وكل نهي في كتاب الله عز وجل فيه لعن أو وعيد أو حد أو وُصِـف بأنه كفر، ولو كان الكفر لفظيًا أو كان عمليًا ليس بمخرج من الملة، فهذه الأشياء كلها كبيرة من الكبائر.
فإذا أردتَ أن تميز بين الكبائر وغيرها، فانظر: فكل لعنٍ، وكل وعيد وتهديد بالنار، أو رتب الله عز وجل عليه إقامة حد في الدنيا، أو كان ذلك كفراً، أو فيه لعنٌ، فهذه الأشياء الأربعة هي حد الكبائر من الصغائر، على مباحث طويلة عقدية نابعة من أصول عقدية معروفة في كتب العقائد.
ولملمتُـها وجَهِـدتُ في لملتها في مقدمة نشرَتي لكتاب “الكبائر” للإمام الذهبي، علماً أن كتاب “الكبائر” للذهبي كتاب عزيز نظيف، فيه أسانيد صحيحة، والضعيف الذي فيه قليل محتمل التحسين.
وأما الكتاب الذي انتشر واشتهر على أنه للإمام الذهبي، فهذا كَذب النسبة إليه، وليس بصحيح النسبة.
والكتاب الذي طُبع في الطبعة الصحيحة أنا العبد الضعيف نشرت الكتاب، ونشره غيري من السوريين أيام حكم حافظ الأسد، ولما نُشر الكتاب حُذف منه ما يخص تكفير العلويين، والكتاب عن عَمد ناقص، فلما قابلت المطبوع بالمخطوط قلت: لا بد لنا من نشرة من الكتاب تليق به؛ فالإمام الذهبي إمام كبير.
كحال كتاب “الغُنية” لعبد القادر الجيلاني الإمام الحنبلي السلفي الكبير.
وكتاب “الغُنية” إلى الآن لم يُطبع كاملًا، وهناك فصل يقدَّر أن يكون في مَلزمة، وأعني بالمَـلزمة المعروفة في أعراف الناشرين مقدار 16 صفحة، فيها مَـلزمة عزيزة نفيسة جدًا عن الشيعة.
وطُبع كتاب “الغُنية” في العراق، وهي من أحسن طبعات كتاب الغُنية، وفي وقت الصلح مع إيران، ولذا ناشره لم يُؤذن له بالنشر إلا أن يحذف الملزمة.
وأنتم طلبة علم، انظروا للكتب الأُمَّات المهمات التي لها دوران بين طلبة العلم، وينبغي أن تعرفوا أحسن النسخ، وأن تعرفوا النسخ الناقصة.
ولما أرى كتابًا من الأُمَّات نشرته دار شيعية، أي دار إحياء التراث مثلًا، أخاف وأقول، وما زلت أقول، وأنا بنفسي ضعيف لا أستطيع أن أفعل: يا ليت تُقارَن هذه الطبعة، بالطبعات الأخرى للكتاب، حتى ننظر: هل تَـقصَّد هؤلاء في نشر هذا الكتاب حذف كلام معين منه أم لا؟!
فنحن طلبة علم، ونحن حُرَّاس التراث، وحُرَّاس العقيدة، وحُرَّاس الكتاب والسنة إن شاء الله، فلا بد أن نتقدم خطوات، ولا نبقى كسائر الناس، نحن طلبة علم، والواجب علينا كبير، وأرجو الله أن يعيننا على أداء هذا الواجب.
المصدر:
المحاضرة السابعة
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
نيل المرام في شرح آيات الأحكام
الدورة العلمية 27
التاريخ:
11 صفر 1447 هـ
5 أغسطس 2025 م✍️✍️
[ النهي عن التكبر والمرح في الأرض، عبارة الإمام مالك “لا أدري”، وبيان خطورة الكلام بغير علم ]
قال فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله:
قال أهل العلم في التفريق بين المرح والفرح، فقالوا في التفريق، ومقولتهم دقيقة، وتأتينا بعد قليل.
قالوا: الفرق أن الفرح قد يكون بحق، فيُحمَد صاحبه، وقد يكون بالباطل، فيندم عليه.
