السؤال :
سمعت البعض من الأفاضل يقول: أن العقيدة الماتريدية هي عقيدة الإمام أبي حنيفة، نُقلت بالعمل وإقرار علماء المذهب الحنفي على هذا.
شيخنا -بارك الله فيكم- هم يقولون أيضا: أن عقيدة أبي منصور هي عقيدة أبي جعفر نفسه، ولما قلنا لهم أن بعض علماء الأحناف معتزلة، قالوا: هذا أمر شذ وكان في فترة زمنية وانتهى.
فهل شيخنا نسبة هذا المعتقد لأبي حنيفة صحيحة وهل يجوز هذا القول؟
الجواب:
الإمام أبو حنيفة من الأئمة الكبار العظماء الذين اتهموا بأشياء هو بالحقيقة بريء منها.
اتهم أبو حنيفة قبل أن يتهم بالتفويض بأنه مرجئ ، وكانت التهمة لأنه قال بأن أهل الكبائر أُرجئ أمرهم إلى الله، وهذا مذهب أهل السنة.
فالعبرة ليست بالألفاظ وإنما العبرة بالحقائق والمعاني وليست بالألفاظ والمباني.
موضوع التفويض نحن نفوض وتفويضنا شرعي والتفويض الذي نفوضه في الكيفية.
فمثلا؛ الاستواء معلوم كما قال الأئمة، كما قال الإمام مالك وغيره، ونسب لغيره حتى أنه نسب لبعض الأصحاب، وبينت هذا في تعليقة لي على الموافقات.
الاستواء معلوم والكيف مجهول. فالتفويض يكون في الكيف.
تأمل معي الآن:
ما هو لازم التفويض، وهذا اللازم لا ينفك عنه أبدا؟
قالوا: اليد مثلا {يد الله فوق أيديهم}[الفتح: ١٠]، قالوا هذا الصوت النبي هكذا تلقاه عن جبريل، وهكذا تلقاه الأصحاب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبقي كل من يقول بالتفويض تلقاه فقالوا: هذا إسناد صحيح متصل،
لكن نقول هل النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أخبره جبريل بكلام رب العالمين {يد الله فوق أيديهم} هل هو صوت؟
يعني: أنا الآن لا أدري هل ستسمعون طرقي الذي سأطرقه الآن؟
هذا صوت.
أظنكم سمعتموه.
السائل:
نعم سمعنا.
الشيخ مشهور حسن:
حسنا: هذا الصوت لا شيء، فهمتهم شيئا منه؟
السائل:
لا لم نفهم.
الشيخ مشهور حسن:
قالوا ما هو التفويض؟
أن تذكر يد (ياء دال).
ما معناه؟
قالوا ما نعقل، ما ندري.
ما معنى التفويض؟
ما معنى الصفات؟
لا ندري هكذا أداها جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والنبي لم يفهمها، فنفوض الكيفية ونفوض المعنى.
الشيخ مشهور حسن:
ما معنى تفويض المعنى؟
أننا لا نفهم ما نقول كهذا الصوت أو كأي كلام، وهذا ينزه عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- وينزه عنه الصحابة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- فهم القرآن، ولكن كيف يد الله ما ندري، فهناك حاجب دقيق ورقيق بين تفويض المعنى وتفويض الكيفية، فإذا أراد أحد منا أن نقول كيف اليد نقول له لاندري، لأن ذات الله لا أعرفها، فيد الله لا أعرفها.
فيقول: هذا تفويض.
أقول: نعم هذا تفويض.
ولكن هذا تفويض كيفية وليس تفويض معنى، لأنك إن قلت بتفويض المعنى فأنت تزعم بأن هذا صوت لا نفهمه، وأن جبريل أداه للنبي -صلى الله عليه وسلم- والنبي لم يفهمه، والصحابة سمعوه ولم يفهموه وهكذا.
فلدقة الفرق ولوجود الحاجب الرقيق بين تفويض اللفظ وتفويض المعنى نسمع كلاما ليس بصحيح.
المنقول عن الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- في كتابه: “الفقه الأكبر”، والراجح أن الفقه الأكبر ليس من تأليفه، وفيه بعض من أقواله وجمعها أبو مطيع البلخي كما ذكر الإمام الذهبي وغيره.
فالمنقول بالإسناد الصحيح عن الإمام أبي حنيفة بل كذلك عن الأئمة الثلاثه الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد أنهم يقولون بعقيدة السلف.
والعجب كل العجب لما تسمع بعض الفضلاء وبعض الناس يقول الإمام أحمد مذهبه أشعري، وأن الإمام الشافعي مذهبه أشعري، والفرق بينهم كبير فوجود الأشعري بعد الإمام أحمد بحدود ثمانين سنة.
فكيف يكون المتقدم على مذهب المتأخر؟!!
كأن نقول مثلا بأن ابن حجر العسقلاني ألباني.
فهذا مغالطة علمية، ومغالطة تأريخية، ومغالطة تخالف ما هو معروف، وما هو موجود في بطون الكتب وفي الأسانيد.
ومن أراد أن يقرأ مذهب الإمام أبي حنيفة، وأن يعرف معتقده معرفة جيدة فعليه برسالة (أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة لأخينا الشيخ محمد عبدالرحمن الخميس) وهي رسالته للدكتوراة وهي مطبوعة.
السائل:
إذا شيخنا خلصنا إلى أن أبا منصور لم يأخذ عقيدته من الإمام أبي حنيفة.
الشيخ مشهور :
لا.
الماتريدية غير عقيدة الإمام أبي حنيفة وإن وقع التوافق.
فقد يقع التوافق بيننا وبين الخوارج في بعض الجزئيات، وبيننا وبين المعتزلة في بعض الجزئيات.
