السؤال:
شيخنا الكريم: ماهو الراجح في مسألة القضاء وصيام ستٍ من شوال؟ وهل يجوز البداءة بصيام الست لمن عليه قضاء؟
أثابكم الله.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حياكم الله شيخنا الفاضل.
تقبل الله منا ومنك.
ما يخفى عليكم أن البدء بالقضاء أحسن، وقد ثبت عن أبي بكر أن الله لا يقبل عمل نافلة حتى تؤدى الفريضة.
ومنهم من أوجبه، والأصل البدء به إلا حال التعذر: كأن يكون القضاء طويلاً، أو أن يكون القضاء يشمل الشهر بتمامه، فحينئذ فيه وجه لإدخال الست من شوال، والبدء في النافلة.
وأما البدء بالقضاء فهذا هو الأصل.
جزاك الله خيرا، وتقبل الله منا ومنك، وأسأل الله جل في علاه أن يعيننا وإياكم على الصيام والقيام.
السؤال الأول:
أخت تسأل فتقول: نذرتُ أن أصوم ستة أيام من شوال، ثم ما استطعت في هذه السنة، بسبب النَّفاس، فماذا عليَّ؟
الجواب:
ما قاله النبي ﷺ كما في صحيح الإمام مسلم: النذر يمين، وكفارته كفارة اليمين.
وكَفارته:
أي كفارة النذر .
والفرق بين النذر واليمين:
أن الأصل بالنذر أن يَفِيَ به الإنسان، وقد مدح الله تعالى عباده في سورة الإنسان بِـقَوله:
(( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا )). [الانسان : 7].
فالأصل في الإنسان إن نذر؛ أن يَفِيَ به، وإن حلف؛ الأصل فيه أن لا يَفِيَ بِـالمحلوف إن رأى غيرها خيرا منها، لأن النبي ﷺ يقول:
مَن حَلَفَ على يمين، فرأى غيرها خيراً منها؛ فليأتِ الذي هو خير، وليكفر عن يمينه.
وفي رواية:
فليكفر عن يمينه، ويأتي التي حَلَفَ.
وكلا الروايتين في صحيح مسلم، من مخرجين مستَقِلَّين، وهذا يدل على أنهما حديثان مستقلان، وليس التقديم والتأخير من اختلاف الرواة.
فالنبي ﷺ تارة قال:
فليُكَفِّر عن يمينه، وليأتِ الذي هو خير.
وتارة قال:
فليأت الذي هو خير، وليكُفِّر عن يمينه.
والصورتان مشروعتان.
فمتى يكون النذر يميناً؟
لَمَّا يعجز الإنسان عنه، ولا يستطيع أن يَفِيَ به، نقول له الآن: نذرك أصبح حكمه حكم اليمين، وعليك كفارة اليمين، من تحرير رقبة، وهذا غير موجود، ومِن إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون به أهليكم أو كسوتهم، فإن لم يستطع الحالِف أو الناذِر بِـمثلِ هذه الصورة؛ فحينئذ يصوم ثلاثة أيام، ولا يَلزم فيهن التتابع على قول جماهير أهل العلم، وهذا هو الراجح.
الجواب:
الأصل في العبادات التي حُصرت بين حدين الأول والآخر إن فاتت فالقضاء يحتاج لأمر جديد ،وليس القضاء بالأمر الأول، وقوله صلى الله عليه وسلم : ” مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ، فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ “، فهذه الست من شوال عبادة محصورة بين طرفين لها أول وهو ثاني أيام شوال ،الأول ممنوع صيامه فهو يوم العيد، إلى آخر أيام شوال ،فقضاؤها إن فاتت يحتاج لأمر جديد، ولا نعرف أمراً جديداً للقضاء.
