السؤال:
أي المكتبات ودور والنشر التي تنصحون في كتبها والتي تخرج الكتب وتحققها؟
الجواب:
العبرة ليست في المكتبات ، العبرة بالفرسان، والعبرة بالمحققين والمؤلفين.
فقد يعرض انسان جيد على مكتبة مغمورة ، فتنشر كتابا وتقول أن هذا الكتاب من مكتبة مغمورة ، وقد يقع العكس يعني رجل ليس بجيد فينشر في مكتبة جيدة.
فالعبرة بالمحققين والمحققون لله الحمد كثر، وهم معروفون والإنسان لما تتكَون فكره عن تحقيقاته وتأليفاته وكتبه لا تكون عبر يوم ويومين إنما تأتي من خلال زمن طويل ، ولذا انا دائما اقول لأخواني ناصحا صاحب المؤلف الجديد أو المحقق الذي حقق كتابا لا يتعجل فأول الصور ترتسم من خلال أول الكتب فإذا جوّٙد تبقى الصورة جيدة واذا أساء فتكون الصورة سيئة، وإن كانت كتبه اللاحقة أحسن من كتبه السابقة.
وبهذا الصدد أقول الناس أقسام فيما رأينا وفحصنا وجالسنا فإن الناس اقسام :
فقسم هو أحسن من كتبه وعلمه أغزر من تحقيقاته ومؤلفاته وفي هذا الزمان هذا قليل ، لكن يوجد أناس إن جلست معه يدهشك ويشبعك واطلاعه واسع.
قسم كتبه وتحقيقاته أحسن من حاله إن قرأت له تفرح ، لما تجالسه لا تراه مميزا، فلا ترى عنده شيء وهذا صنف معروف من الناس.
وهناك صنف ينفعك بقلمه وينفعك بوعظه ولسانه.
وهناك صنف ازيّٙد من هذا ينفعك بلحظه وسمته وبكلامه وبقلمه.
فالناس اقسام فليس الناس سواء.
فالعبرة ليست بمن الذي ينشر الكتاب و إنما العبرة بالكتاب و بأصول التحقيق واتباع أصول التحقيق. هذا والله اعلم
✍️✍️
السائل: جزاكم الله خيراً و أحسن الله إليكم ، كتب الحديث التي قد خُرجت من العلماء أو من أهل الاختصاص هل من فائدة من إعادة تخريجها والبحث في رجالها بعد أن ظهرت في السوق وانتشرت؟
الشيخ: أكرمك الله أولاً:
شيخنا رحمه الله لقننا وقد سمعت هذه الكلمة منه مراراً وتكراراً بمناسبات عديدة ، كان يقول العلم لا يقبل الجمود ولا الهمود ، العلم لا يقبل الجمود ولا الهمود ، والسؤال الذي تكرر عند كثير من الطلبة خصوصاً لما يفحص مكتبتك ويرى بعض الطبعات للكتاب مكرر كذا مرة ، فأنا في مكتبتي أظن في ١٦ ، ١٧ نسخة من فتح الباري ، فيقول ١٦ طبعة من فتح الباري مش معقول !!
وأظن أن عندي أكثر من عشر نسخ من تفسير ابن جرير الطبري ، وفي خزانة كاملة تفسير ابن كثير والخ ، طيب لماذا كل هذه الكتب؟ لماذا تتكرر؟
كل طبعة لها ميزة ، ولا يغني كتاب عن كتاب ، بل أنا أقول لا تغني طبعة عن طبعة ، وبالتالي الآن نحن نعيش ظاهرة عجيبة ما وجدت في تاريخ المسلمين أبدا ، وهي ظاهرة سهولة الحصول على النسخ الخطية ، اليوم على (الهاردات) يعني أنا أظن وهي أغنى مكتبة في العالم من حيث كمية المخطوطات هي في تركيا ، مخطوطات تركيا أظن عندنا في (الهاردات) ما يزيد عن ٧٥% من المخطوطات على( الهاردات) ، فالآن الكتاب لما يكون حديث خُرج ، ضبط ألفاظ ، ضبط الروايات ، روايات الكتاب ، ضبط زيادات الروات ، الكتب التي تعرضت للرواة و التي لم يعرفها العلماء سابقاً والمخرجون.
شيخنا الألباني رحمه الله طبع مكتبة كبيرة بعده ، وفي كثير من الآحايين ولا سيما في الكتب القديمة كإرواء الغليل ولا سيما في الآثار يقول لم أجده والآن موجود ، الكثير من الرواة الشيخ قال لم أظفر به والآن موجود، فما هو السبب؟ السبب الكتب التي طبعت بعده ، الكتب التي طبعت بعده ، لذا القاعدة المنقوشة والراسخة في قلوب طلبة العلم ، العلم لا يقبل الهمود ولا الجمود ، العلم لا يقبل الجمود ولا يقبل الهمود.
المهم أن تتبع قواعد العلماء في البحث ، أن لا تكون لك طريقة فظة ، ما أكثر هؤلاء الذين يقولون لك فلسطين ستتحرر سنة كذا واليهود بزولوا سنة كذا ، كيف بعمل؟ يعمل بألغاز وأحاجي وطرق ما هي معروفة وهي أشبه بالسحر والشعوذة والدجل والكذب.
