[ هدي النبي ﷺ في الدعاء للميت ]

[ هدي النبي ﷺ في الدعاء للميت ]

جاء في الحديث:
وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه – قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى جَنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ, وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ, وَاعْفُ عَنْهُ, ⦗١٦٣⦘ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ, وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ, وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ, وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ, وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ, وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ, وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ, وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ

رواه مسلم (٩٦٣)، وزاد: قال عوف: فتمنيت أن لو كنت أنا الميت؛ لدعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم -على ذلك الميت.

قال الشيخ مشهور بن حسن شارحاً:
الزيادة جميلة في آخر الحديث في صحيح مسلم على لسان عوف بن مالك وهو صحابي الحديث ، فبعد الحديث قال عوف فتمنيت أن أكون أنا الميت ، لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الميت.

تمنيت أكون أنا الميت لأن دعاء النبي ﷺ ينور القلب ، ويرفع الظلمات وفقد المسلمون بالتحاق رسول الله صلى الله عليه وسلم للملأ الأعلى ، فقدوا شيئاً كثيراً ، فحق لهم أن يحزنوا دوماً.

الحديث فيه عن عوف صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة قال فحفظت من دعائه ، لم يذكر جميع الدعاء فهذا شيء من الدعاء ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان ينوع في الأدعية.

ولذا نحن نقول لإخواننا من أرادوا أن يصلوا صلاة الجنازة ، الدعاء في الثالثة والرابعة وكذا لو صلوا خامسة أو سادسة أو سابعة أو ثامنة ؛ يكثرون من الدعاء ، والأحسن أن يكون الدعاء من المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والدعاء منه الطويل ومنه القصير والأحسن أن يكون الطويل في الثالثة ، والرابعة أقصر من الثالثة ، والخامسة أقصر من الرابعة.

انتبه لا أقول قياساً على الصلاة ، وإنما أقول بخلاف الفارق ، لا يوجد فارق بين الصلاة وبين الدعاء ، والدعاء فيما يسمى صلاة الجنازة.

لو قلت قياساً فستقولون لي القياس لا يصلح في العبادات ، لأن العلة غير ظاهرة ، فأقول بزوال الفارق ، زوال الفارق يصح أن يعمل فيه في العبادات.

نحن الآن نلحق المال والدرهم بالذهب والفضة ، ليس قياساً وإنما بزوال الفارق ، وزوال الفارق تحتاج لدراسة أصولية تطبيقية مهمة ، والكتابات فيها قليلة.

يقول عوف حفظت من دعائه الذي حفظه حتى تمنى أن يكون هو من مات ، قوله:
اللهم اغفر له وارحمه.

إذاً اللهم اغفر له خص الميت الذي يصلي عليه بالدعاء ، ولم يدع دعاءً عاماً ، ما قال اللهم اغفر للمؤمنين ، قال اللهم اغفر له وعافه واعف عنه وأكرم نزله.

النزل ما يقدَّم للضيف اجعل أول قدومه إليك يا ربنا فيه عزة وفيه كرامة.

ووسع مدخله وافسح له فيه:
افتح له فيه باباً من أبواب الجنة.

واغسله بالماء والثلج والبرد:
فهذه الأمور الباردة تقابل حرارة الذنوب وتطفئ لهيبها ، وتبردها.

فذكر الماء والثلج والبرد لأن الذنوب لها حرارة ، فذكر هذا ليطفئ تلك الحرارة.

ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس ، وخص الأبيض بالذكر لأن إزالة الأوساخ في الثوب الأبيض أظهر من غيرها من الألوان.

وأبدله داراً خيراً من داره :
ومخطئ من قال إن القبر هو آخر المنازل ، وكما يقول أهل الإعلام للأسف في هذه العبارة ، وأتمنى لو بعض الإعلاميون يسمعون هذه الكلمات القليلات مني يقولون انتقل إلى مثواه الأخير!

المثوى الأخير الجنة أو النار ، وليس القبر هو المثوى الأخير.

فالنبي صلى الله عليه وسلم يدعو دعاء قال وأبدله داراً خيراً من داره ، في هذه الحياة البرزخية أبدله داراً خيراً من داره ، وأهلاً خيراً من أهله.

واختلف العلماء في تفسير هذا التبديل ، فمنهم من قال التبديل بالأعيان ، بأن يرزقه زوجة أحسن من زوجته ، وارزقه أولاد أحسن من أولاده ، وارزقه جيران أحسن من جيرانه.

ومنهم من لم يحمله على تغيير الأشخاص ، وإنما حمله له على تغيير الأوصاف أي ارزقه زوجاً خيراً من زوجه ، فالزوجة التي في الدنيا كبيرة أو ضعيفة ؛ فأبدله زوجة شابة ، تعود إلى شبابها ، فالدعاء إلى تغيير الأوصاف.

ومن بين ذلك إذا كانت الزوجة سيئة الخُـلُق:
فيقول أبدله زوجة حسنة الخُلق.

فالتغيير بالأوصاف وليس بالذوات ، ووقع تفسير أهل العلم لهذا التبديل محمول على الأمرين.

ثم دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله وأدخله الجنة وقه فتنة القبر وعذاب النار.

(انتقل إلى المثوى الأخير):
اللفظة فيها كفر -لا أقول القائل كافر- ، لأن الرجل قد يقع في الكفر ولا يشعر ، الإعلام الذي يقول انتقل إلى المثوى الأخير ؛ هذا كلام كفر ، لكن قائله ليس بكافر ، هو جاهل لا يفهم وينبغي أن يُـفهَّم.

هذا دعاء الذي رواه رواه مسلم عن عوف بن مالك ، هناك حديث آخر والحديث آخر عزاه الحافظ عند مسلم وهو ليس عند مسلم وإنما هو في السنن الأربعة ، والحديث صحيح.

نسمع الدعاء الثاني قال -رحمه الله-
٥٦٦ – وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا, وَمَيِّتِنَا, وَشَاهِدِنَا, وَغَائِبِنَا, وَصَغِيرِنَا, وَكَبِيرِنَا, وَذَكَرِنَا, وَأُنْثَانَا, اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ, وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ, اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ, وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ, وَالْأَرْبَعَةُ.

قال الشيخ مشهور حسن شارحاً:
هذا الحديث عزاه لمسلم- وهو ليس في صحيح مسلم ، إنما هو في السنن الأربعة ، والأصل في الداعي حتى في غير الصلاة ؛ الدعاء المطلق البركة والخير في الألفاظ التي قالها النبي -صلى الله عليه وسلم- ففيها كلمات يسيرة ومعاني كثيرة من أراد الخير كله فليحفظ أدعية النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فأدعية النبي -صلى الله عليه وسلم- مبانيها قليلة الألفاظ ولكنها جزلة كثيرة المعاني.

وبعض الناس يريد يدعو لنفسه فالدعاء باللازم بالذي تريد من المأثور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن من الدعاء الصريح الذي ذكرته ، وإن ذكرته وأسمعته لبعض أهل العلم لقالوا فيه كذا وكذا.

من أنشأ دعاءً من عند نفسه هذه الأيام فقل أن يسلم من المؤاخذة ، فالدعاء ولا سيما في صلاة الجنازة ، وهي حق للميت.

حتى تؤدي الحق على أحسن حال احفظ الأدعية المأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، والأدعية المأثورة ليس هذان الدعائين فقط.

لو أن إنساناً لا يحفظ ودعا ؛ لا حرج ، يسدد ويقارب يدعو بما شاء لكن الأحسن أن يكون الدعاء بالمأثور ، هذا دعاء مأثور عظيم ، فيه الدعاء للحي ، والدعاء للميت والدعاء للشاهد (شاهد صلاة الجنازة) ، والدعاء لسائر المسلمين الغائبين (الشاهد والغائب) ، والدعاء للصغير ، والدعاء للكبيرة ، والدعاء للذكر والدعاء للأنثى.

في بعض الروايات ولإنسنا وجننا ، ثم يجمل ذلك اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.

فقول المصلين الدارج هذه الأيام في الركعة الرابعة فقط يقال فيها :
(اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده) ؛ هذا ليس بمأثوراً ، هذا جزء من هذا الحديث الطويل ، ويقال في التكبيرة الثالثة أو في التكبيرة الرابعة.

