلام، يعني الموعظة والكلام وإدخال وإقحام المواعظ والكلام في كل شيء وفي كل حاجة غير مطلوب.
وأنا ما أحب في أعراس الناس أن يتكلفوا كما يتكلفون اليوم، اليوم يقولون لك حفل إسلامي!
ما هو الحفل الإسلامي؟
فإذا ما في طعام فليس بحفل إسلامي.
الوليمة: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أَوْلِمْ ولو بشاةٍ). صحيح البخاري 6082.
الوليمة هي المطلوبة، وادع من شئت على حسب السعة والضيق.
والعرف دعوة الناس على طعام الوليمة، وليس على كلام، الكلام
والموعظة ليست شرعية، ولولا كثرة فساد الناس لقلنا هذا غير مشروع، لكن الناس بعضهم الآن فاسدون، وفي أعراسهم يعملون العجائب، فبعض الناس لضعفه يريد أن يسد الفراغ فيُحضر شيخاً حتى لا تقع المعصية، وإلا الأحسن أن يترك الناس على ماهم عليه، يتركون الناس في كلامهم، ويجتمعون على الوليمة وهذا قَلَّ من انتبه إليه.
كل أعراس الناس اليوم أعراس رسمية، وكلمات كما يقولون كلمات وعظ وما شابه.
السؤال السابع: نرجو الشرح والبسط لقاعدة “تعارض الأصل مع الظاهر” مع المثال؟
الجواب: الأصل في الأشياء الحل.
ظاهرٌ لك بدا أن فلاناً يريد هذا الأصل الذي فيه الحل يريد أن يستخدمه في حرام، أيهما يقدم الأصل أم الظاهر؟
يعني واحد مثلا يبيع في محل بملابس (نوفوتيه)، والمرأة تلبس بنطال تستر به نفسها تحت جلبابها، فلا حرج في ذلك، لو جاءته امرأة تلبس بنطال، أو إنسان يبيع الطِّيب (العطر)، فالمرأة تشتري الطيب و تتزين لزوجها فلا حرج، فالطِّيب الأصل في بيعه الحِل، جاءت امرأة متعطرة فهذا الواجب عليه أن ينكر على من تلبس البنطال وعلى من تضع الطيب، وأقل درجات الإنكار أن لا تبيعها وتقول لها: يا أختي حرام عليك أن تضعي الطيب وأنا لا أبيعك، حرام عليك أن تلبس البنطال وأنا لا أبيعك.
فهذا أقل درجات الإنكار.
فإذا تعارض الأصل مع الظاهر؛ اختلف العلماء، هل يستصحبون الأصل أم يستصحبون الظاهر، أو التفصيل؟
الصواب: التفصيل، ودليل التفصيل حديث ذو اليدين،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إحْدَى صَلاتَيْ الْعَشِيِّ – قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : وَسَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ . وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا – قَالَ : فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ سَلَّمَ . فَقَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ , فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى , وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ . وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا : قَصُرَتِ الصَّلاةُ – وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ – فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ . وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ , يُقَالُ لَهُ : ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَنَسِيتَ , أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاةُ ؟ قَالَ : لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ . فَقَالَ : أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ . فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ . ثُمَّ سَلَّمَ , ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ . ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ , ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ . ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ . فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ : ثُمَّ سَلَّمَ ؟ قَالَ : فَنُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ : ثُمَّ سَلَّمَ .
صحيح البخاري كتاب السهو (1169).
الصحابة اختلفوا على ثلاثة أقسام لما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة الرباعية والراجح أنها صلاة الظهر صلاها النبي -صلى الله عليه وسلم- ركعتين.
– فبعض الصحابة صلى وخرج.
الذي صلى وخرج قَدَّم ماذا؟
قدَّم الظاهر.
– وبعض الصحابة أنكر لأن الصلاة أربع ركعات والنبي -صلى الله عليه وسلم- يصليها ركعتين، فهذا قدَّم الأصل على الظاهر.
– وبعض الصحابة استفصل بأدب، – وما أحوجنا للأدب-.
فقال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أقَصُرَت الصلاة أم نسيت؟
فهو قدم العذر بين يدي أهل الفضل.
