السؤال:
إذا تعارض الأذان مع تحية المسجد ماذا أفعل؟
الجواب:
المسألة تحتاج تفصيل ، اعلم علّمني الله و إياك أنّ الشرع دائماً يعمل على الجمع بين الخيرات، دَخَلتَ المسجد و المؤذن يؤذن ابق واقفا، ممنوع شرعاً أجلس حتى أُصلي ركعتين، أردد مع الأذان ثم أصلي؛ هذه صورة أفعلها إلا في حالة واحدة وهي إذا دخلت المسجد و المؤذن يؤذن و الخطيب على المنبر، ماذا أفعل ؟
الجواب: تبدأ الصلاة، لأن سماعك للخطبة واجب و صلاتك لتحية المسجد سُنّة، فتبدأ الصلاة.
افترض و أنا أصلي تحية المسجد أذّنَ المؤذن، هل لي أن أردد مع الأذان ؟ الجواب: عند جماهير أهل العلم: نعم، و أنت تصلي لك أن تردد مع الأذان؛ نصّ على هذا الإمام أحمد و جَمْع من الفقهاء، إلّا عند قول المؤذن : “حيّ على الصلاة” و قوله: “حيّ على الفلاح” فتقولُ: “لا حول ولا قوّة إلا بالله”، و ذلك لأن قَوْل “لا حول ولا قوّة إلا بالله” يكون تَحَسُّرَاً على من لم يأتِ لصلاة الجماعة، فقال أهل العلم: الأذان كله ذكر إلا قولك “لا حول ولا قوّة إلا بالله” فهذا فيه تأسفٌ و تحسّرٌ، و عندما تصلي ممنوع ان تقول “لا حول ولا قوّة إلا بالله”، ونص على هذا ابن عبد البر في التمهيد و الاستذكار، و أيده و أيد قوله جمع من علماء المحققين و على رأسهم الإمام سراج الدين البلقيني ـ رحمه الله تعالى ـ.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
٦ – صفر – ١٤٤٤هـ
٢ – ٩ – ٢٠٢٢م
السؤال:
أخٌ يسأل: ما حُكم ما يفعله بعض الإخوة من التَرَحُّمِ على النَّصارى و الكُفَّار و الدعوة لهم بالمغفرة ؟
الجواب:
وهُم أحياء أن تدعو لهم بالهدايةِ لا بالمغفرة فهذا أمرٌ حَسَن، و بعد أن فارقوا الحياة فالكُفَّار -كما أَخبر الله- و أهل الكتاب من أهل النار وهُم شرُّ البريَّة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) سورة البيِّنة 6 ، هذا كلامُ الله، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) سورة البيِّنة 7.
و ثبتَ في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ و سَلَّم قال: (والذي نفسُ مُحمَّد بيدِه، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌّ، ولا نصرانيٌّ، ثم يموتُ ولم يؤمن بالذي أُرْسِلتُ به، إلَّا كان مِن أصحاب النار) صحيح مسلم (153)، هذا كلام النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ و سَلَّم و هذا كلام الله، و لا نقبلُ بهذا الكلام بديلاً، لا نقبل بديلاً بما قال الله و قال رسول الله، و أمرُ الجنة و النار ليست للناس، و ليست لعواطف الناس، و ليست فلانة ماتت لأنها مجاهدة، و جهاد فلسطين، هذا كلام لا يصلحُ في الدِّين، الدِّين مآلُ الخَلْق عند الله عزَّ و جلّ؛ فاستنبط بعض أهل العلم من هذه الآيات أنّ المومنين خيرٌ من الملائكة، لأن الله يقول: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) البينة 7، خيرُ من بَرا، خيرُ من خَلَقَ الله؛ و بعض أهل العلم قالوا: المؤمن الذي يُجاهدُ نَفْسَه و يَستقيمُ على أمر مولاه و يترك داعي هواه فهذا خيرٌ من الملائكة؛ و الراجح و التفصيل على ما بُسِطَ في غير هذا المكان، لذا قال النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ و سَلَّم في الحديث القدسي الذي أخرجه الإمام مسلم في الصحيح، قال: (فَإن ذَكرَني في نَفْسهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفسي، وإنْ ذَكَرَني في ملإٍ، ذكَرتُهُ في ملإٍ خَيْرٍ منْهُمْ)، ما المُراد في قوله ملأ خير منهم ؟ الجواب: الملائكة، فجِنْسُ الملائكة خيرٌ من جِنْسِ البَشَر، و الآحادُ من البشر الذين ترقٌوا في الطاعات و العبادات و استقاموا هم خيرٌ بآحادهم من آحاد الملائكة، أما جنس الملائكة ـ بشكلٍ عام ـ خير من جنس البشر.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
٦ – صفر – ١٤٤٤هـ
٢ – ٩ – ٢٠٢٢م
الجواب:
لا.