اختصاص التكبيرة الرابعة بلفظ خاص ولا يتعداه على أنه من المأثور هذا خطأ شائع عند الناس في صلاة الجنازة.

٥٦٧ – وَعَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

قال الشيخ مشهور حسن شارحاً:
هذا الحديث عن أبي هريرة أيضاً ، وهو عند أبي داود ، وصححه ابن حبان.
قال صلى الله عليه وسلم:
إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء.

الدعاء -كما قلنا- يكون في التكبيرة الثالثة والرابعة وما بعدها والأصل في الدعاء أن يكون سراً ، سواء كانت الصلاة في النهار أم كانت في الليل ، والإخلاص في الدعاء أن تخص الميت بالدعاء ، لا أن تدعو بالعموم.

الإخلاص له معاني فمن بين المعاني الواردة هنا «وأخلصوا له في الدعاء» :
أي خُـصوه وأخلصوه دون سواه ، واجعلوا الدعاء منصرفاً له دون غيره في صلاة الجنازة.

فالدعاء العام لا يكفي في صلاة الجنازة ، وإذا كان الميت أنثى فيدعى لها اللهم اغفر لها ، اللهم ارحمها ، اللهم نقها ، فيدعى لها فلا تُـذكَر بالتذكير ، وإنما تذكر بالتأنيث.

فإن لم يكن هنالك محفوظ من قبل المصلي للمأثور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليدعوا بأحسن ما يحضره ، وقد صح عن جابر أنه قال ما قدَّرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنا ولا أبو بكر ولا عمر بما ندعو.

هذه أشياء سمعها الناس من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن حبهم لأتباعهم لنبيهم -صلى الله عليه وسلم- نقلوها ، ونقلها لنا ومن حبنا نحن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حفظناها ورددناها وقلناها في صلواتنا.

المصدر:
المحاضرة الثالثة لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله ، من كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام ت الزهيري ، لابن حجر العسقلاني رحمه الله.
الموافق :
هجري 10 محرم 1447 –
ميلادي 05 يوليو 2025.✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

[ هدي النبي ﷺ في الدعاء للميت ]

[الخوارج: نشأتهم، تاريخهم، وعلاماتهم ، وهل هم كفار ؟]

[الخوارج: نشأتهم، تاريخهم، وعلاماتهم ، وهل هم كفار ؟]

قال فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان حفظه الله:
وفي ثوب بلال فضة ، وكل الناس راجعين من غزوة حنين، بعد أن نال كل واحد منهم ما نال، ومع هذا، بقيت بقية من الفضة فجعلها النبي ﷺ في ثوبه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ منها ويعطي كل من جاء من غزوة حنين، كل من يرجع من غزوة حنين أخذ شيئاً ، قالوا: في ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها ويعطي الناس -غير العطايا-، أيضًا اعتراض على العطية في أصلها واعتراض على هذه الحال.

فقال:
يا محمد اعدل، اعدل يا محمد، اعدل.
فالنبي صلى الله عليه وسلم بدأه:
ويلك، ويلك، الويل لك، ويلك، ومن يعدل إذا لم أكن أنا أعدل؟

وقالوا: أول ظهور للخوارج في هذه القصة.

والخوارج بدأوا هاهنا، ومتى ينتهوا الخوارج؟
تخرج فئة منهم مع الدجال تقاتل معه.

الخوارج باقون من زمن النبي صلى الله عليه وسلم من هاهنا -أي في هذه القصة- إلى وقت الدجال.

والنبي صلى الله عليه وسلم وصف خروجهم:
يخرجون وينقطعون، يخرجون وينقطعون، كلما خرجت طائفة منهم قُـطِعوا.

قال النبي ﷺ : قُطعوا.

صيغة الفعل المبني للمجهول ، من الذي يقطعهم؟
① العلماء بالحجج والبرهان والبيان كما فعل علي لَمّا ناظرهم.

② والحُكام.

هذه سنة الله فيهم:
يظهرون بين الحين والحين وينقطعون.

والخوارج أول فرقة بدعية ظهرت في الإسلام، وبعد هذا الظهور تمزقوا واختلفوا خلافا شديدا فيما بينهم ، ومن تتبع أخبارهم علم ذلك، وهذه سنة باقية لله.

فمن خرج عن طريق أهل السنة والجماعة، فإن الخارجين لَن يبقوا على قول واحد، وإنما سنة الله الماضية فيهم أنهم يبقوا يخرج بعضهم على بعض ، ولا يجتمعون على كلمة.

وهذا أمر رأيناه فيمن فارق السنة والجماعة، فالمفارقة قد تبدأ بشبر وتنتهي بذراع.

قد تبدأ مفارقة أهل السنة والجماعة على شيء قليل.

علامة الناجي أمران، وينبغي لك يا طالب العلم أن تتأمل جيداً قولك: (أهل سنة وجماعة).

أهل سنة :
خلاف بدعة، وأهل جماعة خلاف فرقة.
فلا يَجمع العقول إلا السنة النبوية، وغير السنة تُفرِّق ولا تَجمع.

فكل من يقول لمن دعا لسنة: إنك تُفرِّق ؛ هذا لا يَفهم سنن الله جل في علاه.

لا يمكن أن نجتمع إلا بالسنة، (أهل السنة والجماعة) هذا شعار الناجين عند الله عز وجل ، وأول من خرج عنه الخوارج.

والخوارج باقون لكنهم مندحرون ، يظهرون بين الحين والحين، كلما خرج منهم قَرن ؛ قُـطِع -قطعه الله وفق سنته-.

فأول ما بدأ الخوارج في اتهام النبي ﷺ بأنه لَم يَعدِل!

ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟
لقد خِـبتُ وخَـسرِتُ إن لم أكن أعدل ، أو لقد خِـبتَ وخَـسِـرتَ إن لم أكن أعدل.

(على الضم) والمعنى ظاهر ، خِـبتُ وخَـسِرتُ إذا لم أكن عادلاً.

والأشهر ورواية الأكثر بالتاء المفتوحة:
لقد خِـبتَ أنت ، وخَـسِرتَ أنت إن لم أكن أنا أعدل.

فأنت أهل خسران وأهل تباب.

فأنت تابع لي ومقتدياً بي، فأنت صاحب تباب، صاحب خسارة، ما دمتُ أنا لا أعدل ، فقائدك لم يعدل، فأنت مثله!

(فقال عمر) ، وفي رواية في حديث أبي سعيد فقال :
(فقال خالد) ، وفي رواية أخرى في حديث أبي سعيد فيها ذكر (عمر وخالد)، قالها عمر ثم قام خالد فقالها.

وهذا كما قلنا لا إشكال فيه ولا تعارُضَ فيه، فبدأ عمر بقوله رضي الله تعالى عنه:
دعني يا رسول الله ﷺ فأقتلَ هذا المنافق.

فأقتلَ (بالنصب) على أنها جواب الأمر، (دعني) يا رسول الله فأقتل هذا المنافق.

فبدأها عمر، فلم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم بقتله،
فخالد جالس، وخالد يَعرِف أين السيف يوضع، وهذا الموضع موضع سيف، وموضع السيف من شأن خالد، فما قنع باعتراض عمر.

فأعاد عليه صلى الله عليه وسلم وكان جوابه هو هو.

قال النبي صلى الله عليه وسلم:
معاذ الله.

معاذ الله أن أعمل على قتلِه.

هل هذا دلالة على عصمة دمه؟
لا، ليس دلالة على عصمة دمه، معاذ الله ، منصوبة على المفعول به ، وتقديره:
أعوذ بالله عوذاً وأستعيذ به استعاذة أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي.

هذا مقصد مهم جداً للنبي صلى الله عليه وسلم، إن هذا المعترِض وأصحابه فله أصحاب، سبحان الله!
لَما سمع النبي ﷺ له أصحاب ، سنة عجيبة!