س: لكن هل صيام الست من شوال لأن الله يضاعف عشرة أضعاف وبالتالي من صام رمضان ثم صام ستا من شوال صام ستا وثلاثين يوماً ثم العشر أضعاف 360 وبالتالي صيام أي ست من أيام السنة تقوم مقام شوال؟
الجواب : لا، النبي عليه السلام خص صيام شوال بهذه الفضيلة، وهذه خصيصة لشوال دون سواها، وهذا لا يمنع من أراد أن يتطوع، لكن ليست على نية صيام شوال، فهو ما أوقع الصيام في شوال أصلاً، والله تعالى أعلم.
السؤال:
هل يجوز جمع صيام كفارة اليمين مع صيام شوال؟
الجواب:
الصيام واجب مضيق وليس بواجب موسع.
والواجب المضيق هو الذي لا يتسع وقته لغيره من جنسه.
الصلاة واجب مضيق أم موسع؟
هل الوقت بين الظهر والعصر بمقدار اربع ركعات أم زيادة عن أربع ركعات؟
الجواب : زيادة.
فهو واجب موسع، ما وسع مثله من جنسه فهو واجب موسع، وما لا يسع مثله من جنسه فهو واجب مضيق.
يعنى ما في يوم يجوز ان تصومه عن يومين، أي لا يمكن أن تقول بأنني أريد أن اصوم يوم الأحد وهذا الواجب أريد انوى فيه شهر صيام رمضان، اكرر واقول هذا واجب مضيق، هذا الصيام لا يسع الا ليوم واحد ولا يسع أن تصوم يوم عن رمضان ويوم عن كفارة يمين، ولا يسع ان تصوم يوم كفارة يمين ويوم عن شوال، ولا يسع المرأة أن تصوم يوم قضاء عما فاتها بسبب العذر الشرعي ويوم شوال فهو واجب مضيق وليس واجب موسع، هذا هو الأصل، فالأصل أن لا يشرع الجمع بين نية النافلة ونية الفريضة، كفارة اليمين نية فريضة، وصوم شوال نية صيام نافلة، والله أعلم.
السؤال الثاني عشر:
هل يجوز جمع صيام كفارة اليمين مع صيام شوال؟
الجواب:
الصيام واجب مضيق وليس بواجب موسع.
والواجب المضيق هو الذي لا يتسع وقته لغيره من جنسه.
الصلاة واجب مضيق أم موسع؟
هل الوقت بين الظهر والعصر بمقدار اربع ركعات أم زيادة عن أربع ركعات؟
زيادة.
فهو واجب موسع.
ما وسع مثله من جنسه فهو واجب موسع، وما لا يسع مثله من جنسه فهو واجب مضيق.
يعنى ما في يوم يجوز أن تصومه عن يومين، أي لا يمكن أن تقول بأنني أريد أن أصوم يوم الأحد وهذا الواجب أريد أنوي فيه شهر صيام رمضان، أكرر.
نقول لك: لا. هذا واجب مضيق، هذا الصيام لا يسع الا ليوم واحد ولا يسع أن تصوم يوم عن رمضان ويوم عن كفارة يمين، ولا يسع أن تصوم يوم كفارة يمين ويوم عن شوال، ولا يسع المرأة أن تصوم يوم قضاء عما فاتها بسبب العذر الشرعي ويوم شوال فهو واجب مضيق وليس واجب موسع، هذا هو الأصل، فالأصل أن لا يشرع الجمع بين نية النافلة ونية الفريضة، كفارة اليمين نية فريضة، وصوم شوال نية صيام نافلة.
السؤال:
سؤال من شقين:
– هل يجوز صيام الست من شوال قبل أيام القضاء، وخصوصا إذا عسر الأمر على النساء؟
– هل يجوز دمج النية بين القضاء والست من شوال في الصيام؟
الجواب:
لو كان السؤال عن رمضان لكان أحسن، فهذه المسائل عقب رمضان، لكن العلماء يقولون في قواعدهم: المفتي أسير المستفتي، فأنا أسيركم وأتكلم بالذي تسألوني عنه.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما صح في صحيح مسلم: (( مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ )).