لكن إذا بقيت على مهيأ العلماء في الاستنباط وطريقة الاستنباط فنحن بحاجة إلى أن ننظر والعلم لا يقبل الجمود وسبحان الله تعالى فالعالم إذا اجتهد فأصاب فله أجران ، ما هما الأجران؟ أجر الجهد وما بذل من الطاقة أو وسع الطاقة التي عنده ، وأيضاً الصواب ، وإذا ما أصاب فله أجر على ما بذل ، فله أجر على ما بذل.✍️✍️
السائل: نقرأ في بعض تراجم العلماء، أحسن الله إليكم ونحن نحسبكم كذلك والله حسيبكم ما هو البرنامج اليومي للشيخ في يومه حتى يستفيد طلبة العلم ويستفيد المشاهد؟
الشيخ: أنا جوابي على السؤال وأتذكر ابن عربي المالكي يقول حبب الله إلي العلم كثيراً والقراءة إلخ, حتى يقول عقد مجالس السحر ففسر كتاب الله أظن فيما يزيد عن خمسمئة مجلد في مجالس السحر.
الناس والعُباد يقومون في الليل يعبدون الله وابن عربي المالكي صاحب أحكام القرآن كان يعقد لطلبته مجالس في التفسير في السحر ، أقول أنا مجالس السحر تكون للاستغفار تكون وللعبادة وما تكون في البحث لكن سبحان الله بعض الناس حبب الله إليهم القراءة والعلم وبعض الناس حبب الله إليهم العبادة والسعيد من وفق بين الأمرين.
أنا من فضل الله علي من سنة ١٩٨٤ لغاية هذه الساعة فمن فضل الله عليّ البرنامج هو هو، وأناقليل السفر فأحب إخواني جميعاً لكن ليس لدي صديق خاص يأخذ وقتي ويشغل قلبي فليس لي صديق خاص، وعلاقتي مع أخواني جميعها طيبة يعني لا أقطع أحداً ولا أحب النكد ولا احب القيل والقال الخ.
من صلح من المشايخ ممن رأيت فيه صلاحا أحرص عليه ومن رأيت منه شيئاً آخر ابتعد عنه بهدوء بدون قيل وقال ولا أحب هذا الأمر.
فيومي هو هو فيومي من أول ما أستيقظ إلى أن أنام بفضل الله أبحث وأقرأ وأقرأ جزئي من القرآن ووردي قبل الفجر أقرأه وإذا ما اكملته أكمله في المسجد ، وأجلس في المسجد إلى طلوع الشمس فهذا نصيبي من الطاعة واسأل الله أن يغفر لي على قصوري.
بعد هذا أنا في مكتبتي، ومكثت فترة أقرأ وغلبتُ القراءة على البحث وفي الفترة الأخيرة هذه كلها في البحث وأقرأ المستجد من الذي آراه نافعاً مفيداً من أبحاث المعاصرين وما شابه فبرنامجي هو هو.
و أرجو الله عز وجل أن يلهمني رشدي ويسددني ويصوبني ويرشدني إلى ما يحب ويرضى وأن يمن عليّ بكرمه ومنٖه أن أخدم دينه وأن أنشر سنة نبيه صلى الله عليه وسلم✍️✍️
السؤال:
أحسن الله إليكم ، سؤال يتبادر إلى الذهن كثيراً.
هل طلبة الشيخ الألباني -حفظهم الله تعالى- يعتمدون على تخريج الشيخ الألباني -رحمه الله- للأحاديث؛ أم يجتهدون؟
الجواب:
جزاك الله خيرا.
شيخنا الألباني -رحمه الله- لا يقبل التقليد.
وأنا العبد الضعيف كتبت في كثير من حواشي كتبي في التخريج تعقبات على الشيخ الألباني -رحمه الله-.
وأذكر في أول مرة تعقبت الشيخ الألباني -رحمه الله- أذكر حادثتين. الحادثة الأولى:
حديث عند الطبراني ، لحديث عبدالله بن عباس :((إنما الأذنان من الرأس )) كتبت عليه قرابة أربعين صفحة في تعليق لي على “الخلافيات” الطبعة الأولى ، طبعا أنا الآن الشيخ الشيخ الألباني -رحمه الله- كان حيا يقول هذه الطريق لم يطَّلع عليها أحد ، وبسببي حسن الحديث ، والطريق فقط عند الطبراني، أوليت لهذه الطريق عناية خاصة ، تبيَّن لي أنها شاذة ، برهنت على هذا بوجوه وطوَّلت ، لكني خشيت الشيخ الألباني -رحمه الله-
، للشيخ مهابة حقيقة ، فاحترت ماذا أعمل ؟
قلت أحسن شيء أصفَّ المادة قبل أن أنشرها ، وأرسلها للشيخ قبل أن أنشرها ، ولا أريد المواجهة ، ما أريد التقي بالشيخ ، أرسلها على الفاكس ، اتصلت بالشيخ ، سلمت عليه ، قلت يا شيخ لي ملحوظة على حديث ذكرته في السلسلة الصحيحة الأولى ، قال : أي حديث ؟ قلت :(( إنما الأذنان من الرأس )) قال ما رأيك ؟
قلت : أنا عندي ما ثبت ، وكتبت كلام طويل ، وأنا أرغب أن ترى كلامي. قال لي : أرسله على الفاكس ، ما كان في ذاك الوقت إلا الفاكس ، قال : أرسله على الفاكس ، وتواصل معي . قلت : جزاك الله خيرا. وحصل المطلوب ، فأرسلت الحديث على الفاكس ، واعتنى الشيخ به ،أنا ما أدري هل وصل إليه ، فرأيته بعد فترة ليست ببعيدة ، فشكرني ، وقال : أنت أصبت ، وأنا أخطأت ، وفي الطبعة الجديدة سأنبِّه على خطأي ، الشيخ يقول : في الطبعة الجديدة سأنبِّه على الخطأ ، والآن الطبعة الجديدة من السلسلة الصحيحة المجلد الأول في آخر المجلد تراجعات ، وتحقيقات في آخر مجلد ، فذكر اسم العبد الضعيف ، والتعقب ، وكذا وقبله في آخر المجلدة الأولى من الطبعة الجديدة للكتاب ، فكانت هذه سهلة ومضت بأمان.