واحد من أهل الفضل إن أخطأ سواء أباك أو واحد قريب أو أحد من أهل العلم، أو أحد من الصالحين، إن رأيته أخطأ فقدم بين يدي الإنكار عليه بالعذر.
قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أقصرت الصلاة أم نسيت؟
وفي القول للنبي -صلى الله عليه وسلم- أقصرت الصلاة؛ دلالة على أنّ قصر الصلاة وكذا جمعها لا يلزم فيها إخبار الناس.
ولذا يجوز نية الجمع من تكبيرة الإحرام الثانية، لأنه يقول له أقصرت الصلاة أم نسيت.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ما اخبر أنه قصر.
فنية القصر ونية الجمع لا يلزم الإمام أن يخبر بها.
ولو أخبر بها فلا حرج، لكن لا يلزمه أن يخبر بها.
فالصحابي الذي أخبر بهذا الكلام استفصل عن مخالفة الأصل مع الظاهر.
فالأصل في الأشياء الحل، إن قام لك ظاهر وهذا الظاهر قوي، وقد تقوى عندك؛ فهنا استفصِل.
يعني واحد مثلا يعمل في إصلاح الكهرباء (كَهربائي)، ووضعوه في مسرح وهو يرى الطاولات منها ما هو طالع ونازل، ويرى أمور غير طبيعية، وهو يريد أن يشتغل الكهرباء في هذه الصالة في (فندق مثلاً)، فهذه الصالة الأصل يستفصل هل هي صالة خمر؟ أم (بار)؟ هل هذه صالة تستخدم في الحرام أم في الحلال؟
فمتى قالوا له هي بار.
ماذا يقول؟
يقول: لهم حرام ولا أعمله.
وإذا ما عرف لا شيء عليه.
فإذا اختلف عندك الأصل مع الظاهر؛ فتُقَدِّم التفصيل.
وهنا نقطة مهمة جدًا ينبغي أن ينبه عليها:
الشيء الذي يستخدم بأكثر من وجه (وجه حلال ووجه حرام)؛ الأصل في بيعه أنه حلال، والإثم على مستَعملِه.
فهنا لا نقول: الأصل والظاهر.
هنا نستصحب الأصل.
يعني واحد يعمل في سوبر ماركت يبيع شفرات الحلاقة، فليس مطلوب من هذا البائع أن يسأل المشتري عن هذه الشفرة ماذا تريد أن تعمل بها، لأن الشفرة يعمل بها الحلال الواجب، وقد يكون تأدية هذا الواجب بهذه الشفرة،
حلق العانة وقت لنا النبي – صلى الله عليه وسلم- أربعين يوما، وبعد الأربعين يوم؛ حرام إبقاء العانة سواء للذكر أو الأنثى وسواء متزوج أو أعزب، فكثير من الناس يتركون خصال الفطرة وخصوصاً البنات في فترة ما قبل الزواج، وهذا بالشرع ممنوع.
واحد اشترى من آخر شفرة ما هو المطلوب؟
أن تبيعه والاستعمال هو الذي يقرر هل حلال أم حرام.
لك أن تطعم الكافر خبز وأن تبقي الحياة فيه ولك فيه أجر؛ أما المنع لقول الله عز وجل: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان} [المائدة: ٢]؛ فهذا يقتضي أن لا تبيع ولا تشتري ولا تطعم وما شابه.
و هذه المسائل تحتاج إلى عناية ورعاية وتوفيق من الله عز وجل.
الأصل في الأشياء الحل وفي الحديث عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته “. البخاري(٧٢٨٩)، مسلم(١٣٣٧).
الأصل في الأشياء الحل وأشد المسلمين جرما من سأل عن مسألة فحُرِّمَت من أجل مسألته.
ابن عباس يقول ما سأل أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم رسول الله- إلا أربعة عشر سؤالاً.
فكانوا يخافون من هذا الحديث. أشد الناس جرما من سأل عن مسألة فحرمت من أجل مسألته.
وكانوا يحبون أن يأتي الأعرابي من خارج المدينة فيسأل النبي – صلى الله عليه وسلم-.
جاء في صحيح مسلم (١٢): عن أنس قال: كنا نهينا أن نسأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن شيء، فكان يعجبنا أن يأتيه الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع.
