السؤال:
أخٌ يسأل فيقول: نريد نصيحة بماذا نشغل أوقاتنا في شهر رمضان؟
الجواب:
أولاً: توضيح الهدف منذ البداية من الأسباب المعينة جداً على الوصول إلى المطلوب.
والناظر في أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحَثِّ على الصيام والقيام في رمضان، والحث على قيام ليلةُ القدر على وجه الخصوص يجد بينهما قاسماً مشتركاً.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه في الصحيح أنه قال:
– “من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ لهُ ما تقدم من ذنبه”. البخاري ٣٧، مسلم ٧٥٩.
– “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه”. البخاري ٣٨، مسلم٧٦٠.
– “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه”. البخاري ١٩٠١، مسلم ٧٦٠.
فالواجب على كل مكلف أن يخرج من مدرسة رمضان وقد غُفِرَت ذنوبه.
هذا واجب عيني على كل ذكر وأنثى، على الإنس والجن إن دخلوا هذه المدرسة أن ينالوا شهادة غُفران الذنب.
ولذا دعا جبريل -عليه السلام- على من أدرك رمضان ولم يغفر له وأمَّن على دعائه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وورد ذلك في عدة أحاديث عن عدة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “صعد المنبر؛ فقال: آمين آمين آمين؛ قيل: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين آمين آمين؟.
فقال: إن جبريل -عليه السلام- أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان؛ فلم يغفر له؛ فدخل النار فأبعده الله. قل: آمين؛ فقلت آمين.
ومن أدرك أبويه، أو أحدهما فلم يبرهما؛ فمات؛ فدخل النار فأبعده الله. قل: آمين؛ فقلت: آمين.
ومن ذكرتَ عنده؛ فلم يصل عليك؛ فمات، فدخل النار فأبعده الله. قل: آمين، فقلت: آمين”.
رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له، صحيح الترغيب والترهيب ١٦٧٩ وقال الألباني: حسن صحيح.
رمضان من الرمض، والرمض: هو الحر أو أثر الحر.
ورمضان ينبغي أن يكون شهر عمل لا كسل، وشهر نشاط لا عجز، وينبغي أن يفيض في هذا الشهر الخير على الغير.
وقد أوجب الشرع قبل الدخول في هذا الشهر أن تقع المحبة بين الناس.
فإنَّ الله يغفر لكل أحد في ليلة النصف من شعبان إلا لمشرك أو مشاحن؛ فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ اللَّهَ ليطَّلعُ في ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ فيغفرُ لجميعِ خلقِه إلّا لمشرِك أو مشاحنٍ”. صحيح ابن ماجه ١١٤٨ وحسنه الألباني.
فمن بينَهُم شحناء لا يغفر لهم.
فقبل أن يدخل العبد في هذا الشهر وهذه المدرسة، ويتجَّمل ويتزين بالصيام والقيام وبالذكر وتلاوة القرآن، الواجب عليه أن تكون علاقته مع إخوانه حسنة طيبة، وأن يخرج من الشحناء، فحينئذ ينعم برضا الله -عز وجل-، فإنَّ الله -جل في علاه- يغفر فيما علَّمنا نبيُنا -صلى الله عليه وسلم- التبعات التي تكون في التقصير في حقه، أما التقصير في حق العباد فلا بد من المسامحة، ولا بد من أداء الحقوق إلى أهلها.
ولذا هذا الشهر لا يقتصر على لون معين من الخير.
المهم أن يُغفر للإنسان ذنوبه، وأن يكون الإنسان نشيطاً لا عاجزاً لا متكاسلاً، نعوذ بالله من العجز والكسل.
فالناظر في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم، وكان أشد ما يكون في العشر الأواخر، فإذا دخل العشر الأواخر أحيا ليله وأيقظ أهله وشدَّ مئزره.
– فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ”البخاري ٢٠٢٤.
“شَدَّ مِئْزَرَهُ”: كناية عن أنه كان يعتزل النساء.
فالشهر ليس شهر شهوات، وليس شهر تبقر في الطعام والشراب والملذات، الشهر فيه إخبات، وفيه قرب من ربّ البريّات -سبحانه وتعالى-، فهذا الشهر فيه مجال لكل خير، ولا سيما إن فاض على الغير.
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كريماً، وكان كالريح المرسلة في رمضان؛ كان جواداً -صلى الله عليه وسلم-؛
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.” البخاري ٦، مسلم ٢٣٠٨
الصحابة كعثمان -رضي الله عنه- كما في موطأ مالك بإسناده إلى السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رضي الله عنه- كَانَ يَقُولُ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ؛ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ فَلْيُؤَدِّه حَتَّى تُخْرِجوا أَمْوَالُكُمْ” الموطأ ٦٨٥، إرواء الغليل ٧٨٩ وصححه الألباني.
