السؤال:
حكم مس المصحف للجُنُبِ والحائض، ما الراجح عندكم شيخنا؟
الجواب:
المسألة طويلة وكثيرة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر عليًّا بأن لا يمس المصحف وهو جُنُب.
الحديث في الحقيقة قائم على عمرو بن سلمة، وقد اختلط وعليه كلام وكلام كثير.
ويبقى في المسألة قوله تعالى: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرونَ﴾[الواقعة: ٧٩]، الضمير في يمس الظاهر في سياق الآيات إنه عائد إلى اللوح المحفوظ، ولا يمس اللوح المحفوظ إلا المطهرون.
نزع بعض أهل العلم أن قوله تعالى:﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرونَ﴾: هم الملائكة وهم مطهرون، وبالتالي ينبغي أن نتشبه بهم فقالوا لا يجوز مَس المصحف للحائض ولا للجُنُب، المسألة دقيقة تحتاج إلى شيء من تفصيل فمن منع جوَّزَ للحاجة هذه واحدة.
يعني: المرأة التي تتعلم واحتاجت أن تمس المصحف للقراءة في درسها، وهي تتعلم؛ فلا حرج في ذلك.
وقد صرَّح جمعٌ من علماء الحنفية والمالكية بجواز هذا حتى وهم يمنعون.
قراءة القرآن من غير مس لا حرج فيها، الإنسان إذا كان غير متوضأ وقرأ لا حرج في ذلك.
الجُنُب فيه خلاف.
وأصح ما ورد عند ابن المنذر عن جابر قال لا يمس القرآن إلا طاهر ، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا يمس القرآن إلا طاهر”.
صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته ٧٧٨٠ وصححه الألباني.
المسألة لها حد، الحد الحاجة والضرورة فيها رخصة.
الورع والتقوى أن تبقى على طهارة، وأن تكون متوضئًا، إلا إن كنت تقرأ عن ظهر قلب؛ فالأمر فيه سعة بإذن الله تعالى.
أما الدليل المستنبط من القرآن الكريم، أو من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، لا يوجد ما يمنع من ذلك، لا يوجد دليل صحيح صريح في المنع.
والله تعالى أعلم.
السؤال:
إذا صلّى المسلم المغرب في طريقه على سبيل المثال أو في مسجد آخر ثم ذهب إلى مسجد آخر لدرس علم فوجد الناس يصلون المغرب والنبي صلى الله عليه وسلم كما لا يخفاكم يقول إذا جئت فصلي مع الناس وإن كنت قد صليت.
السؤال هل يصلي ثلاثا مع الإمام؟ يعني هل يجوز التنفل ثلاثاً شيخنا ويسلم مع الإمام؟
الجواب:
أولاً: ورد حديث ذكره المنذري بإسناد صحيح في كتابه “الترغيب والترهيب” عن أبي الدرداء فيقول بعض الرواة من التابعين، قال: كان يتنفل ويقول وأنا لا أدري هل كنت أصلي شفعاً أم وتراً، الظاهر أنه كان يصلي تارة ركعتين وتارة ثلاثة والظاهر في ظاهر الحديث الذي يفهم منه أنه كان يصلي ثلاثاً وهو يظنها اثنتين هذا الغالب لأنه لا يُعرف التطوع بالوتر بثلاثاً أو خمساً إلا في قيام الليل بطريقة معلومة معروفة عند النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد أن يصلي نافلة فيصلي ركعتين إلا على قول عبدالله بن عمر رضي الله عنه: من اضطر ان يصلي فريضة مرتين فلينوي في المرتين الفريضة، ولما سُئل أي الفريضتين يحسب الله عز وجل؟ قال : أحسنهما، يعني يصلي هذه فريضة وهذه فريضة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صريح الحديث لا فريضة مرتين، فهذه الأوجه التي يجوز أن يتنفل فيها بالنفل، والصواب أن يتنفل بركعتين والله تعالى أعلم، وعلى رأس الثانية إما ان يطيلها ويسلم بتسليم الإمام وإما أن يسلم قبل الإمام والوجهان جائزان والله تعالى أعلم،
مداخلة الأخ المتصل:
هل يشفع أربعا أي يكمل أربعاً.
الشيخ مشهور بن حسن:
الأحسن أن يصلي ركعتين ، وإن جعلهما تحية المسجد لا حرج.
السؤال:
شيخنا انتشر بين الشباب الصغار والكبار أيضا ما يسمى بالألعاب الالكترونية، وسبحان الله يا شيخنا: هذه الألعاب تأخذ جل وقتهم، بل أقول شيخنا: -ولا أبالغ- تأخذ عقولهم.
الحقيقة تشعر بأشياء عجيبة تحدث مع الشباب.
شيخنا هذا ما نسمعه، هذا ما نشاهده عند البعض.
ما حكمها؟
وما حكم اللعب بها؟.
وما هي نصيحتكم لأبناء المسلمين خاصة من إخواننا -بارك الله فيكم-.
الجواب:
جزاكم الله خيرا.
حقيقة أن الناس تعاني من فراغ و فراغ كبير، والنفوس أصبحت تتعلق بتوافه الأشياء، ولا تترفع إلى الأشياء النبيلة والأخلاق العالية، ولا تكون من أصحاب الهمم القوية، وهذا للأسف الكبير.
النفس إن تركتها لعلها -والعياذ بالله تعالى- من الفراغ توصل إلى مفسدة كبيرة.