الإمام البخاري والإمام مسلم، وهما إماما أهل الصنعة الحديثية يقبلون ويردُّون على حسب القرائن،فتارة يقبلون وتارة يردُّون.
وذكر هذا وفصَّل فيه الحافظ ابن حجر في كتابه النكت على ابن الصلاح.
وأكتفي بهذا الإجمال.
والله تعالى أعلم.✍️✍️
الجواب:
الأصناف الرّبويّة:
قسمٌ منها يجوز بيعه دَينًا،
وقسمٌ منها لا يجوز بيعه دَينًا..
الذّهب والفضّة يدٌ بيد، وهاءَ بهاء (خُذ وهات)، الذّهب لا يجوز إدانته، والنّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: “الذّهب بالذّهب، والفضّة بالفضّة وهاءَ بهاء، يدًا بيد”.
رواه البخاري (٢١٣٤)، ومسلم (١٥٨٦)، وأبو داود (٣٣٤٨)، والتّرمذيّ (١٢٤٣)، والنّسائيّ (٤٥٥٨)، وابن ماجة (٢٢٥٣)، وأحمد (١٦٢).
يدا بيد : لا يجوز الاستدانة.
وقوله:(هاءَ وهاءَ) يعني: هات وخذ، وهذا تأكيدٌ على أنّه لا يجوز الاستدانة فيه، وثبت في “الصّحيحين” من حديث عمر رضي الله عنه- أنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال:
“الذّهب بالذّهب رِبًا، إلّا هاءَ وهاء ،والبُرّ بالبرّ ربًا إلا هاءَ وهاء، والتّمر بالتّمر رِبًا إلا هاءَ وهاء، والشّعير بالشّعير رِبًا إلا هاءَ وهاء”.
الأصناف المذكورة في حديث عُبادة بن الصّامت ،والأحاديث كثيرة في هذا الباب، وهو الّذي نُفصِّل فيه حينَ نَذكُر حديث عبادة بن الصّامت، وفيه ذِكرُ النبّيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لهذه الأصناق.
قال النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-:
“الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمرُ بالتَّمرِ، والمِلحُ بالمِلحِ، مِثلًا بمِثلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئتُم، إذا كانَ يَدًا بيَدٍ”.
رواه مسلم (١٥٨٧)، وأبو داود (٣٣٤٩)، التّرمذيّ (١٣٤٠)، النّسائي (٤٥٦٠)،
ابن ماجة (٢٢٥٤)، وأحمد (٢٢٦٨٣).
البُرّ والشّعير والتَّمر والمِلح مِثلًا بِمِثل، لا يجوز أن تقول: هذا جيدٌ، وهذا رديءٌ؛ فأُبدِل كِيلوَين بِكيلو، هل هذا الحديث خاصٌّ بهذه الأصناف الأربعة؟ (لا).
كلّ طعامٍ مُدّخرٍ عند المالكية، وكلّ طعامٍ موزون أو مكيل عند الشّافعيّة (ودلّت على هذا بعض النُصوص الصّحيحة)، لا يجوز استبدال الجَيّد -منه- بالرديء بِزيادة، فهذه الأشياء ينبغي أن تكون مِثلاً بِمثل، إذا اختلفت الأصناف؛ فبيعوا كيفما شئتم كما قال النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
يعني: بُرٌّ مع مال، هل يُعدّان صنفًا أم صنفين؟ (صنفان)، هل يجوز أن أستدين من هذه الأصناف، وآخذ من هذه الأصناف طعامًا مُدّخرًا أو طعامًا مكيلًا أو موزونًا دَينًا؟ (نعم)؛ هذا داخل تحت قول النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-:
“إذا اختلفت الأصناف؛ فبيعوا كيفما شئتم”.