والتوافق قد يكون قريبا وقد يكون بعيدا.✍️✍️
السؤال:
شيخنا: رجل يعاني من عدم انقطاع البول لمدة تقريباً عشرين دقيقة بعد كل بول، يخرج بعدها -شيخنا- قطرات متقطعة قليلة لمدة عشرين دقيقة.
شيخنا: هذا أحياناً يمنعه من الذهاب إلى صلاة الجماعة.
كيف يتعامل مع هذا وكيف يتصرف؟وهل يذهب إلى الصلاة أم يتأخر؟، وخاصة صلاة الفجر كما يُقال، وهذا يحدث معه كذلك بعد الجماع.
الجواب:
بارك الله فيك.
أولاً: يُريق البول ويسكب الماء وينضح، وقد ورد النضح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن مجاهد عن رجل من ثقيف عن أبيه قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم نضح فرجه.”
سنن أبي داود ٢٠٧ وصححه الألباني.
وهذا النضح حتى يُبعد عن نفسه الوسواس ولايُدقّق.
وأظن أن العشرين دقيقة ليست دائمة، ولا يُمكن أن يحسب بالضبط، وكل مرة عشرين دقيقة بنفس المقدار.
فينضح، وإذا تيقّن أنه ينزل يَلُفُّ شيئاً على ذَكَرِه حتى لا تتنجّس ملابسه، وبعد أن يتيقّن: يُخرج هذا الشيء الذي لفّه حتى يبقى على طهارة في سائر اليوم، ويتوضأ ويُصلي، يتأخر قليلاً لكن لا يترك الجماعة، ويضع على ذَكره وإذا تيقّن أنه كما قُلت ينزل عليه؛ فيُصلي وهو في هذه الصورة في هذه الحالة عنده يُعامل معاملة صاحب السَلَس.
الذكر إن تركته استقرّ وإن حلبته درّ.
فبعضهم – نسأل الله العافية- يتنحنح وبعضهم يمشي خطوات.
فيُريق البول ويسكب على ذكره الماء، ينضح المكان، يلفّ ذَكرَه بشيء حتى إذا نزل، ويُصلي ولا شيء عليه.✍️✍️
الجواب:
لا حرج.
موضوع الزينة، كان ابن عباس يقول: (إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي) مصنف ابن أبي شيبة ١٩٦٠٨.
لو أن إنسان كان له شعر جميل وأراد أن يُكرمه فيكون قريب من السنة.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- “دخل عليه رجل ثائر الرأس، أشعث اللحية، فقال: أما كان لهذا دهن يسكن به شعره؟! ثم قال: يدخل أحدكم كأنه شيطان.”
قال الشيخ الألباني: أخرجه مالك في الموطأ بسند صحيح، لكنه مرسل، انظر السلسلة الصحيحة تحت حديث رقم٤٩٣.
فاستخدام المشط والمرآة، وسائر المواد المعروفة لتنعيم الشعر، لا أرى حرجا في هذا.
السؤال:
شيخنا بعض الأفاضل، ربما من الفقهاء يقول: أن سؤال الأولياء والأنبياء وطلب المدد منهم -وهكذا- يقولون أن هذا من المجاز الذهني أو العقلي، وكون أن المستغيث في الأصل موحد؛ فإن هذا كافٍ في حمل كلامه على المجاز.
فبهذا الشيء -شيخنا- يجيزون الاستغاثة، وطلب الشفاعة منهم والله المستعان.
ما قولكم شيخنا؟
الجواب:
أولاً: -بارك الله فيك- نحن نقر أن الشرك والكفر أقسام:
– شيء قلبي.
– شيء قولي.
– شيء عملي.
من وقع في شركٍ بجهلٍ أو بتأويلٍ: لا نكفره على التعيين، وإن كنا نحكم على كلامه بالكفر.
فالآن بارك فيك لما نحاقق.
الآن عندنا نصراني:
قلنا: ما هو معتقدك في عيسى عليه السلام؟
فقال: هو ابن الله.
فقال له المسلم: كيف ابن الله؟
قال: مُعَظَّم عند الله، والله يحبه كما يحب الوالد ولده.
قال له المسلم : هل ذاته جزء من الله؟
قال: لا.
قال له المسلم : هل صفاته من صفات الله؟
قال: لا.
هذا ماذا نقول عنه؟
نقول مسلم، ولكن اخطأ في العبارة.
فالعبرة بحقائق الأشياء وظواهرها.
النبي -صلى الله عليه وسلم- حمايةً لجناب التوحيد، لما سمع رجلاً يقول: ما شاء الله وشئت يا رسول الله، ماذا قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ “أجعلتني لله ندا”؟. السلسلة الصحيحة ١٣٩.
فواحد يقول: أنا أسأل الولي بمددٍ يصلح قلبي.
بشيء لا يكون إلا لله.
فماذا نقول عنه ؟
شرك.
أجعلتني لله نداً وهو أولى.
وبهذا الباب يعمل بالمعنى.
ولكن الحكم على الأشخاص بالتكفير وغيرهم، هذه مسألة أخرى.
أسأل الله لي ولكم التوفيق.
مداخلة الأخ المتصل:
إذاً شيخنا نستدل في الآيات التي تتكلم عن هذا في توحيد الالوهية بعموم المسألة شيخنا؟.
الشيخ مشهور حسن:
بلا شك، هذه الأمور خاصة بالله جل في علاه.
من الذي يدخل على القلب ويصلح القلب، ويسأل المدد، وإلى آخره؟
هو الله جل في علاه.
هذا أمر خاصٌ بالله دون غيره.✍️✍️
السؤال:
شيخنا: هناك سؤال من أخوة لنا في أمريكا، يسألون عن حكم تعدد الجمعة في المسجد الواحد، بسبب ضيق المكان، وحكم التباعد الآن بسبب كورونا؛ فالمسجد لا يتسع؛ فينشئون جمعة، ثم ينصرف الفوج الأول، ثم بعدهم بساعة يأتي ناس آخرون في نفس المسجد؛ فيقيمون جمعة أخرى فهل هذا جائز؟
الجواب:
أرجو الله أن يكون جائزا للضرورة.