موضوع الألعاب الالكترونية ولا سيما القائمة على الحظ، والتي تكون للتسلية أو تكون للفراغ، هذه فيها كثير من الآفات، ومن أهم آفات هذه الألعاب:
– تضييع الوقت بلا فائدة، والإنسان مسؤول عند الله عز وجل عن وقته وسيسأل الإنسان عن كل ساعة.
وأهل الجنة لا يتحسرون إلا على ساعة مضت في الدنيا لم يذكروا اسم الله تعالى فيها.
– وكذلك فيها هدر للطاقات: فالإنسان بدلا من أن يضع طاقته التي وهبها الله إياه، ولا سيما الطاقة الذهنية بدلا من أن يضعها فيما ينفع؛ فيهدرها في أشياء لا تنفع.
وكما يقول أهل العلم في شرح حديث أبي موسى: فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ”.مسلم٢٢٦٠.
قال أهل العلم:
أن الألعاب القائمة على الحظ الأصل فيها المنع وليس الجواز.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال:
إن لاعب النردشير الذي يلعب بالنردشير؛ فكأنما يغمس يده في لحم خنزير ودمه.
وهذا الغمس هو مقدمة للأكل.
فقالوا:
أن الذي يتعلق بهذه الألعاب سيصل به الحال إن بقي مدمنا عليها، بأن يأكل حراما، والأكل هو لعب القمار.
ولذا التوسع في هذا الباب هو غمس. بمعنى: أنه قريب من لعب القمار.
فالنفس تتعلق -نسأل الله العافية-: الذي يشرب الخمر فالكأس يدعو إلى كأس.
وفي مثل هذه الألعاب (الدست يدعو إلى دست).
وبتعبير آخر أن اللعب بالباطل يبدأ الإنسان يلعب قليلا، ثم يصبح يلعب كثيرا.
فاللعبة الصغيرة تدعو إلى لعبة أكبر منها، وتضيع الأوقات وما شابه، فحسم الشرع ذلك، والأصل في هذه الألعاب الحرمة وليست الحل.
واللهو باطل إلا في ثلاث، وهذه الأمور الثلاثة ينظر إلى مآلات الأفعال فيها.
فالذي يدمن على هذه الألعاب الالكترونية، يضيع وقته ويضيع جهده، وأغلب الذين يدمنون على هذه الألعاب يضيعون أبنائهم ويضيعون الواجبات الملقاة عليهم.
يصل البيت ويحتاج إلى راحة، ولا يستطيع أن يتابع شيئا أبدا، بل لعله لا يستطيع أن يقوم بأعماله، ولا سيما إن كان فيها تعلق بالذهن وما شابه.
فالألعاب هذه فإن السلف الصالح كما أسند ذلك الخرائطي في كتابه مساوئ الأخلاق قال: (كانوا يعدون الألعاب الباطلة من الميسر وإن لم يترتب عليها أكل مال).
وبعضهم يفرق بين الميسر والقمار:
بأن الميسر: لعب الباطل.
والقمار: الأكل من خلال لعب الباطل.
فيفرقون بين الميسر والقمار، ويجعلون أن كل قمار ميسر، وليس كل ميسر قمارا، فالميسر أوسع من القمار.
وكانوا يجعلون الألعاب ومن نظر في كتاب “مساوئ الأخلاق للخرائطي” يجد أن جمع من الصحابة والتابعين سمّوا ألعابا (كالاثنا عشر) هذا لعبة (الداما)، كانوا يقولون: هي ميسر، وكانوا يقولون عن (الشطرنج) ميسر العجم.
فهذه كلها ميسر، وإن لم يترتب عليها قمارا.
فهذه الألعاب بغض النظر عن الطريقة التي تؤدى بها، سواء كانت على الحاسوب أو الهاتف، أو كانت لعب من خلال خطوط ترسم على الأرض أو الأوراق (البلوت والشدة) وما شابه: هذه كلها من ألعاب الباطل، وهذه كلها داخلة في الميسر لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- شبهها بغمس اليد في الخنزير ودم الخنزير.
وهذا الغمس في الحديث: فيه تصوير بليغ لاستقذار هذا العمل والتنفير منه.
فكل الألعاب يعني من مثل هذا الأمر، وليس الحديث خاصا بالنرد، الحديث خاص بكل لعب قائم على الحظ والصدفة، والناس تتعلق فيه.
ولعله -نسأل الله العافية- المقامرين يصابون بإدمان القمار، الإدمان يكون في الخمر ويكون في القمار.
نسأل الله جل في علاه العافية، فهذه كلها إجراءات تدبيرية وسد ذريعة للتعلق بهذه الألعاب.
الشيخ مشهور بن حسن:
بلا شك الوقت من أهم الأشياء قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذي جَعَلَ اللَّيلَ وَالنَّهارَ خِلفَةً لِمَن أَرادَ أَن يَذَّكَّرَ أَو أَرادَ شُكورًا﴾[الفرقان: ٦٢].
لمن أراد أن يذكر: أن يتعلم.
أو شكورا: أن يعمل، أن يشكر الله عز وجل بالعمل.
والأصل في كل الخير نابع من تزكية وعلم، فيزكي نفسه أو يذكر فيتعلم.
السؤال:
شيخنا -بارك الله فيكم- أحد الأخوة يسأل ويقول:
عمِلتُ عملاً تعبّدياً أخفيته رجاءَ الإخلاص، ثم قُدّر لي بعد ذلك فحدّثْتُ به من باب التعليم، وعند التحديث به أصابني سرورٌ ونشوة لمّا أظهرتُ العمل أمام من أظهرت، فحين رأيت الإعجاب في عيون من كلّمتُه وقع في نفسي شيء، أنني سُررتُ بإظهاره ثم ندمتُ على هذا خوفاً من أن أكون وقعتُ بالرياء.