قال: إن هذا من أي أصحابه؟
من أين؟

ما يستطيع أحد ينكر على النبي صلى الله عليه وسلم، وينكر على ولاة الأمور ، إلا وله أصحاب، هذه سنة.

فأصحابه مسكوت عنهم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أدرج أصحابه مع هذا الرجل، هذه الشنيعة، أمرٌ بشع لا يقدر عليه واحد ، إلا جمع متواطئون فيما بينهم.

هذا معنى كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فمباشرة قال:
إن هذا وأصحابه، والعجب أنه ذكرهم بقوله ﷺ :
يقرأون القرآن.

يقرأون القرآن ؟
نعم يقرأون القرآن، ويشعروك أنهم أصحاب ديانة.

قال ابن عباس وذُكِـر عنده الخوارج وما يَلقونَ عند تلاوة القرآن ، فقال رضي الله تعالى عنه:
ليسوا بأشد اجتهاداً من اليهود والنصارى، ثم هم يضلون (أصحاب ضلالة ويضلون الناس)، يقرأون القرآن بألسنتهم، لا يجاوز حناجرهم، حلاقيمهم في رواية أخرى.
[ الناتئة في آخر الرقبة ] هذه الحناجر.

يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية.

هل الخوارج كفار؟
في أصل الخوارج أنهم ليسوا كفاراً ، وهذه الفرق التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم:
افترقت اليهود على 71، وافترقت النصارى على 72.

وستفترق أمتي على 73، هل هم كفار؟
لا، انتبه!
أمة محمد صلى الله عليه وسلم إن ذكرت في الأحاديث يراد بها أمران:
① إما أنها أمة دعوة.
② وإما أنها أمة استجابة.

اليهودي والنصراني من أمة محمد ﷺ ؟
(نعم) ، و (لا).

إن قلتَ نعم بمعنى أنهم من أمة دعوته ﷺ ، فالنبي ﷺ مدعو إليهم وهم مأمورون أن يستجيبوا للنبي ﷺ ، أما هل هم من أمة الاستجابة؟
لا، لا يسوا من أمة الاستجابة.

الآن انتبه!
قال النبي ﷺ : افترقت اليهود، افترقت النصارى، ثم قال: ستفترق أمتي.
إذن قوله ﷺ :
(ستفترق أمتي) المراد في الأمة أمة استجابة، لأن أمة الاستجابة جُـعِلَت في الحديث نفسه مقابل أمة الدعوة.

اليهود والنصارى من أمة الدعوة، ثم قال: ستفترق أمتي، فالمراد تفترق أمتي وهم ليسوا كفاراً، تفترق أمتي هم أهل فُـرقة ، ولكنهم ليسوا كفاراً.

ولذا العلماء قالوا:
إن الخوارج ليسوا كفاراً وما خرجوا من الملة، وتكلم عن هذا جمع، ومن أحسن ما يُذكَر مذهب علي الذي خرجوا عليه رضي الله تعالى عنه.

فقد صح عنه من عدة طرق عند بن أبي شيبة ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة ، والبيهقي وابن نصر أيضاً طريق آخر عن طارق بن شهاب قال:
كنتُ عند علي فسُئل عن أهل النهرين، أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا، وفي رواية: إخواننا بغوا علينا، وهذا هو المقصد: إخواننا، لكن لما سُئل: هل هم مشركون الخوارج؟ قال: لا، هم من الشرك فروا، قيل: فمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما هم؟ فقال علي رضي الله تعالى عنه: قوم بغوا علينا.
الخوارج قوم بغوا علينا.

وذكر شيخ الإسلام مطولاً في منهاج السنة النبوية ، وذكر أنه قد تواتر عن علي رضي الله تعالى عنه أنه لم يعاملهم معاملة الكافرين، فلم يُذَفِّـف جريحهم ، لم يُـجهِز على من سقط جريحاً.

الكافر إن سقطَ جريحاً لك أن تجهز عليه يعني أن تكمل عليه حتى تزهق روحه، أما الخارجي في حربهم مع علي فأمر أصحابه علي أن لا يذفَّفَ على جريحهم، وما عامل أزواجهم معاملة السبايا، ولا استحل مالهم، بل وصلى عليهم.

ففي هذا دلالة على أن الخوارج ليسوا في أصلهم كفاراً،
ممكن يكونوا نفاق خرجوا بالنفاق؟ ممكن، كما حصل في الحادثة التي نحن بصددها، ونحن بصدد حادثة مهمة وقع خلاف شديد بين أهل العلم متى بدأ الخروج؟

والصواب قول من قال أن الخروج بدأ في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدأت البذرة الأولى في خروجهم في غزوة حنين، ثم اشتدت بعدها في هذه الحادثة، ثم اشتدت بعدها لما أَرسلَ عليٌّ ، وكان ذلك في العام العاشر للهجرة.

في هذه السنوات من ذي القعدة من السنة الثامنة إلى السنة العاشرة، بدأت الخوارج تظهر وبدأت تُفرِّخ وتبيض، وأصبح لها وجود وأصبح لهم تحرُّك، وتحركهم في السر فيما بينهم على عدم مرأى ولا تربية ولا تعليم ولا تزكية من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هكذا بدأت الخوارج ، والخوارج يتواصون ، وقد يكون بينهم من هو مغفَّـل، ولكن هذا المغفل إن منّ الله عليه بالصدق -انتبه- ومن ألطف ما وقفت عليه ما ذكره اللالكائي في كتابه شرح السنة في المجلد السابع صفحة 1234 برقم 2317 ذكَـرَ بسنده إلى محمد بن يعقوب ابن الأصم قال:
طاف خارجيان بالبيت -فالظاهر أن واحداً منهم كان عاقلاً- فقال أحدهما لصاحبه: لا يدخل الجنة من هذا الخَلق غيري وغيرك.
ما في خوراج إلا أنا وأنت.
يطوفون في البيت فأحد يقول للآخر قال:
لا يدخل الجنة من هذا الخلق غيري وغيرك، فقال له صاحبه وكان أعقل منه، فقال له صاحبه: جنة عرضها كعرض السماء والأرض بنيت فقط لي ولك؟ جنة الله جعلها عرضها عرض السماوات والأرض بنيت لي ولك؟ فقال: نعم، قال: هي لك وترك رأي الخوارج، هذه الجنة لك إذا وحدك، لك هي لك فقط، وأنا تبت إلى الله عز وجل من مذهب الخوارج.

فالخوارج قوم “حدثاء الأسنان”، سنهم صغير، سفهاء الأحلام، وسيأتي هذا في ما يأتي من أوصافهم في الأبواب الآتية، فهؤلاء الخوارج ليسوا كفار، أي ليسوا مرتدين، لكن هناك فِرق، وهذه الفِـرَق نحكم بكفرها وهي من الخوارج ، لكن ليس كل خارجي يقول بقول هذه الفِرَق، فبعض الخوارج ينكر سورة يوسف، فمن أنكر سورة يوسف كافر خرج من الملة، لكن لا يقال أن كل خارجي كافر.

بل بعض الخوارج زعم أن النبوة ما انقطعت ، وستبقى، وهذا أيضاً يضاد النصوص الشرعية ، وفيها الخروج عن ملة الإسلام، فنحن لا نكفر كل خارجي، ولكن الخارجي أو غيره ممن قال كلاماً دل عليه الدليل الصريح الواضح، فإننا نكفره.

المصدر:
البث المباشر – لدرس شيخنا شرح صحيح مسلم – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.
التاريخ:
26 ربيع أول 1447 هـ
18 سبتمبر 2025 م✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

[الخوارج: نشأتهم، تاريخهم، وعلاماتهم ، وهل هم كفار ؟]

[ أنتَ قلتَ كذا، “فأنتَ سروري” ، من أين هذا؟! يقول لك : هذا لازِم القول! ]

[ أنتَ قلتَ كذا، “فأنتَ سروري” ، من أين هذا؟!
يقول لك : هذا لازِم القول! ]

ولذا قرر العلماء أن لازِم القول ليس بلازم، ولازِم القول ليس بمذهب.

أنا أقول كلامًا تفهم منه بدلالات خفية شيئًا آخر، فتقول لي: “أنت قلت كذا، لازم كلامك كذا”، فأقول: “أستغفر الله، أنا ما قلت هذا”.