لأن الجمعة لا تقام إلا جماعة، وما دام هذا المكان لا يتسع لهذا العدد من الناس؛ فلو أنهم كرروا الجمعة يكون أحب وأحسن من صلاتهم فرادى.
مداخلة الأخ المتصل:
ولا يقيمون ظهرا شيخنا؟
الشيخ مشهور حسن:
لا، لا يصلون ظهرا والاعتماد على أن الجمعة لمن سبق، هذا حديث لا أصل له وموضوع.
واعتمد بعض متأخري متعصبة الشافعية، أن الناس لمّا لا نعلم من الذي سبق في الجمعة، فأفتوا بوجوب صلاة الظهر بعد الجمعة، فمتأخرو متعصبة الشافعية يرون أننا ينبغي أن نصلي الجمعة ثم نصلي بعدها الظهر.
ما هو الدليل؟
قالوا: الجمعة لمن سبق .
والحديث لا أصل له.
وإن الله افترض على هذه الأمة خمس صلوات في اليوم والليلة كما في الصحيح. (البخاري ١٣٩٥، مسلم ١٩).✍️✍️
السؤال:
شيخنا -بارك الله فيكم- انتشرت مقاطع فيديو لفضيلة الشيخ أبي مالك محمد شقرة -رحمه الله-، كان قد سجلها الشيخ -بحسب الرابط الموجود على الفيديوهات- قبل ثمان سنوات، سُجلت على قناة تسمى (الحوار)، وكان يحاوره ويسأله الدكتور عزام التميمي.
وقُدِّم الشيخ -رحمه الله- على أساس أنه مؤسس الدعوة السلفية في الأردن -هكذا قالوا-، والشاهد شيخنا أن تلك الحلقات وكلام الشيخ فيه -للأسف- طعن شديد، وبالأخص بتلاميذ الشيخ الألباني في الأردن خاصة، بل بالشيخ نفسه -عليه رحمة الله- في كلام كثير وطعون كبيرة، شيخنا لعلكم سمعتم بهذا لا شك فيما سبق.
الشيخ مشهور:
سمعت به قديما في فترة التسجيل، وما عاودت سماعه والآن لا أتذكر كلمات، لكن الأستاذ أبو مالك أعرفه جيدا، وله فضل على شيخنا الألباني في بعض المواقف.
في الحقيقة مشكلة الأستاذ أبو مالك أنه أديب، بعيد عن أهل الحديث، بعيد عن البحث عن الأدلة، وله مسائل كما يقولون شخصية فيها حساسية زائدة، ولمست أن شيخنا الألباني -رحمه الله تعالى- كان يتجنب بعض الأشياء التي عُرف بها الأستاذ أبو مالك، والكلام طويل وكثير ولا فائدة في ذكره الآن، ونحن نتكلم عن أموات فرحم الله الأستاذ أبا مالك، وجزاه الله خيرا على ما قدمه، وأرجو الله أن يغفر لنا وله فيما أخطأ فيه.
بعض إخواننا ناقشه مثلا في مسألة القبض بعد القيام من الركوع فبدأ يقول: حتى يعلم الألباني.
بدت مسائل نفسية ظاهرة وليست علمية أبدا.
فالمسائل العلمية وباعُهُ فيها ولا سيما الأدلة؛ هو مقلد لشيخنا الألباني، وليس له فسحة من وقت في النظر، وما كان يقف على هذه المسائل المبحوثة بالطريقة العلمية، وإنما كان يكتب بأسلوب بديع وجميل، وأسلوب فيه بلاغة، وفيه لغة قوية، وعرف بهذا ودرس هذا.
فما أدري ؟
لعل هذه الإشارات تكفي.
السائل:
شيخنا -سبحان الله- هو سبب السؤال شيخنا أن هذه الحلقات الآن يعاد نشرها و يروج لها.
الشيخ مشهور:
ما يضير، الحق أحق أن يتبع، والأستاذ أبو مالك عارف بالدعوة معرفة جيدة، حز في نفسه أشياء و أشياء قد يكون لها تعلقات دنيوية محضة.
وحقيقة أقول أننا بحاجة لمدونة مصنفة لكتاب مفصل في تاريخ الدعوة السلفية في الأردن، نحن بحاجة ماسة لهذا، ولا نستطيع أن نقاوم أمثال هذه الأشياء التي تتكلم عنها، إلا بأن يوضع كل شيء في محله، وفي مناسبته، وتفصل الأمور تفصيلا واضحا بيِّناً، ومشكلة التعلق بمواقف، وبأشياء دون معرفة الملابسات لها ودون وضعها في سياقها، هذا من أسباب البغي والظلم.
السائل:
شيخنا -بارك الله فيكم- مجلس الصلح الذي عُقِد وكنتم قد تكلمتم فيه شيخنا، هل عالج هذه القضية؟
الشيخ مشهور:
عالج مسألة.
الحقيقة اعتُدِي على الأستاذ أبو مالك أيضا في ذلك اللقاء الذي تم أظن في اليادودة، وكان مفتوح أمام الناس، وكذلك كلام من كان يقول عن الأستاذ أبو مالك أنه تكفيري هذا كله كذب، وهذا هراء، وهذا حظوظ نفس، وهذا أمر قلته قديما، وثبتُّ عليه ما غيرت ولا بدلت.
وفي ذلك المجلس الذي أشرت إليه قلت هذا، قلت في المجلس: أن من زعم أن أبا مالك تكفيري هذا خطأ كبير.