فلك إذا اختلفت الأصناف أن تشتري البُرّ والأرُزّ والتّمر والزّبيب وأيّ هذه الأصناف بالدَّين؛ لأنّ الأصناف اختلفت، فبعضُ إخواننا يعتقد أنّ هذه الأصناف الأربعة -المذكورة- لا يجوز استدانتها (لا)، لا يجوزُ بيعها وشراؤها بالاستبدال بمثلها إلّا إن كانت مِثلاً بِمِثل، سواءً بِسواء، يدًا بِيَد، هات وخُذ، أمّا إذا اختلفت الأصناف؛ فالنّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقول:
“إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيفما شئتم…” ولا حرج في هذا.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
٦ – صفر – ١٤٤٤هـ
٢ – ٩ – ٢٠٢٢م
السؤال:
ما هي احسن الطبعات لشرح صحيح مسلم للإمام النووي؟!
الجواب:
طبعات شرح الامام النووي كثيرة لعله في مكتبتي 20 طبعة من شرح الامام النووي على صحيح مسلم، أحسنها التي ظهرت أخيراً بتحقيق أخينا الشيخ مازن السرساوي خدم الكتاب خدمة حسنة، والعبد الضعيف قدمتُ له، والطبعة التي أقرأ منها طبعة قرطبة وجدت فيها أخطاء، وبعض الطبعات فيها أخطاء كثيرة ومن أردئ طبعات شرح الإمام النووي طبعة دار الكتب العلمية فبعض الأبواب كلها غير موجودة، السقط ليس حديثًا أو حديثين السقط يكون بابًا كاملًا غير موجود للأسف.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
٦ – صفر – ١٤٤٤هـ
٢ – ٩ – ٢٠٢٢م
السؤال:
إحدى الأخوات تريد أن تُلبِس ابنتها جلبابًا .
والجلباب الموجود في السوق غالبًا يصِفُ الجسم، وهنالك لباس قميص فضفاض وطويل للركبة وبنطال عريض هو أستر من ذلك الجلباب الذي وجَدَتْه، فالسؤال هل يُشرَع لها أن تُلبِسَ ابنتها القميص والبنطال الذي ذكرت؟
الجواب:
لا هذا مشروع، ولا هذا مشروع.
البنطال الفضفاض في الخيال، وفي الواقع لا وجود له، إلّا السروال الذي كان يلبسه الأقدمون.
أما البنطال تلبسه المرأة، فالمرأة مظنّة الفتنة، والمرأة يجب عليها أن تستر نفسها بلباس شرعي له ثمانية شروط، طوّل في إيرادها وذكرها ودلّل عليها شيخنا الألباني -رحمه الله- في كتابه “جلباب المرأة المسلمة”، ومن بين هذه الشروط أن لا يكون اللباس يصِّف ولا يشِّف.
في البخاري نفى النبي صلى الله عليه وسلم مُخنّثًا إلى مكان الحُمَّى -إلى الجُحْفَة-، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم سبب نفيه بقوله: «كان يخالط النساء»، وقال أيضًا: «ويعرف ما تحت الثياب».
المرأة إن لبست لباسًا شرعيا ما ينبغي أن يُعرَف ما تحت الثياب.
ماذا يعني تحت الثياب؟
مثلاً اليوم موظّف عندما يرى موظّفة من بعيد يعرف هذا دبر فلانة، وإن رأى رأسها يعرف هذا ثدي فلانة، والنساء سيّان.
فلا يجوز للعبد أن يعرف ما تحت الثياب.
فمن شروط وجوب الحجاب أن لا يصِّف وأن لا يشِّف.
النبي صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم أخبر عنهن: «كاسيات عاريات».
كيف امرأة تكون كاسية عارية؟
تلبس محزّقْ (بتعبيرنا الدارج اليوم) أو تلبس اللباس الذي يشِّف؛ يعني ترى فخذها وهي لابسة، فهي كاسية عارية، أو ترى حجم عورتها وهي لابسة -يصِّف-.
جاء ولد من أولاد عبدالله بن الزبير لأسماء [بنت أبي بكر] بلباس من إيران قهستان وكان يشِّف، وكانت امرأة أضرّت (أصابها العمى) لمّا كَبُرت، فجاء لها بلباس، وكان هذا اللباس خفيفًا، فقال لها: يا أُمّاه هذا لباس جئتكم به، فمسكتْهُ ثم رمتْهُ، فقال لها: يا أُمّاه إنه لا يشِّف، فقالت أسماء: نعم هو لا يشِّف ولكنه يصِّف.
: يعني يُظهِر حجمَ العورة .
فالمرأة التي تلبسُ اللباسَ الذي يصِّفُ بدنها أو يشِّفُ عن بدنها فهي كاسية عارية، والكاسيات العاريات من أهلِ النار كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت في الصحيح: «صِنفان من أهل النار لم أرهما…» وذكر الكاسيات العاريات، وذكر أقوامًا بأيديهم أسواط يجلدون الشعوب، فقال أهل العلم:
الفساد الخُلُقي والظلم السياسي توأمان لا ينفكّان، متى وُجِد فسادٌ خُلُقي وجد ظلم سياسي؛ المغموسُ في شهوته لا يستطيع أن يقولَ للظالم إنك ظالم، فهما توأمان.
فهذا اللبس ممنوع، والجلباب الذي يصِّف ممنوع، والواجب أن تلبسَ المرأةُ ما لا يصِّف وما لا يشِّف، لا الذي يُسمى جلبابًا وهذا الجلباب يكون ضيّق ويُظهر الخصر والأرداف ويُحجّمها، هذا لباس غير شرعي.
قرأت في اللباس الفرنسي مع مواصفات اللباس الشرعي؛ كثير مما يُسمّى ظلمًا وزورًا وبهتانًا لباسٌ شرعيٌ هو في حقيقة أمره موديل فرنسي، وأصحاب الموديلات يُلبسون المرأة الشيء الفضفاض فترة، ثمَّ يرجعون فيضيّقون حتى تبقى الإثارة، فلبس الشيء الواسع لا يتقيّدون فيه بقيود الشريعة وإنّما لأن الموديل الذي قبله أو الذي بعده (مُغري)، فكيف يكون الإغراء؟ يكون أحيانًا باللباس الواسع قليلًا وهكذا.
لابد من لباس شرعي لا يصف ولا يشف.✍️✍️
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
٦ – صفر – ١٤٤٤هـ
٢ – ٩ – ٢٠٢٢م
السؤال:
هل هناك فرق بين الخلاف و الاختلاف ، لأننا نسمع أهل العلم يقولون: المسألة فيها خلاف ، و منهم من يقول : فيها اختلاف؟
الجواب:
هذه صطلاحات ، و(لا ضير) في الاصطلاح ، لا مشاحة في الاصطلاح ، هكذا يقول العلماء.
الخلاف المعتبر بين أهل العلم ، والاختلاف وإن قال به بعض أهل العلم ، إلا أنه مصادم للنصوص فلا عبرة به.
ولذا مقولة : لا ينكر في الخلاف على الإطلاق ليست صحيحة .
ومن هاهنا قال غير واحد من السلف ومنهم أيوب السختياني رحمه الله قال :
إذا تتبعت رخص العلماء فقد اجتمع فيك الشر كله.
وقال غيره: من تتبع رخص العلماء فقد تزندق.
وقديما كان الفقه له أمارات وعلامات، وكانت بعض البلاد فيها ترخص في أشياء ليست صحيحة.
بعضهم فصل وقال : إذا أخذت بحل نبيذ اهل الكوفة ، وإتيان النساء في المحاش(اي في الدبر) على قول أهل مكة، وحل سماع الغناء على قول أهل المدينة ؛ فقد اجتمع فيك الشر كله. واحد الآن يحيي لنا الخلاف القديم الذي أجمع عليه العلماء المتأخرون على أن إتيان النساء في الدبر حرام، وأجمع اهل العلم على هذا في العصور المتأخرة على أن نبيذ أهل الكوفة حرام، فيحيي لنا هذا الخلاف فيقول: هذا اختلف فيه أهل العلم. نقول له : لا. هذا ليس اختلاف ، هذا خلاف ، أنت تخالف كلمة المسلمين. لذا الإمام أحمد رحمه الله كان في بغداد ، وكان الناس يتساهلون في النبيذ ، فألف كتابه البديع – المطبوع الذي اسمه الأشربة ، وكان كتاب الأشربة عند الإمام أحمد لا يغادر كمه، أينما جلس فالكتاب يكون في كمه، وكانت أكمامهم طويلة ، يضعه في الكم، وما جلس الإمام أحمد في مجلس إلا وأخرج كتاب الأشربة و سرد الأحاديث في حرمة النبيذ ، حتى قضى المسلمون على الخلاف في نبيذ الكوفة.
فمن أحيا لنا شيئا قال به المتقدمون فأخطؤوا فيه -وهم معذورون- هذا ما نقول اختلاف ، هذا نقول: فيه خلاف، هذا يخالف الكلمة ، يخالف الإجماع .
بعض الناس يتصور المسألة على غير واقعها ؛ فيفتي بشيء ليس بصحيح . سئل أبو قتادة الأنصاري -أبو قتادة الأنصاري مدني صحابي جليل – ، سئل عن الصائم إن أكل البرد ، هل يفطر ؟
أبو قتادة الأنصاري ما يعرف البرد ، فسأل السائل قال : ما هو البرد ؟ قال : بركة من السماء.
أجاب السائل أبا قتادة قال له :
بركة من السماء.
فقال :
إذا كان البرد بركة من السماء لا يفطر.
فعلا لو كان البرد بركة من السماء ؛ لا يفطر ، أنا أقول هذا
لكن لو السائل قال لأبي قتادة :
البرد ماء ينزل مجمدا ثم يصبح ماء ، ثم شربت الماء ، هل يفطر أم لا يفطر ؟
يفطر.
فأبو قتادة لما قيل له :
البرد بركة من السماء.
قال : لا يفطر. وهذا صحيح.
فأنت تنزل على بدنك بركة من السماء تعينك وتقويك على طاعة الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه قال : (إني أبيت عند ربي فيسقيني ويطعمني) فكان يواصل ونهى وزجر المسلمين أن يواصلوا ، فالله يطعمه ويسقيه من غير طعام وشراب ، هذا ليس فطرا ، لا يفطر ، هذه بركة من السماء. ويأتينا واحد اليوم يقول : الصحابي الجليل أبو قتادة الأنصاري قال: البرد لا يفطر ، فأنا آكل البرد وأنا صائم .
ماذا نقول له ؟
هذا ضلال ، هذا ترخص.
لذا واحد بدوي -الحر شديد ، الحر كان يقتل الناس فيذهب فيقول : الحمد لله ، قال : لولا الوضوء لمتنا عطشا، فكل ما يتوضأ يشرب ، يشرب شيء.
فهذا الكلام ليس بصحيح ، يقال إن البرد بركة من السماء.
فهنالك خلاف ، وهنالك اختلاف.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
٦ – صفر – ١٤٤٤هـ
٢ – ٩ – ٢٠٢٢م
أخٌ يقول: جيراني فقراء، وعندهم كثيرٌ من المعاصي (قروض ربويّة، يشربون الخمر، يتركون الصّلاة)، هل يجوز إعطاؤهم من الصدقات والزّكاة ؟
الجواب :
الصّدقة جائزة..
هل يجوز للمسلم أن يتصدّق على الكافر؟
(نعم)..
سمعنا في صلاة الفجر قراءة أخينا أبي أحمد النّدية، يقولُ الله -تعالى-:
{وَیُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِینࣰا وَیَتِیمࣰا وَأَسِیرًا}..
اختلف أهل العلم في الضّمير (حبّه) على قولين:
_ الأول: إمّا أنّهُ عائدٌ على الطّعام؛ فيحسن بالإنسان أن يتصدّق بالّذي يحبّ، مثال: الّذي تُحبّ أن تأكله يُسنّ لك أن تتصدّق به.
_ الثّاني: ومنهم من أرجع الضّمير في (حبّه) على لفظ الجلالة (الله)، والله -تعالى- غير مذكورٍ في الآية، لكن السّياق يقتضيه، وقال به بعض السّلف.
يُطعمون الطّعام على حبّ الله _أي: يطعمون الطّعام إخلاصًا لله، ويطعمون الطّعام على حبّه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا.
من الأسير؟
الّذي جاء يقتلنا، ويُشهر السّلاح علينا، ونحنُ نطعمه لوجه الله، هذا مِثلُ جارك-صاحب المعاصي – أم أسوأ من جارك؟ أسوأ من جارك.
الأسير أسوأ من جارك، لكن لا تُعنه على المعصية، كُن صاحب عقل، يَقولُ: لأنّهُ صاحبُ معصية لن أتصدّقَ عليه (لا)؛ يقول: هذا الفقير السّائل كذّاب! مالك وماله؟! قدّم الصّدقة ولا تبحث، ولا تتعنَّ، من تعنَّ ودقّق وشدّد بالتّدقيق؛ فسيجد أنّ هذا لربّما كذّاب، أو أنّ هذا لربّما صاحب معصية، ولا يتصدّق أبدًا، ولا يفعلُ شيئًا.
قال الله -تعالى:
{وَیُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِینࣰا وَیَتِیمࣰا وَأَسِیرًا}..
فلان يشرب الخمر؛ لا تعطه مالًا، أعطِه طعامًا، ابعث له طعامًا، ادفع عنه إيجار البيت.
الفقير يحتاج لمن يتصدّق عليه.
أمّا الزّكوات فلا تجوز إلّا للمسلم،
لا يجوز أن تخرجها للكافر ، ولا للنّصراني، و يجبُ على من أدّى زكاة ماله، أن يفحص هل هذا من أهل الزّكاة أم لا؛ لقوله -تعالى-:
﴿إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلۡفُقَرَاۤءِ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱلۡعَـٰمِلِینَ عَلَیۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَـٰرِمِینَ وَفِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِۖ فَرِیضَةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ﴾ [التوبة ٦٠].
ويجبُ عليك أن تفحص كلّ عام، يعني لا يجوز لك أن تعطيَه أوّل عام بعد أن فحصت، ثُمّ تعطيه كلّ سنة -على الفحص الأول-، لعلّكَ أعطيته وهو فقير، وعنده ولدٌ في الجامعه، أمّا الآن فقد تخرّج ولده، وأصبح يأتي بالمال، فيجب أن تفحص في كلّ عام، والفحص والتّدقيق في الزّكاة يُشدّد فيه أكثرَ من الفحص والتّدقيق في الصّدقات.
فالصدقات “في كلّ كبدٍ رطبةٍ أجر”، الله يقبل الصّدقات حتّى على الدّواب، الدّابة والكلب والقط والحيوانات -أجلّكم الله- يقبل الصّدقات عليها.
فلا حرج في هذا .
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
٦ – صفر – ١٤٤٤هـ
٢ – ٩ – ٢٠٢٢م
السّؤال:
ما معنى قولِ اللهِ -تعالى-:
{قُل مَا يَعبَأُ بِكُم رَبِّي لَولَا دُعَاؤُكُم…} [الفرقان: ٧٧].
الجواب :
آيةٌ عظيمة، فسّرها نبيّنا -صلّى الله عليه وسلّم-، وحينَ أقولُ لكم: فسّر النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يَحتاجُ إلى ربطٍ وفهم .
النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: “لا تقومُ السّاعة حتّى لا يُقالَ في الأرض: الله الله”.
رواه مسلم (١٤٨)، والتّرمذي (٢٢٠٧)، وأحمد (١٢٠٤٣) من حديث أنسٍ -رضي الله عنه-.
اختلف أهل العلم في ضبطِ لفظِ الجلالة (الله)، فمنهم من رفعه، ومنهم من نصبه، حتّى لا يُقالَ في الأرض: اللهُ اللهُ، حتّى لا يرفعَ أحدٌ يديه ويقول: يا الله، اغفر لنا وارحمنا.
و لذا يقول النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-:
“لا تقومُ السّاعة إلّا على شرارِ النّاس”.
رواه مسلمٌ في “صحيحه” من حديث عبدالله بن مسعود .
ومنهم من نصبه -يعني: لفظ الجلالة-، فقال: “لا تقوم السّاعة ويقال في الأرض: اللهَ اللهَ”.
قال أهل العلم: (اللهَ) لفظُ الجلالة منصوبٌ على التّعظيم، وتقدير ذلك: لا تقوم السّاعة ويقال في الأرض: *اتقِ الله*.
والمعنى: أنّه لا تقوم السّاعة وأحدٌ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، حتّى لا يُقال: اللهَ للهَ، اتقِ الله يا فلان، لا يقول الوالد لولده ولا الأخ لأخيه ولا الجار لجاره، لا يقولُ له: اتقِ الله.