انتبه، انتبه!
كل المؤاخذات على شيخ الإسلام ابن تيمية التي أخذها عليه خصومه إنما هي باللوازم، وطولتُ في بيان هذا في كتاب “الأغاليط على شيخ الإسلام ابن تيمية”.

كل مؤاخذة على شيخ الإسلام ليست من كلامه، وإنما هي من اللوازم ،هو بشر، له كلام ولكلامه لوازم.

ليس فقط شيخ الإسلام، بل شيخ الإسلام قال: “كل عالِـم متناقض”

انتبه، انتبه!
بعض فقهاء الشافعية وما زال بعض المفتين يرددون هذا الكلام
وهذا منكر من القول وزور، يقولون: “الشافعي رحمه الله يجيز للرجل أن ينكح ابنته ، المسفوح من ماء الزنا”، يعني لو أن رجلًا نكح امرأة بالزنا فجاءت ابنة، فقالوا: “الشافعي يُـجوِّز أن ينكح الرجل ابنته من ماء الزنا” !
هذا لازم قوله، ومقامه أجل وأرفع عند الله عز وجل من هذه الشنيعة التي يستحيل أن تكون للإمام الشافعي.

وقلت لكم: الشافعي يقول: “الزواج عقد”، الأصل في الزواج عنده عقد، فوطء دون عقد ليس بزواج ، لأن عنده الزواج عقد، فهذا نكح بالحرام بالزنا من غير عقد، فالابنة ليست ابنته.

وما قال هذا ، هذا لازِم قوله!
فلازِم القول ليس بقول، فالشافعي بريء من هذا والإمام ابن القيم له تجليات في نقض هذا الكلام في كتابه “إعلام الموقعين”.

ورأيت شيخنا رحمه الله الألباني ذكر كلامه باختصار في تعليق له على “آداب الزفاف” أن هذا مستحيل أن يكون هذا كلام الشافعي.

إلى الآن بعض الناس يقول: “الشافعي يقول يجوز للرجل أن ينكح ابنته من الزنا” !
معاذ الله أن يقول الشافعي هذا!
هذا ليس قولُه، وإنما هذا لازِم القول.

لذا ابن تيمية لَما قال “كل عالِم متناقض” هل كان يريد أن يقلل من قيمة العلماء ؟
ماذا يريد؟
يريد أن يربط طالب العلم أمره بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لا يتابع أحدًا غير معصوم، لا يتابع جهة غير معصومة، ما يأخذ كلام العلماء “قال الشافعي، قال مالك، قال أحمد، قال أبو حنيفة رحمهم الله تعالى جميعًا” كما تقول: “قال الله تعالى”، لا، هذا غير ذلك.

علماؤنا المرضيون نحبهم ونرجو الله أن نحشر معهم، لكن أقوالهم ليست كأقوال الوحي، لذا قال ايش؟ قال: “كل عالم متناقض”، والله كلامه صحيح “ثقيل” أنا أول ما قرأته ثقيل، ما ما ترك عالم ؟
صحيح ، الكلام المتناقض ليس الكلام الصريح، وإنما كلامه متناقض بجميع الدلالات.

لذا جميع الدلالات من الآيات التي شرحناها
إنما هي خاصة بايش؟
خاصة بـ”قال الله” بالآية، وخاصة بالحديث ، دون الآية والحديث لا تؤخَذ جميع الدلالات.

أنا خذ كلامي بالمنطوق، إذا أخذتَ دلالات أخرى غير المنطوق ليس لك ذلك، ليس لك أن تأخذ الدلالات التي أنا أقولها انتبه، انتبه، انتبه، مهمة جداً هذه !

جُل الخلاف بين العلماء في هذا الزمان أنهم يردون على لازم قولك، أنتَ قلتَ كذا، “فأنتَ سروري” من أين هذا؟!
يقول لك : هذا لازِم القول!

لازم القول ليس قولاً ، فلما يكون عالِم بوَّأه الله أن يقول كلمة، وله أتباع، وأن يكون غافلًا عن هذا ؛ يولِّد مشاكل لا أول لها ولا آخِـر.

فالآفة أن يتعلق الناس بأناس ما ينبغي أن يتعلق بهم، لا يَـعرِفون ولا يُـفرِّقون بين القول وبين لازم القول.

إذا كان هذا الكلام صحيح ؛ فيكون كل كلام الأحباش في الطعن في شيخ الإسلام ابن تيمية صحيح،
وهو ليس كذلك، لماذا ؟
تدرون لو أنا الآن طلبت أن أناقش حبشياً ، وعملنا مناظرة في هذا المسجد، وجاءنا حبشي نتناقش أنا وإياه عن شيخ الإسلام، تعرفون ماذا يفعلون؟
قبل ما نبدأ بالمناقشة؟ تعرفون ماذا يفعلون؟
الجواب: يأتون بكتب شيخ الإسلام وعليها علامات، ويأتون بكتب شيخ الإسلام لا تسعها هذه الطاولة، ويكون ارتفاعها أقل شيء متر ، ويفتح الكتاب ويقول: “ابن تيمية في كتاب كذا، صفحة كذا، جزء كذا”، ويقتطع الكلام عن سياقه
ويفهم الكلام على مراده هو ، وليس مراد شيخ الإسلام!

(وهات عاد هات خلِّص!)
وانظر كم من إنسان يغتر بكلامه!
لأنه فاتح الكتاب ويقرأ، فاتح ويقرأ، مقتطَع من السياق، مقتطَع من الكلام، وبينت هذا بتفصيل في كتاب “الأغاليط”.

تعبنا كثيراً في رد الشبه، والسبب عدم إحكام طرق الاستنباط إذا أنا بأقول عبارة دقيقة جدًا وأرددها كثيراً سواء بقلمي أو بلساني، وأقولها كثيراً كثيراً كثيراً، أقولها: “أهل الحق يضبطون طرق الإثبات ، وطرق الاستنباط”، كلمة سريعة صغيرة، لكن كلمة ترد على كل باطل.

طرق الإثبات:
كيف نثبت أن هذا حديث أم ليس بحديث؟ أو أن هذا من عند الله وحي أو ليس بوحي؟

أو طرق الاستنباط :
كل العبث الذي يجري في دين الله عز وجل إنما سببه عدم معرفة أحكام الإثبات وأحكام الاستنباط.

يستنبط هكذا من غير أي قاعدة، يتكلم ويتكلم بالشرع دون أن يدري.

المصدر :
الدرس التاسع – شرح مبحث العام والخاص في أصول الفقه – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن
تاريخ:
9 سبتمبر 2025 م
17 ربيع أول 1447 هـ✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

[ أنتَ قلتَ كذا، “فأنتَ سروري” ، من أين هذا؟! يقول لك : هذا لازِم القول! ]

[ كيف يتدرج طالب العلم في قراءة كتب التفسير / بلاد الشام بلاد الرباط ]

[ كيف يتدرج طالب العلم في قراءة كتب التفسير / بلاد الشام بلاد الرباط ]

طالب العلم في التفسير ينبغي أن يبدأ بتفسير معتَصر مختصر واضح بيّن، ومن أحسن التفاسير المعتصرة المختصرة تفسير شيخنا محمد نسيب الرفاعي الواضح أو تفسير الشيخ السعدي” تيسير الكريم المنان”.

ثم بعد هذا التفسير -تقرأه- ، في كم تختم القرآن؟
مثلاً، تختم في الشهر مرتين؟
اختمه مرة في الشهر، واقرأه مع التفسير.

تختمه في شهر؟
اختمه في اربعين، ولا تزيد عن أربعين ، كما ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه:
«عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو أنَّهُ سألَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في كم يقرأُ القرآنَ قالَ: في أربعينَ يومًا. ثمَّ قالَ: في شَهرٍ. ثمَّ قالَ: في عشرينَ. ثمَّ قالَ: في خمسَ عشرةَ. ثمَّ قالَ: في عشرٍ. ثمَّ قالَ: في سبعٍ. لم ينزل من سبعٍ».

المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود
الصفحة أو الرقم: 1395 |

“اقرأوا القرآن في أربعين، اقرأوا القرآن في ثلاثين، اقرأوا القرآن في عشرين، اقرأوا القرآن في عشرة”.

فظاهر الحديث أنه يجب على المسلم أن يقرأ القرآن كل أربعين يوم ، اقرأ القرآن في أربعين، لكن، وأنت تقرأ القرآن يكون أمامك تفسيره، اقرأ القرآن مع تفسيره، بعد أن تقرأ القرآن، اقرأ تفسيرًا متوسطًا، وأحسن تفسير متوسط تفسير ابن كثير، تفسير مبارك.

وإذا ما كنت من أهل الحديث، اقرأ مختصرًا له، وأما إن كنت من أهل الحديث، فاقرأ تفسير ابن كثير.

ثم اختم رحلتك في الطلب مع القرآن بتفسير مُطوّل، اقرأ التفسير المُطوّل.

ما هو أحسن تفسير للقرآن؟
سؤال كثير محيِّر.

سُئِل العلماء:
ما هو أحسن تفسير للقرآن؟
فقال أحدهم: “الزمن يكشف لك عن أسراره”، ومنهم من قال: “أحسن تفسير للقرآن القلب السليم، أن يكون قلبك سليمًا فتتدبر القرآن”.

ومنهم من قال: “أحسن تفسير للقرآن هو التفسير السُنني ، أن تقرأ التفسير على أنه سُنن باقية ودائمة إلى يوم الدين”.

تقرأ القرآن على أنه سُنن لله عز وجل.

لكن التفسير المطول الذي تختم به حياتك العلمية هو الذي يتواءم مع تخصصك، يعني طالب علم حديث يعرف الأسانيد ويعرف أحوال الرواة ويعرف أخبرنا وحدثنا، وحال الراوي، أحسن تفسير له تفسير الطبري، يقرأ تفسير الطبري.

طالب علم فقه يريد الفقه، أحسن تفسير يقرأه تفسير القرطبي، تفسير القرطبي لا يترك شاردة ولا واردة إلا ويذكر الأحكام الفقهية فيها.

يعني لما يذكر قوله تعالى :
{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين : 1]

“والتين” يذكر مبحثًا طويلاً في أحكام زكاة التين والزيتون، مبحث طويل في أحكام الزيتون، “والتين والزيتون” الآية ظاهرها أنه ليس المراد بالتين والزيتون.

إيش معنى التين والزيتون؟
أكمل الآية:
{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)} [التين : 1-3]

“والتين والزيتون” المراد بها بلاد الشام، فليس التين والزيتون هو التين والزيتون المراد بها.

“وطور سنين” ، “وهذا البلد الأمين”، انظر إلى السياق!
فالسياق يدل أن “التين والزيتون” هي “بلاد التين والزيتون”، لأن بعدها “وطور سنين” وبعدها “وهذا البلد الأمين”.

فلم يقسم الله تعالى بالتين والزيتون، لكن سبحان الله التين والزيتون مجتمعين في بلاد الشام فقط!
تجد تينًا في غير بلاد الشام وتجد زيتونًا في غير بلاد الشام، لكن التين والزيتون معًا في بلاد الشام، والتين والزيتون المراد بها بلاد الشام

فأقسم الله تعالى ببلاد الشام، نحن في نعمة، هل في يوم من الأيام خطر في بالك أن الله امتن عليك أن تكون في بلاد الشام؟ والله إذا ما خطر في بالك هذا الخاطر ؛ فأنت محروم في أنك لا تشعر أن الله جعلك في بلاد الشام.

يا جماعة !
القائم في بلاد الشام والذي يسكن بلاد الشام ويقيم دين الله، فهو أحسن المجاهدين عند الله عز وجل، أحسن من المجاهدين.

بلاد الشام بلاد الرباط، وأنت في الأردن تسكن الأردن، أنت مرابط، {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) }
[التين : 1-2]

المصدر :
الدرس التاسع – شرح مبحث العام والخاص في أصول الفقه – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن
تاريخ:
17 ربيع أول 1447 هـ
9 سبتمبر 2025 م✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

[ كيف يتدرج طالب العلم في قراءة كتب التفسير / بلاد الشام بلاد الرباط ]

[ما هو الثابت عن النبي ﷺ في رواية تحريك الإصبع في التشهد ؟]

[ما هو الثابت عن النبي ﷺ في رواية تحريك الإصبع في التشهد ؟]

السؤال:
جاء عن بعض طلبة العلم أن زيادة لفظة “يحركها” في حديث وائل بن حجر شاذة، تفرد بها هنالك مخالف للجماعة الذين قالوا “أشار بها”، وما الجمع بين هذا في بعض الروايات “نصبَ إصبعه”؟

الجواب:
حديث “يحركها” حديث وائل بن حجر الحضرمي الصحابي اليمني، وحديث وائل بن حجر الحضرمي رواه جمع، ومداره على عاصم بن كليب الشاشي عن أبيه عن وائل، وعاصم بن كليب رواه عنه عدد من الرواة نحو 20، وقديمًا بحثت الحديث بحثًا مفصلاً، وقفت على أزيد من 20، وقفت على 24 راويًا، ومن بين الرواة الذين رووه عن عاصم عن أبيه عن وائل: زائدة بن قدامة، زائدة بن قدامة هو الذي روى “كان يشير بإصبعه السبابة يحركها”، وانفرد بهذه الزيادة، وهو أيضًا انفرد “كان يقبض بيمينه على يساره ويضعها على صدره”، فانفرد بهذه أيضًا.

انتبه !
الآن، أخاطب السائل أولاً، وطلبة علم الحديث ثانيًا، ثم أخاطب الإخوة الأفاضل الذين يسمعوني.

ما سرد واحد من الأربعة والعشرين عن صفة صلاة النبي ﷺ بتمامها وكمالها، وإنما كل منهم ذكر شيئًا من صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فالقول بـ”انفرد” ليس دقيقًا، لو واحد سرد كل شيء إلا كلمة “يحركها” فأقول هذا “انفرد”، وواحد ذكر أن النبي ﷺ كيف ينزل، كان ينزل على يديه أو ركبتيه، وآخر كيف يضع يديه وهو قائم وهكذا، فكلمة “الانفراد” كلمة فيها ما فيها.

نقول “تفرد” لكن لا نقول “شذ”، أقول “تفرد” لكن لا أقول “شذ”، لماذا لا أقول “شذ”؟
لأن كل واحد منهم ذكر شيئًا.

الخلاصة :
والذي استقر عندي وكتبت هذا في كتاب ‘القول المبين في خطأ المصلين” قبل أكثر من 30 سنة وزيادة، أي الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضوع السبابة حديثان:

حديث عبد الله بن الزبير:
“كان صلى الله عليه وسلم يشير بالسبابة وكان يلقي ببصره عليها”، وأنت تصلي فانظر إلى مكان سجودك، إلا إن جلستَ للتشهد فتمد السبابة وتلقي ببصرك على السبابة، وهذا حديث عبد الله بن الزبير وفي صحيح مسلم.

وحديث وائل بن حجر الحضرمي “كان يشير بالسبابة ويحركها”.

وعلماؤنا يقولون :
إذا اختلف المَخرج (هذا حديث مستقل وهذا حديث مستقل)، هذه حادثة مستقلة وهذه حادثة مستقلة، والمراد بالمَخرج الصحابي، حديث عبد الله بن الزبير عند مسلم ، والحديث الذي عند الطبراني واختصره أبو داوود، الطبراني فيه “كان يحركها” وأورده أبو داوود ، وأورد قطعة من الحديث، فهذا ثابت وهذا ثابت.

بما أن الصحابة اختلفا والمَخرج اختلف، فهذا يحمل على حالة وهذا يحمل على حالة، بمعنى أنه تارة كان صلى الله عليه وسلم يمد إصبعه ويحركها، وتارة كان يمدها ولا يحركها.

أما الرواية التي عند أبي داود في حديث عبد الله بن الزبير “وكان يشير بسبابته ولا يحركها”، فهذه الرواية الشاذة، هذه عصارة وخلاصة المبحث الحديثي في موضوع السبابة.

الخلاصة:
لك أن تمد دون تحريك، ولك أن تمد مع التحريك، وهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

المصدر:
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله – الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الرابعة.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

[ما هو الثابت عن النبي ﷺ في رواية تحريك الإصبع في التشهد ؟]

[ قال شيخنا الألباني رحمه الله: قبل خروج المهدي وقبل خروج الدجال، لا بد أن يكون هناك مهديون كثر يَخرجون وتكون فلسطين حينئذ لا يوجد فيها يهودي ]

[ قال شيخنا الألباني رحمه الله:
قبل خروج المهدي وقبل خروج الدجال، لا بد أن يكون هناك مهديون كثر يَخرجون وتكون فلسطين حينئذ لا يوجد فيها يهودي ]

السؤال:
نريد تفسيرًا أو توضيحًا لشيء في الكتاب، صفحة 108، أورَدْتُم آثارًا أو مرويات عن إمارة آخر الزمان “لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار أهل العراق إلى الشام ويتحول شرار أهل الشام إلى العراق” ، وبلغنا أن لن تقوم الساعة حتى يخرج خيار أهل العراق إلى الشام ويخرج شرار أهل الشام إلى العراق، الآن، ( بعد سقوط النظام في سوريا ، في سنة كانون الأول 2024 ) ، يعني كثير منهم، ( أي من أتباع النظام السابق من سوريا ) ، يخرجون إلى العراق، وهل ينطبق هذا الحديث أو الأثر على هذه الحادثة أو الواقعة هذه؟ جزاكم الله خيرًا يا شيخ، بارك الله فيك ؟

الجواب :
أولًا، الإسلام انتشر من المدينة في الأمر الأول زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعثُ الإسلام في آخر الزمان سيكون من بلاد الشام، وحديث عبد الله بن حوالة الذي أخرجه أبو داود وغيره:
إن الله عز وجل يصطفي صفوته من خَـلقه إلى صفوته من بلاده، وهي الشام.

فهي الصفوة من الخَـلق وصفوة البلاد في آخر الزمان، ولذا، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الفتن: “عليك بالشام”، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم”، وقال: “إن الملائكة باسطة أجنحتها على الشام”، وقال أبو أمامة كما في مسند الإمام أحمد، أبو أمامة الباهلي صُدَيُّ بن عجلان رضي الله تعالى عنه وهو صحابي شامي، لما ذكر فتنة العراق قال:
“لا تقوم الساعة حتى يتحول شرار أهل الشام إلى العراق وحتى يتحول خيار أهل العراق إلى الشام”، فجاءنا إلى بلادنا إلى بلاد الشام خيار أهل العراق، وهذا أمر ملموس نلمسه في الناس، فهم أهل صلاة وأهل ديانة.

فالخلاصة أن الخير الذي يكون في الأمة في آخر الزمان هو في بلاد الشام.

ولذا الله جل في علاه يرسل المهدي، والمهدي يتحول إلى بيت المقدس ويلتقي مع عيسى عليه السلام، وعيسى عليه السلام كلما وقع بصره على الكفار يموتون في آخر الزمان، ويتعاونون على قتال الدجال، ويدخل الدجال فلسطين ويخرج من أصبهان ومعه 70 ألفًا من اليهود، يخرج الدجال مع 70 ألفًا من أصبهان.

أصبهان أين؟
إيران، أصبهان في إيران، مدينة مشهورة ومعروفة، وما زالت معروفة في إيران، وكان شيخنا رحمه الله تعالى يقول: قبل خروج المهدي وقبل خروج الدجال، لا بد أن يكون هناك مهديون كثر يخرجون وتكون فلسطين حينئذ لا يوجد فيها يهودي، لا يوجد فيها يهودي، وإنما يأتي اليهود من أصبهان.

وسبحان الله!
اليهود في كل أنحاء العالم يجتمعون إلى فلسطين، إلا يهود إيران، فهم ما زالوا إلى الآن في إيران، ما خرجوا منها، فهؤلاء يخرجون مع الدجال، ولشيخنا كتاب بديع سماه: “مقتل الدجال وطريق قدومه وخروجه من “خَلَّة” بين الشام والعراق، المنطقة التي نسميها نحن الرقة وما شابه هذه المناطق”، يخرج منها الدجال، فلما يخرج الدجال يأتي الـ 70 ألفًا من أصبهان، وتكون الأحداث الجسام الكبيرة التي لها أثر على الإسلام والمسلمين في آخر الزمان تكون في بلاد الشام، تكون في بلاد الشام، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن بحيرة طبرية تجف لما يخرج الدجال.

فكل الأحداث التي وردت في آخر الزمان وردت ، وللشام فيها ذِكر، وألَّف الربعي، وهو من علماء المالكية المحدثين، كتابًا مسندًا: “فضائل الشام”، وشيخنا الألباني له كتاب “تخريج أحاديث فضائل الشام”، والكتب التي كتبت عن فضائل الشام كثيرة، من أجودها وأدقها وأضبطها كتاب “فضائل الشام” ، للإمام ابن رجب.

ابن رجب صاحب “جامع العلوم والحكم” له كتاب اسمه “فضائل الشام”، يعني أنا أنصح طلبة العلم بقراءته.

المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الرابعة.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

[ قال شيخنا الألباني رحمه الله: قبل خروج المهدي وقبل خروج الدجال، لا بد أن يكون هناك مهديون كثر يَخرجون وتكون فلسطين حينئذ لا يوجد فيها يهودي ]

متى يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر؟

متى يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر؟

قال فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله:

انتبه!
وقَلّ من إنتبه من إخواننا لأن فقهنا للمسائل ليس فقهاً شمولياً ،نفقه مسائل متفرقة وهذا الشتات لا يولد فقهاً هذا أصل أصيل اعتمده العلماء قاطبة بأنه في بعض الأحايين يجوز دفع القيمة في الزكاة سواء كانت زكاة ماشية أو زكاة فطر.

هل يجوز أن تدفع القيمة في زكاة الفطر؟
نعم يجوز.

إخواننا الذين يتحمسون لزكاة الفطر ويوجبونها في الطعام جزاهم الله خيراً هم مُتَّبِعون وسيأتينا بيان ذلك بعد قليل لكن هذا الإطلاق ليس صحيحاً، فتجوز صدقة الفطر نقداً في صورتين ولا أشك قيد أُنمُلة أنهما جائزتان في هاتين الصورتين.

الصورة الأولى: أن لا تستطيع أن تدفعها إلا نقدا كيف يكون ذلك؟
تذهب لمصلى العيد وأنت جالس في مُصَلى العيد وتُكَبر تكبيرات العيد وأنت تُكَبر تنتبه إلى أنك ما دفعت صدقة الفطر! وبقي على خطبة الإمام لحظات ويخطب، نظرت فوجدت فقير، ما هو الواجب عليك الأن؟

أدفع له القيمة ولا شيء عَلَيَّ، لا أقدر إلا القيمة. الصورة
الثانية: في المجاعات أرجو الله أن يبعدها عن المسلمين بخاصة وعن البشرية بعامة إذا صار معك نقود وما في شيء تشتريه وتوزعه على الفقراء ما هو الواجب عليك الآن؟ القيمة.

أسأل الله لا ندرك هذا الوقت، اليوم في الأفق الناس يحذرون من عدم الأمن الغذائي وأن البشرية سَتُعَرض لتهديد بالجوع وهذا الذي يعمل عليه جاهدين اليهود، وسيكون ذلك ولا مَحالة شاء من شاء وأبى من أبى إن إحْتَلُّوا غزة، وأرجو الله أن لا يحتلوها.