فهل هذا الفعل شيخنا يُحبطُ العمل؟وإن كان كذلك كيف تكون التوبة؟ وهل إن وقعت التوبة يرجعُ أجر العمل شيخنا؟
الجواب:
أولاً: -بارك الله فيك- هو يسأل عن مسألة تخص موضوع التشريك في النية.
فمن كان مُخلصاً صادقاً لا بُد أن يوضع له القبول، ولابد أن يفرح بطاعته، وأن يجد إنشراح صدر، وأن يجد قبولاً في حياته، وهذا أمرٌ ليس فيه رِياء.
فأن يضع الله -عز وجل- القبول للعبد وأن يُنادى في السماء أني أحب فلان، فالملائكة تنادي: إن الله يحب فلان فأحبوه، فيوضع له القبول في الأرض، هذا أمرٌ قطْعاً لاحرج فيه، وليس هذا من الرياء في شيء.
والحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ. قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ، فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ. قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ. قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ”مسلم٢٦٣٧.
الرياء-بارك الله فيك-: أن يكون الإنسان في أثناء عمله في توجهه أن يُشرك مع الله سبحانه وتعالى غيره.
أمّا إن وقع بعد ذلك عُجْبٌ، أن يعجب ويفخر بالعمل فالعُجب أيضاً قد يقضي على الأجر، وفرقٌ بين العُجب وبين الرِياء.
لذا يقول أهل العلم:
الواجب على العبد أن يستحضر النية قبل العمل، وأن يستحضرها في أثناء العمل حتى يتجنب الرياء، وأن يبقى مُستحضراً لها بعد العمل، حتى ينجو من العُجب.
وكان بعض السلف يقول:
لأن أنام طوال الليل وأُصبحُ نادماً، أَحَبُّ إليّ مِن أن أقوم طوال الليل وأُصبح مُعجبا.
فالرياء والعجب هذا هو الفرق بينهما.
مُجرد إنشراح الصدر، ومجرد أن الناس يُعجبون بعمل صالح هذا حال السلف.
الآن لما نقرأ عن السلف الصالح من إخلاصهم وجهادهم وعباداتهم وصيامهم وصلاتهم: هذا كلّه عرفه الناس.
والله عز وجل وضع لهم القبول، والقلوب ترقص فرحاً لمّا نسمع بأخبار السلف وكيف كانوا يصنعون، وهذا لا يُنافي الإخلاص لا من قبيل ولا من دبير، فهذا أمر خالص.
لكن العبد إن تكلم على وجه التعليم أو من باب المنّة، أو من باب التحدّث بفضل الله جل في علاه، أو مِنّة الله عليه، فلا حرج في ذلك.
وإذا وجد في نفسه شيئاً؛ فالأحسن أن لا يُكثِر من التحدث من جهة، وأن يُكثر من الاستغفار من جهة أخرى.
السؤال:
شيخنا -حفظكم الله-، هل من كلمة حول مايجري من أحداث هذه الأيام في بلدنا الأردن، بارك الله فيكم؟
الجواب:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
ما أجمل أن يكون العبد قد حقق العبودية في نفسه، وأن يصبر على قضاء الله وقدره، وأن ينشرح صدره لما أراد الله تعالى به.
حقيقة الظرف الذي يعيشه الناس اليوم، إذا ما صبروا واحتسبوا ولجأوا إلى الله تعالى بالدعاء؛ فإن الأمر صعبٌ وصعبٌ للغاية.
فالناس تعوّدوا على الكماليات، وتعوّدوا على الخروج من البيوت، وأنهم تمضي بهم الأوقات في مرحٍ ولهوٍ، وأخذٍ للنفْس على تمام حظوظها.
والصبر لا يقدُر عليه إلا من احتسب، وإلا من وفقه الله -عز وجل-.
نسمع بكلماتٍ من هنا وهناك تدعو إلى فوضى، وتدعو إلى اضطراب، وتدعو إلى مظاهرات، وتدعو إلى احتجاجات على سوء الوضع، وسوء المعيشة، وصعوبة الحياة وما شابه.
وهذه الفوضى في الحقيقة مردُّها إلى اللُجاجة التي أخبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ” الخير عادة والشر لُجاجة، ومن يُرد الله به خيراً يفقه في الدين”.
سنن ابن ماجه ٢٢١، السلسلة الصحيحة ٦٥١، وحسنه الألباني.
فهذه اللُجاجة هي شرٌ محضٌ، والواجب على الإنسان أن يصبر وأن يعتبر، وإذا مرّ بالإنسان بلاءٌ أن يُكثر كما علّمنا ربنا تعالى من دعاء يونس -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام-، فكان يقول: ﴿فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَن لا إِلهَ إِلّا أَنتَ سُبحانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمينَ﴾. سورة [الأنبياء: ٨٧].
فالبلاء لا يقع إلا بمعصية وقُصور مع الله عز وجل، ورفعه لا يكون إلا بتوبةٍ واستغفار.
فالله -جل في علاه- يُنزِّل من السماء من جنس ما يصعد له من أهل الارض.
ولا يخفى على أحد أن الناس قد ابتعدوا -إلا من رحم الله، وأرجو الله تعالى أن نكون منهم-.
فيُونس عليه السلام لمّا بلعه الحوت قال: سبحانك إني كنت من الظالمين.
المؤمن الفَطِن الذي يَعلم سُنة الله تعالى في خَلقِه، يَعلم أن البلاء لا يقع إلا بقُصورٍ ومعصية.
