السؤال:
استمعت لدروس الشيخ صالح بن حمد العصيمي -حفظه الله- واستفدت منه كثيرًا، وبدأت أنشر دروسه بين الأخوة، فاعترض أحدهم وقال لي من زكًاه؟
فقلت استفاضت شهرته واستفاض عليه والطلب عليه.
محبكم سمير من الجزائر.
الجواب:
لا يقال في المشايخ الكبار الذين يُفتح لهم الحرمين الشريفين وينهال عليهم الطلبة من كل مكان من زكًاه.
الاستفاضة والشهرة من وجود المؤلفات وثناء العلماء على من يدرس تكفي.
فأخونا الشيخ صالح العصيمي -حفظه الله- مجاز ومزكًى من عدد كبير من أهل العلم وله مشايخ، ومشايخه هم المشايخ المعروفون في الدنيا.
فالمطالبة بمن زكًاه مطالبة فيها ظلم.
والله تعالى أعلم.
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد .
قد ثبت في سُنن أبي داود ومسند أحمد وغيرهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنَّ السَّعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، إنَّ السَّعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، إنَّ السَّعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، ولَمَنِ ابتُلِيَ فصبَرَ فواهًا.
أي فهنيئاً له .
فالفتنة لها مناخ ولها بيئة ، ولو أنَّنا فحصنا وأخذنا قزعة من الفتنة وحللَّناها لوجدنا أنَّ بداية بيئتها ومناخها قبل أن يُعقَّد نُوَّارها وتشُب وتظهر وتكبر يكون في الاضطراب والاختلاف ، وتنتهي وتتجلى وتظهر في القتل الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم الهرج.
النَّبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يخبرنا عن ظهور الفتن : يتقارب الزمان ويقبض العلم وتظهر الفتن ويلقى الشح ويكثر الهرج ” قالوا : وما الهرج ؟ قال : ” القتل .
مشكاة المصابيح ، رقم الحديث : 5389 – [ 11 ] متفق عليه .
فالفتن تظهر لمَّا تزول البركة من الأرض ، والبركة لا يمكن أن تكون إلا بالطاعة، التي فيها الإخلاص والاتباع للنَّبي صلى الله عليه وسلم ، فلما يقل الأمن تقل الطاعات التي هي مصدر الثمرات والخيرات والبركات الذي يتجسد في أمن البلاد والعباد ، قال تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ )) سورة الأنعام الآية (82).
فالهداية والخير والبركة إنما تكون في الطاعة ، وتظهر لهذه الطاعة ثمرة وبركة ، فإذا تقارب الزمان ، وتقارب الزمان إشارة إلى رفع البركة من الأرض ، فنحن الآن نعيش في آخر أيام من سَنة مضت ، والسَنة التي مضت والله كأنَّها شهر .
ففي جامع الترمذي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كالضرمة بالنار .
قال أبو عيسى هذا حديث غريب من هذا الوجه وسعد بن سعيد هو أخو يحيى بن سعيد قال الترمذي : حديث غريب قال الشيخ الألباني : صحيح ، صحيح جامع الترمذى رقم الحديث: 2331 .
هذا معنى يتقارب الزمان ، وليس المراد بتقارُب الزمان أن تقطع المسافات الطوال بالوقت القصير ، وفي هذا إشارة إلى الاختراعات ووجود وسائل النقل الحديثة.
المراد بتقارُب الزمان : أي ترفُّع البركة فإذا رفعت البركة قلَّ العِلم ، فالفتن لا تكون إلا مع الجهل ، لو وُجِد العِلم وعَرف كل واحد ما له وما عليه ما كانت فتنة ، ثُمَّ يقل العمل ، فالعمل والطاعة هي التي تجلب الخير والبركه للمجتمعات وللحكومات وللإنسان وللبلاد وللعباد وللدواب وللشجر .