ثم تبرهن عندي في حديث :(( أرحم أمتي بأمتي أبوبكر )) الحديث الطويل ، وآخر ما في الحديث :(( ألا وإن لكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبوعبيدة )) هذا الحديث الأخير في الصحيحين ، وأما :(( أرحم أمتي بأمتي ، وأشدهم في دين الله ؛ عمر ، وأقضاهم ؛ علي ، وأفرضهم ؛ زيد ، وأعلمهم بالحلال والحرام ؛ معاذ …)) إلى آخر الحديث.
تبرهن عندي أنه من قول قتادة ، فصار فيه إدراج ، أدرج في متن الحديث ، وهو لم يثبت من المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فكتبت قرابة خمسين ، ستين صفحة بخط يدي، وطولت ، وطولت كثيرا في تلك الأوراق ، ثم اتصلت بالشيخ ، في هذه المرة الشيخ قال : تصلي الفجر عندي ، وتأتيني ، قلت : لا حول ولا قوة الا بالله ، هذا الذي كنت أحيد عنه ، قال : تصلي الفجر في مسجد بجانب بيتي وسمَّى لي المسجد ، قال : و تأتيني بعد الصلاة .
احترت ماذا أعمل ؟
قلت: أحسن شيء ؛ أن آخذ معي الأوراق وأبدأ (اقرأ من الأوراق ) اقرأ .
فذهبت إلى الشيخ ، قال : ماذا عندك ؟
قلت : والله يا شيخ كتبت الأوراق ، ترى أضعها وأمشي ، كانت مصوَّرة.
قال لي : لا ، اقرأ ، فرأيت أن الشيخ ، والله أعلم يُريد شيئا آخر ، يُريد مني شيئا في هذا المجلس غير القراءة ، استفدت كثيرا من ذلك المجلس، والشيخ في آخر المجلس وضع كتاب الصحيحة الثالث أمامه ، واضع الحديث أمامه ، ثم بعدما قرأت يقول لي الشيخ هات لي طريق فلان وووو، فكان الشيخ معه دائماً قلم غريب ، ما أعرف تعرفوه ، أم لا ؟ هو ليس قلم حبر ، ولا قلم رصاص ، الشيخ يكتب بقلم اسمه قلم كوبيا ، ما أدري تعرفون قلم الكوبيا ؟ قلم الكوبيا قلم يحتاج إلى بلل ، يعني رأس القلم يُوضع في شيء بين الحين والحين فيه بلل ويكتب ، الخط خط رصاص ، لكن الخط ثابت كالحبر وزيادة، يعني لا يُمحى ، طبعا الشيخ متأنِّق جدّاً في طرق استخدام الوسائل ، والكتابة ، أناقة عجيبة جدا ، فالشيخ ما كان يكتب بحبر ، ولا برصاص ، كان يكتب بخط الكوبيا ، وأقلام الشيخ معروفة ، فالشيخ جالس وراء مكتبه ، وأنا مقابله ، فبعد أن فرغت فالشيخ يكتب ، ويسمعني ، يكتب على الصحيحة الآن ، فكتب : ينقل إلى الضعيفة ، -إي والله – إلا قوله صلى الله عليه وسلم :(( ألا وإن لكل أمة أمين )) فهذا المقدار الثابت.
ففرحت.
فكان درسا تربويا أكثر منه علمي .
حقيقة شيخنا العجيب من أمره ، وهو من علامات القوة في العلم ، الشيخ يسمع لكل أحد ، وإذا واحد يُريد يناقش الشيخ حتى الدجاجلة والكذابين ، والسحرة ، والشيخ رأى أنه عنده وقت ، أو يحتاج وأحيانا الشيخ دوافع قبوله للناس أنه هو يُريد أن يفضفض عن نفسه ، يعني هو بدو يرتاح ، فهذا يستفيد منه.
مرة جيء له برجل يدَّعي علم الغيب ، فقال : أريد أن أناقش الشيخ .
قالوا: يا شيخ ! واحد يدعي علم الغيب يُريد أن يناقشك.
فقال الشيخ : دعوه يحضر.
الشيخ يقول : أنا ما عندي مزح ، فجلس لنقاش موضوع علم الغيب ، فالشيخ سأله سؤال ، فقال له لي شرط ، فقال : ما هو الشرط .
قال الشيخ : انتهت المناقشة.
فأنت تدعي علم الغيب ، وهذا علم غيب وما عرفته .
فالشيخ كان يسمع لكل الطلبة.
