[المعادن في جزيرة العرب: تحقيق الأحاديث النبوية وتوثيقات الرحالة]
قال فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله:
أنا أدعو إخواني طلبة العلم، وكم كان بودي أن أقوم أنا بذلك، أن أجمع الأحاديث التي قالها النبي ﷺ في المعادن وفي الأنواع التي تكون في باطن الأرض والتي تظهر في آخر الزمان، ولا سيما الذهب والفضة، ولا سيما ذِكر الأماكن التي حددها النبي ﷺ في صحيح حديثه.
شكيب أرسلان له رحلة مطبوعة، طبعها رشيد رضا في “المنار” قديماً، وأُعيد طبعها في “دار النوادر” حديثاً، ورحلته إلى الحج واسم رحلته “الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف “، وهذه رحلة، العادة أن تكون الرحلة في الحج في فقه مناسك الحج، وشكيب أرسلان ليس فقيهاً، لكنه عالم متفنن، واستغرقت رحلته “الارتسامات اللطاف” فصلاً طويلاً عن المعادن المذكورة في جزيرة العرب.
وذكر، وقد حج في زمن الملك عبد العزيز آل سعود، وذكر عن الملك عبد العزيز آل سعود أنه جاء ببعض علماء الجيولوجيا وعملوا مسحاً في المملكة العربية السعودية، وحددوا المعادن التي فيها، وذكر اسم الألماني واسم رحلته واسم كتابه الذي ألفه بعد أن جاء إلى المملكة العربية السعودية، وكتب كتاباً جيداً بالألمانية.
وشكيب أرسلان ممن يتقن أكثر من لغة، ومن بين اللغات التي هو ماهر جداً فيها هي اللغة الألمانية، فترجم كتاب الألماني بنحو عشرين صفحة، وذكر زبدته، وذكر المعادن التي هي موجودة بناءً على كتاب ذاك الألماني، ثم جاءت الحرب العالمية، ثم دُثِـر الموضوع، ثم الموضوع ما كُتب فيه شيء.
فأنا أرغب لو أن طالب علم يبحث الأحاديث، أنا العبد الضعيف كتبت كلمة سريعة وبحثت فيه إطلالة عجلى في أيام حادثة العراق، في كتابي “العراق في أحاديث وآثار الفتن” في الجزء الثاني من صفحة 560 إلى نحو 590، كتبت عن هذه المعادن وأماكنها، وتَحَرَّيت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ، ومن بين هذه الأحاديث ما عند أحمد (16972) عن رجل من بني سليم عن جده، أنه أتى النبي ﷺ بفضة، فقال للنبي ﷺ، وجاءه بفضة زكاة، فقال له: “هذه من معدن لنا، هذه من معدن لنا”.
من أين الرجل؟ من بني سليم.
فقال النبي ﷺ: “سيكون معادن يحضرها شرار الخلق”.
شرار الخلق في تعبير الشرع، كما قال النبي ﷺ في حديث ابن مسعود في الصحيحين: “لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق”، شرار الخلق هم الكفار، { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ } (البينة: 6).
فشرار الخلق هم الكفار، بعض المعاصرين من المحدثين وهو أحمد الغماري، له كتاب اسمه “مطابقة الاختراعات العصرية لما أخبر به سيد البرية ﷺ”، قال في هذا الكتاب في صفحة 26-27: “ليست يحضرها”، والصواب: “ستكون معادن يُحْضِرُهَا”، “يُحَـضِّـرُهَا” بضم الياء وفتح الحاء وكسر الضاد المشددة، وفسرها بقوله: “أي يهيئها للاستعمال ويجعلها حاضرة بذلك صالحة لما حُضِّرَت له”.
فقال: ليس “يَحْضُرُها” وإنما “يُحَضِّرُهَا”.
وورد من حديث ابن عمر عند الطبراني في الصغير والأوسط والخطيب وغيرهما (الصغير: 777) أنه أُتِيَ النبي ﷺ بقطعة من ذهب، كانت أول صدقة جاءته من هذا المعدن، فقال: “ما هذه؟”، قالوا: “هذه صدقة من معدن”، فقال ﷺ: “ستكون معادن وسيكون وسيكون فيها شرار خلق الله”.
وكذلك ورد عن أبي هريرة صاحب الحديث فيما يخص الحديث الذي معنا الذي فيه “تَقِيءُ الأرض أفلاذ كبدها”، ففيه يَظهر معدن في أرض بني سليم يقال له فِـرْعان أو فِرْعَوْن، وذلك بلسان أبي جَهْم، وأبو الجهم كان رجلاً فارسياً ثقيل اللسان، وهو ممن كان يروي عن أبي هريرة من تلاميذ أبي هريرة، تابعي فارسي، فبدل ما يقول الرواية قال فِرْعان أو فِرْعَوْن، قال: “يَخْرُجُ إليه شرار الناس أو يُحشَر إليه شرار الناس”.
وكذلك ورد من حديث أبي هريرة:
“لا تقوم الساعة حتى تظهر معادن كثيرة، لا يسكنها إلا أراذل الناس”، وكذلك ورد من حديث عبد الله بن عمرو عند الحاكم (8578 – وصححه):
“تخرج معادن مختلفة، معدن فيها قريب من الحجاز يأتيه شرار الناس يقال له فرعون، فبينما هم يعملون فيه إذ حَسَر عن الذهب فأعجبهم مُعتمَلُه إذ خُسِف بهم”، وهذا الحديث إسناده جيد والأحاديث كثيرة.
والأحاديث كثيرة ، والكلام عن المعادن موجودة في جزيرة العرب، هي الآن موجودة في محافظة تسمى محافظة مهد الذهب.
“مهد الذهب” ذكرها “إبراهيم بن إسحاق الحربي”، والحربي له كتاب اسمه “المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة”، والحربي قديم، الحربي متوفى سنة 285 للهجرة، يعني في آخر القرن الثالث، 285 للهجرة، يقول عن “الفُرع” ، و “ذي غولان” ، وهي كلها هذه قرى في محافظة مهد الذهب، يقول: “فيها ذهب كثير يُستخرَج في قديم الدهر، ويُحفَر عليه في جبل يَمْنَة الطريق للمَصعد، فَعُـظمت فيه المؤنة”، قال: “وزعم ابن أبي سعد أنهم كانوا إذا استخرجوه جاءتهم [ غير واضح ] وأخذوه منهم ، وغلبوهم عليه”، وقال: “وتراب البلد مخلوط بالذهب”، والذي حملهم على تركه أن المؤنة آنذاك أكثر مما يَخرج منه.
فهذه المعادن بقيت ولها أخبار، ولشيخنا كلمة جميلة في هذه المعادن في المجلد الرابع صفحة 507 في هذه المعادن، ومما قال فيه:
“ومما لا شك فيه أن شرار الناس هم الكفار”.
فهو يشير إلى ما يُبتلى به المسلمون اليوم من جَلْبِهم للأوروبيين والأمريكان إلى بلادهم العربية لاستخراج معادنها وخيراتها.
فإذاً :
آخر الزمان الأرض تَقِيءُ بهذه المعادن، وهذه المعادن لا أَعرف أحداً كتب كتاباً في المعادن خاصة، وهذا يسمى اليوم في العلوم العصرية الحديثة “الحديث الموضوعي”، أن يختار الإنسان موضوعاً في الحديث النبوي وهو موضوع المعادن.
أظن أن هذا الموضوع يحتاج إلى بحث، ويحتاج إلى استقصاء، ويحتاج إلى دراسة، أكتفي بهذا القدر لنبدأ إن شاء الله في درسنا القادم بشرح أحاديث الباب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر:
البث المباشر – درس شرح صحيح مسلم – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1445 هـ
11 يناير 2024 م✍️✍️
◀️ الرابط في الموقع الرسمي :
[المعادن في جزيرة العرب: تحقيق الأحاديث النبوية وتوثيقات الرحالة]