كان أبو بكر يقول : ما تعضد الشجرة ( أي لا تقطع الشجرة ) إلا بتقصيرها من ذكر الله عزَّ وجل ، والطير لا تصطاد إلا لتقصيرها بذكر الله عزوجل ، فلا تقع فتنة على وجه الأرض إلا بسبب معصية ، ولا ترفع إلا بتوبة ، فالذنوب تؤثر على الشعوب .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((ويَنْقُصُ العَمَلُ، ويُلْقَى الشُّحُّ )) ، الناس تمسك ((وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ)) سورة النساء الآية (122).
فإذا النفس أمسكت وأصبح المال لقضاء الشهوات ولا يكون لقضاء حاجات الناس ، فنفوس الأغنياء تصبح ضعيفة ومالها أكبر منها .
فإذا أراد الله خيرًا بأمة جعل أصحاب المناصب و أصحاب الأموال فيها نفوسهم أكبر من مناصبهم ونفوسهم أكبر من أموالهم .
فإذا كان الأمر كذلك فهنيئًا للأمة وأما إذا كانت الأموال والمناصب أكبر من نفوس أصحابها فالويل والمصيبة لهم وتقع الفتنة في الأمة .
وبعد هذه الأمور يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( تظهر الفتن ) .
الفتن لها معادلات ولها سنن ، لله سنن في الأمة، فالفتنة لما تظهر تكون لها مقدمات وإذا أردنا أن نجنب الناس الفتن فلا بد من تجفيف مقدماتها، فتجفيف المقدمات بتزكية النفس وبالعلم ، فيزول الخلاف .
فالوقت الذي فيه اضطراب في الأقوال ، وقيل وقال ، والنفوس قلقة ، والناس لا تجتمع على علمائها و لا على أمرائها ، ويبدأ يدب الخلاف في الأمة فهذا الخلاف يقوى شيئًا فشيئًا حتى يظهر على شكل فتن ، وهذه الفتن تكون على شكل موجات ، تأتي موجة ثم تنسحب ، ثم تأتي موجة ثم تنسحب ، وتأتي موجة ثم تنسحب ، وكل موجة تأتي تكون أطول من الموجة التي قبلها ، كما يقول حذيفة في صحيح مسلم : ((وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ منها صِغَارٌ وَمنها كِبَارٌ)).
هناك ريح شتاء وريح صيف.
ماذا يعني ريح الصيف ؟
أي قصيرة، فتنة قصيرة تظهر ثم مباشرة تذهب.
وهنالك فتن كالأمواج تأخذ الناس وتسحب الناس.
ولذا المطلوب من العبد في وقت الفتنة أن يحفظ لسانه ، والمطلوب من العبد في وقت الفتنة أن يقبل على ربه عزوجل ، أن يقبل على ربه بالعبادة كما ثبت في صحيح مسلم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال 🙁 العِبادَةُ في الهَرْج كهجرةٍ إليَّ) العبادة في وقت الفتنة والقتل هو أشد ما يكون في الفتنة.
والواجب على جميع المسلمين حكاما ومحكومين أن يجففوا أسباب الفتنة وأن يبعدوا الناس عن الفتنة وأن يعيش الناس بخير ، ولا يمكن أن يعيش الناس بخير إلا إن تمكنوا من إقامة دينهم ، وأن يعملوا على محاربة ما يغضب الله عزوجل وأن يبعدوا الناس عن المعاصي .