السؤال الحادي عشر : بارك الله فيك شيخنا بالنسبة للتحول في الجلسة بعد الفجر في الجلسة من مكان لآخر داخل المسجد هل هذا يعارض حديث أنس ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس؟
الجواب: جاء من حديث أنس عند الترمذي «من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كتب له أجر حجة وعمرة تامة تامة» حسنه شيخنا الألباني في صحيح الترمذي رقم ( 480).
وجاء في مسلم من حديث جابر بن سمره «أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا صلى الفجر جلس حتى تطلع الشمس حسناء» أخرجه مسلم (670).
نقل (السخاوي) في كتابه (الأجوبة المرضية) فتوى بديعة وقرأتها في هذا المجلس قديما عن شيخه الحافظ ابن حجر أنه سئل عن هذه المسألة قال الأصل في الإنسان إن جلس أن يجلس ولا يتحول ولا يتغير إلا إن دعت حاجة، مثل الإمام يتحول للناس إن دعت حاجة للسؤال، ما في سؤال يبقى جالساً، إن دعت حاجة يتحول، أما أن لم تدع حاجة الأصل فيه أن يبقى في مكانه الذي صلى فيه ذاكرا الله -عز وجل- حتى تطلع الشمس.
نحن الآن في هذا الدرس سيحصل تحول فتقرب على الشيخ، ويدرس الشيخ ويتكلم معكم هذا التحول لا حرج فيه، ونحن إن شاء الله من الذاكرين الله عز وجل.
و”عطاء” وغيره لما قال: يقرؤون كتاب الله ويتدارسونه في ما بينهم، قال: يتعلمون كيف يبيعون و كيف يشترون، يعرفون الأحكام الشرعية.
السؤال العاشر: هل الأذكار التي بعد الصلاة تنقطع بالكلام أو المشي؟
الجواب: أما المشي فلا، روى مسلم (591) عن ثوبان رضي الله عنه ، قال : ” كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا “، وَقَالَ : ( اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) .
ثم يخرج يسبح في الطريق، والكلام الذي فيه حاجة وضرورة لا حرج فيه.
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه فقال ” هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟”. صحيح مسلم 2275
فيقص النبي – صلى الله عليه وسلم- تعبير الرؤى، وهذا من ذكر الله – جل في علاه-، وكذا من يدرس التفسير، وكذلك من يدرس العلم الشرعي بعد الفجر فهو في ذكر الله وهذا لا يتكلم بكلام ليس بصحيح.
وهدي النبي – صلى الله عليه وسلم- بالغالب ما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسنا”. (مسلم ٦٧٠).
الهدي الغالب يبقى النبي – صلى الله عليه وسلم- في مكانه لا يتحرك ولا يتكلم ولا يخلو بنفسه لا يتكلم مع أحد، وهكذا كان يصنع ابن مسعود،
في صحيح مسلم عن أبي وائل قال :
قال: “غدونا على عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يوماً بعدما صلينا الغداة – الصبح – فسلمنا بالباب، فأُذن لنا، فمكثنا بالباب هنيّة -كأنهم يريدون التأكد من الإذن-، قال: فخرجت الجارية، فقالت: ألا تدخلون؟
فدخلنا، فإذا هو جالس يسبِّح – ابن مسعود – فقال: “ما منعكم أن تدخلوا وقد أُذن لكم؟”
فقلنا: لا، إلا أنّا ظننا أن بعض أهل البيت نائم.
ما أحببنا ندخل حتى نتأكد، قال: ظننتم بآل أم عبد غفلة؟
من آل أم عبد؟ من هم آله؟ من هو ابن أم عبد؟ هو ابن مسعود، ابن أم عبد هو ابن مسعود.
آله: أهله، زوجته: بناته.
قال: “تظنوهم غافلين؟” يجتهدون في العبادة بعد الفجر، ما هم غافلين، ما ينامون، آل أم عبد ما ينامون بعد الفجر، يجلسون يذكرون الله.
هم ظنوا أهل البيت نائمين، قال: “ظننتم بآل أم عبد غفلة؟”
قال: ثم أقبل يسبّح، ما قطع العبادة لأجل الزيارة، كان في عبادة، أكمل العبادة.
حتى ظن أن الشمس قد طلعت، قال: يا جارية انظري هل طلعت؟
فنظرت فإذا هي قد طلعت، فقال: الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا.