أما المرح فلا يكون إلا بالباطل.
الفرح قد يكون بالحق وقد يكون بالباطل، فإن كان بالحق حُمِد صاحبُه، وإن كان بالباطل ذُمّ صاحبه.
أما المرح ـ بالميم ـ فلا يكون إلا بالباطل.
وأخذوا هذا التفريق الدقيق من قوله سبحانه وتعالى في سورة غافر:
تفرحون في الأرض بغير الحق، إذًا: في فرح بغير الحق.
والغالب في الفرح أنه بحق، فالفرح بالحق يُحمد صاحبه،
والفرح بالباطل يُذم صاحبه، والمرح لا يكون إلا في الباطل، كما قال الله سبحانه وتعالى.
{ .. وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر : 75]
فعلَّل الله عز وجل هذا النهي بقوله:
{إنك لن تخرق الأرض}:
لن تقدر أن تُحدث في الأرض خرقًا بشدة وطأتك ودوسك عليها.
أي: لا يمكن أن تنقبها أو أن تثقبها إلى الجانب الآخر.
فأصلُ الخرق يدل على مَزق الشيء وقطعه.
ثم قال:
{ولن تبلغ الجبال طولا}
مهما تعاظمتَ ومددت قامتك وارتفعت ووقفت على رؤوس قدميك، لن تستطيع أن تصل إلى الجبال.
فمنها :
يا أيها المتكبر المتعاظم في مشيك، لن تثقب الأرض بشدة وطأة قدمك عليها عند اختيالك في مشيتك، ولن يبلغ طولك الأعلى في مشيتك طول الجبال، فما الذي يُغريك بهذه المشية، وقدرتك لا تبلغ بك هذا المبلغ؟!
تواضَع لا تتكبّر ، اعرِف قدرَ ضعفك وقدرَ عجزك،
فأنت محصورٌ بين جامدين لا تقدِر على التأثير فيهما:
الأرض من تحتك، والجبال من فوقك.
وهذه الجبال شامخة لا تستطيع أن تؤثر فيها.
فإذاً الآية تدل على التواضع.
والعلم ثقيل، ولا يسع العلمَ إناءٌ إلا إناءَ الحلم، فالعلم بلا حِلم لا فائدة منه من حيث الأثر في النفس.
من أراد أن ينفع الله تعالى به، فالواجب عليه أن يكون ذا حِلمٍ مع العلم، وأما إن بقيتَ صاحب علم دون حِلم، فأثرك في الناس ضعيف.
ولذا:
طالب العلم كلما ازداد علمًا ينبغي أن يزداد تواضعًا، ومن ازداد علمًا ولم يزدد تواضعًا، فليتَّهم علمه، كما كان يقول بعض السلف.
هذه خلاصة المعنى الإجمالي في الآية.
أما الأحكام التي تُستنبط من هذه الآيات، فكثيرة:
الأمر الأول: وجوب الدليل للحصول على العلم.
العلم بالدلائل، لا بالقائل.
ولكن الإنسان في الطلب في البدايات يغلب عليه التقليد، ولا سيما تقليد من ألقى الله تعالى محبته في قلبه، وكلما ازداد العلم، ابتعد الإنسان عن التقليد.
ولسعة العلم، لا بد لطالب العلم الموفق أن يأخذ العلم من أهله.
وكما كان يقول أيوب السختياني رحمه الله:
إذا أراد الله بالحدث ـ الصغير ـ، والعامِّي، والأعجمي خيرًا،
يسّر الله له عالمًا من أهل السنة.
إذا أراد الله بالحدث ـ الولد الصغير ـ، والعامي ـ عوام الناس وليس بطالب علم ـ، والأعجمي ـ ليس بعربي ـ، إذا أراد الله به خيرًا، يسّر الله تعالى له عالمًا من أهل السنة.
طالب العلم لا يلزم أن يكون مجتهدًا في كل ضَربٍ من ضروب وألوان العلم، ففي اللغة مثلًا: ما ينبغي أن يكون كل طالب علم مثل سيبويه، ويعرِف المذاهب والأقوال والأدلة!
لا يستطيع، فلا بد أن يُقلّد.