مسلم (ت ٢٦١)، صحيح مسلم ١١٦٤.
المرأة قد تفطر الشهر كاملاً وتطهر في بدايات شوال أو في منتصف شوال فتحتاج أن تصوم الست أيام.
والقضاء الراجح من قولي العلماء -ويجهل هذا للأسف كثير من الناس ولا سيما النساء- أن القضاء واجب على الفور.
يعني من أفطر لعذر فيجب عليه أن يقضي وأن لا ينتظر، لأن الأصل في الأوامر أنها على الفور.
مثلاً:
لو أن سيدًا أمر عبده فقال اسقني ماء فأتى له بماء بعد ساعة أو ساعتين أو أربع ساعات أو ثاني يوم هل استجاب؟
ما استجاب.
لأن الأصل في الأمر أن يكون على الفور.
فإذا أردنا أن لا نجعله على الفور نحتاج إلى قرينة، نحتاج الى ضميمة، نحتاج إلى إذن من الشرع بأن نؤخر.
فالأصل بالأمر أنه واجب على الفور.
الآن بعض أخواننا طلبة العلم سيقولون لي :
ألم تقل عائشة كنا نقضي ما فاتنا من رمضان في شعبان.
عائشة تقول:
كنا، أي أنا وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كنا نقضي ما فاتنا من رمضان في شعبان بسبب العذر الشرعي للمرأة الحائض، أي بعد إحدى عشر شهر، فشعبان قبل رمضان بشهر وهو الشهر الثامن بالسنة الهجرية، ورمضان الشهر التاسع بترتيب الأشهر.
فنقول لمن يعترض هذا الاعتراض أكمل مقولة عائشة.
فعائشة تقول رضي الله عنها: كنا نقضي ما فاتنا من رمضان في شعبان ننشغل بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا دليل على أن عذر التأخير في القضاء أوسع في الشرع من عذر الفطر.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان كثير الغزوات، وكثير الأسفار، وكثير الوفود، وكثير الأضياف.
فعائشة تقول سبب تأخيرنا :
كنا نحن مشغولين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعض النساء لا يقضوا قبل رمضان التالي، لا بل بعد رمضان وبعد الذي بعده ويقولون يا شيخ إذا أخرت الصيام إلى السنة التي بعدها هل علي شيء؟
هذا قطعًا حرام.
فالواجب على المرأة أن تقضي على الفور.
كيف المرأة تقضي على الفور والشرع رغبها بأن تصوم الست من شوال؟
بعض أهل العلم قال:
إذا وقع هذا التداخل وقضت على الفور لأنها تعتقد أن القضاء على الفور وكان من عادتها في غير مثل هذه الحالة عندما كانت ما يأتيها عذر تصوم سته من شوال فحالها كأنها صامت الستة من شوال.
والأصل في العبد أن يؤدي الفريضة قبل النافلة.
وهذه علة الناس المتدينين تدين عاطفي، يعمل إفطار ويدعوا وينفق أربعمائة أو خمسمائة دينار إفطار للناس وهذا طيب، ولكن لا يؤدي زكاة ماله.
فإطعام الناس سنة وزكاة المال ركن من أركان الاسلام.
فإذا أردت أن تصنع شيئاً فيه طاعة وفيه أجر فليكن بعد الفرائض.
بعض الناس يغضب إذا لم يصلِ التراويح وهو قاطع رحم، وقطيعة الرحم عنده أمر طبيعي جدا، فو الله لأن تترك التراويح وتعود لرحمك أحسن.
المطلوب ان تجمع بين الأمرين.
تجمع بين السنة وبين الفريضة.
كان أبو بكر يقول في خطبه كما عند أبي شيبة وأبي عبيدة وجمع:
إن لله تعالى أوامر بالليل لا يقبلها بالنهار وأوامر بالنهار لا يقبلها بالليل وإن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة.