فأن تزكي في هذا الشهر أمرٌ حسن، -أن تكون زكاة مالك في هذا الشهر-.
تفقد الواجبات؛ فأحب الأعمال عند الله ما فرضها، المفروضات.
إياك أن تقصر في المفروضات: تُمسك القرآن، وتهز رأسك، وتشرذم وتهذرم، وتقرأ بسرعة، وأنت لست متفقدا لواجباتك، والفرائض التي عليك، وأنت تارك للزكاة، وأنت قاطع للرحم، وأنت عاق لوالديك!!، هذا خذلان من الله -جل في علاه-.
العاقل يحسن، تلاوة القرآن أمرها حسن، وتلاوة القرآن ينبغي أن تكون مؤثرة، وأن يكون لها أثر في الحياة، وأن تقرأ القرآن القليل بتدبر أحسن من الكثير بلا تدبر.
الأصل في شهر رمضان: أن يكون شهر عطاء، وشهر خير، ويترسخ الخير في النفس، وأن يصبح للإنسان مقدرة وهمة على اتساع الخير، هذه النفس تتسع في حمل الخير، وتبقى ثابتة عليه إلى أن تلقى الله، وكل ما جاء رمضان ازداد تحمل النفس للون آخر من ألوان الخير.
الناظر في حياة العلماء: كان العلماء في شهر شعبان، ورمضان (كانوا يسمونها في المدارس السلطانية والمدارس النظامية) كان يسمون شهر شعبان ورمضان: البطالة: يعني تعطيل المدارس.
تعطل المدارس الشرعية والمدارس النظامية والسلطانية: التي كان يتلقى فيها الناس العلم عن المشايخ والعلماء، لكن مع هذا: الناظر في ترجمة الحافظ ابن حجر فيما ذكر السخاوي في (الجواهر والدُرر): كان جُل قراءاته للأجزاء الحديثية في رمضان وكان وقته معموراً في الإقراء .
فرمضان لسائر دروب الخير ولسائر أنواع الخير .
المجاهدون الذين رزقهم الله قوة الأبدان: كان الجهاد في رمضان من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ما بعد ذلك.
شهر رمضان ليس شهر كسل، يقل فيه الطعام وينبغي أن يقل النوم، فمن أكل كثيراً نام كثيراً؛ فإذا قلَّ الطعام ينبغي أن يقل النوم فإذا قلَّ النوم ينبغي أن يكثر الخير.
فالشرع في رمضان منعك في النهار من الملذات: من الطعام والشراب وإتيان الأهل، وأشغل وقتك بالليل بالقيام.
فهو يربِّيك على أن تزدحم الخيرات على النفس حتى تستفيد في سائر أيام السنة، أن يبقى الخير يتوارد على القلب وعلى النفس، وأن تبقى مائلاً إلى الملائكية لا إلى البهيمية، لا إلى قضاء الوطر وقضاء الشهوة وما شابه.
فرمضان فيه توسعة للنفس يوسعها لتتحمل الخير.
فكيف تشغل وقتك في رمضان ؟
هذا الشعار، وهذا هو الهدف، وهذه هي الطريقة، وهذا المراد.
فينبغي للعبد أن يكون على تذكر قبل البدء .
السؤال:
– كيف يثبت الصيام في شهر رمضان؟
-هل يكفي شهادة واحد، أم لا بد من شهادة اثنين؟
– هل يُعتمد على الرؤية العينيةأم يجوز بالحسابات الفلكية؟
– من رأى الهلال وتيقن على ثبوته، فلم يُعلَن أن اليوم التالي هو رمضان، هل يصوم أم يفطر؟
الجواب:
بعض الأحكام الفقهية المهمة في استقبال شهر رمضان المبارك وهو على الأبواب.
نسأل الله رب العرش العظيم أن يعيننا على الصيام والقيام، وأن يجعل ذلك متقبلًا مباركًا في حياتنا، وأن يجعلنا ممن ينال من صيامه وقيامه شهادة التقوى، وأن نخرج من هذا الشهر وقد غُفرت ذنوبنا.
رمضان يجب على الأمة وجوبًا كفائيًا أن يتحروا هلاله؛ فمتى رؤي الهلال وجب الصوم.
وقد تراء الناس الهلال في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-، فرآه رجل واحد، وفي رواية أنه أعرابي؛ فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلـم-، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس بالصيام.
وحديث تراءي الناس لهلال رمضان أفرده الإمام الخطيب البغدادي بكتاب مطبوع ذكر طرق هذا الحديث، والحديث صحيح.
ويكفي لثبوت الصيام رؤية رجل واحد، إن رأى الهلال وأخبر به، فحينئذ يجب على الأمة أن تصوم لرؤيته.
وقد وقع خلاف بين العلماء في رؤية هلال رمضان، هل هو تابع للرواية، أم هو شهادة محضة خالصة؟
فمن قال أن رؤية الهلال يتبع الشهادة:
فأوجب في الشهود العدد، والصفة والجنس، أوجب أن يكون حرًا، وعدلًا، وأن يكون ذكرًا.