فجواب السؤال المباشر ، العلم قواعد ، فالشيخ قد يصيب ، وقد يخطئ ، لكن مجمل صواب الشيخ هذا الذي نعتقده ، وهذا الذي نراه ، فالخطأ إن وقع يقع ، ما يسلم منه أحد ، أبى الله إلا أن يتم كتابه كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ، فالشيخ فيما نعلم ، وفيما تبرهن عندنا أن الشيخ رحمه الله تعالى مصيب في أحكامه ، ومع هذا العلم حجة ، وبرهان ، ودليل ، فمن وافق الحجة ، والبرهان ، فعلى العين ، والرأس ؛ ومن خالفهم فليس كذلك ، الشيخ دقيق ، كثير من الناس لاينتبهون ، ويخلطون في أصول المسائل ، فالشيخ دقيق ، ودقيق للغاية في كثير من أحكامه ، ووجدت في بعض نواحي أفعاله أو تخريجاته على وجه التخصيص شبيه بابن القطان في بيان الوهم والإيهام ، ابن القطان يدقق على ألفاظ ، يعني قد يصحح من الحديث ألفاظ ، فالشيخ لا يُلقي حكما لحديث بتمامه وكماله.
لذا أنا تعبت ، الله أكرمني اختصرت سلسلة الأحاديث الصحيحة في مجلدة ، تركت التخريج ، ذكرت اسم الصحابي ، و متن الحديث ، وكتبت رموزاً لمن خرج الحديث ، فخرجت معي السلسلة كاملة في مجلدة ، يا ليت بعض طلبة العلم يعملون على شرحها ، يا ليت لو واحد شرحها فهذا طيب ، الآن السلسلة الضعيفة، شجعني عملي في الصحيحة ؛ أن أعمل للضعيفة اختصاراً في مجلدة ، فلما بدأت اشتغل على الضعيفة ؛ تعبت وما استطعت أن أخرجها إلا في أربعة مجلدات ، ما استطعت أخرج الضعيفة في مجلدة ، ما استطعت أن أخرجها إلا في أربعة مجلدات.
لماذا ؟
الشيخ يذكر الحديث ، ثم يضع نقاط بين الفقرة والأخرى ، هذه النقاط اضطرتني ارجع للمصدر ؛ فعرفت المحذوف من السلسلة الصحيحة ،
لماذا الشيخ حذف هذه الفقرات؟
لأن الحديث طويل فقد يسقط الشيخ منه فقرة ، أو فقرتين ، عبارة ، أو عبارتين ، أو أكثر ، فتبيَّن أن الشيخ يُحسِّن هذا الحديث بشواهده ، وطرقه ، وأحيانا التحسين لا يكون في كتب الشيخ فيكون من خلال دراسة مستقلة ، الشيخ أجراها ، فبيَّنت المحذوف ، وسرَّ الحذف في الحاشية فطال معي الكتاب ، ويفيد في معرفة منهج الشيخ في التصحيح ، والتضعيف ، أو شيء من منهج الشيخ في التصحيح ، والتضعيف، فالشيخ يُعامل معاملة غيره من العلماء ، والعلم بحث ، وتحقيق ، والبحث لا يقبل الجمود ، وليس التقليد علما.
والله تعالى أعلم. ✍️✍️
السّؤال:
حصل حادث مع رجل فمات في هذا الحادث أربعة أنفس، وكان هذا قديمًا في السبعينيّات، فصام شهرين، فهل عليه أن يصوم عن كلّ نفس،
أم يجزئ صيام شهرين عن الجميع؟
الجواب:
أولًا:
المسألة فيها تفصيل، وهذا مذكورٌ في موضوع الأيمان (مَن كَـرَّرَ الحلف على شيء واحد).
إذا كان الأربعة قد ماتوا في حادث واحد؛ فالجماهير يقولون:
عليه عن كلّ واحد صيام شهرين، واتّفقوا لو تكرّر الحادث -يعني مثلًا:
عمل أربع حوادث ومات معهُ في كلّ حادث رجل-، هذا -باتفاق- يصوم عن كلّ واحد شهرين اثنين.
لكن لو مات أربعة في حادث واحد؛ الجماهير يقولون:
عن كلّ واحد شهرين.
و حقيقةً بحثتُ المسألة قديمًا، واستشكلتها، ووجدتُ قولًا نُـعِت بأنّه قولٌ ضعيف، ولا سيما عند الشّافعية.
يقولون:
إن تَـكرَّر عدد القتلى في الحادث الواحد؛ يصوم شهرين عن الجميع.
وأنا أسأل في الحقيقة، الشّرع عملي، والشّرع ما جاء لتكليف العبد مالا يستطيع.
إنسان يقود طائرة، فصار معه حادث؛ فهلك عدد كبير، طائرة قد يكون فيها ثلاثمائة رجل، ونجا هو، الأمر مُـتصوَّر أم غير متصوّر؟
الأمر مُتصوَّر جدًّا، وقد يموت مائتا شخص معه في الطائرة، وجاء هذا الطّيار يسألنا، قال:
كم أصوم؟
مائتا شخص، عن كلّ واحد شهران، النّتيجة: أربعمائة شهر.
كم الأربعمائة شهر، كم سنة؟!
لعلّ الوقت لن يسمح له أن يصوم -أصلًا-.
أذكر لكم عجبًا، تعّجبت طويلًا وكثيرًا، ومكث معي سنوات، وأمرٌ يدور في بالي بسبب كلام أعداء شيخ الاسلام ابن تيميّة عنه.
فشيخ الإسلام له فتاوى غريبة، خالف -فيها- جماهير أهل العلم.
كنت دائمًا أقول:
لماذا خاض في هذه المسائل؟!
مثلاً:
شيخ الاسلام خاض في موضوع الحائض وطوافها بالبيت، شيخ الإسلام يقول:
المرأة إذا كانت حائضًا وهي في الحجّ وبقيت حائضًا، ولم تستطِع أن ترجع إلى بلدها، فإنها تشتدّ وتتنظّف، وتطوف وهي حائض طواف الإفاضة، وهو ركنٌ من أركان الحجّ، ولا شيء عليها.
كثير من أعداء شيخ الاسلام المتربصين به، بعضهم كَـفَّـره.
كنت أقول:
لماذا خاض شيخ الاسلام في هذه المسائل؟
لو ابتعد عنها!
ثمّ تذكرت أن هذه مسألة عمليّة،
وأحد الإخوة سألني شيئًا بعد قليلٍ نأتيه حول شيخ الإسلام في نفس الموضوع.
شيخ الإسلام كان جريئًا، كان يقول:
المرأة تأتي من الصين، تأتي من الهند، وتصل بيت الله الحرام، وترجع بلا حجّ، ويأتي الحجّ القادم وهي لَم تصل إلى بيتها!
العلماء يقولون كلمة سهلة، يقولون:
تحجّ العام القادم.
قل له:
أيّ عامٍ قادم؟!
العام القادم يأتي الحجّاج وهي لم تصل بيتها -وهي راجعة-!
ماذا نعمل؟
قال الله -تعالى-:
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ}
[البقرة : ٢٨٦].
اليوم من السّهل أن تذهب إلى عيادة، فيعطونها إبرة تمسك الحيض، فتغسّل وتذهب تطوف، اليوم سهلٌ جدًّا.
أيام عطاء بن أبي رباح التّابعي، حين يكون في الموسم، كان الناس يؤذنون، وعطاء في الموسم في الحجّ، يقولون:
عطاء في الموسم، فلا يفتي أحد وعطاء في الموسم.
وكان في الموسم بعض أصحاب رسول الله ﷺ.
عطاء ذكيّ جدًّا، حين كان يُسأل عن هذه المسألة؛ كان يقول: تفرك السّواك ، وتشرب نقيع السّواك.
الطِّب اليوم يقول:
كلّ هذه الحبوب الّتي تعطى للمرأة لقبض الحيض، مأخوذة من السّواك.
فكان عطاء يقول:
تُكثر من شرب نقيع السّواك.
فإذا شربت نقيع السّواك؛ حبس الدّم،
وحينئذ تغتسل وتصلّي.
فشيخ الإسلام كان يواجه النّاس -مراعيًا مسألة مهمّة- أن تكون الفتوى عمليّة.
أنا أقول لك:
صم شهرين عن أربعة، أو صم ثمانية أشهر قادر .
لو -الآن- مات ثلاثمائة شخص، ماذا تعمل؟
لا يوجد جواب عملي، الا أن نفزع إلى العمومات، وأن الله أمر بصيام شهرين متتابعين، والعبرة بالحادث لا بالعدد الذي يقع فيه القتلى.
والله -تعالى- أعلم.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
٤ – ربيع الأول – ١٤٤٤هـ
٣٠ – ٩ – ٢٠٢٢م
السؤال:
هل صحيح أن الكدرة قبل الحيض هي حيض؟
وهل الكدرة بعد الحيض ليست بحيض؟
الجواب:
لا.
ليست كذلك.
الصواب العكس.
الصواب أن الكدرة قبل الحيض ليست حيضا.
المرأة أول ما ينزل عليها قبل الدم تنزل الكدرة، نزول الكدرة تبقى طاهرة.
متى تطهر؟
لما ينتهي الحيض وتنتهي الكدرة ويظهر السائل الأبيض الذي يسمى القصة البيضاء.
المرأة تطهر لما ترى علامة الطهر.
وفي موطأ مالك كنا نشعل القناديل ننظر للقصة البيضاء التي تنزل بعد الحيض.
فتضطر المرأة تشعل قنديل حتى ترى هذه القصة.
اليوم النساء للأسف لا يعرفن هذه الأحكام، والنساء يكثر سؤالهن عن هذا الموضوع في الصيام، أما الصلاة فضيعوا الصلاة.
ولا حول ولا قوة الا بالله.✍️✍️
السّؤال:
أخٌ يقول: توجد كُتُب ومُجلّدات قيِّمَة ونافِعَة توضع في المساجد مِن قِبَل مُتَبَرِّع -مثلًا-، ولكن للأَسف لا تُقْرَأْ وتَمْتَلِئْ بالغُبار ونَسيجِ العنْكَبوت، هل يجوزُ أخذُها؟
الجواب:
(لا).
الوقفُ وقفٌ.
أنت انفض الغُبارَ عنها، واقرَأْها وأرشِد النّاسَ إليها.
أنا ممّن رزقني الله -تعالى- حُبّ الكُتُب، ولو أعلَم أنَّ كتابًا في الصين مُفيدًا؛ فسأذهب إلى الصّين وأشتريه.
اشتريتُ بعضَ الكُتُب بعشر دولارات، ودَفَعْتُ عليهِا فوق الخمسينَ دولارًا حتّى وصلَني، فأُحِبُّ الكُتُب حُبًّا جمًّا.