والواجب على الإنسان أن يرفع هذا القُصور بالاعتراف والإقرار بما أنعم الله تعالى عليه.
ولذا كان دعاء سيد الاستغفار: أن يذكر العبد نِعم الله عليه، وأن يُقرّ بها، وأن يعترف بذنوبه وتقصيره:
فعن شداد بن أوس -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “ألا أدلك على سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك وابن عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك علي، وأعترف بذنوبي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، لا يقولها أحد حين يمسي إلا وجبت له الجنة”.
وفي رواية: “لا يقولها أحد حين يمسي؛ فيأتي عليه قدر قبل أن يصبح إلا وجبت له الجنة، ولا يقولها حين يصبح؛ فيأتي عليه قدر قبل أن يمسي إلا وجبت له الجنة”.
سنن النسائي ٥٥٢٢، وصححه الألباني.
فالواجب على الناس هذه الأيام ما ندعو إليه في كل آنٍ وحين وفي كل وقتٍ، في كل الأحوال التي نعيشها وعنوان كلامنا ذاك الحديث المنسوب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه لم يصح عنه إلا أن معناه فيه حكمةٌ صحيحة، كان الناس يقولون: ( إمامٌ غشوم خيرٌ من فتنةٌ تدوم ).
ونحن في بلادنا ولله الحمد والمنّة، نعيش بخيرٍ وبأمنٍ، ونفخرُ على كثير من الأقطار المجاورة لنا بالأمن الذي نعيشه.
فالواجب علينا أن نُحافظ على أغلى وأعلى نعمةٍ امتن الله بها على الناس.
وقد قرنها الله تعالى: ﴿وَآمَنَهُم مِن خَوفٍ﴾
فقال: ﴿الَّذي أَطعَمَهُم مِن جوعٍ وَآمَنَهُم مِن خَوفٍ﴾. سورة [قريش: ٤].
الواجب أن يعلم الإنسان هذه النعمة العظيمة، التي امتنّ الله تعالى بها على أهل مكة لمّا قال الله عز وجل: ﴿أَوَلَم يَرَوا أَنّا جَعَلنا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِن حَولِهِم أَفَبِالباطِلِ يُؤمِنونَ وَبِنِعمَةِ اللَّهِ يَكفُرونَ﴾. سورة [العنكبوت: ٦٧].
فأهل مكة كان من حولهم يُتَخطّفون، ولا يعيشون بأمن.
فالواجب على كل عاقلٍ أن يعلم أننا على مَحكٍّ، والواجب علينا أن نحافظ على أكبر نعمةٍ امتن الله تعالى بها علينا.
كيف لا؟
والظلم ولله الحمد والمنة ما وقع، وإذا جادل بعض الناس، وأرادوا أن نتكلم وأن نتنزّل معهم على سبيل الافتراض، فنقول: أنت ظُلِمت، ولم تأخذ كل حقك على الوجه الذي تحب، هَبْ أنّ الآن يوجد فوضى، فإذا كُنت قد فاتك شيء؛ فالفوضى يفوتك فيها كل شيء.
وفي الفوضى لا تكون الغَلَبة إلا كأهل الغاب -نسأل الله العافية- إلا للأقوياء.
ولعلّ بعض الناس يعملون على فوضى مُنظّمة -لا قدّر الله تعالى-.
ومن صَنع هذا فهذا على جرم عظيم، والواجب منّا جميعاً أن نَحذَرهم، وأن نُحذِّر منهم، والواجب علينا جميعاً أن نشكر نعمة الله تعالى علينا.
الصبر لا بد منه، المرحلة التي نعيش مرحلة صعبة، ونحن مُقبلون على رمضان، والواجب علينا أن نُكثر التضرع والتوبة، والله جل في علاه الأمر بيديه، هو الذي يُغير الأحوال، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَومٍ سوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُم مِن دونِهِ مِن والٍ﴾. سورة [الرعد: ١١].
*فنصيحتي بإيجاز: أن نبتعد عن الفوضى، وأن نبتعد عن الفتن.*
وهذه الفتن تكلمنا عليها كثيراً وحذّرنا منها مراراً، ولا سيما أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- بَيَّن أن الخروج هي فتنةٌ مُتجددةٌ إلى قيام الساعة.
قال بعض أهل العلم: أخبر -صلى الله عليه وسلم- في غير هذا الحديث أنهم -أعني الخوارج- يعني لا يزالون يخرجون إلى زمان الدجال، وقد اتفق المسلمون على أن الخوارج ليسوا أولئك الفئة المُختصين بذاك المعسكر الذي كان في زمن عليٍ -رضي الله تعالى عنه-.
ويؤكد هذا ما عند ابن ماجة بإسنادٍ صحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّ رَسُولَ -اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “يَنْشَأُ نَشْءٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ”.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: “كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ -أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً- حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ”.
سنن ابن ماجه١٧٤ وحسنه الألباني.
ولذا شيخنا الألباني -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة لما ذكر هذا الحديث وخرّجه، بَوَّب عليه بقوله: *استمرار خروج الخوارج.*
فهنالك دوافع، وهنالك موانع، فالدوافع والمُسوّغات لخروج الناس كثيرة.