ومن قال أن الرؤية تتبع الرواية:
فلم يوجب الحرية، والثقة لا بد منها؛ أن يكون المُخبر ثقة، ولم يوجب العدد، فالواحد يكفي.
وكيفما نظرنا، فإن الواحد كفى المسلمين في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-.
ورؤية الهلال هي أَلْحَقُ منها بالرواية، من كونها شهادة.
والفرق بين الرواية والشهادة، مسألة تعب فيها (( الإمام القَرافي))، ولما علم جوابها بعد ثمان سنين من البحث أودعها كتابه ((الفروق))، وصدرَ كتابه الفروق بها، فجعل أول فرق في كتابه الفروق، الفرق بين الرواية والشهادة.
يقول: كنت أسأل العلماء والفقهاء، ومكثت ثمان سنوات وأنا أسأل: ما الفرق بين الرواية والشهادة؟
فكانوا يقولون لي: إذا اشتُرط في الراوي عدد أو صفة فهذه شهادة، وإن لم يُشترط فهي رواية.
قال: فكنت أقول لهم: هذا معروف، لكن: حتى أشترِط أو لا أشترط ما هو السبيل لمعرفة أن هذا الأمر هو الشهادة أو الرواية؟
يقول: حتى نظرت في كتاب: “إيضاح المحصول من برهان الأصول” للإمام المازري (ويقال: أن نسخة مخطوطة منه ما زالت محفوظة في فرنسا)، يقول: فنظرت في شرح البرهان للمازري؛ فوجدته يقول: إذا كان الأمر يخص حقًا معينًا في حق شخص معين فهذه شهادة، وإذا كان الأمر لا يخص شخصًا معينًا، وإنما يخص الأمة كلها فهذه رواية.
الآن:
رؤية هلال رمضان هو أقرب منه للشهادة أم للرواية؟
هل هو يخص شخصًا معينًا؟، أم أنه يخص المسلمين جميعًا؟
فلما كان أقرب للرواية لم يشترط أهل العلم في رؤية هلال رمضان عددًا.
بل لو قلت: أن العبد إن شهد هلال رمضان تُقبل شهادته، ويجب على الأمة أن يصوموا لشهادته لما أبعدت النجعة؛ لأن الشهادة على إثبات رمضان ليس حقاً خاصاً في ذمة خاصة بوصف خاص، وإنما هي تلحق بالرواية، فتكون هذه الشهادة خاصة عامة للأمة كُلها.
والنبي -صلى الله عليه وسلـم- يقول: (فيما ثبت عنه في الصحيحين): صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. البخاري١٩٠٩، مسلم١٠٨١.
ومعنى صوموا لرؤيته:
أي الخطاب للأمة بأسرها، فيجب على الأمة أن تصوم لرؤية هلال رمضان، وأن تفطر لرؤية هلال شوال.
هل رؤية الهلال عينية أم أن الحسابات الفلكية تجزئ؟
في بعض البلاد، وبعض مجالس الفتوى في أوروبا في بعض البلاد يعطيك متى ستصوم لمدة مئة سنة للأمام، بناء على الحسابات الفلكية.
إذاً: حديث “صوموا لرؤيته” ملغي عند هؤلاء.
إذا كان يجوز الصيام وفق الحسابات الفلكية، والأمة لا تتراءى الهلال، لا تتداعى لرؤية الهلال، فهذا إلغاء لهذا الحديث.
بل في بعض روايات الحديث عند النسائي فيها قوله -صلى الله عليه وسلـم- زيادة مهمة جداً يقول فيها النبي-صلى الله عليه وسلم-: “لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه” .
سنن النسائي ٢١٢٢ وصححه الألباني.
والرواية الثانية أبلغ من الرواية الأولى، والرواية الثانية فيها حصر أن الصيام لا يكون إلا من خلال الرؤية العينية.
فإلغاء الرؤية العينية والاعتماد على الحسابات الفلكية ليست طريقة مرضية، وليست من الأمور الشرعية.
إذًا الحسابات الفلكية هل تهدر؟
لا؛ ما تهدر، يُستأنس بها، لكن لا يعتمد عليها.
كانت بعض الدول تعطي أول من يأتي بخبر رؤية الهلال عباءة، و خمسمئة ريال، فكان بعض الجُرّاء يتجرؤون ويجعلون عيونهم ترى الهلال (والهلال لم يُرَ) طمعاً بالجائزة، فألغوا الجائزة.
فبعض الناس جريء.
معنى حديث: “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته”: أي: صاحب الرؤية والنظر الثاقب.
أعجبني بعض ملوك الدولة العلوية السلفية في المغرب كان يأمر باصطحاب طبيب معه، فمن رأى منهم الهلال فحص نظره، ليتأكد هل نظره صحيح أم غير صحيح؟
فالاعتماد على الحسابات الفلكية اعتماداً كُلياً، وإلغاء الرؤية العينية هذا خطأ.
لكن رجل قال: أنا رأيت، والعلم اليوم يقول يستحيل اليوم أن يُرى الهلال، هذا الأمر المستحيل لا يُعمل به.
الجواب: الرؤية الحقيقية، فالأمر المزعوم، الأمر الذي على خلاف العادة فيما جرت فيه سنة الله لا يعتمد ولا يعتد به.
حتى أن الفقهاء يقولون: الشهادة التي هي على خلاف العادة القاضي لا يلتفت إليها.
فلو جاء شخص عامي يبيع الخضار في السوق، وذهب للقاضي، وقال للقاضي: والله يا سيدي القاضي أتاني جلالة الملك اليوم، وأشترى مني كيلوين بندورة وبقي لي عنده خمسة فلوس، وما أعطاني إياهم، أريد أرفع عليه قضية، ماذا يعمل معه القاضي؟
الجواب: لا يرد عليه، لأن هذا خلاف العادة، هذا خلاف ما جرت به عادة الناس.
فكل ما هو خلاف المعتاد، خلاف العقل، شيء لا يوافق قواعد العلم اليقينية لا يلتفت إليه.
لذا الرؤية العينية واجبة وجوبًا كفائيًا، ويجب على الأمة أن تتراءى هلال رمضان، وأنَّ ترائي هلال رمضان واجبٌ كفائي.
ومتى رؤي الهلال يجب على المسلمين جميعاً أن يصوموا، لقول النبي -صلى الله عليه وسلـم-: “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته” متفق عليه.
فالحسابات الفلكية لا يعتمد عليها.
فالهلال قد يُرى بالآلات، وقد يقال بالحسابات الفلكية: أنه يمكن رؤيته، ولم يكن قد تولد بعد.
فالعبرة بما يُرى بالعين، وليست العبرة بما يُحسب بالحسابات الفلكية.
لذا الحسابات الفلكية تقول: انتبهوا، دققوا، الليلة في رؤية، فنحن ندقق، وإن رأينا استأنسنا بالحسابات الفلكية، فإن رأينا فحينئذ وجب الصيام في ذمة الأمة.
من رأى الهلال وتيقن عليه، وأخبر ولكن لم يرد أحدٌ عليه يصوم أم يفطر؟
الجواب: يصوم، إذا أنا تيقنت من الهلال ورأيت الهلال، وتيقنت أن الهلال قد رؤي فثبت الصيام.
فإذا الناس غيروا وبدلوا فأنا يجب علي أن أصوم، ولكني أتكتم، حتى لا أصنع فتنة في الأمة.
السؤال: أخ يقول كيف تصفد الشياطين، وما المقصود بتسلسلها وقد نرى كثيرًا من الناس يصرع عند القراءة عليه في رمضان ؟
الجواب: سُئل الإمام أحمد كيف يُصرع الإنسان والشياطين مصفدة؟
قال : الوسوسة هذه ، وسوسة الشيطان وهذه من استجابة المحل.
المعاصي تكون من النفس، وسيئات العمل ، ومن الشيطان.
وكان النبي ﷺ في كل مجلس قبل أن يبدأ بالكلام يقول: ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
أنت تفعل المعصية إما من شرور نفسك ، وإما من سيئات عملك.
السيئة لها أخوات والحسنة لها أخوات، والسيئة تجر إلى سيئة أكبر منها، والطاعة تجر إلى طاعة أكبر منها ، فإياك أن يسول لك الشيطان أن هذه معصية قليلة ، هي بريد لمعصية كبيرة.
لذا العلماء يقولون: التبقر في المباحات والتوسع فيها بريد للوقوع في المكروهات ، و المكروهات بريد للوقوع في المحرمات ، والمحرمات بريد للوقوع في البدع ، والبدع بريد للوقوع في الكفر ، والعياذ بالله تعالى.
فأنت الجم نفسك منذ البداية ، فالشيطان هو سبب من أسباب، وبعض الناس يعصي ربنا في رمضان والشياطين مسلسلة فهو أصبح شيطان والعياذ بالله.
الشيطان من فعل شطنَ، وفعل شطنَ أي بَعُدَ فكل من كان بعيدا عن طاعة الله فهو شيطان سواءا كان جنياً أو إنسياً ، الله يقول: (شياطين الإنس والجن) ، والله يقول : ((وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا)) سورة الجن ( 6 ) .
لذا يجوز أن نقول عن الجني رجل ، ويجوز أن نقول عن الإنسي شيطان.