فأنت يا من تحرص على النوافل جزاك الله خيراً على حرصك، ولكن الواجب عليك أن تحرص على الفرائض وأن تعبد ربك بفقه وبعلم.
فالأصل في المرأة أن تقضي على الفور، والأصل أن تقدم القضاء على صيام شوال.
الجواب:
لا يلزم التتابع.
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَن صام رمضانَ، وأَتْبَعَهُ سِتًّا من شوالٍ، كان كصومِ الدهرِ)). الألباني (ت ١٤٢٠)، صحيح الجامع ٦٣٢٧. صحيح. أخرجه مسلم (١١٦٤).
لو الإنسان تقصد أن يصوم من شوال الاثنين والخميس بنية أن يؤجر أجراً آخر فيأخذ أجر شوال وأجر الاثنين والخميس، فهل هذا مشروع أم ممنوع؟
مشروع.
النوايا واسعة في الشريعة، والأعمال القلبية أوسع من الأعمال البدنية، واجتماع النيات في النوافل لا حرج فيها، كحال من دخل المسجد فلم يجد وقتاً لصلاة سنة الوضوء، وتحية المسجد، وسنة الظهر القبلية فصلى هذه الصلوات الثلاث بركعتين بنوايا مجتمعة فلا حرج في ذلك، النوايا اجتماعها إذا اتحدت مرتباتها وكانت في درجة فلا حرج فيها إن شاء الله.
لذا لا حرج لو أن الإنسان صام من شوال هذه الست مجزأة، ولا يلزم فيها التوالي.
صدقة الفطر فريضة على كل مسلم ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، حر أو عبد، ولو كان فقيراً، حتى الغني والفقير، فالفقير الذي يملك قوت يومه وليلته، يحبسه والزائد يتصدق به؛ ذلك أن صدقة الفطر ليست صدقة مال، وإنما صدقة الفطر إنما هي صدقة بدن، ولذا أوجب عليه الشرع صدقة، والأصل في الصدقة أن تكون من جنسها.
وصدقة الفطر على مذهب الأئمة الأربعة لا بد من إخراجها طعاما لا نقداً، وزاد الإمام أبو حنيفة فقال: لو أخرجها نقدا لأجزأ، وأما الأئمة الثلاثة فيقولون: لا يجوز أن تخرج إلا طعاماً، ولا يجوز أن يلجأ إلى النقد إلا في صور ضيقة، وهذه الصور في تقديري محصورة في أشياء يسيرة أنبه عليها بعد قليل.
فصدقة الفطر بالنسبة إلى عيد الفطر كالأضحية بالنسبة إلى عيد الأضحى، فلا يجوز لإنسان يقول الفقير بحاجة لمال ويجوز إخراجها بدل الأضحية مالاً كذلك صدقة الفطر، والأصل في صدقة الفطر أن تورث، والأصل في الإنسان – وهذا من باب تعظيم شعائر الله- أن يحضر الطعام وأن يكيل لا يزن، فالأصل في صدقة الفطر أنها صاع.
والصاع يعني أربع حفنات من قامة الرجل المتوسط.
ولذا لا يمكن أن تضبط صدقة الفطر بالوزن؛ فوزنها يختلف باختلاف أجناسها.
والأصل في الصدقة أن تكون من قوت البلد، والأصل أن تكون طعاماً، وهذا الطعام مدخراً، يبقى ولا يفسد إذا بقي خارج الثلاجة، فاللحم والدجاج وما يفسد فهذا لا يصلح أن يكون صدقة فطر، وكذا مكملات الأطعمة، الأحسن اجتنابها كزيت الزيتون وما شابه، فالأصل في الصدقة أن تكون طعام للمساكين. فالنبي-صلى الله عليه وسلم -لما أوجبها ذكر حكمتها في أمرين:
1-طعمة للمساكين. وهذا قوله – صلى الله عليه وسلم -.