بلَغني من بعض إخواني وأحِبّائي في مسجدِ السّلط القديم كتُب نادرة، ذهبتُ لمسجد السّلط، وليس لي هّم وغايه في ذهابي إلّا أن أنظُر في هذهِ الكُتُب، وفعلًا وجدْتُ في هذهِ المَكتَبَة كُتُبًا نادرةً جِدًّا ومطبوعةً قديمًا.
وأوّل كُتب طُبعت في الأُردن موجودة في السّلط -قديمًا- قرابة سنة (١٨٩٠).
فالكُتُب ما دامت وقفًا؛ يُذاع ويُشاع بين النّاس أنّها وقف، ويأتي النّاس إليها. في كلّ الدُّنيا يوجد مكتبات عامّة، وهذه المكتبات يزورها النّاس من كُلّ مكان.
لا يجوز كلّما رأيت في مسجد كتابًا تأخذه، هذا وقف، والوقف لا يجوز تغييره ولا تبديله.
يوجد كثيرٌ من إخواننا يسأل يقول: أنا أُريد مصحفًا من نوع كبير، وليس موجودًا عندي، فهل يجوز أن آخذه من المسجد؟
لا، ليس لكَ أن تأخُذه.
تعال إلى المسجِد واقرأ من المصحف في المسجِد.
فالوقف يحرُمُ شرعًا الاعتداء عليه.
المكتبات في الدنيا …..إخواننا هذا باب لو أردت أن أخوض فيه وأتكلّم فيه ما أنتهي، سأبقى أتكلّم معكم إلى العِشاء في هذا الباب وما أنتهي، وممّا هو في ذهني عن الكتب .
سألني أخ من المغرب في الدّرس الماضي عن مكتبة( الاسكوريال). (الاسكوريال): دير للنّصارى فيه ألف وكذا مخطوط دون الألف وخمسمائة مخطوط، كل مخطوط في الاسكوريال مكتوب عليه وقفٌ لأمير المُؤمنين زيدان، كان أمير المغرب في الدّولة العلويّة، حاصرته القوات الإسبانية -وهو في البحر-، وكانَ في سفينَةٍ خاصّةٍ به ومعه مكتبته، ما اعتدوا عليه، وهو في البحر أخذوا الألف وخمسمائة مخطوط، وجعلوها في دير الأسكوريال، دير الأسكوريال مكتبة مَلِك واحد، والآن حين تصوّر مخطوطًا من الاسكوريال، كان الأمر متعِبًا جدًّا في فترة مضت، الآن الأمور سهلة.
فالشّاهد -باركَ الله فيك-:
الاعتداء على كُتُبِنا هو سِرّ وجود المخطوطات في أوروبا، أوروبا تتسابق على المخطوطات الموجودة عندَنا.
كتب علمائنا الكبار في أوروبا، ولا سيّما في إسبانيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ثمّ أخيرًا في المكتبة الأمريكية في الكونجرس.
احتجت لبعض المخطوطات لعالِم مات من قريب في السّتينيّات، ما وجدتها إلّا في الكونغرس وراسلت الكونغرس، وأرسلوها لي.
فالشّاهد:
أنّ هذهِ المخطوطات، الغربُ أخذها، لكن احتفظَ بها، ويبذلها.
شيخنا الشيخ محمد أبو خبزة -رحمه الله- شيخ تتطوان من المغرب، مات من قريب، من لطائفه: سُئِل: هل الله -جَلّ في عُلاه- سيُحاسِب الكُفّار على أخذِهم المخطوطات من بلاد المسلمين؟
تدرون ماذا كان جوابُه؟
قال: نعم، الله سيُحاسِبهم على المخطوطات الّتي لم يأخذوها؛ لأنّ المخطوطات الّتي لم يأخذوها هلكت وضاعت، أمّا هُم فرمّمّوها وبذلوها لجميع النّاس.
فالله يحفظ دينه.
فما هي طريقة حفظ الله لِدينِهِ؟
هذا الأمر لله -عزّ وجّل-.
فكم استغربت حين زُرت أوزبكستان، أنا وأخي أبي أحمد، ورأينا مصحف عُثمان الّذي عليه دَمُه، المُصحف الأُمّ، المُصحف الأصلي للمسلمين جميعًا، مُصحف عثمان كان في يومٍ من الأيام في مكتبة( لينين) في روسيا، عجيب!!✍️✍️
السؤال:
إذا تكررت العلة التي من أجلها نسخ النص هل يبقى النسخ؟
الجواب:
قد يكون الحكم باقي والعلة زالت ، مثل الرٓمل في الطواف ، الرمل في الطواف.
كان الصحابة يرملون لما قالوا المدينة فيها حمى وأنهكت الصحابة الحمى ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يشتدوا في الرمل.
ونحن الآن نرمل والعلة زالت ، ولكن الحكم باقي، إذا وجد نص في النسخ قلنا به، مثل الحديث الذي ذكرناه أمس ، وهو حبس الأضحية فوق ثلاث ، فقال صلى الله عليه وسلم ” امسكوا ما شئتم “.