والتقليد ليس عِلمًا ، التقليد للضرورة والحاجة، فأنت تلجأ للتقليد ليس من باب العلم، ولكن الأصل في العلم كما قال الله عز وجل:
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء : 36]
أي مسألة تُسأل عنها ولا تعرفها، قل: لا أدري.
وكانوا يقولون: “من ترك (لا أدري)، فقد أُصيبت مقاتله”.
وكان يقول بعض من لازم مالكًا:
لو أردنا أن نملأ الألواح من قول الإمام مالك: (إن نظنُّ، إلا ظنًا، وما نحن بمستيقنين)، لملأنا الألواح.
وجاءه رجل وقال:
“عندي أربعون مسألة”، فأجابه على مسألتين أو ثلاث، فاستغرب ، قال: أنت إمام دار الهجرة، أنت إمام المدينة النبوية، وتقول: لا أدري؟!
فقال مالك بكل أريحية:
“اخرُج وأذِّن في الناس، ونادِ بأعلى صوتك: مالك لا يدري”.
اخرُج، أذِّن، في الناس: “مالك لا يدري”.
ماذا يضيرك أن تقول: لا أدري؟
الله يقول:
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء : 36]
العلم قائم على الدليل، والتقليد ليس بعلم.
لذا قالوا: لا يُقلد إلا غبي أو جاهل.
نعم، يُلجأ إلى التقليد للضرورة، أما هو فليس عِـلماً ، والأدلة على هذا كثيرة.
الواجب على الإنسان إن تكلم بشيء، أن يتكلم بعلم،
وهذا أصلٌ أصيل، وركنٌ ركين عند طالب العلم.
والأدلة عليه كثيرة، ومنها في القرآن الكريم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ..}
[الحجرات : 12]
الشيء المظنون: لا تتكلم فيه ، تكلَّـم بعد أن تتثبت.
لسان حالك ينطق، ونطقه في بعض الأحيان أبلغ من لسان القال.
تفهمون الحال والقال؟
نعم، إن شاء الله.
ولذا قال أهل العلم:
من أصول مسائل العلم الكبار التي لا يجوز أبدًا أن يُغفل عنها الإنسان:
أصلان،
اكتب هذين الأصلين، وتفقد نفسك، واحمل حالك على أن تكون من أهلهما:
قال أهل العلم:
إن كنت مدّعيًا فالدليل، إن ادَّعَـيْتَ أي شيء ، قال عز وجل:
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء : 36]
وإن كنت ناقلًا فالصحة.
إذا نقلت، اعتنِ بالصحة، انقل الأمر على حاله ، وإن كنت مدعيًا، لك دعوى:
تقول هذا حلال، هذا حرام، هذا مكروه،
فالواجب عليك أن تكون على دليل.
هذان أصْلان كليّان، وقاعدتان مهمتان، تلزمان طالب العلم في كل زمان، وأينما كان، وفي أي مسألة تكلم:
① إن كنت مدعيًا: فالدليل.
② إن كنت ناقلًا: فالصحة.
المصدر:
المحاضرة الثانية
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
نيل المرام في شرح آيات الأحكام
الدورة العلمية 27
التاريخ:
4 صفر 1447 هـ
29 يوليو 2025 م✍️✍️
قال أهل العلم: الضبط ضبطان:
ضبط السطر، وضبط الصدر.
وكان الغالب على العرب ضبط الصدر.
ثم أصبح العلم – ما بعد القرن الخامس الهجري – إجازات وروايات ونقلًا من كتب، وتعطل أو كاد أن يتعطل ضبط الصدر.
قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:
{ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء : 110]
حتى أصحابك يأخذون عنك القرآن.
كيف كانوا يأخذون القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
بـضبط الصدر.
ولذا الإمام الذهبي ترجم لعشرات من العلماء في سير أعلام النبلاء، فنعتهم بأمرين، وهما ليسا بمتناقضين، وإن ظن بعض الحمقى في هذا الزمان أنهما متعارضان، فقال:
“كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب، وكان يحفظ القرآن.”
هل تعرفون أناسًا أميين يحفظون القرآن ولا يقرأون ولا يكتبون؟
نعم.