2- طهرة للصائمين.
فالصائم يحتاج إلى شيء يكفر عنه زلله وخلله وما وقع فيه من زلل، فأتت صدقة الفطر لذلك.
ولذا كلما كانت صدقة الفطر متأخرة كانت أحسن.
فأحسن أوقاتها أن تكون ليلة العيد، ورخص بعض السلف أن تخرج قبل ذلك بيومين أو ثلاثة.
ونظرا لما يجري اليوم من هذه الجائحة، والجمعة حظر، ويمكن أن يكون العيد السبت أو الأحد، فالأحسن أن تخرج يوم الخميس وهو آخر وقت، وهذا وقت مأذون بالتقديم فيه بيومين أو ثلاثة كما ورد في الآثار الصحيحة عن السلف الصالح -رضوان الله تعالى عليهم -.
موضوع إخراج صدقة الفطر *نقداً* للضرورة جائز، والضرورة تحصر في أمرين-في نظري-:
1- أن لا نجد طعاماً، وليست الصورة التي نحن فيها الآن، الآن الطعام موجود بل الآن الناس يحتاجون وهم محبوسون في بيوتهم، لا يستفيدون من المال، فائدتهم من الطعام أحسن وأبلغ.
2- أن ينسى الإنسان صدقة الفطر، فلا يتذكرها إلا وهو في المصلى، قبل أن يبدأ الإمام بالخطبة، وفي جيبه مال وأمامه فقير – نظر حواليه وجد فقيرا – فالآن يخرجها نقداً، ولا حرج في هذه الصورة.
أما التوسع في إخراجها نقداً والأصل فيها الطعام، فهذا توسع ليس بصحيح.
وأخيراً أذكر بكلمة في ما درج عليه السلف، وبوب لذلك وكيع في كتابه “الزهد” ، وهناد بن السري- شيخ الإمام الترمذي- في كتابه “الزهد” أيضا، أنهم كانوا يتصدقون مما يحبون، والله يقول: (( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً )).
وعلى حبه للعلماء تفسيران:
1- على حب الله، وإن كان الله -جل في علاه- لم يذكر، ويعود الضمير على ما لم يذكر، ومثل هذا له شواهد كثيرة في اللغة العربية.
2- منهم من أجرى الآية على ظاهرها، ((ويطعمون الطعام على حبه)) أي على حب الطعام، فكانوا يتصدقون بما يحبون.
فمن يسر الله له، فالفقير كما يحتاج إلى مال يحتاج أن يأكل في يوم العيد هو وأولاده شيء يفرحون به.
فيمكن أن تقدم أقط وهو الجميد، أو أرز وطعام طيب، ويمكن أن يزاد عليه صدقة غير صدقة الفطر، فبعد أن أخرجنا صدقة الفطر يوضع معها دجاج أو لحم أوما شابه، فيأكلون مما تأكل، فتطعم مما تحب من الطعام، فهذا أمر حسن، وهذا أمر يجبر كسر قلب الفقير والمسكين.
أسأل الله جلا في علاه أن يتقبل منا ومنكم.
و أسأل الله جل في علاه أن يجعلنا وإياكم من الفائزين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كثر السؤال هذه الأيام عن صلاة العيد، وصلاة العيد من لم يستطع أن يؤديها إلا في بيته؛ فليفعل.
على حسب القواعد العامة من مثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا”. سنن ابن ماجة (٢) وصححه الألباني.
ولا نستطيع أن نؤدي صلاة العيد إلا في البيت.
وهذا إلحاق بمن فاتته كذلك صلاة العيد فيصليها في بيته.
وقد ثبت تعليقاً عن أنس -رضي الله عنه- أنه فاتته صلاة العيد فصلاها في بيته.
وأما الخطبة فلا، لأن الأصل في خطبة العيد أن تكون للإمام الأكبر، أو من ينوب عنه؛ لأن الاجتماع في العيد اجتماع شامل واف كاف فيه عدد كبير.