*والموانع من هذه الخروج: أن نلتزم بدين الله، وأن نلتزم بالوحي، وأن نلتزم بمنهج السلف الصالح، وأن نفهم دين الله -جل في علاه-، على النحو الذي أنزله على قلب نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وعلى منهج السلف الصالح.*
وأخيراً:
أُنبّه على مسألة مهمة:
أن ثورة أو خروج الحسين – رضي الله تعالى عنه-، ما مَدحهُ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنّما مَدَح رُجوع الحسن -رضي الله عنه-، وأن الله يصلح به فئتين كبيرتين، كما ثبت في الأحاديث.
*فالخروج وشقّ العصا هذا ليس محمودٌ في دين ولا في وحي، وإن زيّنه الشياطين، أو زيّنته العقول، أو فرَّ الناس إليه في وقتٍ هم في الحقيقة أحوج ما يكون إلى الأمن، حتى لا يفقدون كل النعم.*
هذا والله تعالى أعلم، وهو سبحانه الموفق.
مداخلة الأخ المتصل:
بارك الله فيكم شيخنا ونفع بكم.
شيخنا: مدح رجوع الحسن وتخلّيه عن الحكم.
الشيخ مشهور بن حسن :
الحسن، أقصد رجوع الحسن -رضي الله تعالى عنه-.
مداخلة الأخ المتصل:
شيخنا وقد كان لكم حديث قديم فيما سُمّي قديماً بالربيع العربي حول هذا، ونفع الله بكم كثيراً، وكان هذا كلام مشايخنا.
شيخنا من غريب ما نسمع هذه الأيام قول من يقول: تلك كانت مواقفكم، مواقفكم كانت في تحريم الخروج، ثم الدولة منعتكم من الخطابة والتدريس.
ما تعليقكم شيخنا على مثل هذا الكلام -بارك الله فيكم-؟
الشيخ مشهور بن حسن:
حقيقةً: تعليقي أن مواقفنا مأخوذةٌ من النصوص الشرعية.
والنص الشرعي سِمته الثبوت، ولا نُغيّر ولا نُبّدل، لا نُغيّر ولا نُبدّل، ولهم علينا السمع والطاعة.
والأثرة التي أخبرنا عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- نصبر عليها كما أخبرنا -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة:
فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا”. قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: “تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ “. البخاري٣٦٠٣، مسلم ١٨٤٣.
فالواجب علينا الصبر، والواجب علينا الدعاء، ونحن نعلم حقيقة ما يجري، وأن الخير هو المآل إليه، وهو الذي تستقر عليه الأحوال كلها -بإذن الله تعالى-.
وكما نتكلم ونحتسب فإننا نسكتُ ونحتسب، فسكوتنا نحتسبه وكلامنا نحتسبه، ونرجو من الله تعالى الأجر والثواب.
السؤال:
تكثر هذه الأيام، وجاءتني بعض الأوراق عن الأحتفال ب ( عيد الأم).
ولا استغرب أي سؤال.
الجواب:
لا نشُك قيد أنملة أن شرعنا وافٍ، كافٍ، ومن رام الهداية بغيره فقد ضل، وأن شرعنا كُله محاسن، ومن محاسنه: أنه يُعطي كُل ذي حقٍ حقه.
ومن أصحاب الحقوق التي لا يُمكن للعبد أن يفي بها ( الوالدان )، فلهما من الحقوق ما لا يمكن للعبد أن يفي لوالديه بهما.
أما حق الوالد:
فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يُجزِئُ ولدٌ والدًا إلّا أن يجدَه مملوكًا فيشتريَه فيعتقَهُ.
الألباني (١٤٢٠ هـ)، صحيح الترمذي ١٩٠٦ • صحيح • شرح رواية أخرى
من غير الممكن أن يكون الولد حر، والوالد يكون عبد، فإذا كان يجزىء الولد والده في صورة مستحيلة:
أن يجد الولد والده عبداً مملوكاً فيشتريه، فيعتقه.
والأشد حقاً في حق الإنسان ( الأم )، والقصة التي يحكيها الناس لها أصل شرعي صحيح ثابت، وثبتت عن عبدالله ابن عمر ، أن رجلاً جاء لابن عمر ، وقد حملَ والدته على ظهره وهو يطوف بها ، فقال له الرجل:
يا أبا عبد الرحمن هل وفيت أمي حقها؟
يعني: -حملي إياها سبعة أشواط-.
هو حملها سبعة أشواط، وهي تحملك سبع سنوات، هو حملها خلال وقت محصور، معدود .
فقال له ابن عمر:
ما وفيتها طلقة من الطلقات التي طلقت بك من شدة الألم عند الولادة.
فأنّى للعبد أن يعطيَ ( أباه ) و ( أمه ) حقهما .
ولذا دائماً العبد يشعر أمام الوالدين بالتقصير .
وحقوق الوالدين على المسلم ليست في الحياة فقط، وإنما حقوقهما عليه بعد الوفاة.
وليتفقد الواحد منا نفسه، فإن لم يجد لسانه لَهِجاً بالاستغفار لوالديه والدعاء لهما فليعلم تقصيره.
فالبر يكون بعد الوفاة، وليس في الحياة فقط.
والله عز وجل يأمر بخفض الجناح، قال تعالى: (( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )).
فمهما ريّشت، وأصبحت ذا مال، وذا موقع اجتماعي، ومكان علمي، أو صاحب شهادة، فطرت وحلقت، ووصلت إلى عنان السماء، لكن أمام الوالدين اخفض الجناحين، وكُن ذليلاً رحيماً.
لذا (قتادة) ( تابعي جليل ، تلميذ أنس بن مالك ) كان لما يُخاطب أمه يُخاطبها وهو ذليل، فيقال له: ارفع صوتك.