قال مهدي بن ميمون: “أحسبه قال: ولم يهلكنا بذنوبنا”.
فقال رجل من القوم: قرأت البارحة المفصّل كله.
فقال عبد الله: هذّاً كهَذّ الشعر؟” إلى آخر الحديث مسلم (775).
فالصالحون يحرصون كل الحرص على وقت بعد الفجر حتى طلوع الشمس.
وابن تيمية كان يجلس بعد الفجر لطلوع الشمس ويقول: هذه غدوتي لولاها لما استطعت أن أعيش.
البدن يريد طعام وشراب، قلبي يريد طعام وشراب، قلبي يحتاج إلى غذاء.
أعجبتني كلمة جميلة لبعض المشايخ ذكر فيها شيئًا عجيبًا سبحان الله، يقول: كنت أقرأ القرآن الكريم على شيخي فجاء شاب متغير اللون شديدًا وقلق، فقال: يا شيخ إقرأ علي.
فقال الشيخ أنا أُقْرِئُ هذا الرجل الآن، فَتقَدَّمْ للمسجد وتوضأْ وصلِّ تحية المسجد واقرأ القرآن.
فيقول التلميذ: الشيخ تَقصَّد أن أُطيل في قراءتي، فقرأتُ عليه، والرجل الذي ينتظر ماذا يعمل؟ كان يقرأ القرآن.
قال فلما أنهينا الجزء أرسل وراءه فجاء، فقال الرجل: يا شيخ خلاص ما عدت أريد أن تقرأ علي.
سأله الشيخ: لماذا؟
قال: الحمد لله أنا ما عندي شيء.
فالشيخ يعلق ويقول على هذا: كان جائعا فشبع، وسبب الجوع لأنه يحتاج لقراءة القرآن.
التقيت مع واحد نصراني بُعث من أمريكا ليصبح قسيسا، يقول: جئت للأردن حتى أدخل في دورة لاهوت وأنا جوعان أخذت كل الشهوات في الدنيا وما زلت جائعا، في داخلي أحتاج للشِّبَع.
وهو سوداني الأصل.
يقول: أنزلوني مرج الحمام مرة لآكل (فلافل و طعمية) في مطعم مقابل الشقة التي نزلت فيها، قال: وجدت الشخص الذي في المطعم يضع سورة مريم، فلما سمعتها بدأت أشعر بالشبع، وأنا جائع وأحتاج لطعام.
قال: فطلبت الشريط.
قال: فجاءني واحد مصري وأعطاني الشريط وصار يذكرني بالصلاة.
فقلت له: أنا لا أريد صلاة الآن!! أنا أريد أن أسمع القرآن.
فجاءني وقال: أنا أحفظ سورة مريم من سماعي لها، وأنا وجدت الذي أبحث عنه في رحلة كبيرة طويلة مررت بها، قال: وجدت شبعي، جوعي كان بسبب القرآن.
قلت: سبحان الله، كل البشر جائعون للقرآن، ومن لم يقرأ القرآن يبقى جائعا حتى الكفار، فغذاء الله – جل في علاه- فيه هدى وشفاء لما في الصدور كما قال الله – عز وجل-.
السؤال التاسع: ماتت أمي رحمها الله وتركت ست بنات وثلاث إخوة، وكان والدي قد كتب جميع الأملاك باسم والدتي لأنه غزاوي، – فهو لا يستطيع أن يملك، فما يملكه كتبه باسم زوجته، والأخ السائل يقول باسم أمي- والآن بعد موت الوالدة يريد أبي أن نكتب له تنازل عن هذه الأملاك، يقول هذه من حقي.
مداخلة من الشيخ: هل هذا صحيح أو غير صحيح؟
الجواب: صحيح.
لماذا صحيح؟
الحكم القضائي ينفذ في الظاهر دون الباطن، يعني لو واحد أقام شاهدي زور عند القاضي وحكم له القاضي بشاهدي الزور بشيء، هل يحل له أن يأخذ هذا الشيء؟
لا يحل له.
الحكم القضائي شيء، والحكم الشرعي شيء.
الحكم القضائي؛ الأموال باسم الوالدة، لكن بحكم ربنا -عز وجل- بهذه الأموال، لمن؟
للوالد، واضطر الوالد أن يسجلها باسم الزوجة.
هنا ُحكمٌ قضائي وحكمٌ شرعي.