فالحكم ينسخ أولا ينسخ على حسب ورود النص ، فإذا ما ورد نص بالنسخ وبقي الحكم وإن زالت العلة ، إن زالت العلة بقي الحكم.✍️✍️
السؤال:
أخ يسأل عن كتاب لابن منذر حكم تارك الصلاة؟
الجواب:
ابن المنذر الإمام الكبير له كتب كثيرة وممدوحة ، وكتبه من أحب الكتب إلى قلبي ، ولكن هذا الكتاب حكم تارك الصلاة لا نعرف له وجوداً والأيام حبالا، ولا ندري ماذا تلد ، كتب ابن المنذر كثيرة ، والذي ظفرنا به من كتبه قليلا والغالب ليس موجوداً ولا حول ولا قوة إلا بالله.✍️✍️
السؤال:
أبي وعمي -رحمهم الله- عليهم دَيْن من خمسة وثلاثين عام، استدانوا من أقاربهم، والآن أنا أريد أن أسُدّ.
ماذا أسُدّ هل بقيمة الذهب الآن أم عند الدَّين في ذلك الوقت؟
الجواب:
مُشكلة، هذا الذي يُسمّيه علماء الاقتصاد التضخُم.
التضخُم أن تنقُص القوّة الشرائية، وشاهدنا هذا، وأكثر من شاهدهُ من تقدّمَّ به السن.
إخواننا الكبار يذكرون أشياء نحن الآن نستغرب منها، ونحن نذكُر أشياء من هم أصغر منّا يستغربون منها، وسيبقى الأمر هكذا إلى ما شاء الله.
البشرية دمارها في الرِّبا.
الرِّبا جريمة ليست خاصة بصاحبها، جريمة الرِّبا جريمة عامة، -آفة عامة-، رأينا بعض آثارها في العراق، وكان في العراق أثرٌ على وجه ظاهر.
جاءني أخوان اشترى واحد من الآخر سيارة، وكان الدينار العراقي فيه شيء من العافية، أنا ممن أدركتُ في أوائل حياتي كنت أُدرك أنَّ الدينار العراقي بثلاثة دولارات، الدينار العراقي يساوي ثلاثة دولارات
الآن الدولار بكم دينار عراقي؟
مليون.
الدولار الواحد يساوي مليون دينار عراقي.
كم الفرق صار؟
انخفاض ثلاثة ملايين.
يعني الدينار ثلاثة دولار سابقًا، والدولار يساوي مليون الآن.
النتيجة ماذا ؟
دمار.
هذه آفة عامة ستعمُّ الدنيا كلها.
تعرفون متى تظهر هذه الآفة؟
في الحرب العالمية الثانية.
بِرْكَة مليئة ماء، وبِرْكَة مليئة دولارات، البِركة المليئة ماء أثمن وأغلى من المليئة دولارات.
في الحرب العالمية الثانية تضاعفت أسعار الأشياء مئات المرات ومات بعض الناس جوعًا، كان اللِّص يأخذ الخزنة يرمي الدولارات منها ويبيعها حديد، الدولار لم يبق له قيمة، لا قيمة له، لذا يبيعها حديدًا.
فهذا دمار كبير تفقِد الأموال قيمتها، هذا يسموه التضخم.
فواحد قبل خمس وعشرين سنة استدان مبلغ، والآن أنا بدأت أُسدِّد بالمبلغ، مات أبي ومات عمي وأريد أن أسُدّ عنهم، العبرة بماذا؟
العبرة بقيمة القوة الشرائية أم العبرة بالعدد؟
أضرب لكم مثلاً، نأخذ منه مفتاح الحل، أنا استدنت من أخينا أبا راشد مئة دينار، فأعطاني ورقتين من فئة الخمسين، أريد أن أشتري غرضا، ثم خطر في بالي أن أؤجل الشراء، الورقتين الخمسين وضعتهم في الخزانة وبعد فترة ظهرت عملة جديدة، فأُلغِيَت الورقتين، فأنا أخذت الورقتين عين الورقتين التي اخذتها من أبو راشد، ورحت لأبي راشد، أخي الفاضل استدنت منك مئة دينار وهذه المئة دينار.
هل أنا سدّيت ديّنّي؟
لا.
أبو راشد قال لي ماذا تُعطيني؟!
أنا أعطيتك إياهم صالحات، ورجعتهم غير صالحات، فما سدّيت دَينك.
كلامه صحيح أم خطأ؟
كلامه صحيح.
إذاً العبرة بماذا؟
العبرة بالقيمة.
أخذت منك مئة دينار وأرجع لك ورقتين لا قيمة لهم، فالعبرة بالقوة الشرائية.
لكن تقدير هذا الديّن عَسِر وتلعب فيه ظروف كثيرة، وأساس هذه الظروف ليس الإسلام، لو بقي الإسلام حاكمًا فالإسلام يقضي على نظام الإشتراكية ويقضي على نظام الرأس مالية ونظام الربا.
النظام الإسلامي نظام يُحافظ على قيمة الأشياء، فسبب الخراب ونزول قيمة العملة والتضخم عدم الحُكُم بالشرع.
إذاً ما هو الحل؟
هذا موضوع بُحِثَ في المجامع الفقهية، ففي المجامع الفقهية فقهاء
كل بلد يجتمعون في بعض المجامع ويبحثون مسائل نوازل، مسائل نوازل ما بُحِثت سابقًا، في الاقتصاد وفي الطب وفي أشياء كثيرة، فالمجامع الفقهية الإسلامية قالت يُحكَمّ بالقيمة وليس بالعدد، والذي يُقدِّر القيمة بناءً على الاختلاف في مقدار التضخم وفي الأسباب وتداخل الأسباب والذي يُقدِّرُ هذا المُحَكِمّون من أهل الخبرة والديانة، يعني أنا بروح على الذي استدان منه أبي قبل خمسين سنة، استدان منه مئة دينار، وأنا بدي ابرئ ذمّة أبي، ومن حق والدي عليّ أن أُبرئ ذمته.