كيف حفظوا القرآن؟
إخواننا الأكفاء، –العمي– يحفظون القرآن عن ظهر قلب،
فهذا ضبط صدر.
فقال الله للنبي صلى الله عليه وسلم في خبر عبد الله بن عباس:
“ولا تُخافت بها عن أصحابك”، تُسمعهم القرآن حتى يسمعوه فيأخذوه عنك.
“لا تُخافت بها”.
مقصد شرعي في الصلاة أن يجهر الإنسان بالصلاة حتى يبقى حفظ القرآن.
لذا الآية التي تسمعها ويتكرر سماعها، يسهل عليك حفظها،
ولذا أحسن أنواع الحفظ – كما قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى – حفظ الإدمان.
حفظ القرآن سهل على من يسّر الله عز وجل عليه ذلك،
“ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر”.
لكن الصعوبة في أن يثبت في قلبك.
فمعالجة هذه الصعوبة أن يكون حفظك للقرآن حفظ إدمان.
ما معنى حفظ الإدمان؟
حافظ القرآن وِرده في اليوم خمسة أجزاء،
إذا أردت أن تحفظ القرآن، داوم كل يوم على خمسة أجزاء،
وامكث سنة أو سنتين تقرأ كل يوم خمسة أجزاء، لا تحفظ، أدمن على النظر في القرآن على خمسة أجزاء، ثم احفظ.
تبدأ تجمع القرآن الذي في صدرك.
لذا أحسن حفظ هو حفظ الإدمان، فهو أحسن من أن تتعنّى
تنتقل لسورة تحفظها ثم تنساها، تنتقل للسورة الثانية تحفظ آيات منها ثم تنساها.
حفظ الإدمان هو الأحسن.
أرأيتم الذين كانوا قديمًا يعملون على مقاسم الهاتف؟
يُسألون عن تلفون شركة كذا وكذا… هذا الذي يعمل،
تجد بعضهم يحفظ عشرات الألوف، إذا لم يكن ملايين من الأرقام.
فتسأل سؤالًا:
كيف حفظ هذا هذه الأرقام؟
بالإدمان.
فحفظ الإدمان هو أحسن حفظ.
المصدر:
المحاضرة الـرابعة
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
نيل المرام في شرح آيات الأحكام
الدورة العلمية 27
التاريخ:
6 صفر 1447 هـ
31 يوليو 2025 م✍️✍️
[أكثر آية ينبغي لطالب العلم أن يجعلها شعارًا له في حركاته وسكناته، وأقواله وأفعاله، وخلجات قلبه]
من هم أكثر الناس نصيبًا من هذه الآية ؟
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : 36]
أكبر الناس نصيبًا من هذه الآية؟ طلبة العلم.
أكثر الناس نصيبًا من قوله تعالى:
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : 36]
الناس تُبصر وتسمع، تسلية، تُضيّع وقتها ، أما طالب العلم، فكل شيء يسمعه أو يقوله أو يتأمله، يقوله على أنه ديانة، وعلى أنه دين.
ولذا أكثر آية ينبغي لطالب العلم أن يجعلها شعارًا له في حركاته وسكناته، وأقواله وأفعاله، وخلجات قلبه ، هذه الآية.
في الآية تحذيرٌ للإنسان لكي لا يستعمل سمعه وبصره وقلبه فيما لا يحل له، وهذا من باب أولى، وهذا يشمل جميع المكلّفين.
وخصّ السمع والبصر والقلب، لأنها أهم الوسائل التي تمكّن الإنسان من إدراك ما هو خارج عنها.
قد يدفع العلمُ صاحبَه إلى أن يرى نفسه، وأن له فضلًا على غيره.
وهذا هو سرّ ذكر الله عز وجل، بعد أن قال:
{.. إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : 36]
فقال عز وجل:
{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا }
[الإسراء : 37]
العلم له طغيان إذا لم يُزكِّ الإنسانُ نفسَه، كما قال عبد الله بن المبارك:
“إن للعلم طغيانًا كطغيان المال”.
إذا جلستَ في مجلس، وكان فيه مليونير، يتميّز عن سائر الناس – له طغيان.