وكذلك سائر المندوبات التي تخص صلاة العيد مثل: الإغتسال، والتطيب، ولبس الجديد من الثياب، والتهنئة بالعيد.
التهنئة بالعيد سنة، وعلى الأقل تكون بالهاتف، لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: “بلوا أرحامكم ولو بالسلام”. السلسلة الصحيحة ١٧٧٧.
فإذا لم تستطع أن تلتقي إخوانك، أو أن تصافحهم، أو كان في ذلك حرج، أو إذا استطعت أن تلتقي لكن لا تستطيع أن تصافح؛ فما أُمرنا بشيء من دين الله عز وجل؛ فالواجب علينا أن نمتثل فيما نستطيع، وبالذي نستطيع وهذا من محاسن ديننا، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
فإن منعنا بالكلية فعلى الأقل بالهاتف كما قلتُ البلل.
هذا والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.✍️✍️
السؤال:
رجل راتبه الشهري ( ٢٥٦ ) دينارا لا غير، والمناسبات في شهر رمضان المبارك كثيرة جداً، والمباهاة في صنع الطعام كثيرة أيضاً، وكذلك الأرحام كثيرة، فهل من الواجب علي صنع الطعام؟
الجواب:
لو كان راتبك ( ٢٥.٦٠٠ ) دينارٍ، ليس واجباً عليك أن تطعم.
الإطعام سنّة، والذي عنده أموال طائلة وما أطعم، ليس بآثم.
فكيف بالذي ما عنده شيء!،
فالإطعام ليس بواجب، الإطعام سنة.
( تتمة السؤال).
وكذلك: الأرحام كثيرة؛ فهل من الواجب علي صنع الطعام، ودعوة الارحام والأقارب، والأصدقاء!؛ فإن فعلت ذلك، فسوف أستدين مبلغا كبيرا من المال؟.
هل أنا آثم أو مقصر في حق هؤلاء؟
الجواب: لا؛ لست آثما، ولست مقصراً.
وأولاك أولاك، وأولى مال تضعه في فم أولادك.
فالإنسان ينفق على من يعول.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “كفى إثماً بالمرء أن يضيع من يعول”. صحيح الترغيب والترهيب ١٩٦٥ وحسنه الألباني.
وقال في الحديث الآخر: “كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت”. رواه أبو داود ١٦٩٢ وحسنه الألباني.
فالنفقة تكون على الأقرب فالأقرب، وأقرب الناس إليك: أولادك، وزوجتك، وبناتك.
وفي الحديث: “وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ” البخاري ٥٣٥٤.
ثم بعد ذلك: تأتي الارحام.
نعم؛ الله يحب إطعام الطعام.
قال -صلى الله عليه وسلم-: “يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام” السلسلة الصحيحة٥٦٩.
لكن هذا الإطعام ليس واجبا.
(تتمة السؤال):
بعد رمضان يأتي العيد فهل أنا مقصر إذا لم أوزع عيديات الأرحام؟
كذلك: إذا كنت لا تستطيع؛ فلا شيء عليك.
لذا قال علمائنا -رحمهم الله تعالى-: حد الصلة في حق الغني، غير حق الصلة في حق الفقير.
قد تجتمع الحقوق.
فمثلا: لك رحم صالح ولك رحم طالح، فأنت قصرت مع الإثنين.
قطعت صلة الرحم مع الصالح والطالح، أنت آثم في حق من أكثر.
الجواب: في حق الصالح أنت آثم أكثر، أنت آثم هنا وآثم هنا؛ لكن إثمُ قطع الصالح أكثر.
لو كان عندك رحم صالح جار، ورحم صالح بعيد، وقطعت الإثنين أيهما أكثر إثما؟
الجواب: الجار الصالح، لأن الجار له حق لأنه جار، والصالح له حق لأنه صالح، والقريب له حق لأنه قريب.