لكن؛ كما قلت: من وقف على الملابسات والمناسبات والأسباب والخفايا التي جعلت أبو مالك يتكلم في بعض المسائل، يعلم أنه بعيد عن التكفير، وأنه لا يقول بالتكفير.
والأستاذ أبو مالك رجل فاضل مجرب، له فضل على شيخنا الألباني -رحمه الله تعالى-، وخدم الدعوة خدمة كبيرة في فترة من حياته كان نشيطا.
وقلت لك معالجة هذه المسائل تحتاج إلى أناة وتفصيل وتوضيح، ووضع هذه المواقف التي تذكر على لسان فلان أو علان بإجمال وإقحام على وجه معين، أن تذكر بتفصيل وتأصيل وتدقيق، وتذكر الملابسة والمناسبة.
السائل:
قضية أخيرة شيخنا.
هل يصح أن يقال أن الشيخ محمد شقرة هو مؤسس الدعوة السلفية المعاصرة؟
الشيخ مشهور:
ليس هذا صحيح، نحن نفخر على غيرنا بأننا الطائفة المنصورة التي أخبر النبي -صلى الله عليه و سلم- عنها بقوله: ” لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ “. مسلم ١٥٦.
ونقول: أن كل طائفة لها مؤسس فهي ليست المعنية بكلام النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وكان شيخنا الألباني ينعى ويأخذ مؤاخذة شديدة على شيخنا محمد نسيب الرفاعي، بقوله أنه مؤسس الدعوة السلفية في سوريا.
و كان الشيخ الألباني يقول -وهذا الذي ندين الله تعالى به-: أن الدعوة السلفية إنما الله الذي حمى هذه الدعوة، وهي غرس من الغرس الذي غرسه الله تعالى، وورد ذلك في حديث أخرجه البخاري في التاريخ الكبير وغيره، من حديث أبي عنبة رضي الله تعالى عنه: “لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته” السلسلة الصحيحة ٢٤٤٢ وحسنه الألباني.
فأما أن يقول فلان أسس هذه على وزان الجماعات الحزبية؛ فالدعوة السلفية ليست دعوة حزبية؛ وليس لها مؤسس، وليس لها ناطق رسمي، وليس لها مرجع، فلان يسمع له ولا يسمع من غيره، وكل من زعم هذه الأشياء إنما يريد هو أن ينقل الناس من بحبوحة الإسلام إلى ضيق الحزبية، ومن السلفية النقية إلى الدعوة الحزبية التي ننكرها ولا نقبلها.✍️✍️
السؤال:
شيخنا هل قضية التباعد الآن في الصلاة التي هي في المساجد تبيح للمصلي أن يأكل بصلاً وثوماً ويذهب للصلاة ويقول هناك كمامات وهناك تباعد، ثم إذا أراد العبد أن يصلي أو أن يقوم من الليل ويناجي ربه سبحانه وتعالى هل عليه بأس لو أكل ثوماً أو بصلاً أم الأفضل أن يتجنب ذلك؟
الجواب:
ورد في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله تعالى عنه لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوم والبصل علل ذلك بقوله إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.
قال صلى الله عليه وسلم “مَن أكَلَ مِن هذِه البَقْلَةِ، الثُّومِ، وقالَ مَرَّةً: مَن أكَلَ البَصَلَ والثُّومَ والْكُرّاثَ فلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنا، فإنَّ المَلائِكَةَ تَتَأَذّى ممّا يَتَأَذّى منه بَنُو آدَمَ.”
صحيح مسلم ٥٦٤ و أخرجه البخاري (٨٥٤) مختصرا.
وهذه علة موجودة مع التباعد وهو إيذاء الملائكة.
ولذا يبقى المنع على ما هو عليه
مداخلة الأخ المتصل:
كذلك إذا أراد أن يقوم من الليل ويناجي ربه.
السؤال:
شيخنا ما هو الفرق بين دلالة الإشارة، ومفهوم الموافقة؟
الجواب:
دلالة الإشارة الشيء الذي لا ينفك عن اللفظ.
شيء يُفهم باللازم، واللازم بالمتحتم الذي لا ينفك عنه.
اللوازم قسمين:
١ – قسم يقبل الانفكاك.
٢ – قسم لا يقبل الانفكاك.
فمثلا قوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا}[النساء: ٣]،
الآية دلت بمنطوقها على أشياء، ودلت بفحواها على أشياء، ودلت بإشارتها على أشياء.
فدليل الإشارة: {ما طاب لكم}: لأن المرأة لا تطيب حتى يُنظر لها.
فقال أهل الفقه وأهل العلم: أن في قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم} بدليل الإشارة يجوز النظر للمخطوبة.
أما مثلا قول الله تعالى: {فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ}[الإسراء: ٢٣] عن الوالدين.
{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[الإسراء: ١٠].
السرقة مثل الأكل والضرب أشد من الأف وهذا بالمعنى والفحوى وليس بالإشارة.
فالإشارة والفحوى دلالتان:
الأولى دلالة لفظ.
الثانية دلالة معنى.
ووقع خلاف بين أهل العلم: إن تزاحمت دلالة الإشارة ودلالة المعنى في محل واحد أيهما يُقدم؟، وترتب على هذا مسائل.
والكلام طويل وكثير مذكور في كتب الأصول.✍️✍️
السؤال:
شيخنا يقال أن أبا حنيفة الإمام-رحمه الله تعالى- أخذ مذهبه بالتواتر من علماء أهل الكوفة عن الصحابة، فعليه يقال عندهم: أن عمل أهل الكوفة حجة يوازي عمل أهل المدينة عند المالكية.
فهل هو الأمر كذلك شيخنا؟، وهل هو حجة؟، وهل ثمة فرق بين عمل أهل الكوفة وبين عمل أهل المدينة؟
الجواب:
بارك الله فيك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه، حجية أهل المدينة أصل معتد به، ومعتبر عند العلماء.