وإذا جلستَ في مجلس فيه عالم، فالعالِم أيضًا متميّز.
لكن العالِم حين يتكلم، ينبغي أن يتكلم من باب الحرص، وهو يستحضر قوله تعالى:
{.. إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : 36]
يُـعرِّف الناسَ بالله، يدعوهم إليه، يُرغِّـبُهم ويُـرهِّـبُهم.
وهذه هي مهمة النبيين، كما قال الطحاوي رحمه الله:
“وبعث النبيين إليه داعين، وبه معرّفين، ولمن أجابهم مبشّرين، ولمن خالفهم منذرين”.
هذا ميدان طالب العلم: هذه الأمور وما يتفرع عنها.
المصدر:
المحاضرة الثانية
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
نيل المرام في شرح آيات الأحكام
الدورة العلمية 27
التاريخ:
4 صفر 1447 هـ
29 يوليو 2025 م✍️✍️
[هل الأصل في الناس الامتحان، وأن تفحص عن عقائدهم، وأن تتتبع أحوالهم؟ ]
ومن الأمور المهمة جدًا التي ينبغي لطلبة العلم أن يُحتاطوا لها، وأن ينتبهوا لها، وأرجو أن تعطوني اهتمامكم، وهي مسألة مهمة: تأمل معي:
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..} [الإسراء : 36]
هل الأصل في الناس أن تمتحنهم؟
أو أن الأصل أنك تعاملهم وأنت لست مسؤولًا عنهم؟
هل الأصل في الناس الامتحان، وأن تفحص عن عقائدهم، وأن تتتبع أحوالهم؟
أقول بتعبيرٍ أدق:
بعض المشايخ -للأسف- وأدركنا هذا، وأنا أتكلم وفي مخيلتي أشخاص لا عناية لهم بالعلم، ولا بمسائله وأهله وكتبه، وإن انشغلوا به فيوظفونه لأمر آخر، ينشغلون ببعض الناس، ولكل واحد من هؤلاء الناس له عنده ملف، ويعاملونهم معاملة الساسة، متى أغضبهم أخرجوا الملف، ومتى سكتوا عنه غلقوا عليه.
هذا ليس دينًا، وهذا على أصل معوج، هذا الفعل قائم على أصل أعوج، قائم على أصل أن يتتبع سقطات الناس. وهؤلاء، الله يُمهلهم، فإن سقطوا لا يقومون بعدها.
وهذا أمر معروف بالسَّـبر، وما نجا أحد من هؤلاء، فالله يفضحهم في عقر دارهم.
لا تنشغل بالناس، انشغل بنفسك، انشغل بعيوب نفسك، لا تنشغل بالناس، والذي ينشغل بسؤال الناس والسؤال عن الناس، من هم؟
هم الخوارج.
طالب العلم يُقرّر الحق ولا يبالي، إن قرر الحق لا يبالي بأثره، يقول الحق.
وجدتُ عبارة فرحتُ بها كثيرًا للإمام الذهبي، في المجلد السادس من كتابه “تاريخ الإسلام” :
وقال القاسم بن أبي صالح: جاء أيام الحج أبو بكر محمد بن الفضل القسطاني، وحريش بن أحمد إلى إبراهيم بن الحسين، جاءه اثنان فسألاه عن حديث الإفك، رواية الفروي، عن مالك. فحانت منه التفاتة، فقال له الزعفراني: يا أبا إسحاق تحدث الزنادقة؟
وقال: ومن الزنديق؟
فقال الزعفراني : هذا وهذا، ثم قال إن أبا حاتم لا يحدث حتى يمتحن.
فقال: أبو حاتم الرازي أمير المؤمنين في الحديث: والامتحان دين الخوارج.
ثم قال ابن ديزيل: من حضر مجلسي فكان من أهل السنة، سمع ما تقر به عينه؛ ومن كان من أهل البدعة يسمع ما يُـسخِّن الله به عينه ، فقاما، ولم يسمعا.