متى تبرأ ذمة صاحب الدَّين؟
بالسداد لا بالتحمُّل.
أبو قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه لمّا رأى النبي صلى الله عليه وسلم وجيء بعمٍّ له ليصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل عليه دَين؟ قالوا نعم. فالنبي صلى الله عليه وسلم أبى الصلاة عليه، وقال صلوا على ميتكم.
فقام أبو قتاد الأنصاري وقال: يا رسول الله أنا أسُدُّ عنه.
فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم كلما رأى أبا قتادة سأله، هل سددت دَين عمك؟ قال: لا. ثم مرة قال أبو قتادة: نعم يا رسول الله.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: الآن بردت جلدته.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: تُوُفِّيَ رجلٌ فغَسَّلْنَاهُ وكَفَّنَّاهُ وحنَّطْنَاهُ ثم أَتَيْنَا بِهِ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي عليه فقلْنا تصلِّي عليه فخَطَا خُطْوَةً ثم قال أعلَيْهِ دَيْنٌ قلتُ دِينارانِ فانصرَفَ فتَحَمَّلَهُمَا أبو قتادةَ فأتَيْنَاهُ فقال أبو قتادةَ الدينارانِ علَيَّ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدْ أَوْفَى اللهُ حَقَّ الغريمِ وَبَرِئَ مِنْهُا الميتُ قال نعم فصلَّى عليه ثم قال بعدَ ذَلِكَ بيومٍ ما فعل الدينارانِ قُلْتُ إِنَّما مات أمْسِ قال فعادَ إليه من الغدِ فقال قدْ قضيتُهما فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الآن بردَتْ عليه جلدَتُهُ.
الألباني ” صحيح الترغيب” ١٨١٢. حسن. أخرجه أحمد (١٤٥٧٦)، والطيالسي في «مسنده» (١٧٧٨)، والبزار كما في «مجمع الزوائد» للهيثمي (٣/٤٢) ))
متى بردت الجلدة وزال العذاب؟
ليس لمّا قال أنا أتحمّل عنه، وإنما لمّا سدَّ الدين.
فالآن أبي مثلاً أخذ من واحد مئة دينار قبل خمسين سنة، ومن حق أبي عليَّ أن أسُدَّ دينه، ماذا أعمل؟
فهل أقول للدائن خذ المئة دينار، فيقول لي كيف تعطيني مئة دينار، مئة دينار قبل خمسين سنة غير الآن.
إذا قَبِلَ وقال سامحت أمر طيب،
رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذا باعَ، وإذا اشْتَرَى، وإذا اقْتَضَى.البخاري (2076)
إذا سَمِح وقال الله يرحمه أنا مسامحه، لك ذلك ويكون هذا من باب المعاملة بالفضل لا بالعدل، لكن لو قال أنا ما أريد الفضل أنا أريد العدل وأريد حقي، فأذهب أنا وإيّاه إلى أُناس عارفين من أهل الخبرة، وهؤلاء حَكَمٌ بيني وبينه، والذي يقضون به مُلزمٌ لي وله.
القاضي من المُحَكِمّين، مُحكمّين وليسوا قضاة، مُحَكِمّين من أهل الخبرة، لو أنا الآن كنت مُحَكِم وجاءني اثنين ينبغي أن أراعي أمرين: ألّا أظلم صاحب الدين، وألّا أحكم بِحُكُم لا يقدر عليه المدين، ما أذكر له شيء لا يقدر عليه.
إخوانا العراقيين جاءوني مختلفين في سيارة، واحد اشترى من آخر سيارة وباعه بالدولار، وصار الدولار يتقلب، الأخ المُشتري يقول لي: والله يا أخي أنا اشتريت والدولار مقابل الدينار العراقي أستطيع أن أدفع، لكن لمّا نزل الدينار والمطلوب مني أدفع دولار، وأقول للبائع أنا سدّيتك الذي قدرت عليه، سامحني وخُذّ السيارة وفُكنّي من البيعة، لأنه ترتب على ذمتي مبالغ ما يُمكن أن أسُدّها.
فأنا الآن لمّا أريد أقضي بينهم، أنا الآن لست مفتي -ليس سؤال سائل- ما ينبغي أن أُراعي؟!
ينبغي أن أُراعي مصلحة هذا ومصلحة هذا، وينبغي أن أُراعي أنَّ هذا الشخص الذي يريد أن يَسُدّ أقضي بقضاء يُمكِنُّه أن يفعله، فلا أقضي بقضاء خيال، وأُرتِّب عليه مبالغ لا يحلم لا هو ولا من بعده من أولاده بها، مطلوب مني أن أسدد وأقارب، أميل على هذا قليل وعلى هذا قليل وأخرج بحكم عملي يمكن أن يُنَفَّذ. هذا هو الصواب.
الصواب في مثل هذه المسألة الذي هو مبني على التحكيم من أهل الخبرة ومن أهل الديانة.
والله تعالى أعلم
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
٤ – ربيع الأول – ١٤٤٤هـ
٣٠ – ٩ – ٢٠٢٢م