و بلادنا ولله الحمد والمنة مباركة ، الشام بلاد بركة ، الملائكة تبسط أجنحتها عليها ، والدين شاء من شاء وأبى من أبى ، الدين كما يقرر الإمام ابن رجب في كتابه ( فضائل الشام ) في النوبة الثانية في آخر الزمان أصله وأسه ومنبعه بلاد الشام ، بلادنا ولله الحمد والمنة جُبلت بالشهداء ، وشهداء الأردن الحقيقيون هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وها هي اليرموك تشهد والتاريخ يشهد ، هؤلاء هم شهداء الأردن ، وعلى هذا قامت ولله الحمد والمنة الأردن ، فالأردن قامت على الرمية المباركة التي رماها خير الخلق بعد الأنبياء وهو أبو بكر رضي الله عنه ، رمية أبي بكر في فتح بلاد المسلمين كانت مباركة، وكانت إلى البلاد المباركة فكانت إلى جهة الشام ، بخلاف رمية عمر التي هاجم الفتنة وغزا أهلها فكانت إلى بلاد العراق ، فتوسيع عمر لرقعة الإسلام كانت إلى بلاد العراق وبلاد فارس ، وأما رمية أبي بكر رضي الله تعالى عنه فكانت إلى بلاد الشام، وهذه البلاد فتحت ولله الحمد بالإسلام والشهداء ، فالصحابة مازالت أجسادهم موجودة في بلاد الشام ، هذه البلاد مباركة والواجب علينا أن نحافظ على بركتها ، ومن محافظتنا على بركتها أن نقيم أوامر الله وأن نقيم دين الله عز وجل فيها وأن نأمر وأن ننهى وأن نصنع التي هي أقوم بالتي هي أحسن كما أمر الله جل في علاه بأن نقيم دين الله عز وجل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والعاقبة للمتقين ولا وجود إن شاء الله تعالى للفاسدين والمفسدين في هذه البلاد المباركة ، فهذه سنة لله عز وجل لايمكن لأحد أن يحارب سنن الله جل في علاه ، فسنة الله تعالى في هذه البلاد المباركة أن تبقى فيها أثار بركة وأثار طاعة وأثار خير ، ولله الحمد والمنة فنجد بلادنا مباركة ونجد في بلادنا الناس أقبلت على تعلم دين الله عز وجل وأن تقيم أوامر الله سبحانه وتعالى .
أسأل الله عز وجل أن يحفظ بلادنا.
أسأل الله جل في علاه أن يجعلنا سببًا من أسباب القضاء على الفتنة.
ما أحوجنا أن نتكلم عن الفتنة لنتجنبها ولنبعد أنفسنا وأخواننا وأحبتنا عنها .
وأوصي بما أوصى به حذيفة رضي الله تعالى عنه لما قال : ((كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ ، لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، وَلاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ.)) .
من هو ابن لبون ؟
الناقة أول ما تلد يكون صغيرًا يسمى ابن لبون ، يعني قائم على اللبن على الرضاعة من أمه.
فحذيفة يوصي في وقت الفتنة أن يكون الواحد منا كابن لبون ، فلا يجعل ظهره جسرًا لأصحاب الفتن وكذلك لايجعل نفسه كالضرع الذي يحلبه أهل الفتن .
فأهل الفتن الذين يؤججون الفتن أسأل الله عز وجل أن يقي بلادنا من شرورهم.
جسم أمتنا ولله الحمد والمنة الذي ورثه الأحفاد عن الأجداد من فضل الله أن جلنا من أبناء الصحابة ، سمعت بعض شيوخي يقول جل أصحاب الضفة الشرقية والغربية من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، جل أصحاب الأردن وإن ضاعت أنسابهم بسبب الاستعمار البريطاني كعادته يقطع الإنسان عن أجداده، فجل أبناء الأردن ولله الحمد والمنة من أبناء الصحابة ، فعشيرة بني حسن يردون لشرحبيل بن حسنة رضي الله تعالى عنه، وعشيرة العمري في بلادنا يردون إلى عمر رضي الله تعالى عنه ، وعشيرة البكري يردون لأبي بكر رضي الله تعالى عنه، فجل بلادنا وعائلاتنا ولله الحمد والمنة إنما ترد لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبناء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لا يقبلون غير الله ربًا ولا يقبلون غير الإسلام دينًا ولايقبلون غير محمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا ، والأجسام التي تريد أن تزرع في هذه الأمة الأمور الغريبة عنها والتي هي ليست منها بلادنا لاتقبلها ، فجسم هذه الأمة لايقبلها ولايمكن أن يقبل جسمًا غريبًا عنها وليس هو منها وإن بذلت الأموال وإن وجهت الفضائيات وإن تكلم المتكلمون ونظرَ المنظرون فبلادنا وأجسامنا ولله الحمد والمنة لا تقبل إلا الفطرة التي فطر الله الناس عليها .
أسأل الله عز وجل أن يحفظ بلادنا وأن يحفظنا وأن يحفظ ديننا وأن يحفظ عقولنا وأن يحفظ عباداتنا علينا .
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
29 ذو القعدة 1437 هجري
2016 – 9 – 30 افرنجي
الرابط: https://meshhoor.com/?post_type=fatwa&p=15652&preview=true
◀ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان .
السؤال:
يقول السائل: الحسد بين طلبة العلم -بارك الله فيك-؟.
الجواب:
طالب العلم ينبغي أن يزكّي نفسه، وأن يترفع عن سفاسف الأمور، وطالب العلم ينبغي أن يهذب نفسه، والحسد حاصل؛ لأن الناس يحبون الرئاسة، وآخر ما يخرج من رؤوس الكبار وأولياء الله حب الرئاسة -كما يقول بعض الصالحين-.
وأسند ابن عبد البر في “جامع العلم وفضله” عن ابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: (خذوا العلم حيث وجدتُم، ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم في بعض؛ فإنهم يتغايرون تغاير التيوس في الزريبة.)
فالعلماء يتنافسون فكيف طلبة العلم؟!
ولذا: دائماً أقول لإخواني كما نقل الذهبي:
(من طلب العلم للعمل كسره العلم، وبكى على نفسه ومن طلبه للمدارس والإفتاء والفخر والرياء تحامق، واختال، وازدرى الناس، وأهلكه العجب، ومقتته الأنفس.)
(الذهبي “سيرالأعلام”١٨/ ١٩٢).
بعض طلبة العلم واضع قرنين ويناطح الناس مناطحة!، هذا طلب العلم للمناظرة وطلب العلم للمباهاة.
الذي يطلب العلم للعمل هذا المراد.
لذا قيل لبعضهم: ما عيوب فلان؟ (وذكر له بعض المشايخ).
قال: ما فرغت من أن أتخلص من عيوبي.
فالذي يبحث عن عيوبه يعرف محاسن غيره، والذي لا يبحث عن عيوبه لا يعرف حسنة لغيره.
بعض الطلبة لا يعرف حسنات أحد، ولا يتكلم إلا في عيوب الناس، عيوب المشايخ، فالذي يبحث عن عيوب نفسه يعرف محاسن غيره، والذي يبحث عن عيوب الناس بالمنقار فإن الله يهيئ له من يفضحه، ومن يبحث عن عيوبه، ومن يترصد له، هذه سنة لله عز وجل لا يمكن أن تتخلف.
لذا :
طالب العلم يطلب العلم بنية العمل.
وطالب العلم دائما يتهم نفسه.
وطالب العلم دائماً يهضم نفسه.
كما ذكرت لكم أكثر من مرة قول عائشة -وقولها في البخاريّ برقم (٢٦٦١)- قالت: (وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيًا، وَلَأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فِي أَمْرِي، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِيَ اللَّهُ) كما في حادثة الإفك.
فكانت قد هضمت نفسها.
فطالب العلم إن تتبع عيوب غيره فالويل له، أول ما يجني على نفسه -كما قالوا في المثل-: (إنما تجني على نفسها براقش).
هذا أول ما يجنيه على نفسه، أن الله يهيئ له من يتتبع عيوبه ومن يفضحه، فاجعل الناس في ستر، ابحث عن عيوب نفسك يا طالب العلم، واطلب العلم وأنت على نية العمل؛ حتى يكسرك العلم وحتى تتواضع.
كان أيوب السختياني -رحمه الله- يقول: (ينبغي للعالم أن يضع السكَنَ على نفسه تواضعاً لله عز وجل).
وعلّمنا بعض مشايخنا فقال: (إذا حضر الناس عندك فاعلم أن في حضورهم فضلاً منهم عليك، فلا يغرك اجتماع الناس حولك، ولا اجتماع الناس لك).
فطالب العلم ينبغي أن يُحْسِن هذه الأمور، ولا يجوز له أن يغفل عنها.
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان✍️✍️