——–
ص708 – كتاب تاريخ الإسلام ت بشار – إبراهيم بن الحسين أبو إسحاق بن ديزيل الكسائي –
فالشاهد: من إيراد القصة، أن الامتحان والبحث عن عيوب الناس، والسؤال عن عقائد الناس، متى بدا لنا شيء يخالف الشرع رددناه، فالناس وسط وطرفان:
متساهل يسمع الباطل، ويرى أن الرد ليس بمشروع، وهذا خطأ.
فالله الذي تولى الرد على فرعون ، وأهل الباطل يُردُ عليهم.
وصنف آخر:
يُنقّر عن الناس، ويدخل في خفاياهم، ويبحث عن عيوبهم.
وهذا الفعل خطأ، والأصل:
{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..} [الإسراء : 36]
فإن علمت وبدَا باطله، رددت عليه.
فبعض الناس يقول:
الردود ليست من الشرع!
وهذا خطأ.
وبعض الناس يتعنّت في البحث عن بواطن الناس وخفاياهم، ويصنع لكل واحد إضبارة.
أنا أعرف هذا، هؤلاء الناس، أعرفهم ، يعني: كل واحد عنده شيء!
وهذا يُخالف قول الله عز وجل.
تسمعون، والله هذا كلام لا أحبه، ولكن لولا أنه واقع، والله ما تكلمت به.
وليس لأنه واقع، وأنا أعلم أنه واقع من 20 سنة، وأنا ساكت عنه، لكن أصبح له أثر، وأصبح له مدرسة، وأصبح هناك ناسٌ يدافعون عنه.
وإن قلتُ:
يا أيها الناس، اعتدلوا، الزموا الحق،
يُقال لك: أنت تطعن في إمام الجرح والتعديل!
لا حول ولا قوة إلا بالله.
المصدر:
المحاضرة الثانية
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
نيل المرام في شرح آيات الأحكام
الدورة العلمية 27
التاريخ:
4 صفر 1447 هـ
29 يوليو 2025 م✍️✍️
[من يختم القرآن له دعوة مستجابة ، ادعُ لنفسك ، ولوالديك ، ولمشايخك. ]
قال: وروي عن طائفة من السلف: “عند كل ختمة دعوة مستجابة”، هذا ثبت عند الدارمي في السنن عن أنس: كان إذا ختم القرآن يدعو الناس من حوله، وكان يقول: “إن لكل من يختم القرآن له دعوة مستجابة”، فكان يدعو وهم يؤمِّنون.
فإذا الدعاء نافع، الدعاء نافع عند ختم القرآن، يدعو الإنسان، ولكل خاتم دعوة مستجابة.
والذي يُدمن على الختمة تلو الختمة، والختمة على إثر الختمة، وهكذا، هذا من مظنّة أن يكون الذي يدمن على ختم القرآن أن يكون دعاؤه كله مقبولًا.
بعض الناس يختم ولا يدعو، ثم يختم، ثم يختم، ثم يختم، فيبقى في رصيده دعوات مستجابة كثيرة، فمتى سجد أو رفع يديه ودعا، فإنه رجل مبارك، وبركته بتلاوته للقرآن، ومظنة هذه البركة أن يبقى دعاؤه مستجابًا لله سبحانه وتعالى، بعكس الغافل الذي لا يختم القرآن الكريم.
فلكل خاتم للقرآن دعوة مستجابة، فمتى دعا الإنسان، وأدمن على التلاوة، واستمر عليها، فهذا من مظنة أن يستجيب الله تعالى الدعاء.
قال:
فإذا دعا الرجل عقيب الختم لنفسه، ولوالديه، ولمشايخه.
والمشايخ من الأهمية بمكان أن تدعو لهم، فشيخك كوالدك، ورحم الله من قال، وهو الحاكم أبو عبد الله النّيسبوري: “عيب على من يأخذ علمنا ولا يدعو لنا، تأخذ علمي ولا تدعو لي؟ هذا عيب”.
الأصل: تعلمت من واحد، أن تُكثِر من الدعاء له كوالدك.
لماذا الوالد أحق الناس بالدعاء؟
لعظم فضله على بدنك وعليك، الذي ربّاك، وشيخك الذي علَّمك كذلك، له فضل عليك، فهو أب ديني، والوالد أب طيني.
