قال فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله:
آخر الزمان يكثر المال، والذي يجدُ المال يطوف على الناس، ويطوف على رجل كان قد أعطاه، وهنا هذا المراد، فيوشك الرجل أن يمشي بصدقته، فيقول الذي أُعطِـيها – الذي كان قد أخذها سابقًا – فيقول:
“لو جئتنا بها بالأمس”.
فهذا معنى قوله (فيقول الذي أعطيها)، قال: أي عُرِضَت عليه، والآن لا يقبلها.
لأن الناس مقبلون على الآخرة، أشراط الساعة ظهرت، والناس لمّا القلب يتجه للآخرة يزهد في الدنيا، فالدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب، فإذا اقتربت من المشرق ابتعدت عن المغرب، وإذا اقتربت من المغرب ابتعدت عن المشرق، فالناس اليوم يَكُبُّون على الدنيا وعلى فنائها وحطامها، والسبب الرئيس هو زهدهم في الآخرة وعدم زهدهم في هذه الحياة الدنيا.
النبي ﷺ أشار وأخبرنا في حديث النوَّاس بن سمعان الذي أشار إليه الشارح الإمام النووي رحمه الله تعالى، لمّا قال:
« وسبب عدم قبولهم الصدقة في آخر الزمان لكثرة الأموال وظهور كنوز الأرض ووضع البركات فيها كما ثبت في الصحيح بعد هلاك يأجوج ومأجوج ».
ص96 – كتاب شرح النووي على مسلم – باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف –
بعد هلاك يأجوج ومأجوج البركة تُرفع من الأرض في أثناء الحياة ، لكن بعد هلاك يأجوج ومأجوج البركة تعود إلى الأرض ، ويكثر المال وتكثر بركته ويظهر هذا
جليًا في الحديث الطويل الذي أخرجه مسلم في صحيحه برقم 2937 من حديث النوَّاس بن سمعان، وياتينا الحديث ونشرحه مفصلاً.
المصدر:
شرح صحيح مسلم – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.
تاريخ:
6 رجب 1445 هـ
18 يناير 2024 م✍️✍️
[كلمة موجزة عن الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله]
[ فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله]
“إِنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فيطيب لي أيها الإخوة الأحبّة في هذا اللقاء أن ألتقي بكم في معهد الحافظ ابن حجر في جاكرتا إندونيسيا، وأرجو الله تعالى أن يجعل لقاءنا هذا سبباً من أسباب النجاة والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
والشكر موصول لمدير هذا المعهد، الأخ الفاضل الدكتور الشيخ زين العابدين ابن شمس الدين، وكذلك لأخينا هندر بن علي غفور ، وكذلك أحيي الوجوه التي أرى، وأرجو الله كما جمعنا في الدنيا على طلب العلم أن يجمعنا في جنات النعيم.
هذا المعهد أظن لو أن الحافظ ابن حجر بُعث من قبره فراكم لفرح، فكان لابن حجر حب شديد لتلاميذه، وكان كريماً عليهم،
ولابد أن أُعرِّفَ به موجزاً، وإلا فالكلام عن الحافظ يحتاج إلى مؤتمرات، وكُتبت عنه رسائل كثيرة، وأظن في مكتبتي من الدراسات عن الحافظ ابن حجر، يعني لو جِيءَ بها في هذا المجلس لكانت أكثر من نصف مساحته، الحافظ إمام، وهو إمام في كل العلوم، فهو أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني الشافعي، الملقب بشهاب الدين، المعروف بأنه خاتمة أمراء الحديث، فلم يوجد بعده من لُقّب بأنه أمير للحديث إلا هو، وكنيته أبو العباس، وعاش في مصر وأصله من عسقلان، عسقلان مدينة في غزة الجريحة، التي أرجو الله أن يعافيها ويعافي المسلمين هناك.
وله شعر مطبوع، له ديوان بعنوان “الكواكب السائرة” وما زال شعره يحتاج إلى جمع، فما من جزء حديثي أفرده في طرق حديث إلا ونظمه بمقطوعات بأبيات معدودات، ومن أشهر كتبه وكتبه كثيرة ، ذاك الكتاب الذي كان يقول عنه شيخنا الألباني كتاب الإسلام وهو”فتح الباري شرح صحيح البخاري”.
و”فتح الباري” ليس خاصاً في شرح صحيح البخاري، ولو أنك قلت إن “فتح الباري” شرحَ كتب الحديث الستة لأصبتَ، فما من مسألة إلا ويُسهب فيها فيُشبع ويروِّي، فمن قرأه خرج شبعانَ ريانَ من العلم، والذي يقرأ “فتح الباري” هو العالِم حقاً،
وانشغل به العلماء، وما من عالم من العلماء المعروفين إلا وقرأ كتاب “فتح الباري”، وبعضهم قرأه مرات وكرات، وتُرجم إلى أكثر من لغة، كتاب “فتح الباري” وأنا لا أعرف هل تُرجم للغة الأندونيسية أم لا، فإن لم يترجم فما أجدره أن يُترجم، ووجوه وحركة الرؤوس تدل على أنه تُرجم، هذه بالمفهوم الإشارة وهو مفهوم معتبر عند العلماء، هذا مفهوم معتبر وله أدلة كثيرة.
ومن أشهر كتبه “تغليق التعليق”، كتاب فذ لم يُؤلف غيره في معلقات البخاري، فالبخاري أورد أحاديث وآثار وعلقها، فلم يذكر سنده إليها، علقها على قائليها، فقال: قال ابن عباس، قال مجاهد، قال ابن عمر، قال عمر، وأحياناً يذكر قولاً وأحياناً يذكر فعلاً، فجاء الحافظ ابن حجر فغلّقها وسمى كتابه “تغليق التعليق” فأورد فيه أسانيده من شيخه إلى الأثر المعلق عند البخاري ، وهذا عمل عظيم لا يقدر عليه إلا أمثال الحافظ ابن حجر، وطُبع في أربع مجلدات.
ومن كتبه البديعة “الإصابة في تمييز الصحابة” ومات ولم يتمه، وبقي فيه قسم المبهمات، فحاول ألصقُ تلاميذه به الحافظ السخاوي محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى سنة 902 أن يتمه فما استطاع، فبقيت “الإصابة” ناقصة ولا يوجد فيه القسم المتعلق بالمبهمات مثل: عم فلان، وأخو فلان، وابن فلان وما شابه.
ومن كتبه البديعة وهو الرابع، وكان يتمنى لو أنه ما كتَـب إلا هذه الأربعة:
“فتح الباري”، “تغليق التعليق”، “الإصابة”، والرابع “لسان الميزان”.
“لسان الميزان” ووضعه ذيلاً على كتاب الإمام الذهبي “ميزان الاعتدال في نقد الرجال” وزاد عليه، والزيادات تراجم مفردَة لم يتعرض لها الإمام الذهبي، وجعل أمامها في “اللسان” حرف زاي وهذا الحرف فيه إشارة إلى أنه ترجمة زائدة ما ذكرها الإمام الذهبي.
وله كتب كثيرة وهو شافعي المذهب، له اختيارات على وفق الدليل، وإن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء قال به، ولسان حاله يقول: “أنا معذور بترك قول إمامي، وإمامي معذور بتركه لهذا الحديث، ولا أقدم قول أحد على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
هو من أعيان القرن التاسع الهجري، متوفى سنة 852، تتلمذ على كبار شيوخ عصره، وكان في طبقة شيوخه كثير ممن شرحَ صحيح البخاري، فاجتمع بين يديه عدد كبير من الشروحات، وكان الحافظ ابن حجر قيماً على الكتب الوقفية في القاهرة فاجتمع له شرح شيخه الحافظ الكبير ابن الملقن المسمى “التوضيح في شرح الجامع الصحيح”، وكذلك شرحُ شيخه سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني ، وله شرح على صحيح البخاري.
وكذلك تتلمذ على الحافظ العراقي عبد الرحيم بن الحسين العراقي صاحب الألفية التي شرحها السخاوي في كتابه “فتح المغيث”.
ومن أشهر تلاميذ الحافظ وأكثرهم عملاً في الحديث وله مصنفات بديعة وكثيرة ومتقـنَة ومحررة:
الحافظ السخاوي، وكان يفخر على عصرِه وخَصـمِه “الحافظ السيوطي” بأنه تتلمذ على ابن حجر.
فقال السيوطي رداً على السخاوي:
“أنا والدي أحضرني وأنا طفل في مجلس الحافظ ابن حجر”، فكان مجرد حضور الواحد في مجلسه وهو طفل كان يتباهى به وكان يفتخر بنسبته للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.
الحافظ يحتاج إلى كلام طويل وكثير ولكن عَـنَّ في بالي وانشرح صدري أن أتكلم بهذه الكلمات بين يدي هذه الدورة الثالثة في هذا المركز المبارك، الذي أسأل الله تعالى أن يوفق القائمين عليه وأن يعقدوا مؤتمراً خاصاً ، وما أجدره بذلك.
المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الأولى.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️
السؤال:
كيف يتأكد الإنسان أنه مخلص في عبادته لله عز وجل، وما هي نصيحتكم في إخلاصه ؟
الجواب:
أما من شهد أنه مخلص في عبادته لربه، فإخلاصه بحاجة إلى إخلاص، والذي يتهم نفسه، فهذا الاتهام علامة خير، ولا يخشى من الرياء إلا مخلِص ، فمن علامة العافية والرجاء أن يخشى الإنسان على نفسه.
وهذا حال السلف الصالح، فكان يجتمع في قلبهم الخوف والرجاء، والخوف والرجاء جناحان لا يطير العبد إلا بهما ولا يصل إلى الجنان إلا بجناحين اثنين، الجناح الواحد لا يحلق الطائر به، فالإخلاص يحتاج إلى أن تكثر طاعتك في خلوتك، وأن تطيلها، وأن تستحضر النية قبل الفعل، وفي أثناء الفعل، وبعد الفعل.
وأن تسأل ربك الإخلاص دائما، وأن تدعو:
اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه، وأن تعلم أن للإخلاص بركات وثمارا عديدة جدا.
ويذكرون قصة جميلة:
رجل كان يتزيّى بزي النساء ويدخل معهن في الأعراس والمآتم.
فدخل يومًا من الأيام في المآتم، وهو متزيٍّ بزي النساء، يسمع حديثهن وينظر إلى عوراتهن، فسُرقِـت في المجلس دُرّة ثمينة، فتوجّه إلى الله بإخلاص: يا رب، إن نجيتني من هذه الورطة فإني سأتوب ولن أعود، فبقوا يفتشون وبقي يؤخِّر نفسه، فلم يبق إلا هو وامرأة.
فوجدوا الدُّرّة مع التي قبله ، فقالوا: أطلقوا الحرّة فقد وجدنا الدُّرّة.
فالإخلاص من أسباب النجاة، وحديث الكهف، الثلاثة الذين دخلوا الكهف واضح جلي في هذا الباب، فالإنسان في الورطات والظلمات إذا توجه إلى الله بإخلاصه نجّاه الله، فمن يعلم قيمة الإخلاص يعلم أن الإخلاص يحتاج إلى مجاهدة.
ويبقى الإنسان يجاهد نفسه حتى يصبح مخلَصًا، فإذا أصبح مخلَصًا الشيطان لا يقدر عليه، كما قال الله عن يوسف عليهالسلام:
{ .. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف : 24]
وصرف الله عز وجل عنه السوء والفحشاء، قال تعالى:
{ … كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف : 24]
فمن جاهد نفسه على الإخلاص يصبح مخلَصًا، المخلِص يجاهِد، والمخلَص لله ينجيه من حظوظ نفسه.
لذا قالوا عن أيوب السختياني وغيره من الزهاد -وكان يجاهد نفسه- ، وكان في مجالس الوعظ تَدمع عيناه، فيرى الناس ينظرون إليه والدموع في عينيه، فيقول: ما أشد الزكام! ليتظاهر أنه مزكوم.
ولذا الإنسان عند الله بإخلاصه، أتعرفون الفرق بين المنافق والصحابي؟
إنه الإخلاص.
الصحابي مخلِص ، والمنافِق كذاب، وفي ظاهر الحال أمرهما واحد، لكن الإخلاص هو الذي يفرق بينهما، فالإخلاص ينجي صاحبه.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:
«إنَّما يَنصرُ اللَّهُ هذِهِ الأمَّةَ بضَعيفِها، بدَعوتِهِم وصَلاتِهِم ، وإخلاصِهِم».
الراوي : سعد بن أبي وقاص | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي
الصفحة أو الرقم: 3178
إن أحسنّا لضعفائنا ووجِـد الإخلاص فينا، نصرنا الله تعالى.
فالإنسان يبقى يجاهد نفسه ليكون مخلِصًا، فإن أفلح واصطفاه الله يصبح مخلَصًا، الله يجتبيه، فالله ينجيه، ينجيه من حظوظ النفس ، ومن المعاصي.
ولذا قالوا عن أبي أيوب السختياني:
كان إن أراد أن يعصي الله لا يستطيع.
وبعض الناس من شدة إخلاصه لو أَن النفس، حدثته بمعصية، الله يحفظه.
يحفظه بإخلاصه وصدقه، فالإنسان في حقيقة أمره عند ربه ؛ بقلبه ونيته، لذا قالوا: نية المؤمن أبلغ من إيش؟
من عمله.
تأملوا معي صنفين أو رجلين أخبر عنهما النبي صلى الله عليه وسلم في حديثين في الصحيحين ، كل على حدة :
«أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: قالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يَدِ سَارِقٍ، فأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ علَى سَارِقٍ فَقالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا في يَدَيْ زَانِيَةٍ، فأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ علَى زَانِيَةٍ، فَقالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، علَى زَانِيَةٍ؟ لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يَدَيْ غَنِيٍّ، فأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ علَى غَنِيٍّ، فَقالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، علَى سَارِقٍ وعلَى زَانِيَةٍ وعلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فقِيلَ له: أَمَّا صَدَقَتُكَ علَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عن سَرِقَتِهِ، وأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عن زِنَاهَا، وأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فيُنْفِقُ ممَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ.»
خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 1421
آخر مجاهِد، عالِم، قارئ القرآن ، كريم، يضع الأشياء في أماكنها، وهو أول ما تُسعَّر به النار، الفرق أن ذاك صادق وهذا منافق.
ولذا الإخلاص، إخواني، يتحصل عليه الإنسان بالمجاهدة، وباستحضار النية، وبإخفاء العمل، والفرق بيننا وبين السلف أن بواطنهم خير من ظواهرهم، وأن أفعالهم أبلغ من أقوالهم، ونحن ظواهرنا خير من بواطننا، وأقوالنا أبلغ من أفعالنا، هذا الفرق بيننا وبينهم.
إذا كان الواحد منهم ينام، يضع رأسه عند رأس زوجته ويبكي، ويبل الوسادة من البكاء، وزوجته بجانبه لا تشعر به.
الواحد منا اليوم يعمل عملاً، فيبقى الشيطان يطغيه حتى يُحدّث ويصيبه العجب ويتكلم فيه، إن استحضر النية من البداية، فإنه في النهاية لا يسلم من العُجب.
المصدر:
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله.
من اليوتيوب بعنوان (لأول مرة ينشر الشيخ مشهور_بن_حسن_آل_سلمان 150- شرح مسلم)✍️✍️
[حصل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فتنة كبيرة وكبيرة جداً، هي فتنة ابن صياد ]
حصل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فتنة كبيرة وكبيرة جداً، هي فتنة ابن صياد، سمعتم بفتنة ابن صياد؟
فتنة ابن صياد ثابتة في الصحيحين، وأذكر لكم حديثاً واحداً، وفصل فيه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، فاتفق الشيخان البخاري ومسلم من حديث سالم بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه،
أنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ في رَهْطٍ مِن أصْحَابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حتَّى وجَدُوهُ يَلْعَبُ مع الغِلْمَانِ، عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وقدْ قَارَبَ يَومَئذٍ ابنُ صَيَّادٍ يَحْتَلِمُ، فَلَمْ يَشْعُرْ بشيءٍ حتَّى ضَرَبَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ظَهْرَهُ بيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَشْهَدُ أنِّي رَسولُ اللَّهِ؟، فَنَظَرَ إلَيْهِ ابنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ: أشْهَدُ أنَّكَ رَسولُ الأُمِّيِّينَ، فَقَالَ ابنُ صَيَّادٍ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَشْهَدُ أنِّي رَسولُ اللَّهِ؟ قَالَ له النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: آمَنْتُ باللَّهِ ورُسُلِهِ، قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَاذَا تَرَى؟ قَالَ ابنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وكَاذِبٌ، قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: خُلِطَ عَلَيْكَ الأمْرُ؟ قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنِّي قدْ خَبَأْتُ لكَ خَبِيئًا، قَالَ ابنُ صَيَّادٍ: هو الدُّخُّ ، قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اخْسَأْ ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ، قَالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لي فيه أضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنْ يَكُنْهُ، فَلَنْ تُسَلَّطَ عليه، وإنْ لَمْ يَكُنْهُ، فلا خَيْرَ لكَ في قَتْلِهِ.