ولذا يقول بعض المحققين من أهل العلم: أن مذهب مالك في المعاملات أصوب من غيره؛ لأنه هو الذي أدرك ما عليه الصحابة والتابعين -رضي الله تعالى عنهم-.
الآن: حجية عمل أهل المدينة هو الذي اشتهر وشاع بين طلبة العلم بالاعتبار، بخلاف عمل أهل الكوفة.
لكن السؤال المهم الذي ينبغي أن ينتبه إليه طالب الحق: عمل أهل المدينه متى يكون حجة؟
إذا وجد الإسناد الموصول لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصح النقل عنهم فهو حجة.
فحجة عمل أهل المدينة لا يراد به الأبواب ولا الجدران ولا الشبابيك، وإنما العمل الموصول لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهذا هو الحجة.
ولذا الزيادة عن أحد عشر ركعة لا يقال عنه بدعة؛ لأنه عمل أهل المدينة، وصح ذلك فيما نقل مالك في زمن كبار التابعين، والعمل ليس مرهونا بشخص وإنما هو مرهون بجيل، والبدعة لا تطلق على صنيع جيل، فالآن عمل أهل الكوفة الموصول لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو حجة.
نعم علي ابن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- هو أول من نقل عاصمة الإسلام من المدينة النبوية إلى الكوفة، وذكر الإمام العجلي في كتابه “تاريخ الثقات” أنه كان في الكوفة ألف وخمسمئة وأربعين صحابيا -رضي الله تعالى عنهم-.
والناظر في الصحيحين والسابر لطرق الأحاديث التي فيهما يجد أن الجل والغالب على أحاديث الصحيحين في طبقة التابعين وتابعيهم ولعله يشمل التي بعدهم كلهم من البصرة أو من الكوفة.
فالعلم انتقل إلى الكوفة في زمن علي -رضي الله تعالى عنه-، وكانت سياسة عثمان قبله أن يأذن للعلماء بمغادرة المدينة، خلافا لسياسة عمر فقد حبسهم ليشاورهم، ولا سيما أن النوازل والمستجدات بدأت تظهر في زمنه -رضي الله تعالى عنه-، فلما قامت الولاية لعلي -رضي الله تعالى عنه-، وكان توسع المسلمين في جهة العراق (والمراد بالعراق عراق العرب أو عراق العجم)؛ فكان الصحابة كما في مصنف ابن أبي شيبة يسمون الهند عراقا.
خلافة أبي بكر المباركة رمى بالإسلام رمية مباركة، وكانت باتجاه بلاد الشام، بخلاف خلافة عمر الذي رمى بالإسلام رمية باتجاه العراق؛ ففتح العراق، ثم توجه إلى عراق العجم.
الشاهد -بارك الله فيك- أن *حجية العمل العبرة فيه بالإسناد وبالثبوت والصحة*، فلو كان فقه الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- متواترا لكان هو المحق بخلاف غيره، ولما لامه الناس على إيراد الأدلة.
ففقه الإمام أبي حنيفة بالجملة مستنبط من فقهاء الكوفة، من طبقة التابعين والصحابة -رضوان الله تعالى عليهم-، ولكنه لم يضبط الأحاديث، حتى الإمام أبو حنيفة من حيث العدالة فهو عدل ولا يشك أحد في عدالته، أما من جهة الضبط فقد تكلم فيه عدد كبير من الحفاظ في ضبطه.
فالشاهد -بارك الله فيك-: أي عمل موصول بالإسناد الصحيح إلى الصحابة -رضي الله تعالى- عنهم فهو حجة، وأصبح عمل البلدان للأسف توسع فيه كثير من الفقهاء، وأصبحوا يلقون الكلام على عواهنه دون تحرير ولا تحقيق.
فأن يقال كل كلمة قالها الإمام أبي حنيفة-رحمه الله- هي فعل متواتر من الصحابة لا يقر على هذا أحد ممن شم أنفه الحديث والأثر والأسانيد الصحيحة.
بل قامت كثير من الأحاديث الصحيحة وردت من قبل الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-، بأصول مأخوذة من العقل ولم تؤخذ من المنقول.
من مثل حديث الآحاد ليس حجة إذا خالف القطعي (قطعي القران).
ولذا مذهب الإمام أبي حنيفة أن من صلى ولم يقرأ بفاتحة الكتاب يأثم، ولكن صلاته صحيحة لأن الله يقول: ﴿ فَاقرَءوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرآنِ﴾[المزمل: ٢٠]، وحديث ” لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ”. وهو حديث في الصحيحين عن عبادة ابن الصامت رضي الله تعالى عنه، هذا الحديث لا يدل على ركنية قراءة الفاتحة.
فالقول بأن كل قول لأبي حنيفة هو مأخوذ من الأحاديث هذا خطأ وليس بصحيح، وإنما الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- له منهج سار عليه؛ فاخطأ في شيء وأصاب في شيء، وله أقوال تخالف الثابت في الصحيحين.
ولذا فمن المعلوم أن الفقهاء بالجملة ينقسمون إلى قسمين:
– فقهاء يقفون على ظواهر النصوص، وهذه مدرسة الإمام الشافعي، ومدرسة الإمام أحمد -رحمهما الله تعالى-.
– فقهاء يغوصون إلى المعاني ويرجحون المعاني ويتوسعون فيها، وهذه مدرسة الإمام أبي حنيفة ومدرسه الإمام مالك -رحمهما الله تعالى-..
ودائما نقول أن الفقه هو الموائمة بين اللفظ والمعنى، وأنه لا يجوز لك أن تتعدى اللفظ إلى المعنى والشرع لا يأذن بذلك، ولا يجوز لك أن تجمد على اللفظ دون إعمال المعنى والشرع يأذن بذلك، فهذا هو الفقه بالجملة.
الآن انظر إلى متأخري المالكية، المالكية لم يكتفوا بالقول بحجية عمل أهل المدينة، فذهب المتأخرون من المالكية إلى حجية عمل أهل فاس ويقولون على هذا أهل فاس في العمل، وهذا كذلك، كالذي قبله. فالعبرة بالإسناد والصحة.
ومن المعلوم أن منهج أهل البدع التعلق بالعمومات، فلما تحاققهم وتناقشهم وتبحث المسألة بأدلتها التي وردت فيها، فإنهم يحتجون عليك بعمومات، وهذه العمومات قامت الأدلة التفصيلية على خلافها، وهذا منهج من منهج أهل البدع.
لماذا أقول منهج أهل البدع ؟
لأن اعتقاد أن إمام من الأئمة الكبار الذين نبجلهم ونحترمهم، ولكننا لا نقدسهم أن كل قول من أقوالهم حجة في دين الله، وأنهم لا ينطقون عن الهوى، وأن كلامهم ما بنبغي أن يوزن بالموازين المعروفة عند أهل العلم من صحة الاستدلال وصحة الاستنباط، إنما هذا مبتدع، كل من يعتقد أن فلانا غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلامه كله حق وأنه لا يجوز أن يحاد عن أي مسألة قالها هذا مبتدع.
ما هو مسلك أهل البدع؟
هذا قرره الشاطبي بتفصيل في كتابه “الاعتصام” قرر أن أهل البدع دائما يحتجون بالعمومات، ولا يحتجون بالأدلة الجزئية الخاصة بالمسألة.
لعل في هذا بيانا يكفي بإذن الله تعالى.
مداخلة الأخ المتصل:
شيخنا ذكرتم أن الإمام الشافعي من جمله كلامكم يأخذ بظواهر النصوص.
هل من الدقة أن نقول أن الإمام الشافعي جمع بين مدرسة أهل الرأي وأهل الحديث؟
الشيخ مشهور :
أما الشافعي -رحمه الله تعالى- لما دخل بغداد وجد فرقتين وأقسم بالله أن يجمع بينهما، لكن الناظر في فقهه يجد أنه يعتمد على الأدلة النقلية كثيرا، وأن الغوص في المعاني وإعمال ما يسمى بالمقاصد وما شابه مسلك ليس ظاهرا عنده وإن وجد في فقهه.
والله تعالى أعلم.
مداخلة الأخ المتصل:
شيخنا ذكرتم مثالا لقراءة الفاتحة عند الأحناف، وذكرتم الأحاديث، هل أحاديث قراءة الفاتحة وأنها ركن متواترة شيخنا؟
الشيخ مشهور :
بلا شك أنها متواتر، وألف الإمام البيهقي كتابه “جزء القراءة خلف الإمام”، وألف الإمام الشافعي “القراءة خلف الإمام” وهذه مسألة اخرى، مع هذا فإن قراءة الفاتحة في الجهرية يرى المحدثون أنه لا بد من قراءتها، ونصر هذا البخاري في كتابه “القراءة خلف الإمام”، والإمام البيهقي في كتابه “القراءة خلف الإمام” وإعمالا للظاهر.
والله تعالى أعلم.
مداخلة الأخ المتصل:
كذلك رتب البعض قال: فلا يجوز مناقشة علماء الاحناف إلا بأصولهم، -بأصول مذهبهم فقط- فهل هذا الكلام صحيح شيخنا؟
الشيخ مشهور :
صحيح وخطأ، صحيح أنك لا تستطيع أن تقول أنهم حادوا عن أصولهم، وإذا ناقشتهم فلا بد أن تتذكر الأصول، لأن بعض الأقوال قد تبدوا مستغربة، ولكن من حيث الحق والباطل فالمناقشة بالصواب من الأدلة.
يعني اليد العادِيَة الظالمة هل تزيل الملك؟
لو أن كافرا أخذ شيئا من أراضينا أو شيئا من أموالنا فهل يملك هذا الشيء؟
عند أبي حنيفة يملك.
لكن الجماهير تقول أن اليد العادية لا يترتب عليها صحة ملك.
وهذا معمول به في القوانين الدولية العالمية.
وإلا فليهنأ اليهود.
قال تعالى: ﴿لِلفُقَراءِ المُهاجِرينَ الَّذينَ أُخرِجوا مِن دِيارِهِم وَأَموالِهِم﴾[الحشر: ٨]
فمذهب الإمام أبي حنيفة أن الكافر إذا ملك يصبح صاحب هذه الدار وصاحب المال يصبح فقير، قال الله تعالى: ﴿لِلفُقَراءِ المُهاجِرينَ الَّذينَ أُخرِجوا﴾، الجماهير قالوا لهم: ﴿دِيارِهِم وَأَموالِهِم﴾ ما خرجت عن ملكهم. والنصوص الصريحة الواضحة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (بئس ما جزيتيها) سنن أبي داود ٣٣١٦ وصححه الألباني، لما نذرت امرأة أنها إن أوصلتها المدينة، وركبت على ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم- “والحديث في صحيح مسلم برقم ١٦٤١”
“كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِي عُقَيْلٍ، فأسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِن أَصْحَابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، رَجُلًا مِن بَنِي عُقَيْلٍ، وَأَصَابُوا معهُ العَضْبَاءَ، فأتَى عليه رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَهو في الوَثَاقِ، قالَ: يا مُحَمَّدُ، فأتَاهُ، فَقالَ: ما شَأْنُكَ؟ فَقالَ: بمَ أَخَذْتَنِي، وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الحَاجِّ؟ فَقالَ: إعْظَامًا لِذلكَ أَخَذْتُكَ بجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ، ثُمَّ انْصَرَفَ عنْه، فَنَادَاهُ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، يا مُحَمَّدُ، وَكانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَقِيقًا، فَرَجَعَ إلَيْهِ، فَقالَ: ما شَأْنُكَ؟ قالَ: إنِّي مُسْلِمٌ، قالَ: لو قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الفلاحِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَنَادَاهُ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، يا مُحَمَّدُ، فأتَاهُ، فَقالَ: ما شَأْنُكَ؟ قالَ: إنِّي جَائِعٌ فأطْعِمْنِي، وَظَمْآنُ فأسْقِنِي، قالَ: هذِه حَاجَتُكَ، فَفُدِيَ بالرَّجُلَيْنِ. قالَ: وَأُسِرَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ وَأُصِيبَتِ العَضْبَاءُ، فَكَانَتِ المَرْأَةُ في الوَثَاقِ وَكانَ القَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بيْنَ يَدَيْ بُيُوتِهِمْ، فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الوَثَاقِ، فأتَتِ الإبِلَ، فَجَعَلَتْ إذَا دَنَتْ مِنَ البَعِيرِ رَغَا فَتَتْرُكُهُ حتَّى تَنْتَهي إلى العَضْبَاءِ، فَلَمْ تَرْغُ، قالَ: وَنَاقَةٌ مُنَوَّقَةٌ فَقَعَدَتْ في عَجُزِهَا، ثُمَّ زَجَرَتْهَا فَانْطَلَقَتْ، وَنَذِرُوا بهَا فَطَلَبُوهَا فأعْجَزَتْهُمْ، قالَ: وَنَذَرَتْ لِلَّهِ إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتِ المَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ، فَقالوا: العَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَتْ: إنَّهَا نَذَرَتْ إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فأتَوْا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا ذلكَ له، فَقالَ: سُبْحَانَ اللهِ، بئْسَما جَزَتْهَا، نَذَرَتْ لِلَّهِ إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، لا وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيما لا يَمْلِكُ العَبْدُ.”
نذرت أن تذبحها، فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها ما ملكتها، وقال (بئس ما جزيتيها) جزيتي هذه الناقة التي أوصلتك، وأخذ منها -النبي صلى الله عليه وسلم- منها الناقة وكان قد ملكها الكفار.
فالمسألة طويلة ولها ذيول وهذه مسألة من المسائل.
فالإمام أبي حنيفة قال ما قال بناء على أصول عنده، وأصوله بعضها معتبر وبعضها غير معتبر، فإن ثبت عندنا الدليل الصحيح فنقول به، ونقول -رحمه الله- هو مجتهد وله أجر، ولا نخالفه من عندنا، وإنما خالفه الأئمة الكبار.
انظر مثلا فقه المسألة في كتاب “الخلافيات” للإمام البيهقي، وانظرها في كتاب “الأوسط” لأبن المنذر، وحللها وحلل أصلها وبين كيف نشأت وكيف قامت مع الراجح الأستاذ فتح الدريني في كتابه ( المناهج الأصولية).
السؤال:
قضية أن خلع الخفين الممسوح عليهما لا ينقض الوضوء، يعتبر هذا شيخنا عند المذهبيين مثال واضحٌ على مخالفة السلفيين للمذاهب الأربعة، ويقولون أن المذاهب الأربعة -وهي مذاهبنا شيخنا كما تعلمنا منكم- هي اجتهاد جماعي متصل السند بالرواية عن الصحابة -رضي الله عنهم-، على خلاف النظر الفردي في الأدلة الذي يكون عند فلان وفلان من الأئمة.
– أولا: ما هو القول الراجح في المسألة؟
الجواب:
المقدمة التي تكلمت فيها وتفضلت بها صحيحة.
فالحكم الفقهي لا يؤخذ بالنص الواحد، وإنما الحكم الفقهي يؤخذ من مجموع ما ورد في باب من أحاديث ٍ وآثار.
ولذا العلماء لما يذكرون الأدلة يقولون: الكتاب؛ ثم يقولون: السنة؛ ثم يقولون: أقوال الصحابة.
والكتاب يكفي، ولكن ذكر السنة لكي يبين أن الآية ما خصصت، أو أن الآية ما قيدت، أو أن الآية ما نسخت، أو ما شابه.
وكذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة، لكن يقولون قال الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-، حتى يُذكر أن هذا الحديث عليه العمل، وأن الحجة إنما هو بالعمل الذي استقر في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي زمن أصحابه.
ولذا العلماء لا يأخذون بدليلٍ واحد. فكما أن الإنسان لا يقال عنه برأسه فقط وإنما يقال عنه رأس بجميع أعضائه، فكذلك الحكم الفقي لا يؤخذ من مسألةٍ ودليلٍ واحد، وإنما يؤخذ من مجموع ما ورد في الباب من أدلة.
هذه المسألة.
الآن النواقض، النواقض في الوضوء لا تقبل الاجتهاد والقياس فيها ضعيف، إذ تلمُّس العلة ضعيف.
وبالتالي المسح اعتبره الشرع، والاحاديث الواردة فيه متواترة، ورد عن أكثر من سبعين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جواز المسح على الخفين.
ولذا كان أهل السنة وسط بين الروافض الذين يجوزون المسح على القدمين دون خفين، وبين الخوارج الذين يمنعون المسح على الجوربين المُنعَّلَيْن.
ولذا من المعلوم أن من عقائد أهل السنة ما أصبح شعاراً لهم، ولو لم يخالف المبتدعون في هذه المسائل لما أدرجت كثير من المسائل في المعتقد.
ومنه يُعلم: أن ليس كل من خالف في مسألةٍ مدرجة في كتب العقيدة أنه كافر، بل قد يُضلل، يكتفى بتضليله دون تكفيره، وإن خالف في مسألةٍ لا سيما من هذه المسائل التي أصبحت شعاراً لأهل السنة.
ولذا قال الإمام الطحاوي في عقيدته: (ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر، كما جاء في الأثر.)
فالأمور ثابتة.
الآن من خلع خفه قبل أن يخلع الخف قلنا له: الوضوء صحيح؟
قال: صحيح.
قلنا : الآن خلعناه.
قال: الوضوء نقض.
قلنا: لِمَ نُقِض الوضوء؟
نحتاج لدليل.
ما وجدنا دليلاً.
تنازع في هذا.
نقول له خذ مسألةً أخرى:
رجلٌ توضأ في بيته وخرج، نظر في الساعة فوجد وقتاً للأذان.
فقال: أذهب إلى الحلاق احلق رأسي ثم أذهب للمسجد أصلي.
فذهب للحلاق وحلق رأسه.
فالشعر الممسوح عليه حُلِق.
فماذا عليه؟
قال: لا شيء.
ما الفرق؟
هذا حلق شعره وهذا خلع خفه.
هذا بالنسبة للنظر.
وبالنسبة إلى الأدلة فكيف وقد ثبت في مصنف أبن أبي شيبة بإسناد صحيح أن أبا بكر وعلي رضي الله تعالى عنهما مسحا وخلعا وصليا.
لكن نقول لمن لم ينشرح صدره لهذا: إن أنت رأيت أن تجدد وضوءك، لا حرج، جدد وضوئك وتوضأ.
فإذا أردت أن تقول الفتوى والتقوى، وتريد أن تلتزم بالتقوى، وأن تبقى مع الأئمة الأربعة ما نقول لك هل عليك حرج، فعلت الذي في نظرك أن فيه احتياطا وأن فيه موافقةً لمن أرضى.
لكن في المباحثة العلمية والتدقيق العلمي والأدلة العلمية أنت مطالب، أنت الآن تعبدت الله تعالى بالتقوى هذا أمرك، أنت وشأنك، أنت وطمأنينة قلبك.
وأما أن تفتي بمن قامت عندهم الأدلة على أن صلاتهم باطلة فهذا أمر عظيم وأمر شديد.
ونطالب هؤلاء الإخوة: بأن يراعوا الخلاف وأن ينظروا لمسائل الخلاف بعينٍ فيها إنصاف واعتمادٍ للأدلة واعتماد للقواعد المتبعة عند أهل العلم.
مداخلة الأخ المتصل؛
هم شيخنا يريدون أن يقولوا أن المذاهب الأربعة كما ذكرت لكم شيخنا وتفضلتم بما أنها اجتهاد جماعي متصل السند بالرواية عن الصحابة فكل من خالف الآن هم يريدون شيخاً تعييناً….
الشيخ مشهور حسن:
هذا خطأ.
وهذا بينت خطأه سابقا.
قلت:
أن إجماع الأئمة الأربعة ليس إجماع، ولم يقل واحدٌ من الناس أنه إجماع. ولكن للأسف تعظيم النصوص هذا الذي نحتاجه، تعظيم الوحيين هو الشيء الذي ينبغي أن ننادي به.
أنا أسألكم سؤالاً آخر ومسألة مهمة.
ما هي الأدلة الكلية المعتمدة عند علماء الأصول؟
عندهم جميعاً شيخنا؟
عند جميع العلماء المعتبرين من أهل السنة؟
الكتاب والسنة والقياس والإجماع.
والواقع بأن الأدلة هي عبارة عن كتاب وسنة.
لماذا؟
الإجماع حجة إذا وقع، لكن لا يمكن أن تجمع الأمة على غير نص، لكن لا يلزم أن يعلم الناس النص، لكن العلماء لا يجمعون إلا على نص.
الآن القياس.
ما هو القياس؟
إلحاق فرع بأصل، لجامع بينهما.
في القياس هل القياس يظهر حكم أم ينشأ حكما؟
يظهر حكما.
لأن الإنشاء عند من أنزل الأصل.
والأصل الكتاب والسنة.
القياس هو عبارة عن إظهار أمر خفي.
ولكن أين الادلة الآن كلها أصبحت؟
في الكتاب والسنة.
لذا الذي يدمن على قراءة كتب السلف من الصحابة إلى هذا الوقت ممن انتهجوا هذا المنهج دائما، يقررون ويؤكدون أن في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الغنية.
ماذا يريدون هؤلاء الذين يقولون إجماع الأئمة الأربعة؟
يريدون قطع الناس عن نصوص الكتاب والسنة.
فإذا قطعت الناس عن نصوص الكتاب والسنة ضعف الناس، واستطاعوا أن يمرروا ما يريدون بالطريقة التي يشتهون، إذا ما بقي أمامهم من يقول كتاب وسنة.
الآن آخر شيء خرج عند الناس البيت الإبراهيمي،وقل مثل هذا كثير.
الذي ينتظر الأمة من مؤامرات وشدائد وبلايا وترويج أفكار هدامة وما شابه، لا يمكن لأحد أن يقاوم هذا التيار إلا أن يقول كتاب وسنة.
ولذا أصبح القول كتاب وسنة يغلف بفقه الأئمة الأربعة.
لكن الأئمة الأربعة ابقوا على أقوالهم واثبتوا عليها.
ولكن أنتم لا تريدون تقريرات الأئمة الأربعة من أجل الأئمة الأربعة، بل من أجل قطع الناس عن الكتاب والسنة، وهذا القطع من وراءه مؤامرات كثيرة جدا، وإلا عند التدقيق والتحقيق نحن أسعد الناس بالأئمة الأربعة، ومهما حولوا وحرفوا فنبقى على تقرير الأئمة الأربعة، وإن خالفنا الأئمة الأربعة نخالفهم في جزيئات يسيرة.
وأما هم يريدون أن ينسفوا الدين باسم الأئمة الأربعة حتى يقطع الناس عن الكتاب والسنة.
وهذا ملحظ ومدرك مهم جدا ينبغي أن يدركه كل عاقل.✍️✍️