الوالد أب من الطين، والشيخ أب من الدين، وقال بعضهم: الأب الديني مقدم على الأب الطيني، فحقه مقدم على حق الوالد.
فقال:
فإذا دعا الرجل عقيب الختم لنفسه، ولوالديه، ولمشايخه، وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات، كان هذا من الجنس المشروع.
وكذلك دعاؤه لهم في قيام الليل، وغير ذلك من مواطن الإجابة.
المصدر:
البث المباشر – لدرس شيخنا شرح صحيح مسلم
القناة الرسمية لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
الجواب :
حديثٌ ضعيف باتفاق ، حديث “رباطكم عسقلان” لم يثبت، ولا صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ننتظر، وأرجو الله ألا يُخيب ظننا هذه المرة، لا أن يكون الأمر على منوال صنيع صاحب “هرمجدون” والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسألكم سؤالًا وأنتم طلبة علم حديث:
هل الوضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انتهى وفُرغ منه؟
أم أن الوضع باقٍ إلى يوم القيامة؟
الوضع يعني الذين يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وفي وقت الفتن يظهر الوضع.
وإذا شئت أن ترى الوضع في وقت الفتن ، فانظر إلى كتاب “هرمجدون”.
هذا الكتاب مليء بالكذب، وبعضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بل من أعجب ما رأيت – ولم أرَ قِحة في العلم كقِحة صاحب كتاب “هرمجدون” – أنه ذكر أسماء مخطوطات وزعم أنه نقل منها، ولا وجود لها أصلًا، لا في الداخل ولا في الخارج، وهي في عقله فقط؛ لأنها من تأليفه وكذبه.
يقول: “قرأت في مخطوطة كذا”، والكذب يترك فراغًا!
يقول: “الكلام غير واضح”، وكل الكلام كذب منه.
النقل من المخطوط كذب.
ومثل هذه الأكاذيب في “هرمجدون” ساعدت على خذلان ما حصل في أزمة الخليج، وحرب العراق مع أمريكا.
الخوف الآن أن تُعاد هذه الظاهرة، وأن نجد شيئًا شبيهًا بـ”هرمجدون”.
وجدت بعض الطلبة يأتونني ويناقشونني:
لماذا لا يكون هرمجدون صحيح ؟
أصابوا في أشياء:
تُـسرَّب أخبار، وتُـصاغ أخبار.
والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن الكهان:
يُخبرون بكلمة، والباقي من عندهم، من أكاذيبهم.
احذروا، انتبهوا، ابقوا على الجادّة.
أنتم طلبة علم، وقواعد العلماء هي المُـحكَّمة.
المصدر:
البث المباشر – لدرس شيخنا شرح صحيح مسلم
القناة الرسمية لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
الجواب:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث”، وذكر منها الصدقة الجارية، باقية مثل العلم، مثل الكتاب: تأليفًا أو شراءً، أو رجل يدرِّس.
فرق كبير بين من كان ميتًا وهو حي -كالنووي رحمه الله-
النووي حي أم ميت؟
ميت ببدنه ، لكنه حي بذكره.
لا أظن ساعة تمر في الدنيا إلا والنووي يُثاب فيها،
لا إله إلا الله، ماذا فعل هذا الرجل ؟!
ما هي العلاقة بينه وبين الله؟ لا يعلم ذلك إلا الله،
آخر إحصائية: أكثر كتاب طُبع في فرنسا، ترجمة الأربعين النووية، في فرنسا، أكثر الكتب مبيعا هو كتاب الأربعين النووية.
ما تمر لحظة إلا ويُقرأ كتاب من كتبه،
فالناس أقسام:
① حي حي.
② حي ميت.
③ ميت حي.
④ وميت ميت.
الناس أربعة أقسام:
فمنهم من هو حي ببدنه وحي بذكره ، قال تعالى:
{وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء : 84]
ومنهم من هو ميت ببدنه وحي بذكره، ومنهم من هو حي ببدنه وليس له ذكر، الأرض تتعوّذ منه، ومنهم من هو ميت وميت، وإلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المصدر:
البث المباشر – لدرس شيخنا شرح صحيح مسلم
القناة الرسمية لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان