السؤال: شيخنا الفاضل أكرمك ربي: إذا حضرت مجلساً للناس، والمجلس يدخنون فيه، هل يجوز أن أجلس معهم، ووالدي في المجلس معهم؟
الجواب:
هذا الدخان بلاء.
ومن بلاء الدخان: التهاون فيه.
الدخان كبيرة؟ لا، والله ليس كبيرة.
الدخان كالخمر؟ لا، والله ليس كالخمر.
فبعض الناس يستشكل، وحق له أن يستشكل، لكن يستشكل ليستبصر، ولا يستشكل ليعاند.
يقول لك: يا شيخ الدخان حرام؟
نقول له: حرام.
يقول لك: معقول الخمر والدخان حرام ؟
نقول له: لا غير معقول، استشكلت فأصبت؛ لكن لا تعاند، الحرام درجات.
هل الحرام درجة واحدة؟
الجواب: لا.
النظر للأجنبية معصية أم لا؟
معصية، وبإجماع العلماء حرام.
هل النظر للأجنبية كالزنا بها؟
لا؛ الزنا حرام والنظر حرام، لكن عقوبة الزنا غير عقوبة النظر، مع أن اسم الحرام يشمل الاثنين.
غيبة المسلم ما حكمها؟
حرام.
قتل المسلم ما حكمه؟
حرام.
هل إثم القتل مثل الغيبة؟
غير ممكن أن يكون القاتل مثل المغتاب.
فإذا استشكلت أنه: هل الدخان حرام، والخمر حرام؟ وأن الدخان مثل الخمر؟
فأنا ارفع عنك الإشكال وأقول لك:
– اجعل الدخان مثل الغيبة ومثل النظر.
– واجعل الخمر مثل الزنا ومثل القتل.
النسبة بين الدخان والخمر كالنسبة بين الغيبة وبين القتل، وكالنسبة بين النظر وبين الزنا.
فالدخان حرام.
أتدرون أصعب شيء في الدخان في واقعنا الموجود اليوم ما هو؟
الجواب: أنّ التهاون بالصغيرة كبيرة.
تعرفون ما هو بلاء المدخنين اليوم؟
أنه يدخن ولا يشعر أنه يعمل شيئا، بل بعضهم يدخن ويمص على السيجارة، والإقامة تقام!.
على باب المسجد: يمسك السيجارة ويدخن، وكأنه ما يفعل شيئا!.
وتدرون مصيبتنا نحن الذين لا ندخن مع هؤلاء: أنه يرفع السيجارة ببيتك، وكأنه لا يعمل شيئا!.
يا بني: أين ذاهب أنت؟ أنت في بيوت الناس، أنت كيف تعمل حراما في بيتي؟.
يا رجل: احترم نفسك واحترمني، أنت تفعل حراما أمامي، كيف تعمل حراما أمامي، وتفعل حراما ببيتي؟.
لأننا سكتنا عن التواصي بالحق والتواصي بالصبر: هذه المسألة أصبحت لا قيمة لها ولا وزن.
يفعل معصية ويدخن، وكأنه ما يفعل شيئا.
فمن رأى مدخنا: الواجب عليه أن يقول له: يا حبيبنا الدخان خبيث.
الدخان خبيث ولا طيب؟
الدخان خبيث.
وكل مدخن شاء أم أبى، يقر أن الدخان خبيث.
خذ معي مثالين:
المثال الأول:
ونحن في رمضان: رجل يدخن، وعلبة السجائر في جيبه!.
إخواننا المبتلين -الله يغفر لهم- يصلي وعلبة السجائر في جيبه.
أُذِّن في المسجد: أمامه ماء وتمر، وأمامه دخان، هل رأيتم رجلا دخّن مع الآذان في المسجد؟
هل يمكن لأحد أن يخرج السيجارة، ويدخن في المسجد؟
الحمد لله: الناس ما زالوا بخير، يعني: عندهم فطرة أن الدخان ما يليق بالمسجد، وما ينبغي أن يدخن في المسجد.
المثال الثاني:
إنسان في الحمام -أجلكم الله- يقضي حاجة، وأذن المؤذن، والتمر في جيبه والماء بجنبه في الحمام، هل يشرب ماءً ويأكل تمرا؟
الجواب: لا.
هل يدخن ؟
الجواب: نعم، يدخن.
ما معنى هذا؟
يعني: الدخان ليس مثل الماء، وليس كالتمر.
فالدخان خبيث، الدخان ليس بطيب.
والله -تعالى- يقول: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}[الأعراف: ١٥٧].
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “لا ضرر ولا ضرار”. السلسلة الصحيحة ٢٥٠.
لا ضرر تلحقه بنفسك، ولا ضرار تلحقه بغيرك؛ فالدخان فيه ضرر وفيه ضرار.
يوجد شيء يسميه علماؤنا اليوم -العلماء التجريبيون- يقولون: في شيء اسمه: الدخان السلبي.
يعني: غير المدخن إذا جلس مع المدخن؛ فيضره تدخين المدخن، هذا يسمى التدخين السلبي.
فالمدخن يضر نفسه، ويضر ماله، ويضر زوجه.
بل ويضر ولده: فالأطباء اليوم مجمعون من غير خلاف، أن المناعة عند الولد إذا كان أبواه مدخِّنَيْن، أقل بكثير ما إذا كان أبواه لا يُدخنان.
واذا كان أحدهما لا يدخن، والآخر مدخن؛ فهذا يعني أن المناعة أقل ممن كان أبواه غير مدخنين.
بل يقولون: ابن المدخن أقل ذكاءً من ابن غير المدخن.
بل يقولون -وهذا حق-: أن الإنسان ما دخن أول سيجارة وتعاطاها، وكان سويا من الناحية النفسية.
بل كان ظاهر التدخين: يدل على أن صاحبها مريض نفسيا.
وأنا وإياكم نُقر بهذا.
أنا الآن أضرب لكم مثالين:
إنسان يمشي في الطريق، ويمسك عودا.
وآخر يمشي في الطريق، ويمسك سيجارة.
ماذا نقول عن الأول؟
وماذا نقول عن الثاني؟
أيهما أفضل الأول أم الثاني؟
الجواب: الثاني.
لكن الأول يقولون عنه مجنونا-الذي يمسك عودا-، ماله هذا مجنون!.
والله الذي يمسك سيجارة أجن منه.
الذي بيده السيجارة أجن منه.
والأجنُّ من؟
المدخن: لأنه يخسر وينزف من صحته، وعقله، وفي نفسيته، وفي ماله، حتى لا يتعب يومين أو ثلاثة.
فالمدخن فقط يأخذ على نفسه يومين، أو ثلاثة، أو أربعة أيام، أو أسبوع: فيرتاح من هذا الداء للأبد.
لكن؛ حتى ما يتغلب هذا الأسبوع سيبقى متغلبا ليوم الدين ؟!!.
هذا غير عاقل، هذه موازين مضطربة.
فأنا أرجو من الأخ المدخن في هذه المناسبة، أن يتخذ قرارا من الآن بترك الدخان، حتى الله -سبحانه- يبارك في هذه المجالس، ولا تبقى المجالس كلاما في الهواء، تكون المجالس هذه المباركات -إن شاء الله تعالى- لها ثمرة في الحياة.
فأنا أرجو من كل أخ مدخن من إخواننا الحضور: أن يتقي الله، وأن يعزم من الآن أن يتعب أسبوعا، وأنا ضامن بعد الأسبوع؛ ستجد هناءً، وتجد خيرا، وانشراح صدر، وصحة وعافية، ما الله به تعالى أعلم.
فهذه نصيحتي للمدخنين.
وبعد هذا: أي واحد يعترض عليك بالدخان، قل له: يا أخي يا حبيبي أنا أحب لك ما تحبه أنت لولدك، وأنا أنصحك مثل ما أنت تنصح ولدك.
هل تحب ابنك أن يكون مدخنا؟.
سيقول: لا أحب.
ثم قل له: وأنا أيضا لا أحب لك أن تكون مدخنا، أنا الذي أحبه لك الذي تحبه أنت لولدك.
لذا الواحد ينصح أباه.
أنا أعرف بعض إخواننا للأسف طبيب مدخن، وولده أظن عمره عشر سنوات، كل ما أخرج سيجارة قال له: يا أبت حرام، يا أبت أنت تضر نفسك، يا أبت أنا أحبك، وما أحب لك الشر، ما أحب لك المرض، ما أحب لك -لا قدر الله- أن تصاب بالمرض الخبيث.
أصبح الوالد لا يمكن أن يدخن أمام الولد، صار الوالد إذا أراد أن يدخن، يهرب من البيت، ويطلع خارج البيت.
مثل السُرّاق والمجرمين: يدخن، ويرجع.
كل ما أخرج سيجارة، أمسكه وقال له: يا أبت، ويا أبت، يا حبيبي والله هذا الدخان يضرك، والله هذا الأمر ما ينفعك، أطفئ السيجارة.
الوالد أصبح كل ما أراد أن يدخن، ما يجد له مجال؛ فيخرج خارج البيت.
فهذه تربية طيبة.
ولكن اذا كان أبوك مدخنا، لا تصغر أباك أمام الناس.
ما يمنع بينك وبين أبوك أن تقول له كلاما، قل له: يا أبت الدخان كيت وكيت.
والدي -رحمه الله- أُبتلي بالدخان، فسلطتُّ عليه زوجتي، وأحب زوجتي حبا جما؛ فترك الدخان أحد عشر شهرا.
ثم لم يستطع أن يقاوم؛ فرجع للدخان.
وكان يقول دائما لزوجتي: لا تخبري مشهورا بأني رجعت للدخان.
فدخن شهرين؛ ثم رَجعتْ عليه سهام الدعاء؛ فترك الدخان، ومات وهو تارك للدخان، بعد أن دخّن أكثر من أربعين سنة.
يعني ترك الدخان بعد أكثر من أربعين سنة.
وتناولُ الدخان -للأسف- في فلسطين مدروس من قبل البريطانيين.
البريطانيون كانوا يعطون الدخان مع الراتب، البريطانيون كان الذي يعمل عندهم، يعطوه دخانا وراتبا.
فالشاهد -وفق الله الجميع-: بالدعاء، والكلمة الطيبة، والأسلوب الحسن: الإنسان لا يعدم أن يصلح، وأن يُغير، وأن يُبدل.
المجلس الثالث عشر من مجالس رمضان ٢٠١٦.✍️✍️
رابط الفتوى:
السؤال: شيخنا الفاضل أكرمك ربي: إذا حضرت مجلساً للناس، والمجلس يدخنون فيه، هل يجوز أن أجلس معهم، ووالدي في المجلس معهم؟