فالحقوق؛ سواء الواجبات أو المحرمات قد تتداخل.
والله يا إخواني تنظر للناس فتستغرب؛ تقول:
يا لله ما أحوج الناس إلى أن يفهموا من يعلمهم، وأن يجعلوا جل حياتهم، وأن يجمعوا همهم على مهمة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الآن قفز في ذهني شيء:
أحد إخواننا ممن وسع الله عليهم بالمال، بنى لله مسجدا وتحمس لأن يرعى المسجد؛ فوضع إماما، ووضع مؤذنا، وأجزل -جزاه الله خيرا- عليهم بالنفقة، ثم أصبح في رمضان يشتري لفقراء الحي أطايب الطعام، ووصل به الحال أن يعمل لهم المشاوي، ويحضرهم إلى المسجد، ويطعمهم بيده -جزاه الله خيرا- هذا لا يعاب.
مضت أيام قليلة فيقول لي بأن خاله انتحر، لو تاتي يا شيخ نريد أن نصلي عليه.
الإنسان يريد أن يواسي.
فقلت: لماذا انتحر؟
قال: حاله فقير، ضاقت فيه الدنيا!.
قلت: يارجل؛ أنت تقول فقير، لا تطعم الناس مشاوي، وتعمل لهم الإفطار، بل أطعم خالك.
الفقير هذا الذي انتحر، انتحر من شدة الفقر، فأنت أنقذه بالمال .
الناس عجيبين وطريقة تفكير الناس من أعجب ما يكون-.
رجل عنده أخت فقيرة، وهو مليء (غني)، يزورها كل يوم، ولا ينفق عليها، فهل هذا واصل؟
الجواب: لا والله؛ إنه لقاطع، هذا ليس بواصل.
حد الصلة في حق الغني، ليس كحد الصلة في حق الفقير.
عند الغني:
الصلة ينبغي أن تكون مدعومة بمال، ومدعومة بعطاء، وإلا فلمن تترك أختك؟ والله أوجب عليك المال.
فالحقوق تتداخل كما تتداخل المحرمات كما يقول الإمام أحمد.
مثلاً:
إنسان أكل لحم خنزير هل هو آثم؟
طيب: سرقه فأكله؟
طيب: أكله من غير ذكاة؟
فهذا حرام من ثلاثة وجوه، وهكذا.
فالواجبات تتداخل.
القدح في المسلم حرام.
طيب: أن تقدح بعالم مصيبة.
يعني: الذي كان يسمع لهذا العالم؛ فترك السماع له، والإستفادة منه بسبب قدحك: عليك وزر لا يعلمه إلا الله.
وعليه فَقِسْ.
فالأحكام تتداخل، وهذا الباب طرقه بقوة، وأكثر من التمثيل عليه وما ذكرتُ من أمثلة منه: العز بن عبد السلام في كتابه العظيم: (قواعد الأحكام).
( تتمة السؤال).
وبعد العيد تأتي مناسبات النجاح في الثانوية، والجامعات -وما أكثرها- فهل أنا آثم؟ هلا خففت عني هذا الحمل الثقيل؟.
أنا لا أخفف عنك ولا أثقل عليك، أنا أبين لك الحكم الشرعي، الحكم الشرعي في كل هذه المسائل هي مسائل اجتماعية.
يقول تعالى:
﴿خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ﴾[الأعراف: ١٩٩].
فإذا كنت صاحب دنيا، صاحب قدرة؛ فالأصل أن تفعل ما يعرفه الناس.
تابع العادات، وخذ بأعراف الناس.
وإن كنت ما تستطيع، فهذا ليس واجباً عليك، هذا واجب عرفي، وليس واجبا شرعيا.
فالأصل بالإنسان أن يأخذ بالعرف، وأن لا يخالف الناس، لكن؛ اذا كان لا يقدر فلا إثم عليه، ولا شيء عليه.✍️✍️