المصدر:
المحاضرة الرابعة لفضيلة الشيخ مشهور حسن
آل سلمان حفظه الله ، من كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، لابن حجر
العسقلاني رحمه الله.
الموافق :
18 ربيع الأول 1447 هـ
14 يوليو 2025 م✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

متى يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر؟

[ مَن لم يفقه في دين الله ؛ لو ملك مال الدنيا، وعنده من الحشم والخدم، فالله لا يُرِد به خيراً ]

[ مَن لم يفقه في دين الله ؛ لو ملك مال الدنيا، وعنده من الحشم والخدم، فالله لا يُرِد به خيراً ]

قال النبي ﷺ:
«مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ»
المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 7312

قال فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله:
من يرد الله به خيراً ، يفقهه في الدين، “خيراً” نكرة ، و “من” اسم شرط ، والخير للعموم.

من لم يفقه في دين الله ولو ملك مال الدنيا، وعنده من الحشم والخدم، فالله لا يرد به خيراً.

“من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين” حديث له مفهوم، وله عبارة نص، وله مفهوم مخالفة، ومفهوم المخالفة مرعب لا يعرفه إلا الفقيه.

مفهوم المخالفة هو أن الذي لا يفقه في الدين لا خير فيه،
الذي لا يفقه في الدين دابة من الدواب، لا خير فيه، ليس كل إنسان آدمي في حقيقته، بعض الناس تلعب به أطباع السباع والدواب، فبعض الناس زي الطاووس، دائماً (مشخِّـص) ومرتب حاله ولبسه!

وبعض الناس ماكر كالذئب أو الثعلب ، وابن القيم في “مفتاح دار السعادة” قسَّـم الناس على هذا الحال، وقسمهم على أحوال متعددة، فالناس أقسام ،سبحان الله!

لكن القسم الذي يريد الله به خيراً ؛ هو الذي يصرفه لأن يتفقه في دينه.

“من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين” ، “خيراً” عموم،
ماذا يعني عموم؟
كما قال الشافعي -أخذ من هذا الحديث الإمام الشافعي-، قال: من أراد خير الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد خير الآخرة فعليه بالعلم، ومن أراد خير الدنيا والآخرة فعليه بالعلم،
فـ “خيراً” تشمل خير الدنيا وخير الآخرة.

المصدر:
الدرس العاشر – شرح مبحث العام والخاص في أصول الفقه – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن
الموافق :
24 ربيع الأول 1447 هـ
16 سبتمبر 2025 م✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

[ مَن لم يفقه في دين الله ؛ لو ملك مال الدنيا، وعنده من الحشم والخدم، فالله لا يُرِد به خيراً ]

[ سنن وأحكام الدفن ]

[ سنن وأحكام الدفن ]

جاء في الحديث:
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ, أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ – رضي الله عنه – أَدْخَلَ الْمَيِّتَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ الْقَبْرَ، وَقَالَ: هَذَا مِنَ السُّنَّةِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.

الشرح للشيخ مشهور حسن:
هذا حديث صحيح عبد الله بن زيد صحابي جليل فعل فعلا وهذا الفعل قال عنه هذا من السنة ، وفعل الصحابي الذي يتبعه قوله هذا من السنة يريد سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

أدخل الميت من قبل رجلي القبر جهة المحل الذي في القبر الذي توضع فيه الرجلان هذا يسمى رجلا القبر.

كيف يدخل الميت؟
يوضع الرأس في المكان الذي سيؤول أخيراً إلى أنه موضع قدمي الرجل.

يوضع الرأس هناك ، ثم الدافن يستله سلاً يدخله من رأسه إلى داخل القبر ، هذه هي الهيئة المسنونة المشروعة في إدخال الميت إلى القبر.

يوضع الرأس عند المكان الذي سيؤول إلى قدميه ، ثم يسحبه سحباً من رأسه إلى داخل القبر.

قال :
«وهذا من السنة».
فيسل سلاً رفيقا ، لأنه ثبت في صفة دفن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه سُلَّ في قبره من قِـبَلِ رأسه.

وسيأتينا مَن الذي دفن النبي صلى الله عليه وسلم ومن الذي غسله.

إذا لم يكن بالإمكان هذه الصفة في السَّـل لسبب يخص القبر ؛ فحينئذ نحن مضطرون ولا حرج لو أدخل من غير أن يُـستل إلى قبره.

لذا من السنة أن يُستَل الميت من رأسه ، أول ما يوضع الميت يوضع رأسه في المكان الذي فيه الرجلين ، ويسميها العلماء رجلا القبر ثم يحمله ياخذه ويسل سلاً إلى داخل القبر ، هذا هو المسنون في هذا الأمر إلا إن كان الأمر ليس مقدوراً عليه.

الحديث:
٥٧٤ – وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «إِذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي الْقُبُورِ, فَقُولُوا: بِسْمِ اللَّهِ, وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم». أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ, وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالْوَقْفِ.

الشرح للشيخ مشهور حسن:
هذا كلام لابن عمر رضي الله عنه ، ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بزيادة خرجها الحاكم والبيهقي ولكن سندها ضعيف ، والحديث عند الحاكم :
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما وضعت أم كلثوم في القبر فقال -صلى الله عليه وسلم- منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ، ثم قال بسم الله وعلى ملة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

الآية :
{۞ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ} [طه : 55]

يرددها الناس في الدفن ، لكن لم تثبت ، هي وردت في حديث ضعيف عند الحاكم والبيهقي.

الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تقول بسم الله ، الباء متعلقة بشيء محذوف ، تقديره وضعته بسم الله ، أدخلته بسم الله ، دفنته بسم الله ، فهذه كلها تصلح أن تكون متعلقات بـ (بسم الله).

أدخلته القبر ، دفنته ، وضعته في القبر وضعته بسم الله ، كما تقول بسم الله ، آكل بسم الله ، أشرب وهكذا.

«وعلى ملة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» :
ما شرع الله على لسان أنبيائه يسمى ملة رسول الله ﷺ ، وما أنزله الله على أنبيائه يقال هذا من دين الله -سبحانه وتعالى-.

فالملة تضاف للنبي -صلى الله عليه وسلم- ، والدين لا يضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وإنما الدين يضاف إلى الله.

فالطريقة تقول ملة رسول الله ﷺ .

وأما الدين يضاف على ملة رسول الله ﷺ :
تقول: على الطريقة التي سنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسنها وهو حي.

ولذا قال :
وعلى ملة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فمن السنة الغائبة التي قل من يتذكرها أن الميت عندما يُستل سلاً ، يقول الذي يَـستل :
بسم الله على ملة رسول الله ﷺ.

هذه سنة هجرها كثير من الناس بسبب الجهل أسأل الله أن يعلمنا وإياكم وأن يرزقنا مع العلم العمل.

٥٧٥ – وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا; أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

٥٧٦ – وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «فِي الْإِثْمِ».

الشرح للشيخ مشهور حسن:
حديث مهم ورد الحديث بألفاظ ، وهذه الألفاظ يعني الفقيه يستنبط منها.

عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
كسر عظم الميت.

في لفظ «كسر عظم المؤمن ككسره حياً».

في رواية يعني عند الدارقطني :
في الإثم.

أي :
إثم من كسر عظم حي كإثم من كسر عظم ميت ، قال في الإثم.

وزيادة في الإثم الراجح عند المحدثين أنها مدرجة وليست من ألفاظ الحديث لم يقلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنما قالها بعض الرواة ، وقالها بعض الرواة للتوضيح ولبيان فقه الحديث.

ما معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- كسر عظم الميت ككسره حياً ؟
أي في الإثم.

وبناء على رواية كسر عظم المؤمن كان شيخنا -رحمه الله تعالى- يقرر أن استفادة المؤمن من عضو الكافر مشروع ، ولا يجوز أن يستفيد المؤمن من عضو من أعضاء المؤمنين.

ولذا لما شُـخِّصَ ولده ، أسأل الله أن يحفظه ، ويكون معنا في بعض الدروس ، والآن ليس هو معنا ، ولهذا لما احتاج ولده (أبو عبادة عبد اللطيف أسأل الله أن يحفظه) لأن يزرع كبد ؛ فقال له خذ الكبد من الكفار ، فقال لي عبد اللطيف ذهبت إلى الصين فوجدتُ رجلاً محكوماً عليه بالإعدام ، وباعوا كل شيء فيه إلا الكبد ، فلما جئتُ فقال بعد أن أعدموه أعطوني الكبد.