ولذا علماؤنا يقولون: قضاء القاضي ينفذ في الظاهر دون الباطن، والدليل عليه ما ثبت في الصحيحين عن أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها “. البخاري(٢٦٨٠)، مسلم(١٧١٣).
النبي عليه السلام القاضي، لكن الذي يَقْضِي له يقضي على الظاهر، قال: لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، أنا أقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فإنما أقضي له بقطعةٍ من نار.
نكمل السؤال: إذًا وراء الرجل مال وعنده أموال، وأمواله باسم الزوجة لأنه غزاوي، ثم هذه الأموال لما ماتت الزوجة، الزوج يقول: أرجعوا مالي.
مداخلة من الشيخ: كأنّ القانون تغير يجوز له أن يملك الآن، نفترض الأمر هكذا.
الجواب: الآن له أن يسجل، يقول للأولاد الثلاث والبنات الست، هذا مال أمكم هو مالي بالأصل وليس مال أمكم أرجعوه لي، حُقَّ له ذلك؟
حُقَّ له ذلك.
لكن نكمل السؤال: يقول والآن بعد موت الوالدة، يريد أبي أن نكتب له تنازل عن هذه الأملاك، يقول هذه من حقي، مع العلم أنه أخذ جميع ما تركت والدتي من أموال وحقوق.
مداخلة من الشيخ: هنا صار في المال، قسم له وقسم للوالدة.
تكملة السؤال: طبعًا يا شيخ، يريد فقط البنات أن تتنازل عن الحقوق حتى يعطيها لأولاده الذكور.
الشيخ : لا إله إلا الله. يا جماعة إذا حدا يريد يخص يخص القوي أم الضعيف؟
يخص حسب شرع الله- عزوجل-، أنت ميت، وأنت في الموت تريد أن تظلم.
قال هذه زوجة واحد غريب، هذه عادات آباءنا، (طريقة تفكير آباءنا يقولون: زوج البنت واحد غريب، ولماذا يطلع المال لواحد غريب؟).
وأنت مال أولادك لامرأة غريبة، المرأة الغريبة زوجة ابنك غريبة أيضًا، فلماذا تنظر لهذه ولا تنظر لهذه؟
امتثل أمر الله واعدل.
الآن هو يريد المال ما يريده للبنات يريده للأولاد فقط، هذا شرعًا ممنوع، الواجب اعدلوا بين أبنائكم، كما في الحديث.
تكملة السؤال: طبعًا يا شيخ هو يريد فقط البنات أن تتنازل عن الحقوق حتى يعطيها لأولاده الذكور وهو لا يحب البنات.
الجواب: النبي – صلى الله عليه وسلم- يقول عن البنات: “هنَّ المؤنسات الغاليات” صححه الألباني رحمه في السلسلة الصحيحة (٣٢٠٦).
النبي – صلى الله عليه وسلم-؛ أب لبنات، ما له ذكور(فقد ماتوا صغارا).
عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار يوم القيامة”. سنن ابن ماجه(٣٦٦٩) وصححه الألباني.
فالمرزوق من الله عزوجل بالبنات، هذا مبارك وهذا فيه خير.
الله تعالى يقول: “يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ” [الشورى: ٤٩].
وكان بعض التابعين يقول: من يُمنِ المرأة وبركتها أن تبدأ بما بدأ به الله، المرأة المباركة تبدأ بالأنثى، لأن الله بدأ بها.
“يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا”.
“يزوجهم ذكرانا وإناثا”: أي توأم.
تكملة السؤال: قال ووالدي لا يحب البنات، يقول والدي: إن لم تتنازل البنات عن الحقوق، سأغضب عليهن طوال حياتي، فماذا نفعل يا شيخ؟ هل نوقع له على التنازل أم ماذا؟
الجواب: أولًا، التنازل على ما هو حقٌ له، الواجب عليكم ذكورًا وإناثًا أن تتنازلوا له، هو يقول تنازلوا لي وهذا مالي صحيح، وحق الزوجة؛ هو حق للذكور وحق للإناث، يوزع على حصص بعد أن نأخذ الربع له، ربع الميراث للزوج، تفصلون بين حق الزوجة وحق الزوج، حق الوالدة وحق الوالد. الوالد له أن يطالب، والآن حق الوالدة يُقسَّم، الظاهر في المسألة أنه ماتت امرأة عن زوج وعن ثلاث ذكور وست بنات، فالتقسيم الربع يكون للزوج والباقي يقسم على اثني عشر حصة، للأولاد ثلاثة (ست حصص) والبنات ستة (ست حصص) كل واحدة حصة، لما نقسم على اثني عشر حصة ما الذي يصبح؟
للذكر مثل حظ الأنثيين، كل ذكر نعطيه حصتين صاروا ست حصص، والأنثى كل واحدة لها حصة فنقسم المجموع على اثني عشر حصة، فالذكر يأخذ حصتين والأنثى تأخذ حصة.