فيقول: الله أمر بجناح الذل من الرحمة، فيتكلم مع أمه وهو ذليل.
وكان (قتادة) لما تأكل أمه يُفتت لها الخُبز ، ولا يأكل ، فيقال له: لماذا لا تأكُل؟
فكان يقول:
أخشى أن أضع لقمة في فمي تشتهيها أمي .
فالذي لا يبر أبويه جبار وعاصي في الدنيا، والذي لا يبر أمه جبار وشقي.
ولذا كثير من الناس يقولون عبارة أصلها هذه الآية، يقولون : والله فلان الله موفقه، وموسع عليه في الدنيا، ومهيء له الحياة الطيبة، وسعة الرزق، والله وضع له القبول ببركة بره بوالديه، والأدق أن يقال: ببركة بره بوالدته.
فالذي لا يبر أمه جبار.
(الجبار): القاتل.
حتى قالوا القاتل في قصة موسى عليه السلام: الذي قتل أكثر من نفس، جبار.
تخيل العاق لأمه وضعَ في منزلة القاتل.
جاء شاب إلى ابن عمر رضي الله عنه، فقال له:
إني قتلت نفساً فهل لي من توبة، والقصة مذكورة بإسناد صحيح في الأدب المفرد للبخاري.
تأمل معي بالله عليك؟.
تأمل معي يا صاحب الذنب.
قال له ابن عمر :
أحيّةٌ والدتك.
قال: لا.
فسئل ابن عمر لماذا قلت له:
أحيّةٌ والدتك.
فقال:
برها يُكفر ذنب قتله.
بر الأم يُكفر ذنب القتل، والقتل من أعظم الذنوب.
لذا من كانت هذه منزلتها ( الأم ) وهي صاحبة الحق، ويحتفل بحقها والله بــ ( قالب كيك ) ساعة ، أو سويعة من أيام السنة، ليس هذا حقها، هذا حق أصحاب من ينسون والديهم.
أنظر إلى محاسن شرعنا :
الوالد كلما كبر كُلما عظم حقه وأستفدنا من فهمه وتجربته، وتبركنا بأمره وطاعته، وكذلك الوالدة.
غيرنا لما يكبر والده يضعه في ( دار العجزة ) ويأتي ببدل منه ( بكلبٍ ) يؤنسه.
ففرق كبير وبين.
ومن نكد أهل هذا الزمان أن يكون الغرب هو القائد، وأن يكون هو من يُقتدى به، وينظر إليه بعين إجلال واحترام، والواحد منهم يعيش ويموت وهو يشكو من أبوه، لا يعرف أبوه.
كُل زمان أو مكان عُظّم لذاته فهو في شرعنا عيد، إذا لم يُعظم لذاته، وإنما عُظم لعبادة تقع فيه فهذا ليس عيداً.
فالعيد لا يشمل الزمان، وإنما يتعدى للمكان، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تجعلوا قبري عيداً ).
كيف يكون قبر النبي عليه السلام عيدا؟
إذا عظمنا المكان، وعاودنا هذا التعظيم مرة تلو الأخرى فهو عيد، فالعيد من العود، فكل زمان أو مكان عُظم فهذا يسمى عيداً.
فالزمان الذي اخترع وابتدع للاحتفال بعيد الأم تعظيمه لذاته فهذا عيد.
ولذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله أبدلكم بيومين خيراً من هذه الأيام ، الفطر والأضحى ).
فنحن لا نعرف لنا عيداً إلا ( الفطر ) و ( الأضحى ).
أما الأم ( الوالدة ) فلها حق في كل يوم ، والوالد كذلك، وهذا الحق حق فيه إجلال وتعظيم في حياتهما، وحفظ أهل الود لهما بعد وفاتهما، فمن برك لوالديك أن تحفظ أهل ودّهما، وأن تدعو دوماً لهما، وأن تتفقدهما بما أذن لك الشرع من العبادات والطاعات التي تنفعهما بعد موتهما.
أما أن يُحتفل بالأم في يوم ويحضر لها قالب من قوالب الكيك فهذا احتفال بدعي ما أنزل الله تعالى به من سلطان.
السؤال:
شيخنا الآن صار في إشكال عند الإخوة بالنسبة للجمع بين المغرب و العشاء لأنه في كتابكم (فقه الجمع بين الصلاتين) من المسائل التي ذكرتها الجمع فيما يخص حظر التجول الذي فرضه اليهود على أهل فلسطين.
مداخلة الشيخ مشهور بن حسن: الخوف الذي كان يخرج يُطلق عليه النار.
الآن ما هو الخوف؟
نحن متخوفين من انتشار المرض.
ما هو العذر؟
لا يوجد عذر.
مداخلة الأخ المتصل:
ذاك خوف و هذا تخوف، هذا الفرق.
مداخلة الشيخ مشهوربن حسن:
هذا الفرق، وفرق كبير.
ثم إن الفقهاء يذكرون أنه ما لم يتخذ عادة، هذا عادة وسيبقى حتى الشهر القادم إلى رمضان و بعضهم يقول سيبقى سنتين أو ثلاث.
من غير المعقول كل يوم نجمع بين المغرب و العشاء في هذه المدد، لأنها صارت عادة.
يوم من الأيام إذا واحد نشأ فينا يقول المغرب و العشاء تصلى مع بعض!
و إذا شككنا في السبب أبقينا الصلاة على وقتها فهو مجرد شك.
ونحن دائما نقول لإخواننا شددوا في العذر بين الظهر والعصر و تساهلوا في المغرب والعشاء لأن الظهر والعصر أطول من المغرب و العشاء، والعذر في المغرب و العشاء أبين منه في الظهر و العصر.