تأمّل الآية:
{قُل مَا يَعبَأُ بِكُم رَبِّي لَولَا دُعَاؤُكُم…}.
(لولا دعاؤكم)، هذا الدّعاء المقبول أم المردود؟
المقبول.
لولا وجود الدّعاء ما عبأ الله بكم، والنّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقول:
” لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليسلطنّ الله عليكم شراركم، ثمّ يدعو خياركم فلا يستجاب لهم”.
رواه التّرمذي (٢١٦٩)، وأحمد (٢٣٣١٢).
إذًا لولا دعاؤكم المستجاب، الدعاء المستجاب -هذا- يلزمُ منه حتّى يُستجاب؛ أن يكون هنالك أمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر.
فالنّاس -والدّنيا كلّها- يعيشون ببركة الّذين يدعون، أو ببركة الّذين يأمرون وينهون، البشريّة قائمة ببركة اّلذين يتوسّلون إلى الله ويتضرعون إليه، ويسألونه بذلّ، أو ببركة من يأمر ومن ينهى .
ومن ها هنا وقع الخلاف بين أهل العلم حول حديث: “حتّى لا يقال في الأرض: اللهَ أو اللهُ.
فللقولين وجهان معتبران؛ ما دام النّاس يدعون الله -تعالى-، الله -عزّ وجلّ- يستجيب لهم، ولا يهلك البشريّة، نسأل الله -عزّ وجلّ- العفو والعافية.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
٦ – صفر – ١٤٤٤هـ
٢ – ٩ – ٢٠٢٢م
السؤال:
كيف نجمع بين مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه «علِّموا أولادكم السِّباحة والرِّماية وركوب الخيل» والآن يوجد سيارات ويوجد أسلحة حديثة؟
الجواب:
ما هي الرماية؟ ما هو معنى الرماية؟ نقف عند قول عمر «علِّموا أولادكم السباحة…»
الغوص بالغواصات الحربية تدخل في السباحة؟
تدخل في السباحة.
ماذا عن الرماية؟
علماء اللغة يقولوا الرماية مصدر، والمصدر مُحلّى بالألف واللام، والألف واللام في قوله “الرماية” للجنس.
المفرد المُحلّى بالألف واللام في العربية ماذا يفيد؟ العموم؛ فكل ما يسمى رماية يدخل فيه.
فقصد عمر -رضي الله عنه-: الرماية بالبندقية، الرماية بالنشّاب، الرماية بالدّبّابة، الرماية بالطائرة…
نذهب لآية في قول الله تعالى في سورة الأنفال {وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ…}.
كل كتب التفسير تفسّر قول الله “مِّن قُوَّةࣲ” وقوّة منكَّرة (نكرة) يذكرون ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه، قال صلى الله عليه وسلم: «ألا إنَّ القوةَ الرَّمْيُ».
يذكرون في تفسير قول الله {وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ…} قول النبي صلّى الله عليه وسلم «ألا إنَّ القوةَ الرَّمْيُ» أي رمي؟ الرمي الذي يرمي به عدوّك.
{وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ…} فيجب علينا أن نتسلّح بالسلاح الذي يحققُ الغايةَ المذكورة في الآية {… تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ…} حتى يثير الله حماس المؤمنين؛ قبل أن يقول عدوّكم قال عدوّ الله، قال أهل العلم هذه القوّة ينبغي أن تحقق الغاية، وتحقيق الغاية أن يقع الرَّهبة من قِبَل أعداء الله وأعدائكم، فقالوا ينبغي أن تكون القوّة من جنس قوة الرمي عند أعدائنا.
لا يجوز نقابل الطيارات والدّبّابات والمدافع ونقابلها بالسيف، هذا جنون… هذا غباء… هذا جمود! وليس لهذا محل لا من عقل ولا من فهم ولا من تدبّر ولا من إعمال المقاصد والغايات.
فقول الله تعالى {وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ…} وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- «ألا إنَّ القوةَ الرَّمْيُ» وقول عمر -رضي الله عنه- “علموا أولادكم الرماية…” على مهْيَعٍ واحد وعلى طريقٍ واحد، وهي من نفس جنس الرَّمْي المعروف في عصرنا، فلكلِّ عصرٍ قوّة ولكلِّ عصرٍ ذخيرة وما شابه.✍️✍️