بعض الناس يقول لك: هذا شيطانه مصفد لماذا هذا يعمل معاصي ؟
يعمل المعاصي لأنه هو شيطان والعياذ بالله ، هو ما يحتاج إلى وسوسة الشيطان ، الشيطان برمجه وسار على دربه واتبع طريقته فقبّح ما حسن الشرع، وعظم ما حقر الشرع ، وحقر ما عظم الشرع ، بعض الناس يحقر الشيء الذي عظمه الله ، وبعض الناس يعظم الذي حقره الله ، وهذا والعياذ بالله أشقى الخلق ، فبعض الناس على المعصية من هذا الباب .
السؤال : شيخنا بارك الله فيك بيني وبين قريبي خصومة، وعن نفسي سامحته وأديت حقوقه، الا أنه يرفض المسامحة؟
الجواب : أدخل عليه من مداخل وأرسل إليه أُناسًا، وادع الله تعالى له، ولا سيما إن كنت أنت الظالم ، طيب خاطره ، وأرسل له كما يقولون في تعبيرنا الدارج اليوم من يمون عليه .
السؤال:
شيخنا: على فرض وجود التصوف عند بعض السلف؛ هل ثمّة فرق بين ذاك التصوّف وتصوف أهل هذا الزمان؟
الجواب:
أنا أقول والمسألة تحتاج لبسط:
هناك فرق كبير بين التصوف في القرن السابع والتصوف في هذا الزمن، بين أهل الشام مثلًا، بل في القرن الثامن كان ينكرون إنكارًا شديدًا أعني -الأشاعرة ومن كان معتنيًا بالتصوف- على كثير من الترهات والخرافات ولا سيما أصحاب وحدة الوجود.
ومن يقرأ كتب التأريخ مثلًا، ولا سيما من يتتبع أعلامهم ويدرس حياتهم يجد هذا ظاهرًا جليًا.
فالتصوف عند السلف هو التزكية، والأصل أن نضبط الألفاظ.
والتصوف ليس اصطلاحًا خاصًا بأهل الإسلام، وإنما هو اصطلاح يعم الأديان كلها، فهنالك البراهمة والهندوس وعندهم تصوف.
فنحن عندنا تزكية، والتزكية مربوطة بالكتاب والسنة.
فإذا كل خاطر يخطر على القلب، إذا ما قام عليه شاهدا عدل من الكتاب والسنة فهو مردود.
و(زَرُّوق) من متأخري الصوفية -متوفى٨٩٩ هجرية-، كان في كتابه:” عمدة المريد” وفي كتبه الأخرى، كان يدعو إلى تصوف فيه تقييد بأفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبه، وكان متأثرا ويكثر النقل من كتاب (الاعتصام) للشاطبي -رحمه الله-.
فالتصوف عند السلف هو التزكية وهو عبادة الله تعالى وكثرة العبادة والإقبال عليها، وهذا أمر محمود.
ومن أعلام المتصوفة الكبار أصحاب السنة والعقيدة الصحيحة الإمام (الجُنيد) و (عبد القادر الجيلاني) وله كتاب اسمه (الغُنية).
ومن نظر في كتابه (الغُنية) فهو يثبت العلو لله جل وعلا.
والعجب أن الكتاب طُبع من قريب في تركيا، من قبل رجل يزعم أنه من ذرية الشيخ ( عبد القادر الجيلاني)، وحذف هذا الباب، حذف ما يسمى بالتوحيد.
وأحسن طبعة للكتاب لغاية الآن طبعة بغداد، في ثلاث مجلدات وفيها المعتقد، ولكن طُبع في وقت صلح العراق مع إيران بعد ذاك القتال الشرس؛ فاضطرت وزارة الأوقاف أن تحذف من كلام (عبد القادر الجيلاني) في (الغنية) كلامه الشديد على الرافضة.
فللآن كتاب (الغنية) لم يطبع بالكمال والتمام، مع أن الطبعة العراقية المطبوعة في ثلاث مجلدات جيدة بالجملة.
فالشاهد أن كثير من أئمة الصوفية (كالجيلاني) و(الجنيد) هم أهل علم.
ولو أنك قرأت ترجمة (عبد القادر الجيلاني) في (ذيل طبقات الحنابلة)، لنظرت أن (الشطنوفي ) الذي خصه في كتابه ، وهو كبير في ثلاث مجلدات خصه (لعبد القادر الجيلاني) وكيف أنه ملأه سمًا وأكاذيب وخرافات.
والعجيب أن (الحافظ ابن حجر العسقلاني) له ترجمة طُبعت في لندن من قريب حول ترجمة (عبد القادر الجيلاني) ولخصها، وذكر في مقدمة الكتاب أنه أبعد في كتابه تلك الخرافات التي ذكرها (الشطنوفي) واقتصر على ما هو ثابت وصحيح عنده.
(فعبد القادر الجيلاني) من قديم الكذب عليه كثير، واختلاط الحابل بالنابل كبير كثير.
*فالشاهد أن التزكية ولو سميت صوفية -وليس الذي يُفعل اليوم-، وكانت منضبطة بالكتاب والسنة فعلى العين والرأس، هذا الذي نحبه وندعو إليه، ندعوا أن يلتزم الناس دين الله عز وجل.*
*وما أحوج طلبة العلم إلى أن يكثروا من قراءة القرآن الكريم، ومن حفظه، ومن التنفل، ومن الذكر، وأن يتقيدوا بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويحاربون جميع ما يخالف سنته ويخالف هديه.*
*هذا هو الدين الذي ندعوا إليه.*
السؤال:
حكم مس المصحف للجُنُبِ والحائض، ما الراجح عندكم شيخنا؟
الجواب:
المسألة طويلة وكثيرة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر عليًّا بأن لا يمس المصحف وهو جُنُب.
الحديث في الحقيقة قائم على عمرو بن سلمة، وقد اختلط وعليه كلام وكلام كثير.
ويبقى في المسألة قوله تعالى: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرونَ﴾[الواقعة: ٧٩]، الضمير في يمس الظاهر في سياق الآيات إنه عائد إلى اللوح المحفوظ، ولا يمس اللوح المحفوظ إلا المطهرون.
نزع بعض أهل العلم أن قوله تعالى:﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرونَ﴾: هم الملائكة وهم مطهرون، وبالتالي ينبغي أن نتشبه بهم فقالوا لا يجوز مَس المصحف للحائض ولا للجُنُب، المسألة دقيقة تحتاج إلى شيء من تفصيل فمن منع جوَّزَ للحاجة هذه واحدة.
يعني: المرأة التي تتعلم واحتاجت أن تمس المصحف للقراءة في درسها، وهي تتعلم؛ فلا حرج في ذلك.
وقد صرَّح جمعٌ من علماء الحنفية والمالكية بجواز هذا حتى وهم يمنعون.
قراءة القرآن من غير مس لا حرج فيها، الإنسان إذا كان غير متوضأ وقرأ لا حرج في ذلك.
الجُنُب فيه خلاف.
وأصح ما ورد عند ابن المنذر عن جابر قال لا يمس القرآن إلا طاهر ، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا يمس القرآن إلا طاهر”.
صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته ٧٧٨٠ وصححه الألباني.
المسألة لها حد، الحد الحاجة والضرورة فيها رخصة.
الورع والتقوى أن تبقى على طهارة، وأن تكون متوضئًا، إلا إن كنت تقرأ عن ظهر قلب؛ فالأمر فيه سعة بإذن الله تعالى.
أما الدليل المستنبط من القرآن الكريم، أو من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، لا يوجد ما يمنع من ذلك، لا يوجد دليل صحيح صريح في المنع.
والله تعالى أعلم.
السؤال:
إذا صلّى المسلم المغرب في طريقه على سبيل المثال أو في مسجد آخر ثم ذهب إلى مسجد آخر لدرس علم فوجد الناس يصلون المغرب والنبي صلى الله عليه وسلم كما لا يخفاكم يقول إذا جئت فصلي مع الناس وإن كنت قد صليت.
السؤال هل يصلي ثلاثا مع الإمام؟ يعني هل يجوز التنفل ثلاثاً شيخنا ويسلم مع الإمام؟
الجواب:
أولاً: ورد حديث ذكره المنذري بإسناد صحيح في كتابه “الترغيب والترهيب” عن أبي الدرداء فيقول بعض الرواة من التابعين، قال: كان يتنفل ويقول وأنا لا أدري هل كنت أصلي شفعاً أم وتراً، الظاهر أنه كان يصلي تارة ركعتين وتارة ثلاثة والظاهر في ظاهر الحديث الذي يفهم منه أنه كان يصلي ثلاثاً وهو يظنها اثنتين هذا الغالب لأنه لا يُعرف التطوع بالوتر بثلاثاً أو خمساً إلا في قيام الليل بطريقة معلومة معروفة عند النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد أن يصلي نافلة فيصلي ركعتين إلا على قول عبدالله بن عمر رضي الله عنه: من اضطر ان يصلي فريضة مرتين فلينوي في المرتين الفريضة، ولما سُئل أي الفريضتين يحسب الله عز وجل؟ قال : أحسنهما، يعني يصلي هذه فريضة وهذه فريضة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صريح الحديث لا فريضة مرتين، فهذه الأوجه التي يجوز أن يتنفل فيها بالنفل، والصواب أن يتنفل بركعتين والله تعالى أعلم، وعلى رأس الثانية إما ان يطيلها ويسلم بتسليم الإمام وإما أن يسلم قبل الإمام والوجهان جائزان والله تعالى أعلم،
مداخلة الأخ المتصل:
هل يشفع أربعا أي يكمل أربعاً.
الشيخ مشهور بن حسن:
الأحسن أن يصلي ركعتين ، وإن جعلهما تحية المسجد لا حرج.
السؤال:
شيخنا انتشر بين الشباب الصغار والكبار أيضا ما يسمى بالألعاب الالكترونية، وسبحان الله يا شيخنا: هذه الألعاب تأخذ جل وقتهم، بل أقول شيخنا: -ولا أبالغ- تأخذ عقولهم.
الحقيقة تشعر بأشياء عجيبة تحدث مع الشباب.
شيخنا هذا ما نسمعه، هذا ما نشاهده عند البعض.
ما حكمها؟
وما حكم اللعب بها؟.
وما هي نصيحتكم لأبناء المسلمين خاصة من إخواننا -بارك الله فيكم-.
الجواب:
جزاكم الله خيرا.
حقيقة أن الناس تعاني من فراغ و فراغ كبير، والنفوس أصبحت تتعلق بتوافه الأشياء، ولا تترفع إلى الأشياء النبيلة والأخلاق العالية، ولا تكون من أصحاب الهمم القوية، وهذا للأسف الكبير.
النفس إن تركتها لعلها -والعياذ بالله تعالى- من الفراغ توصل إلى مفسدة كبيرة.
موضوع الألعاب الالكترونية ولا سيما القائمة على الحظ، والتي تكون للتسلية أو تكون للفراغ، هذه فيها كثير من الآفات، ومن أهم آفات هذه الألعاب:
– تضييع الوقت بلا فائدة، والإنسان مسؤول عند الله عز وجل عن وقته وسيسأل الإنسان عن كل ساعة.
وأهل الجنة لا يتحسرون إلا على ساعة مضت في الدنيا لم يذكروا اسم الله تعالى فيها.
– وكذلك فيها هدر للطاقات: فالإنسان بدلا من أن يضع طاقته التي وهبها الله إياه، ولا سيما الطاقة الذهنية بدلا من أن يضعها فيما ينفع؛ فيهدرها في أشياء لا تنفع.
وكما يقول أهل العلم في شرح حديث أبي موسى: فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ”.مسلم٢٢٦٠.
قال أهل العلم:
أن الألعاب القائمة على الحظ الأصل فيها المنع وليس الجواز.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال:
إن لاعب النردشير الذي يلعب بالنردشير؛ فكأنما يغمس يده في لحم خنزير ودمه.
وهذا الغمس هو مقدمة للأكل.
فقالوا:
أن الذي يتعلق بهذه الألعاب سيصل به الحال إن بقي مدمنا عليها، بأن يأكل حراما، والأكل هو لعب القمار.
ولذا التوسع في هذا الباب هو غمس. بمعنى: أنه قريب من لعب القمار.
فالنفس تتعلق -نسأل الله العافية-: الذي يشرب الخمر فالكأس يدعو إلى كأس.
وفي مثل هذه الألعاب (الدست يدعو إلى دست).
وبتعبير آخر أن اللعب بالباطل يبدأ الإنسان يلعب قليلا، ثم يصبح يلعب كثيرا.
فاللعبة الصغيرة تدعو إلى لعبة أكبر منها، وتضيع الأوقات وما شابه، فحسم الشرع ذلك، والأصل في هذه الألعاب الحرمة وليست الحل.
واللهو باطل إلا في ثلاث، وهذه الأمور الثلاثة ينظر إلى مآلات الأفعال فيها.
فالذي يدمن على هذه الألعاب الالكترونية، يضيع وقته ويضيع جهده، وأغلب الذين يدمنون على هذه الألعاب يضيعون أبنائهم ويضيعون الواجبات الملقاة عليهم.
يصل البيت ويحتاج إلى راحة، ولا يستطيع أن يتابع شيئا أبدا، بل لعله لا يستطيع أن يقوم بأعماله، ولا سيما إن كان فيها تعلق بالذهن وما شابه.
فالألعاب هذه فإن السلف الصالح كما أسند ذلك الخرائطي في كتابه مساوئ الأخلاق قال: (كانوا يعدون الألعاب الباطلة من الميسر وإن لم يترتب عليها أكل مال).
وبعضهم يفرق بين الميسر والقمار:
بأن الميسر: لعب الباطل.
والقمار: الأكل من خلال لعب الباطل.
فيفرقون بين الميسر والقمار، ويجعلون أن كل قمار ميسر، وليس كل ميسر قمارا، فالميسر أوسع من القمار.
وكانوا يجعلون الألعاب ومن نظر في كتاب “مساوئ الأخلاق للخرائطي” يجد أن جمع من الصحابة والتابعين سمّوا ألعابا (كالاثنا عشر) هذا لعبة (الداما)، كانوا يقولون: هي ميسر، وكانوا يقولون عن (الشطرنج) ميسر العجم.
فهذه كلها ميسر، وإن لم يترتب عليها قمارا.