فالإمام لما يشك في العذر إن كان موجود أو غير موجود في الجمع بين الظهر و العصر نقول له لا تجمع حتى تتيقن.✍️✍️
السؤال:
شيخنا أهل السُّنة يقولون أن المشركين الذين أُرسل لهم الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- كانوا يؤمنون بما يُسمَّى بتوحيد الرُّبوبية، ويستدلُّ العلماء بِنصوص من كتاب الله كقول الله عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[العنكبوت: ٦١]، وكمثل قوله تعالى: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[العنكبوت: ٦٣].
شيخنا -الله يحفظكم- هذا يدلِّل على أن المشكلة مع أولئك المشركين وأمثالهم، ليس في إثبات ذلك -أي الربوبية-، إنما هي في قضيَّة العبودية -إفراد الله عز وجل بالعبودية-.
في ذات الوقت شيخنا نجد أن أولئك العرب المشركين كانوا لا يؤمنون أن الله قادر على البعث، وأن الآلهة لها إرادة تشارك الله في إرادته، وقد قال الله عز وجل في كتابه: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: ١٩] أي: في المسلمين والمشركين الذين كانوا في بدر.
شيخنا -الله يحفظكم- فكيف يقال أنهم يؤمنون بالربوبيَّة، وهم لا يؤمنون بهذا -أي: أن الله قادر على إحياء الموتى-.
السؤال شيخنا -الله يحفظكم-:
هل مصطلح (يؤمنون بالربوبية) دقيق وإن كان ليس كذلك شيخنا، ما هي العبارة التي يمكن استعمالها والتعبير بها في الرد للدلالة على أهمية توحيد العبادة؟
الجواب:
أوَّلًا: نحتاج للتنبيه على أصل، وكذلك المداخلة في موضوع الصفات.
فعنترة الجاهلي الشاعر يقول لعبلة عشيقته:
إن كان ربي في السماء قضاها.
هذا يعتقد أن الله في السماء.
وهذا وارد في شعر الشعراء الجاهليين.
والأصل في توحيد الربوبية:
هو موضوع الرزق، وموضوع الخلق وما شابه، وهذا أمر يعرفه القاصي والداني.
أولًا أسأل سؤالين وهما مهمان جدًّا:
السؤال الأول:
-وهذه مسألة في الحقيقة تحتاج لدندنة كثيرة وتأصيل مهم جدًّا حولها:
أن سمات النص الشرعي غير التقسيم الاصطلاحي، هذه تقسيمات اصطلاحية، فسمات النص الشرعي الشمول، النص الشرعي شامل لكل أحد إلا ما ورد فيه الاستثناء، النص الشرعي غير التقسيمات، وغير التقعيدات، القواعد التي يذكرها أهل الأصول وأهل الفقه هي غالبة، أغلبية، وليست حرفية، ولا تشمل كل شيء.
لذا دائما في القواعد -وألف في هذا ابن نُجَيم-، هناك مستثنيات للقاعدة لا تدخل تحت هذه القواعد.
وكذلك التقسيمات:
تقسيمات التوحيد:
ربوبية، ألوهية، أسماء وصفات، هي غالبة وليست شاملة.
فهذه نقطة مهمة ينبغي أن يراعيها من يجيب على مثل هذا السؤال.
والدخول لهذا التقسيم بكليَّاته أي : كليَّات توحيد الربوبية: الإيمان بأن الله حق، والإيمان بأن الله جل في علاه هو الذي يرزق ..إلخ.
المسألة الثانية المهمة:
الصلة العميقة والقوية بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية.
فالأصل في توحيد الألوهية لمّا يعلم العبد أنه عبدٌ لله تعالى بالاضطرار من خلال توحيد الربوبية بالجملة كما قلنا، فهو إن كان موفقًا فهو ينقل نفسه من كونه عبدًا لله بالاضطرارإلى كونه عبدًا لله بالاختيار.
فتوحيد الألوهية هو أن تختار أن الله ربك، وأنك عبد له، وهذا ينبغي أن يصنعه كل عاقل، وسبب ذلك أن الإنسان لما ينظر يجد أنه عبد لله بالاضطرار شاء أم أبى.
فهذا النقل هو توحيد الألوهية.
فالشاهد الغفلة عن مثل هذا الأمر تأتي من أمرين:
– الأمر الأول أن التقسيمات ليست كالنصوص، ليست شاملة لكل شيء، ويطرأ عليها بعض الأشياء، لأنها تقسيمات من البشر.
– الأمر الآخر: ينبغي أن يكون كل موحد لله في ربوبيَّته موحدًا لله في ألوهيته.
يعني الآن بتعبير سهل وحتى أوضح ما أريد:
واحد له جاكيت، هذا الجاكيت أهداه، فيقال له: لم أهديت جاكيتك؟
قال: أنا الذي أملكه، فلأني أملكه أفعل به ما أريد، فليس لك أن تعترض علي لماذا أهديتُه لفلان، أو لماذا أتلفته أو أو إلخ.
فلمّا تعلم أن الله الذي خلقك، وأن الله الذي رزقك، وأن الله الذي قدر عليك، فليس لك إلا أن تتضرع بالدعاء وأن تصل إلى ما ثبت عن عمر رضي الله تعالى عنه لما كان يناجي الله تعالى فيقول: اللهم إن كنت قد كتبتنا أشقياء فامح ذلك واجعلنا من السعداء.