وأنت يا أختي السائلة، حصلوا حصصكم أنتِ وأخواتك الباقيات بأي طريقة لا تخالف شرع الله، لكن أظهروا اللين، أظهروا الطاعة وأظهروا طاعة الوالد، وليس لكم أن تظهروا أمام الناس كما يقولون متنمرون وأنكم مشاكسون وأنكم مخالفون، تكلموا بكلام مع الوالد بجناح الذل والرحمة هكذا ينبغي أن يخاطب الولد والديه، ولكم أن تأخذوا هذا النصيب.
المسألة مختلطة، فالإختلاط كلٌ يريد أن ينازع في حقه، فالشرع يعطي كل ذي حق حقه، والشرع هو الذي يعدل في هذه المسائل وغيرها.
الجواب: تكلمنا على هذا في الدرس الماضي، وقلنا لا حرج في ذلك؛ لأن أنساً – رضي الله عنه – يقول: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -، فَيَضَع أحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ في مَكَانِ السُّجُود. صحيح البخاري 222.
يعني: يمدُّ الثوب ويسجد عليه ولا حرج في ذلك إن شاء الله.
مداخلة : ولكن شيخنا إذا لم يُمكن الجبهة ما العمل؟
الجواب: أنا لا أتكلم عن تمكين الجبهة، أنا أتكلم إن مكنت الجبهة ووجِد حائل بين الجبهة وبين الأرض، كلامي على هذا، والظاهر أن هذا هو سؤال الأخ.
أما إنسان لا يُمكن جبهته، سواء كان بطاقية أو بغير طاقية؛ فهذا بلا شك لم يؤدِ الأركان الواجبة في الشرع.
السؤال الخامس: هل يجوز الجمع لمن خرج من بيته إلى ديار خارج مكان الإقامة؛ لزيارة أحد الاقارب، أو رحلة أو درس علمي، يجمع ويقصر -مثلاً- من منطقة صويلح إلى منطقة جرش؟
الجواب: من صويلح إلى جرش لا نعتبره نحن في عرفنا سفراً، والعبرة في العرف الذي نحن فيه.
وليس لأحد أن يقصر أو يجمع إلا إن كان سفرا معتبرا ومُعتداً به في الأعراف التي تعيش بينها.
السؤال الرابع: أخ يقول: أنا محامٍ وأحيانا يتم انتخابي خبيرا لتقدير نفقات الزوجين، تُلزمنا المحكمة بحلف اليمين الشرعي على أن نُقَدِّر النفقة؛ السؤال هل حلفنا اليمين في المحكمه عليه شيء؟
الجواب: لا، إن حُلِّفْتَ، الشيء الذي عليك أن لا تؤدي المهمة التي وكلت بها بحيف ومصلحة لِمُوَكَّل أنت وُكِّلتَ به،
أما إن اتقيت ربك وقدرت وأنصفت، ووضعتَ الأشياء في أماكنها؛ فهذه من أكبر الأشياء التي يكون فيها العدل.
لَما كَتبتُ كتابي (المحاماة)، وقرأتُ قِسماً كبيرا منه على شيخنا (الشيخ مصطفى الزرقا) رحمه الله؛ سَمِعته يقول كلمة لا أنساها، يقول: الصحفيون والمحامون إن اتَّقَوا ربهم -وهم أقل من القليل-فهم من أكبر أسباب العدل في المجتمع، (يعني هم الذين يعملون على إحقاق الحق، وعلى إنفاذ العدل).
ولكن قَلَّ من يصنع هذا.
وأسأل الله أن يُكَثِّر أمثالك يا أيها الاخ السائل، وأن ينفع بك الإسلام والمسلمين.