فالشيخ هنا -رحمه الله- بناء على رواية كسر عظم المؤمن كان يتساهل في الأخذ الشيء من غير المؤمن ، قال:
وأما الكافر يأخذ منا ؛ فلا ، وأما أنا آخذ من المؤمن فلا.

ويقول هذا كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا كلامه عند أبي داوود.

الحديث:
٥٧٧ – وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ – رضي الله عنه – قَالَ: أَلْحَدُوا لِي لَحْدًا, وَانْصِبُوا عَلَى اللَّبِنِ نُصْبًا, كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

٥٧٨ – وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ, وَزَادَ: وَرُفِعَ قَبْرُهُ عَنِ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

الشرح للشيخ مشهور حسن:
الحديث عند مسلم ، في السنن الأربعة عن عبد الله بن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال اللحد لنا والشق لغيرنا.

لنا أمة الإسلام اللحد وأما غيرنا له الشق ، وفي رواية والشق لأهل الكتاب.

الأراضي الرخوة يسهل فيها اللحد ، والأراضي الصلبة الشديدة يعسر فيها اللحد ، ولما توفي شيخنا -رحمه الله- ودفن وكان يحب أن يُحمل على الأكتاف ، فيسر الله -عز وجل- له أن يدفن في المقبرة القريبة من بيته ، في جبل هملان ماركا الجنوبية ، وحُـمِل على الأكتاف ، وكانت المقبرة مليئة ، ولم يبق إلا أماكن معدودة ، دفن فيها أربعة ، وكادت أن تغلق فلما حُـفِر ؛ كان مكان قبره صخرة كبيرة ، وما استطاعوا أن يدفنوه حتى طال بهم الأمد ، وشيخنا -رحمه الله- حفر قبره بالكمبريصة (آلة معروفة تستخدم بحفر الشارع) ، وشق له بها شقاً ، ومكث حفر القبر من قبيل العصر إلى ما بعد المغرب ، حتى دفن في هذه الصخرة ، فكأنه وضع في صندوق.

اللحد لنا والشق لغيرنا ، الشق أن تحفر حفرة عميقة حتى تأمن الرائحة الكريهة ، وحتى تأمن أكل السباع والكلاب للميت فتكون عميقة ، ثم إن عمدت إلى مكان القبلة ، وحفرت في هذا المكان حفرة للميت ، فتضع الميت في أسفل القبر في حفرة خاصة به ، ثم تهيل التراب ، هذا يسمى لحداً ، وقليل من يفعل اللحد.

واليوم إذا أراد الرجل أن يلحد الميت في مقبرة سحاب مثلاً (مقبرة تقع في عَـمَّان) ؛ يحتاج أن يأخذ مساحة قبرين ، وليس قبر واحد ، يأخذ مساحة قبر ويعمق الحفرة ، ثم يعمد إلى جهة القبلة ، فيحفر في داخل الحفرة حفرة أخرى ، فالحفرة الأخرى تتعدى إلى القبر الذي بعده ، كلفة زائدة ، لكن هذه سنة ، ومن كان مستطيعاً فاللحد هو الأفضل ، والشق لأهل الكتاب.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- قضى الله -عز وجل- في سنته في كونه أن يُـلحَد ، فكان هناك اثنان يدفنون ويَحفرون ، فالذي حفر قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبو طيب الأنصاري ، وكان يُلحِد ، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أُلحِد في قبره.

في الحديث :
ألحدوا لي لحدا.

هذه وصية سعد ، وسعد مات بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وقال وانصبوا علي اللبن نصبا ، ثم فصل ذلك بقوله كما صنع برسول الله صلى الله عليه ، هذا هو حب النبي -صلى الله عليه وسلم- ، حتى طريقة دفنه ، تحب أن تموت في الطريقة التي دفن فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

أنت ميت لكن أن توصي من تحب أو أن تكتب في وصيتك كما صنع برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ما معنى وانصبوا لي اللَّـبِن؟
وهل من فرق بين اللَّـبِن والآجُـر؟
الآجُر واللبن ما الفرق بينهما؟
الآجُـر الذي يتماسك بالنار ، الذي يسمى عندنا اليوم بتعبيرنا اللبِن ، نسيمه لَـبِن هو في اللغة ليس لَـبِناً ، إنما هو في اللغة الآجُـر ، يعني يدخل الأسمنت فيه ، يدخل النار فيه ، واللبن إنما هو تراب وماء دون نار ، والنار تؤذي الميت كيفما كانت.

فيقول : وانصبوا لي نصباً.
أي ضعوا اللبن في عصره ، الذي لم يطبخ بنار حول القبر.

هناك أثر مجاهد عند أحمد فيه زيادة ، وسدوا خلل اللبن ، يعني ضعوا لي لبن ، والخلل الذي بين اللبنة والتي جنبها اجعلوا بينها تراباً حتى يظهر أن هذا المكان قبر ، حتى لا يداس عليه.

فهذا هو المشروع أن لا يكون هنالك آجر ، وانما يكون لبن وهذا معنى قول سعد وانصبوا علي اللبن نصبا.

انظر وضعه مسلم في صحيحه ، وهو من قول سعد ، لكن مسلم جعله في صحيحه لآخره لقوله :
كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم.

البيهقي زاد عن جابر:
رفع قبره على الأرض قدر شبر.

هذا في إسناده ضعف في إسناده الفضيل بن سليمان النمري وخالف من هو أوثق منه.

والشبر ما بين طرفي الأصابع الخنصر والإبهام ، الخنصر والإبهام ما بينهما مع التفريج ، هذا هو الشبر ، يرفع قدر شبر.

جثة الإنسان ، ثم التراب الذي أخرج من القبر ، يهال عليه ؛ فيكون شبراً ، ويكون حوله اللبِـن على حديث سعد.

هذا هو القبر المشروع ، يعني من غير تشييد للقبر ، من غير بناء ، من غير كتابة عليه ، وورد هذا في الحديث الذي بعده.

المصدر:
المحاضرة الثالثة لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله ، من كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام ت الزهيري ، لابن حجر العسقلاني رحمه الله.
الموافق :
10 محرم 1447 هـ
05 يوليو 2025 م✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

[ سنن وأحكام الدفن ]

[ الدعاء للميت بعد الدفن ]

[ الدعاء للميت بعد الدفن ]

وَعَنْ عُثْمَانَ – رضي الله عنه – قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ, فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

الشرح للشيخ مشهور حسن:
حديث عثمان -رضي الله تعالى عنه- صحيح ، قال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه.

قلنا من تبع الجنازة إلى المقبرة ثبت له قيراطان ، وكل قيراط مثل أُحد ، والأحسن أن ينتظر بعد الدفن وأن يمتثل صنيع النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عثمان عند الحاكم في هذا الحديث ، إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه.

ومما ينبغي أن يذكر في هذا المقام أن هذه السنة ليست خاصة بأهل الميت أن تبقى عند القبر ليس خاصة بأولاده أو أقاربه ، هي عامة للمسلمين ، فكان يقف النبي صلى الله عليه ويقول لأصحابه استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت، أن يثبته الله تعالى بالقول الثابت عند سؤال الملكين.

فإنه الآن الزمن الذي نحن فيه ، وهو وقت الدفن هذا المراد أنه الآن أي وقت الدفن ، قال فإنه الآن يسأل.

الميت عندما يُـسأل ، ووجود من يدعو الله أن يثبته يعينه على الجواب ، يأنس بهم وهو آخر عهد الميت في الدنيا ، فيسن لمن يحب هذا الميت وللمسلمين بعامة أن يتأخروا ، وأن يدعو له ، وكما ورد في وصية عمرو بن العاص في صحيح مسلم أن ينتظروا وأن يدعوا بمقدار ذبح جزور ، يعني بمقدار ثلث ساعة أقل بقليل ، أكثر بقليل ، على القبر.

المصدر:
المحاضرة الثالثة لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله ، من كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام ت الزهيري ، لابن حجر العسقلاني رحمه الله.
الموافق :
10 محرم 1447 هـ
05 يوليو 2025 م✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

[ الدعاء للميت بعد الدفن ]