فهذه الألعاب بغض النظر عن الطريقة التي تؤدى بها، سواء كانت على الحاسوب أو الهاتف، أو كانت لعب من خلال خطوط ترسم على الأرض أو الأوراق (البلوت والشدة) وما شابه: هذه كلها من ألعاب الباطل، وهذه كلها داخلة في الميسر لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- شبهها بغمس اليد في الخنزير ودم الخنزير.
وهذا الغمس في الحديث: فيه تصوير بليغ لاستقذار هذا العمل والتنفير منه.
فكل الألعاب يعني من مثل هذا الأمر، وليس الحديث خاصا بالنرد، الحديث خاص بكل لعب قائم على الحظ والصدفة، والناس تتعلق فيه.
ولعله -نسأل الله العافية- المقامرين يصابون بإدمان القمار، الإدمان يكون في الخمر ويكون في القمار.
نسأل الله جل في علاه العافية، فهذه كلها إجراءات تدبيرية وسد ذريعة للتعلق بهذه الألعاب.
الشيخ مشهور بن حسن:
بلا شك الوقت من أهم الأشياء قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذي جَعَلَ اللَّيلَ وَالنَّهارَ خِلفَةً لِمَن أَرادَ أَن يَذَّكَّرَ أَو أَرادَ شُكورًا﴾[الفرقان: ٦٢].
لمن أراد أن يذكر: أن يتعلم.
أو شكورا: أن يعمل، أن يشكر الله عز وجل بالعمل.
والأصل في كل الخير نابع من تزكية وعلم، فيزكي نفسه أو يذكر فيتعلم.
السؤال:
شيخنا -بارك الله فيكم- أحد الأخوة يسأل ويقول:
عمِلتُ عملاً تعبّدياً أخفيته رجاءَ الإخلاص، ثم قُدّر لي بعد ذلك فحدّثْتُ به من باب التعليم، وعند التحديث به أصابني سرورٌ ونشوة لمّا أظهرتُ العمل أمام من أظهرت، فحين رأيت الإعجاب في عيون من كلّمتُه وقع في نفسي شيء، أنني سُررتُ بإظهاره ثم ندمتُ على هذا خوفاً من أن أكون وقعتُ بالرياء.
فهل هذا الفعل شيخنا يُحبطُ العمل؟وإن كان كذلك كيف تكون التوبة؟ وهل إن وقعت التوبة يرجعُ أجر العمل شيخنا؟
الجواب:
أولاً: -بارك الله فيك- هو يسأل عن مسألة تخص موضوع التشريك في النية.
فمن كان مُخلصاً صادقاً لا بُد أن يوضع له القبول، ولابد أن يفرح بطاعته، وأن يجد إنشراح صدر، وأن يجد قبولاً في حياته، وهذا أمرٌ ليس فيه رِياء.
فأن يضع الله -عز وجل- القبول للعبد وأن يُنادى في السماء أني أحب فلان، فالملائكة تنادي: إن الله يحب فلان فأحبوه، فيوضع له القبول في الأرض، هذا أمرٌ قطْعاً لاحرج فيه، وليس هذا من الرياء في شيء.
والحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ. قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ، فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ. قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ. قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ”مسلم٢٦٣٧.
الرياء-بارك الله فيك-: أن يكون الإنسان في أثناء عمله في توجهه أن يُشرك مع الله سبحانه وتعالى غيره.
أمّا إن وقع بعد ذلك عُجْبٌ، أن يعجب ويفخر بالعمل فالعُجب أيضاً قد يقضي على الأجر، وفرقٌ بين العُجب وبين الرِياء.
لذا يقول أهل العلم:
الواجب على العبد أن يستحضر النية قبل العمل، وأن يستحضرها في أثناء العمل حتى يتجنب الرياء، وأن يبقى مُستحضراً لها بعد العمل، حتى ينجو من العُجب.
وكان بعض السلف يقول:
لأن أنام طوال الليل وأُصبحُ نادماً، أَحَبُّ إليّ مِن أن أقوم طوال الليل وأُصبح مُعجبا.
فالرياء والعجب هذا هو الفرق بينهما.
مُجرد إنشراح الصدر، ومجرد أن الناس يُعجبون بعمل صالح هذا حال السلف.
الآن لما نقرأ عن السلف الصالح من إخلاصهم وجهادهم وعباداتهم وصيامهم وصلاتهم: هذا كلّه عرفه الناس.
والله عز وجل وضع لهم القبول، والقلوب ترقص فرحاً لمّا نسمع بأخبار السلف وكيف كانوا يصنعون، وهذا لا يُنافي الإخلاص لا من قبيل ولا من دبير، فهذا أمر خالص.
لكن العبد إن تكلم على وجه التعليم أو من باب المنّة، أو من باب التحدّث بفضل الله جل في علاه، أو مِنّة الله عليه، فلا حرج في ذلك.
وإذا وجد في نفسه شيئاً؛ فالأحسن أن لا يُكثِر من التحدث من جهة، وأن يُكثر من الاستغفار من جهة أخرى.