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 3055
التخريج : أخرجه مسلم (2930) باختلاف يسير
“أُطُم بني مغالة”:
الأُطم تلة، يلعب بجانب هذه التلة مع صبيان.
“وقد قارب ابن صياد الحلم”:
يعني صغير بعد، قارب أن يحتلم، أن يبلغ، أن يكون بالغاً.
ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني قد خبأت لك خبيئاً” :
تزعم الغيب، خبأت، أخبرني بالذي خبأته.
فقال ابن صياد: “هو الدُّخْ،” والذي بيّته النبي صلى الله عليه وسلم له الدخان، فقال: “الدُّخْ،” الشياطين تلعب بالناس، فكان معه شيطان.
إلى ما يدعو الدجال؟
يدعو أولاً بأنه نبي، ثم من بعد النبوة يدعي أنه إله، الدجال فتنة عظيمة، الدجال يظهر في وقت مجاعة، الناس تجوع، ولذا فتنة الدجال معه جبال من خبز، فمن آمن به أطعمه ومن لم يؤمن به تركه جائعاً، ومعه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ومكتوب بين عينيه “ك ف ر” ، هكذا تهجاها النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “يقرأها كل مسلم، قارئ وغير قارئ.
اختلف أهل العلم: ابن صياد هو الدجال ولا غيره؟ نسمع ثم رواية ابن عمر في الصحيحين، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: “اِخْسَأْ فلن تعدو قدرك،” لا تعرف الغيب، اخسأ لما قال: “دُّخْ”، ما أكمل، فقال له صلى الله عليه وسلم: “اِخْسَأْ، أنت بشر لن تعدو قدرك”.
فقال عمر: “يا رسول الله، اضرب عنقه، ذرني أضرب عنقه،” رضي الله تعالى عنه، كان شديداً في دين الله، فقاله النبي صلى الله عليه وسلم معلماً إياه أن لا يتعجل، قال: “إن يكنه فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله”.
إيش يعني؟ “إن يكنه”؟
إن كان ابن صياد الدجال فلن تسلط عليه، الدجال داء له دواء، ما هو دواء الدجال؟
دواء الدجال ذاك عيسى عليه السلام، نبي الله عيسى ينزل ويطعنه حتى يقتله عند باب لد، الباب الشرقي في مدينة لُدّ، ومدينة لُدّ في فلسطين، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: “إن يكنه، إذا كان هذا هو الدجال، فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله”.
الحافظ ابن كثير في التفسير في أواخر النساء لما ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: “ما أنزل الله داء إلا وجعل له دواء،” فقال: “ومن هذا الحديث يستدل على أن قاتل الدجال هو عيسى عليهالسلام، لأنه داء ودواء، الداء الدجال والدواء عيسى عليه السلام”.
هذه حصلت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبقي وكبر وجرت له مناظرة مع أبي سعيد الخدري، والكلام طويل ولا أريد أن أجعل الكلام خاص بابن صياد، الكلام طويل جداً عن ابن صياد، لكن قال بعض أهل العلم كابن كثير أنه فُـقد في الحَرَّة، ابن صياد فقد، فلعله هو الدجال، لعله هو الدجال.
فالدجال حي، الشاهد من الإيراد أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ظهرت عندهم فتن أولاً “من يعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا” ، بدايات الاختلاف، أما الفتن التي تجسدت وأصبح لها قوة، وهذه القوة أصبحت تبطح الناس، هذا جرى في العصور المتأخرة، وسيأتينا رسم بياني في أن الفتن كلما تقدم الزمن اشتدت، والفتن لله فيها سنة، وذكرته لكم في الحديث السابق الطويل، حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:
«وإنَّ أُمَّتَكُمْ هذِه جُعِلَ عَافِيَتُهَا في أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا».
صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 1844
ما معنى: “فيرقق بعضها بعضاً”؟
فتنة أمس رقيقة بالنسبة لفتنة اليوم، فتنة اليوم بالنسبة لفتنة الغد تكون فتنة رقيقة، وفتنة الغد بالنسبة إلى فتنة بعد غد ؛ فيرقق بعضها بعضاً.
ما الفحوى والمعنى م “يرقق بعضها بعضاً” ؟
أن الفتنة تشتد بمضي الزمن.
المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الثانية.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️
[سبب البأس الشديد في الأمة هو الحكم بغير ما أنزل الله ]
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«سألتُ ربي ثلاثًا ، فأعطاني اثنتينِ ، ومنعني واحدةً ؛ سألتُ ربي أنْ لا يُهْلِكَ أمتي بالسَنَةِ ، فأعطانيها ، وسألتُهُ أن لَّا يُهْلِكَ أمتي بالغرَقِ ، فأعطانِيها ، وسألْتُهُ أن لَّا يَجْعَلَ بأسَهم بينَهم ، فمنَعَنِيها».
الراوي : سعد بن أبي وقاص | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 3593
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية -شمال المدينة- حتى إذا مر بمسجد بني معاوية فدخل، فركع فيه ركعتين، وصلينا معه، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه دعاءً طويلًا ثم انصرف إلينا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “سألت ربي فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة”، قال: “سألت ربي لأمتي ثلاث دعوات، فالله جل في علاه أعطاني اثنتين ومنعني الثالثة”، انتبه سأسمعك الاثنتين والواحدة، وأسألك سؤالًا، والمرجو منكم -وكلكم فطناء وطلبة علم وأذكياء- أسمع منكم الجواب.
والسؤال مهم، وكثير من الناس يتشككون فيه، اسمعوا ماذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه لأمته ، وما هي الخصلتان اللتان أعطاهما الله تعالى لأمته وما هي الخصلة التي منعها إياه، قال: “سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها”.
لا يوجد زلزال أو مجاعة أو أي سنة من سنن الله عامة تهلك الأمة بتمامها، لا، هذا قد أعطانيه، مطمئنون لهذا، هذه الأولى.
الثانية: “قال وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها”:
غرق يغرق الأمة مثل ما حصل مع نوح عليه السلام، هذا لا يكون، هذه الثانية التي أعطانيها.
قال صلى الله عليه وسلم:
“وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم شديدًا فمنعنيها”.
البأس، بأس أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيما بينهم، ايش؟ شديد، بأسهم بينهم شديد، هذا أعطاها الله لنبيه أم منعها؟ منعها.
طيب أقرب لكم الجواب، كيف أقرب الجواب وأنا ما سألت السؤال بعد؟
هل الحكام كفار؟ الحكام الذين يحكمون المسلمين هل هم كفار؟ طيب أقرب لكم الجواب واسمع منكم الجواب، ثبت من حديث عبد الله بن عمر في سنن ابن ماجه و شعب الإيمان للبيهقي قال: “يا معشر المهاجرين خمس إن تدركوهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن”.
وذكر خمسة أشياء، الذي يهمني من هذه الخمسة قوله صلى الله عليه وسلم:
“وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا جعل بأسهم بينهم شديدًا”.
هل النبي ﷺ يعلم أن الحكام في آخر الزمان -حكام أمته- سيحكمون بغير ما أنزل الله؟ يعلم أو لا يعلم؟ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “وسألت ربي ألا يجعل بأسهم بينهم شديدًا فمنعنيها”، طيب ما هو سبب البأس الشديد؟
قال: “وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا جعل بأسهم بينهم شديدًا”.
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الحكام سيحكمون بغير ما أنزل الله؟ نعم، كيف يعلم؟ لازم قوله: “فمنعنيها”، لأن سبب البأس الشديد هو الحكم بغير ما أنزل الله، فسأل ربه ألا يجعل بأسهم بينهم شديدًا فمنعنيها، فإذاً كان النبي ﷺ يعلم أن الحكام في آخر الزمان -حكام المسلمين- سيحكمون بغير ما أنزل الله، وسكت عن تكفيرهم ، قال:
«يا مَعْشَرَ المهاجرينَ ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا ، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم ، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم».
المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم: 7978
الخطاب للمهاجرين ، يا معشر المهاجرين ، ولذا قلت لكم أن الانشغال بتكفير الحكام لا يقدم ولا يؤخر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، انشغلوا بالعلم الشرعي الصحيح، ننشغل بتعليم الناس دين الله سبحانه وتعالى، ولا ننشغل بالذي يصنعه بعض المتحمسين الذين لا يعرفون جل أحكام الشريعة، فالواجب علينا أن نتعلم أحكام ديننا، فربنا يُعلم نبينا صلى الله عليه وسلم، ربنا أخبره أن البأس الشديد موجود، وسبب البأس الشديد هو الحكم بغير ما أنزل الله، والنبي ﷺ سكت.
فالشاهد الأصل أن ننشغل بالأحاديث الصحيحة الصريحة في هذه الأمة.
المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الثانية.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️
[ قصة إسلام الفرنسي الطبيب “موريس بوكاي” ، وبيان سر صد كثير من أهل الكتاب الذين يعيشون في أوروبا عن القرآن ؟ ]
السؤال:
هل إقامة الحُجة تحصل بترجمة القرآن؟
الجواب:
قد تحصل وقد لا تحصل، الإسلام انتشر في أوروبا لأسباب، من بين الأسباب التي انتشر فيها الإسلام في سبعينيات القرن الماضي عالم فرنسي جزاه الله خيرًا كان نصرانيًا فأسلم، اسمه موريس بوكاي.
موريس بوكاي له كتاب تُرجم للغات عديدة جدًا عنوانه “العلم في القرآن والتوراة والإنجيل”، بَيّن فيه أن القرآن لا يخالف العلم، وأن الذي يخالف العلم ما هو في التوراة وما هو في الإنجيل، وحاضر، وكان يترحل إلى كثير من عواصم الدول الأوروبية وحاضر في الكتاب، ونفع الله تعالى به كثيرًا،
هذا إسلامه له قصة على موضوع الترجمة، هو طبيب، موريس بوكاي طبيب، وكتب عدة كتب وفهمه للإسلام جيد وكلامه على الإسلام جيد، بخلاف “روجيه غارودي”.
“روجيه غارودي” يدعو إلى الأديان كلها، بل كان اشتراكيًا شيوعيًا، وكان يقول في بعض مقابلاته:
“أنا ما تركت الاشتراكية”، يعني بقي شيوعيًا، ويدعو لكل الأديان، والدعوة لكل الأديان هذا مصيبة، وهذه طامة في هذا الزمان.
الخلاصة :
موريس بوكاي طبيب يقول: “كنت طبيبًا وكنت مبشرًا بالدين النصراني، وكلما جاءني مريض أبدأ معه بالتشكيك”، قال: “وقرأت القرآن ثلاث مرات، ولكني قرأت القرآن بالترجمة، لم أقرأه باللغة التي أنزلها الله، العربية”، “قرأته بالترجمة”، قال: “فذات يوم اتصل عليّ ديوان الملك السعودي، وقالوا: نريد أن تعالج الملك فيصل، الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود”،
والملك فيصل رجل صالح، غيور على دين الله ، قال: “فترددت، كيف أعالجه وكيف أعامله؟ هل أعامله كما أعامل الناس؟”، قال: “فعزمت أن أُبقي على نهجي، أبدأ أُشكك في الإسلام وألقي عليه الشبه”، قال: “فجاء وعالجته، وبدأت أُلقي عليه الشبه كالعادة”، قال: “فوجدته هادئًا، العالِم عنده يقين، يعرف القرآن ويفهم القرآن”.
قال: “فمد يده، صافحني”، فصافحته، قال: “أريد منك أن تعاهدني أن تقرأ القرآن الكريم”، قال: “فقلت بتبجح: قرأته ثلاث مرات”، قال لي: “هل قرأته بلغة الأم، أم أنك قرأته مترجمًا؟”، قال: “قرأته مترجمًا”، قال: “فالفساد وصل إليك من المترجِم، أنت لا تفهم القرآن، أنت لا تفهم القرآن، عاهدني أن تقرأ القرآن باللغة العربية”.
فقال: “اتصلت بجامعة باريس، وطلبت أن أتعلم العربية” ، وتعلم العربية، ثم ذهب إلى الجزائر ومكثت فيها سبع سنوات يتعلم العربية.
ثم قال :
قرأت القرآن، وبدأت أفتش في القرآن، وأنا في كل علمي أن القرآن مثل التوراة والإنجيل، وهذا هو سر صد كثير من أهل الكتاب الذين يعيشون في أوروبا عن القرآن، يظنون أن القرآن كالتوراة والإنجيل، هناك سلطان يجعلك تتخلى عن عقلك، تتخلى عن فهمك، والسلطان سلطان الدين، يسيطر عليك وتقتنع بأشياء لا يمكن أن تقتنع بها، فيصدون عن سبيل الله ، الآن النصارى ليسوا نصارى، واليهود ليسوا يهود، هم أقرب للإلحاد”.
الخلاصة: قال: “فبدأتُ أتعلم، ثم الله شرح صدري للإسلام”، قال: “فتكلمتُ مع الشيخ ابن باز”، تكلم مع الشيخ ابن باز، قالوا: “الشيخ ابن باز تكلم مع محمد تقي الدين الهلالي”، قال: “فذهب، فكان يعرف الفرنسية، فذهب لموريس بوكاي إلى فرنسا، والتقى به ودعاه للإسلام”، فقال: “أنا على وشك الإسلام، أنا قرأتُ الإسلام وأنا على وشك الإسلام”، فأسلم، وتحمس للإسلام، وألّف كتبًا وحاضر محاضرات عديدة كان لها أثر عظيم واضح جلي في نشر الإسلام، فالترجمة تصلح ولا تصلح.
المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الرابعة.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️
[ اليوم الرأي مـقدَّمٌ على النص!
مقـدمٌ على قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ]
ليس لك خيار فيما قضى الله عز وجل وقضى فيه رسوله صلى الله عليه وسلم، هكذا تنجو من الفتنة، أن تكون مع الأولين، وأن تفهم الدين بفهمهم، وأن لا ترد دين الله سبحانه وتعالى بعقلك ولا برأيك، أن ينشرح صدرك لما ورد في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما انشرح صدر أبي بكر في رحلة الإسراء والمعراج.
أبو جهل يقول لأبي بكر: قل: أبلغك ماذا يزعم صاحبك؟
قال: إيش بلغني؟ قال: ذهب الليلة الماضية، ذهب للأقصى وعُرج به للسموات السبع، قال: أنا صدقته في أكبر من هذا، فصدره انشرح، قال: لو جمعت قريشًا تخبرهم؟ قال: نعم أخبرهم.
ترى فتنة !
إذا حكمت عقلك فيما جرى في الإسراء والمعراج، والنبي صلى الله عليه وسلم غاب في المساء ورجع في الصباح، راح وذهب للأقصى وأم بالأنبياء وصعد للسموات السبع والتقى بالأنبياء، هذا إيش يحتاج؟
استسلام يحتاج إيمان، فتذكر أبا بكر لما تقرأ أحاديث الفتن وعضوا بالنواجذ.
وقلنا أهم شيء الدجال، الدجال معه نهر، معه جنة ونار، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: جنته نار وناره جنة، لو الآن جاء الدجال
ودعا الناس إلى جنته وناره، أين تكون؟
والله فتنة في الحال، هل تدخل النار؟
نعم أدخل النار، لماذا أدخل النار؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ناره جنة، وخبر ثابت صحيح.
فما ورد في الأخبار الثابتة الصريحة الصحيحة في أشراط الساعة الواجب أن تنشرح لها صدورنا وأن نؤمن بها على مراد قائلها، أما إذا أعملنا الرأي والعقل فمشكلة، طيب، الرأي يُعمل به أو لا يُعمل به؟
مسألة مهمة تحتاج لبحث، وبحثها بحثًا عجيبًا الإمام ابن القيم في مطالب كتابه” إعلام الموقعين”، وإعلام الموقعين من الكتب المهمة، وأنصح طلبة العلم أن يقرأوها.
يسر الله لي أن حققت
كتاب إعلام الموقعين وسبب تحقيقي للكتاب اتصل بي مرة الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله، فقال لي: سمعت الشيخ الوالد ابن باز رحمه الله يقول: كتاب الإسلام إعلام الموقعين، والله استثقلت العبارة، كنت نظرت في إعلام الموقعين فقلت: أجرد، أقرأ الكتاب، فقرأته فوجدت العبارة صحيحة، فيسر لي أن قرأت، وحصلت عدة نسخ خطية من الكتاب وقرأته، وقابلت النسخ وقرأت الكتاب يعني 30 أو 40 مرة قرأت الكتاب، ووجدت فيه من الدرر والكنوز والمخبآت ما الله به عليم.
فابن القيم لما تعرض للرأي عقد فصلًا في ذم الصحابة والتابعين للرأي، ثم بعده عقد فصلًا في قول الصحابة والتابعين
بالرأي كقول ابن مسعود: “إنما أقول برأيي فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن الشيطان”، ثم وفّق بين قول من ذمّ الرأي ومن قال به من الصحابة والتابعين.
قال:
والرأي عند فقدان الدليل معتبر ولا يُلزِم، فكان الصحابة والتابعون لا يُلزِمون أحدًا برأي.
اليوم الرأي مقدم على النص!
مقدم على قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورحم الله أبا قلابة الجرمي، عبد الله بن زيد الجرمي، قال مقولة ما أجملها وما أهنأها وما أمرأها للسني وما أشدها على المبتدع، كان رحمه الله تعالى يقول:
“من قلت له: قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لك: دع عنك هذا وهات العقل، قال: فاعلم أنه أبو جهل”، من قلت له: قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لك: “دع عنك هذا وهات العقل”، قال: “فاعلم أنه أبو جهل”.
ثم قال: “من قلت له: قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لك: دع عنك هذا وهات الذوق والوجد، أنا أريد الوجد والذوق كأصحاب الطرقيين”، فقال لك: “دع عنك هذا وهات الذوق والوجد”، قال: “فاطرحه واخُنقه واقرأ عليه آية الكرسي فإنه شيطان”.
رحمه الله، رحمه الله تعالى.
هل الآن يوجد في الأمة من يفهم الدين على غير فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
كثير كثير.
التحريف حاصل في الأمة، وأول من أصَّل التحريف علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إذ شاهد الخوارج الذين كفروه وخرجوا عليه، فكان يقول عبارة بليغة حسنة مليحة جامعة شاملة مهمة في قتاله للخوارج، كان يقول: “والله لأقاتلَنَّكم على تأويله كما قاتل النبي صلى الله عليه وسلم الكفار على تنزيله”.
لأقاتلنَّكم على تأويله كما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفار على تنزيله، النبي صلى الله عليه وسلم قاتل الكفار الذين ما آمنوا بالتنزيل، أما علي رضي الله تعالى عنه فكان يقاتلهم على التأويل الباطل.
المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الرابعة.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️
[تفصيل حول مسألة رضاع الكبير – لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله]
السؤال:
أحد الإخوة أخذ ولداً من الملجأ ، وعمره خمس سنوات فهل يجوز لزوجته أن ترضعه؟
الجواب للشيخ مشهور بن حسن آل سلمان:
قلت رضاع الكبير مسألة مما وقع فيها خلاف ، وجَـوَّز رضاع الكبير غير واحد من أهل العلم ، وممن تكلم عليها بشدة متجوزاً كالعادة الإمام ابن حزم في كتابه المحلى ، ثم تابعه على اختياره جمع وعلى رأسهم شيخ الاسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، في جماعات من العلماء المفتين أو الفقهاء من سائر المذاهب.
وبالمناسبة -وهذه فائدة عزيزة نفيسة- لا يعرفها إلا الباحث الذي يتعنى البحث ، أي نحتاج لدراسة شاملة في أثر ابن حزم على ابن تيمية.
ابن تيمية متأثر جداً بابن حزم ، ولكنه رفض جموده وعدم تعليله للأحكام الشرعية ، لكنه ما أهدره ، وإنما أقام له وزناً كبيراً ، بل اعتمد عليه في مسائل كثيرة خلافاً لمذهب الإمام أحمد ، مع أنه يقال أن ابن تيمية حنبلي في المعتقد إلا أنه أخذ أشياء من ابن حزم في المعتقد ، مثل العذر بالجهل.
ابن حزم ما وجد في كلام الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وجوداً للعذر بالجهل فأخذ المسألة ، وقرر المسألة على النحو الذي ذكره ابن حزم رحمه الله.
فالشاهد مع أنه ضلل ابن حزم في وقوفه على ظواهر الصفات ، وقال عنه جهمي جلد وأخذ كتابه البديع “الصفدية” لشيخ الإسلام ، أخذ مساحة واسعة جداً في الرد على مذهب ابن حزم في موضوع الصفات.
فشيخ الإسلام لا يقلد وإنما شيخ الإسلام يعتمد القول بعد البحث وبعد العرض على الأدلة ، والأدلة النقلية هي الأصل في تقريره رحمه الله.
نعود لمسألة الرضاع الكبير ، وقلنا هذه المسألة أصبح يُـتَندَّرُ فيها ، وأصبح الناس يذكرونها من باب التشنيع والتبشيع ، ولا سيما الطاعنين في أهل الأثر ، والغامزين في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وأنا أوافقهم في هذا الغمز ، وفي هذا التشنيع في صور دون صور.
فالصور التي يغمزون فيها لا يقول -بمشروعية رضاع الكبير فيها- لا ابن حزم ولا ابن تيمية ، يأخذون بصور ليست شرعية ، ولا تقبل أن تندرج تحت الضرورة التي ذكرها من جوز رضاع الكبير.
الأصل في رضاع الكبير أن سالما مولى أبي حذيفة كان صغيراً قد شب أو ظهر شاربه ، ولد صغير كبر ، أصبح يعني أي في ريعان في بدايات الشباب ، لما يخط الشارب ولم يظهر بعد.
يعني يصبح عمره 14 سنة ، 15 سنة قبل هذا بقليل ، بعد هذا بقليل ، كان يدخل على عائشه فكانت تجد في نفسها حرجاً من دخوله عليها.
تجد في نفسها حرجاً تراه كبير ، فشكت للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم أن ترضعه أحد أخواتها ، لتكون له خالة من الرضاعة ، ففعلت ، فذهب ما في نفسها.
فالحكم الفقهي مع الأمر الجبلي الذي جبل الله الناس عليه ؛ أمران متفقان ، وليسا بمختلفين ، ولذا قال العلماء في قواعدهم ، وهذه مسألة تحتاج لتطويل وكلام كثير ، لكن قالوا ما حُرِّم بالطبع ؛ حُـرِّم بالشرع ، فالإنسان مثلاً -أجلكم الله- لا يشرب البول ولا يأكل الغائط بالطبع ، فتحريم الطبع كتحريم الشرع ، وهذه مسألة مذكورة ذكرها السعدي في المنظومة ، وذكرتُ شرحها في كتاب التعليقات الأثرية.
الشاهد أن الرضاع الكبير تقتضيه الضرورة في بعض الصور ، مثل غزة مثلاً ، مثل سؤال الأخ ، ذهب إلى ملجأ ، ووجد ولداً صغيراً ليس له والد ، قد يكون ابن الزنا ، من آثار الحروب التي تقع بين الشعوب وبين الأمم وفي الدول ، كما حصل في دول البلقان قديماً ، حصلت مجازر عظيمة للمسلمين وأخيراً تجلت في سنة 79 لما دخل الصرب على كوسوفو وذبحوا ، يعني حدثني بعض الإخوة قال ذبحوا أبي وأهلي كلهم أمامي ، وأنا أنظر ذبحوهم ذبح ، فلما زرنا بعض أطراف كوسوفو ، وكانت قريبة من الصرب ، وهناك مقبرة للصربيين ، فكان الكوسوفيين يرفعون أصواتهم بالدعاء عليهم ، لأنهم أذاقوا منهم الويلات.
فالشاهد تجد عبر مخلفات هذه الحروب ذكر أو أنثى في عمر 10 سنين ، هذا لا يستطيع أن يقوم بالحياة اللازمة التي فيها الحفاظ على النفس ، والحفاظ على العرض ، والحفاظ على العقل ، والحفاظ والتربية ، التي فيها شيء من البقاء على مقومات الإنسان إلا بأن يضمه من هو أكبر منه إلى أسرته ، فهؤلاء ماذا يفعل بهم؟
هذه صورة من صور رضاع الكبير ، ولا يمكن لأحد أن يصادرها ، وأن يمنعها.
علماؤنا لما قالوا برضاع الكبير قالوا به للضرورة ولم يطلقوه.
حصلت مقابلة تلفزيونية بين مفتي وبين مذيعة وكان ذلك في مصر أسأل الله أن يحفظها ، فتقول المذيعة مبادرة:
اجتماعي وإياك فيه خلوة ، وهذه خلوة محرمة ، فالأزهري
كعادة الأزهريين اللادينيين ، قال إذا ترضعيني رضاع الكبير أخرجي ثديك وأرضع منك!
هذا مهزلة ، هذا استهزاء بالشريعة ، وكل من يتندر في موضوع رضاع الكبير ، يريد أن يصور أن رضاع الكبير وسيلة من وسائل الإثارة الجنسية ، وقضاء الغريزه أن يقضي الإنسان يعني شهوته من خلال رضاع الكبير.
هذه ليست تحت الضرورة ، وهذه صورة مستنكرة ، وهذه صوره محرمة ، الأصل في الرجل في حق المرأة:
يحرم عليها أن يمسها ، ويحرم عليه أن يختلط بها ، وان يخلو بها ، وأن يخالطها ، وصور الخلوة والاختلاط في هذا الزمان صور متداخلة.
يعني لو أن رجل و امراة مع مجموعة من الناس ذهبوا إلى حفلات الرقص مثلاً ، هذه تحرمها لماذا؟
تحرمها للرقص والغناء والنظر الحرام ، وتُحرمها خلوة وتُحرمها اختلاطاً.
الخلوة المشروعة لها مقومات ، ومن مقوماتها أن يدخل أكثر من رجل أصحاب مروءة على امرأة لحاجة.
أما أن يدخل عاهر مع عاهرة ، وإن تكرر عدد العاهرين ، وعدد العاهرات ، فأصبحوا بالألوف ، بل أصبحوا بعشرات الألوف ، فاجتمعوا ؛ فهذا حرام خلوة ، وحرام اختلاطاً ،
هذه الخلوة متحققة.
بعض دور البغاء نسأل الله العافية يكون الناس على الدور ، هذاك حرام ، ولو كان أكثر من واحد.
الشاهد :
رضاع الكبير جائز لضرورة ، والضرورة ينبغي أن تكون معتبرة ، والذي يقدر الضرورة من عدمها الفقيه ، (لا الشهوة ولا قضاء الإرب ، والغريزه الجنسية) ، نسال الله العافية.
فـ رضاع الكبير جائز بشروطه ، وليس جائزاً بإطلاقه.
مداخلة:
والله حدث هذا الموقف مع أحد الإخوة ، انقلبت فيه السيارة أخوه وزوجته ، الاثنين ماتوا ، فبقي الولد؟
كيف ينشأ ؟ كان الولد عمره 15 سنة؟
قال الشيخ:
لو أن زوجة عمه أرضعته ؛ لا حرج.
هذا رضاع الكبير يعني يحدده المفتي بناء على الضرورة وبناء على النازلة وملابساتها ، ورضاع الكبير جائز.
هذا الأخ يسأل عن الولد عمره خمس سنين ، ذاك اليوم صلينا في المسجد وجدنا ولد في فراش رضيع عمره أيام ، جانب المسجد ، وتحت رأسه 100 دينار ، كأننا هذا كيف ينشأ؟
هذا يوضع في دور وينشأ ابن زنا ، ابن زنا ، ولا يؤاخذ في الشرع على أنه ابن زنا.
{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر : 38]
{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} [النجم : 38]
والسلف يقولون :
لو كان هذا ابن الزنا أقرأ القوم يؤمهم ، إذا أصبح تقياً ؛ حاله كحال الكافر أسلم.
فهذا يربى تربية رضاع كبير ، ويعيش حياة هنيئة ، ويعيش كأنه فرد من أفراد الأسرة ، كسائر أبناء أعمامه في هذه الأسرة ، وهم يحتسبون ، ولهم أجر كفالة اليتيم وزيادة.
مداخلة:
يا شيخ يحتاج خمس رضعات أم رضعة واحدة؟
أجاب الشيخ:
الرضاعة خمسة ، جاء عدة أحاديث ، وهذه الأحاديث يبدو أنها متعارضة ، ولكن العلماء حكموا ووفقوا بينها.
ورد في الحديث الصحيح :
«لا تُحرِّمُ المَصَّةُ ولا المَصَّتانِ ولا الإِمْلاجةُ ولا الإِمْلاجَتانِ»
قال جماهير أهل العلم -ليس الحنفية- ، المالكية والحنابلة :
تَحرم الثلاثة ، بناء على مفهوم المخالفة.
لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان ؛ مفهوم المخالفة أن الثلاث تَحرُم.
الحنفية قالوا تَـحرُم الرضعة الواحدة ، بناء على أن أحاديث الآحاد لا تخصص عموم القرآن ، وهو التحريم من الرضاعة ، فقالوا الرضعة الواحدة تُـحرِّم ، وحَـدُّ الرضعة أن تكون مشبعة ، وحد الإشباع أن يأخذ الصبي أو الرضيع الثدي بإرادته وأن يتركه بإرادته ، فإذا نزع منه وخلص منه ؛ فهذه رضعة غير مشبعة.
وأسعد المذاهب في نظري و أرجحها :
مذهب الشافعية.
ومذهب الشافعية أن الرضاعة التي تُـحرِّم هي خمس رضعات.
الخمس رضعات هي التي تحرم ، والدليل على ذلك أمران ، الأمر الأول :
الحديث أنه كان فيما نزل في القرآن ثلاث رضعات يحرمن.
فكان هذا قديماً ثم نسخ ، والدليل قول عائشة رضي الله تعالى عنها:
خمس رضعات يحرمن.
فالخمس رضعات هي التي تحرم ، فـ دون الخمس لا تحرم ، ويؤكد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين:
«فإنما الرضاعة من المجاعة».
وقوله صلى الله عليه وسلم:
«إنما الرضاعة ما نشز منها العظم وفتق اللحم».
فالذي ينشز العظم هو خمس رضعات ، أما الرضعة والرضعتان ؛ فهي غير كافية لذلك ، سواء كانت هذه رضاعة طبيعية أو الرضاعة بأجرة ، هذا من الواجب على الأب أن يدفع أجرة للمرضعة ، حتى لو كانت زوجته ، ويظهر أثر ذلك في المطلقة ، فالمطلقة التي ترضع لها شيء زائد ، فالرضاعة لها أجرة خاصة.
وأما والناس اليوم يجعل الرجل وأهله وزوجه ، هو وإياها ذمة واحدة ، أغلب الرجال الآن مع النساء ذمة واحدة في الأموال.
لذا يجب عليه أن يحجج زوجته ، ويجب عليه تطبيب زوجته ، وكلام السابقين فيما هو حجز النفقة طويل ، ويتعبنا.
فالشاهد الرجل والمرأة اليوم ذمة واحدة ، فهو تحصيل حاصل يشتري لزوجته الطعام ، والرضاعة هي أثر من أثر الطعام.
خمس رضعات يشبعن ، سواء كان ذلك في حق الزوجة أو في حق المطلقة أو في حق الرضاع الكبير.
مداخلة:
رضاع الكبير خمس رضعات أو رضعة واحدة؟
الشيخ:
خمس رضعات يُـحَرِّمن.
الشيخ:
منهم من نظر للمعنى ، ما هو المعنى؟
النشز والفتق قد حصل مع الكبير ، وهذا يؤكد شيء غريب يحتاج الى دراسة عميقة أي سنة الله جل في علاه وأثرها في الطبع ، هل يحصل بالعدد أم يحصل بالأصل دون العدد ، هل يحصل بالأصل والوصف أم يحصل بالأصل دون الوصف.
هذا أيضاً يحتاج إلى بحث عميق ، ولم أر أحداً بحث هذا ، لكن ظاهر حديث سالم :
أرضعيه.
الظاهر أرضعيه ، كما هو معروف من الأحكام ، ما هو معروف عندكم في الرضاع ، الظاهر أنه خمس ، والأمر يقبل النزاع والله تعالى أعلم.
مداخلة :
شيخنا ، هل الكبير إذا رضع يرث؟
الجواب:
لا ، سواء كان كبير أو صغير ، الرضاعة تُـحرِّم فقط ، أما الأم من الرضاعة ليس كـ الأم من الصلب ، وليس هو من الرحم الخاص ، ولا يوجد قطيعة ، ولا يرث.
أخونا يسأل وهو سؤال دقيق ومهم :
كيفية الرضاع ؟
الأصل في المكلف إن كان يجري عليه القلم ألا ينظر للعورة ، والنساء اللاتي يرضعن الكبار كأخوات عائشة رضي الله عنها يأبين أن يظهر الثدي للرضيع.
إذاً تسكب حليبها في إناء ، ثم هو الذي يشربه الكبير ، أما اذا كان لا يعرف العورات ، وكان فوق السنتين ، ثلاث سنوات أربع سنوات ، ولا يعرف العورات ؛ فلو أخذ الثدي لا حرج.
بعض الأولاد يرضع من أمه ، وهو ابن ثلاث سنوات وأربع سنوات وخمس سنوات.
بعض الأولاد يرضع ، ولا يعرف العورة ، يعني لا يعرف هذا ، فإذا كان الأمر كذلك ؛ الأصل من الثدي ، وأما إن كان كبيراً ويحرم عليه النظر إلى الثدي ؛ فحينئذ نأخذ الحكم من جميع النصوص ، ولا نأخذه من نص واحد.
بدن الإنسان أنا وأنت يسمى رأساً ، ولكن لا يسمى رأساً بالرأس لوحده ، ولكن يسمى رأساً :
بالرأس والأطراف والبطن والظهر وكل الاعضاء.
فقال الإمام الشاطبي في موافقاته قال :
كما يسمى الإنسان رأساً ، ولا يسمى رأسا إلا بجميع بدنه ، فالأحكام الشرعية لا تؤخذ من نص واحد ، وإنما تؤخذ من جميع النصوص ، ولا سيما عندما تتداخل الأحكام ، والله تعالى أعلم.
المصدر:
القناة الرسمية على يوتيوب – لقاء سؤال وجواب 14/5/2025 فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان حفظه الله تعالى.
بتاريخ :
16 ذو القعدة 1446
14 مايو 2025✍️✍️
قال الإمام ابن القيم في بدائع الفوائد:
قال هذا لازم المعنى، فسموه بها لازم المعنى.
والمراد بالدعاء في الآية ليس هو عين المراد، لوازم المعاني حُجَّة.
كلام الله جل في علاه لا يأتيه الباطل، كلام البشر فيه باطل.
فاللازم في كلام البشر: منفك وغير منفك.
فاللازم ليس مذهبًا حتى يُصرِّح به صاحبُه، فلازم المذهب ليس بمذهب.
وأما دلالة اللازم في القرآن الكريم، في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، دلالة معتبرة.
لما تتزاحم الدلالات، المنطوق يُقدَّم على دلالة اللازم.
فأقوى الدلالات دلالة المنطوق، لكن دلالة اللازم مطلوبة، وكثير من الآيات فُسِّرت بلازم المعنى، وليست هي المراد بالمعنى.
“أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي”
في يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
ومن المقرَّر عند العلماء أن أحب الكلام إلى الله في الدنيا: “لا إله إلا الله”،
وأن “الحمد لله” أحب الكلام إلى الله في الآخرة.
في الآخرة أن تقول: “الحمد لله” أحسن من أن تقول: “لا إله إلا الله”، وفي الدنيا أن تقول: “لا إله إلا الله” أفضل من أن تقول: “الحمد لله”.
فجمع في دعاء الثناء في عرفة خير الكلام في الدنيا والآخرة،
بقوله صلى الله عليه وسلم:
“خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير”.
أحسن دعاء لله سبحانه وتعالى:
دعاء الثناء.
ولذا ينبغي للعبد قبل أن يبدأ بدعاء المسألة أن يَسبق ذلك بدعاء الثناء، أن تُثني على الله عز وجل، وأن تدعو بحمده، وأن تُثني على الله بذلك الثناء.
ما معنى الثناء؟
تكرار الحمد.
فالحمد إن كررته أصبح ثناء.
فمن آداب الدعاء أن تحمد الله وتثني عليه.
معنى تثني عليه:
تكرر الحمد.
بعد ذلك تنتقل من دعاء الثناء إلى دعاء المسألة.
وقوله سبحانه وتعالى: “فادعوه بها” يشمل دعاء الثناء ، ودعاء المسألة.
ومن اللطائف التي أُثِرت عن سفيان بن عيينة:
ربط الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم:
“أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير”.
وأخرج ذلك التيمي الأصفهاني في كتابه الترغيب والترهيب.
قال على إثر هذا الحديث: هذا إسناد حسن.
ثم قال: وقيل لسفيان بن عيينة: هذا ثناء ، لا دعاء.
فقال: هو التعرُّض للسؤال.
أما سمعتَ قول القائل وربطه بشِعر معروف قديم:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني
حياؤك إنَّ شيمتكَ الحياءُ
إذا أثنى عليك المرءُ يومًا
كفاهُ من تعرُّضك الثناء
فأنت لما تدعو دعاء ثناء في عرفة بقولك: “لا إله إلا الله”،
يقول سفيان: هذا دعاء ثناء يتضمَّن السؤال.
لما تلتقي مع إنسان تريد أن تأخذ منه حاجة، فتُثني عليه ، لماذا تُثني عليه في هذا المقام؟
حتى يُغدِق عليك العطاء.
ولذا قال الشاعر:
إذا أثنى عليك المرءُ يومًا
كفاه من تعرُّضك الثناء
هو يُثني عليك، لماذا يُثني عليك؟ يريد العطاء.
ولذا عرفة، لما يقولون: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له…”،
هذا دعاء ثناء، لكن يتضمَّن كما قال سفيان: دعاء الثناء ماذا يتضمَّن؟
مسألة.
يتضمَّن السؤال.
إذا بقيتَ تُثني على الله عز وجل، وأكثرتَ من الثناء على الله عز وجل، الله يعطيك ما تريد، ولو لم تسأل.
حالك مع ربك، وحال قلبك، وشغلك لوقتك أن تكون مع الله عز وجل ؛ الله يحفظك، والله يعطيك بالثناء.
ولذا: “فادعوه بها”، المراد من قوله “فادعوه بها”:
دعاء الثناء، ثم يُعقب دعاء الثناء دعاء المسألة.
طيب، أسماء الله كثيرة، وأسماء الله تعالى توقيفية، كما قال الناظم:
“اعلَمْ أن أسمائَهُ توقيفيةٌ لَنا بلا أدِلَّةٍ وَفِية”.
يحرُم عليك أن تُسَمِّي ربك بما لم يرد في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل قول: “النساء الكبار بالسن” :
“يا أبو القُبَّة الزرقاء”،
هذا حرام شرعًا.
أسماء الله جل في علاه توقيفية، كيف تعرف أن هذا اسم لله جل في علاه؟
تعرفه بـماذا؟ بالنص.
قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولذا قال الله عز وجل:
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)} [الصافات : 180-182]
فبعد أن نزَّه الله تعالى نفسَه عما يصفه الواصفون، وهم المشركون، أثنى على أنبيائه، فقال بعد قوله: “سبحان ربك رب العزة عما يصفون”:
“وسلام على المرسلين”.
ثناءٌ على أنبيائه، ومعنى ثنائه على أنبيائه بعد أن نزَّه الله تعالى نفسه عمَّا يفعله المشركون:
يتضمَّن هذا مدحُ الأنبياء، لأنهم لا يصفون ربهم إلا بما يُحب.
فبعد أن نزَّه الله نفسه قال:
“وسلام على المرسلين”.
ما هو سر السلام على المرسلين؟
لأنهم لا يصفون ربهم إلا بصفاته.
ولذا صفات الله جل في علاه توقيفية، كثيرة.
كم صفة لله؟ كم اسمًا لله؟ كثيرة لا نعرفها.
كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم:
“اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميتَ به نفسَك، أو أنزلته في كتابك، أو علمتَه أحدًا من خلقك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلبي، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمِّي”.
قال: “أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك”،
فهناك أسماء لله استأثر الله بها لا يعرفها أحد.
طيب، ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة – وقيل إنه متواتر، والراجح أنه ليس كذلك، هو صحيح لكنه ليس متواترًا – ، وألف فيه الإمام أبو نعيم الأصفهاني جزءًا:
“إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، مئة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة”
معناه: هذا ليس حصرًا لأسماء الله.
النبي صلى الله عليه وسلم أكد أن لله جل في علاه تسعة وتسعين،
ما قال: “إن لله تسعة وتسعين اسمًا فقط”،
وإنما قال بعدها: “مئة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة”.
الله، من كَرَمه سبحانه وتعالى، أن فَضَّل بعض الأسماء على بعض.
أسماء الله ليست سواء، وهذه نقطة نأتيها بعد قليل وهي مهمة،
وينبغي أن نتكلم بعلم، وأن يقوم – أي في معتقدك – أن يقوم بدليل.
ومسألة المفاضلة مسألة فيها تشويش كثير،
الناس غير واضح عندهم مسألة المفاضلة.
فخَصَّ الله عز وجل تسعة وتسعين اسمًا، فذَكرها النبي صلى الله عليه وسلم لربه، والروايات التي فيها تعداد الأسماء عند الترمذي مدرجة وليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم،
وإنما هي مأخوذة بالاستقراء من الآيات والأحاديث، وأدرجها بقيّة بن الوليد.
والحافظ ابن حجر جلس مجلسًا فيه إملاء وبيان أن هذه الأسماء ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم،
وإنما هي مدرَجة.
لما تقول: “أنا عندي مئة من العبيد أعددتهم للجهاد”
هل يُفهم من قولك هذا أن العبيد الذين عندك فقط مئة؟
ولا الذين أعددتهم للجهاد مئة، وعندك غيرهم؟
ها؟
لما تقول: “عندي مئة من العبيد أعددتهم للجهاد”،
كم عدد العبيد عندك؟
لا يُعرَف.
لا يجوز أحد يفتري عليك ، أن يقول :
من قال عندي مئة من العبيد أعددتهم للجهاد أنه ليس عنده إلا مائة !
لأن المائة للجهاد، لكن الزائد وارد، بل ظاهر الكلام أن عنده فوق المئة.
ولذا النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث:
“إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مئة إلا واحدًا، من أحصاها، من حفظها وعمل بمقتضاها دخل الجنة”.
فمعنى الإحصاء: أن تحفظ هذه الأسماء أولًا، ثم أن تعمل بمقتضى هذه الأسماء ، دخلتَ الجنة.
فأسماء الله عز وجل كثيرة، وخصَّ النبي صلى الله عليه وسلم ربه بـ 99 اسمًا.
قال الله عز وجل:
{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ …} [الإسراء : 110]
فيه ردٌّ وتعليم بأن تعدُّد الأسماء لا يقتضي تعدُّد الذوات، وشَتَّان شتَّان بين دعاء المشركين آلهةً مختلفة، وبين أن تدعو أنت ربك الذي له أكثر من اسم.
{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ}
ولذا بعض المشركين لما سمعوا الآية قالوا:
“محمد له إلهان!”
وهذا من الباطل.
محمد له إله واحد، وأتباعه موحدون، ويؤمنون بإلهٍ واحد،
ولكن هذا الإله له أسماء متعددة.
فهو الله، أو هو الرحمن.
وخصَّ الله جل في علاه اسم الله واسم الرحمن لأنهما أصلٌ لبقية الأسماء، وهذا التخصيص يدل على أنهما أشرف من سائر الأسماء، وتقديم اسم الله عز وجل على الرحمن يدل على أن اسم الله عز وجل هو الأصل في الأسماء.
الآن مسألة، وهذه المسألة مهمة:
هل الأسماء تتفاوت فيما بينها؟
نعم.
هل آيات القرآن الكريم تتفاوت فيما بينها؟
نعم.
هل الرسل يتفاوتون فيما بينهم؟
نعم.
والتفضيل للشرع، فالله عز وجل يقول عن الأنبياء مثلًا:
{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }.
[سورة البقرة 253]
وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي المنذر أُبَيِّ بن كعب،
قال: “تدري أي آية في كتاب الله أعظم؟”،
فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى أن أعظم آية من كتاب الله: آية الكرسي.
وأفضل سورة من القرآن الكريم: سورة الفاتحة.
فالفاتحة أحسن من غيرها من السور، وآية الكرسي أفضل من غيرها من الآيات.
فالآيات تتفاوت فيما بينها، والأسماء كذلك.
وأفضل أسماء الله عز وجل: الله والرحمن.
لكن: مفاضلة الأسماء، مفاضلة الأنبياء، مفاضلة الآيات،
لا يجوز لك عند المفاضلة أن تَغْمِز بالمفضول.
من باب أولى:
نُفَضِّل بين المشايخ.
وطلبة العلم ينشغلوا دائمًا:
“من أعلم؟ من أحسن؟ من الذي يفيد أكثر؟” من المشايخ…
فالمفاضلة جائزة، بشرط ألا تغمز بالمفضول، فإن غمزت بالمفضول فالمفاضلة حرام.
ولذا لما فَضَّلوا النبي صلى الله عليه وسلم على يونس بن متىعليهالسلام، زجرهم النبي ﷺ ، قال:
“لا تُفَضِّلوني على يونس بن متى”.
ما هو سر زجر النبي صلى الله عليه وسلم؟
الزجر ليس نفي أصل المفاضلة، لأن الكلام يُوحي بفتح باب غمز، فمنع النبي هذا الباب.
لا أقول غمزًا، أقول: إن فُـتِحَ الكلام في الغمز.
بعض الناس إذا أراد أن يمدح عالمًا يغلو فيه، ويكون المقصد حفي الغلو فيه النبز حبالآخر، فهذا النبز حرام.
ولما تقوم القرائن على أن هذا التفضيل من أجل الغمز، فيجب إغلاقه، ولا يجوز الاسترسال فيه.
ح
ولذا قال الله عز وجل:
{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ .. } [الإسراء : 110]
المصدر:
المحاضرة الـرابعة
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
نيل المرام في شرح آيات الأحكام
الدورة العلمية 27
التاريخ:
6 صفر 1447 هـ
31 يوليو 2025 م✍️✍️
[ في جامعات أمريكا إلى الآن تُدرس سياسة عمر بن الخطاب ، وعسكرية خالد بن الوليد في المدارس العالمية الحربية ]
وهكذا العرب في تكتيكهم وفي طريقة حربهم كانوا يجعلون ميمنة وميسرة والقلب ، يزحف القلب ، ثم على حسب تقدم الميمنة والميسرة تكون هنالك نوع من مواءمة حتى يحصل أخيرًا النصرة.
فهذه طريقة من طرق الحرب ، وخالد له طرق في الحرب كتب فيها جنرال تركي مجلدًا تزيد عن 600 صفحة، حلل عسكرية خالد.
وعسكرية خالد في المدارس الحربية العالمية إلى الآن تُدرس عسكرية خالد بن الوليد، وفي جامعات أمريكا إلى الآن تُدرس سياسة عمر بن الخطاب وإدارة عمر بن الخطاب.
وهذه للمبهورين بعلوم الغرب، فعلوم الغرب يعرفون قيمتنا، ونحن للأسف لا نعرف قيمتنا. يدرِّسون سياسة عمر.
باحث أردني من دار المحتسب اسمه عبد المجيد، أخذ رسالة الدكتوراه بعنوان “إدارة عمر بن الخطاب”، وأخذها في وقت أزمة الخليج، فاجتمعت لجنة المناقشة وقالوا له: “الذي كتبته جيد، ونجاحك ورسوبك في رسالتك أن تخبرنا ما موقف عمر من أزمة الخليج لو كان عمر حاضرًا، فما هي تدابيره في معالجة أزمة الخليج؟”
فارتجل كلمة ثم كتبها ضميمة ونشرها مع رسالته ، والرسالة منشورة عن مكتبة المحتسب في عمان، وهي رسالة نفيسة أنصح بقراءتها. وقال مما قال: “لو كان عمر حيًا لما وُجدت أمريكا وما وُجدت أزمة الخليج.
لو كان عمر حيًا ما وُجدت أزمة خليج ولا وُجدت أمريكا، ولا تستطيع أمريكا أن تتحكم في خيرات المسلمين وعمر موجود رضي الله تعالى عنه”.
المصدر:
شرح صحيح مسلم – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.
التاريخ:
12 ربيع أول 1447 هـ
04 سبتمبر 2025 م✍️✍️