والأثر : أخرجه الطبري في تفسيره (13/564) ، قال أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ: “اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي فِي أَهْلِ السَّعَادَةِ فَأَثْبِتْنِي فِيهَا ، وَإِنْ كُنْتَ كَتَبْتَ عَلَيَّ الذَّنْبَ وَالشِّقْوَةَ فَامْحُنِي وَأَثْبِتْنِي فِي أَهْلِ السَّعَادَةِ ، فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ ، وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ “. وإسناده حسن كما قال ابن كثير في “مسند الفاروق” (2/549) .
فالأمر خالص لله جل في علاه.
مداخلة الأخ المتصل:
شيخنا هل لنا أن نقول: الإيمان بالربوبية هل هو من حيث المعنى اللغوي أم الشرعي لما يُطلقه العلماء؟
الشيخ مشهور بن حسن :
هو اصطلاح.
والاصطلاح على عدة أشياء: توحيد طلب، توحيد فِعل، فالاصطلاحات أمرُها واسع.
السؤال:
سؤال شيخنا عن حكم صلاة الإمام جالسًا.
هناك مسجد ذكر بعض الإخوة، أن الإمام يصلي بالناس جالسًا، فهل يصلي معه الناس جلوسًا أم قيامًا؟ وهل ينبغي للإمام إذا كان عاجزًا عن القيام أن يؤم الناس هكذا؟
وما يجب على المسؤول في الأوقاف اتجاه هذا الإمام؟
ما قولكم في مثل هذا الأمر شيخنا؟
الجواب:
أولًا: أنا لا أعرف موضوع الأوقاف. لكن أقول -بارك الله فيك-:
المسألة حقيقة شائكة، والمسألة النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في مرض وفاته جالسًا والناس قيام.
وبهذا استدل الحنفية.
ولكن عند التحقيق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى مرتين، صلى مرة إمامًا ومرة صلى مأمومًا، ولما كان مأمومًا كان قد صلى جالسًا، ومن خلفه يصلون قيامًا، ولما صلى إمامًا في المرة الثانية أو الأولى المرتين على التناوب وليس على الترتيب، لما صلى -صلى الله عليه وسلم- إمامًا أشار بيده للناس أن اجلسوا، وعلى هذا مذهب الشافعية، ووقع خلاف كبير، أنه:
– أولا: التكرار هل النبي -صلى الله عليه وسلم- كرر الصلاة خلف أبي بكر؟
– وهل التكرار كان مرة إمامًا أو مرة مأمومًا؟.
فالكلام طويل وكثير والخلاف شديد.
*والذي يترجح عندنا (بعد جمع الروايات وتفصيلها في شرحنا لصحيح الإمام مسلم) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى جالسًا مأمومًا، فكان الناس حوله قيامًا، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما صلى إمامًا أشار إليهم أن اجلسوا.*
فالأصل في الإمام إن صلى جالسًا أن يصلي من خلفه جلوسًا مثله ولا يقومون، على خلاف معتبر في المسألة بناء على ما ذكرناه من التعداد والتكرار في صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والإمام إذا ما استطاع أن يقوم في صلاته الأحسن ألا يصلي إمامًا، الأحسن أن يصلي مأمومًا.
والله تعالى أعلم.
مداخلة:
شيخنا: إذا صلى الإمام واقفًا لكن عند السجود يجلس ويومئ برأسه، فهل هذا الفعل صحيح أم ماذا؟
السؤال:
السلام وعليكم ورحمة الله
شيخنا الشيخ مشهور حفظكم الله تعالى ورفع قدركم.
شيخنا بارك الله فيكم:
تراودني دائماً مشاعر الحزن والحسرة والألم أنني لم أحفظ القرآن في سن 8 سنوات أو 10 سنوات، فالآن أقلق على ما فات، وعندي همّ على ما سيأتي في جميع الأمور، بالنسبة لحفظ القرآن لا أدري كيف سأكون،
والذي زاد أكثر باب العجلة في الحفظ سبّب لي مشاكل وعدم الاطمئنان، شيخنا أنتم الحمد لله عندكم خبرة بهذه الأمور، لو تفضلتُم بنصيحة وافية تنفعوني بها، وأجعلها نصب عيني طوال مسيرة الحفظ إن شاء الله تعالى.
وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. حياكم الله أخي الفاضل.
أولًا: أسأل الله رب العرش العظيم أن يطيل عمرك في الصالحات، وأن يمن علينا وعليك بالهداية والسداد والخير والرشاد، وأن يرزقنا وإياك حفظ القرآن وطلب العلم الشرعي.
القرآن يحتاج إلى شيء من تفرغ، ويحتاج إلى قيام، ويحتاج إلى مداومة وإدمان، وأحسن الحفظ حفظ الإدمان؛ وحفظ الإدمان أن تقرأ كل يوم خمسة أجزاء وعلى وجه الدوام، فإذا بقيت تحفظ وتقرأ هكذا فتدمن على حفظ القرآن ويصبح الحفظ حفظ إدمان، وتصبح منزلتك منزلة الحافظ عند الله عز وجل، أما الحفظ دون تعهّد ودون إدمان فتحفظ شيئا اليوم ثم تنساه غدًا وهكذا.
فنصيحتي لك أن تبقى مع القرآن تجلس ساعات طوال في أول النهار وآخر النهار، وإذا يسر الله لك قيام الليل فحسن، تثبيت القرآن يحتاج إلى قيام الليل.
وأرجو الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يجعلني وإياك من أئمة الهدى، وأن يجعلنا من المرضيين المقبولين عنده سبحانه وتعالى.
بارك الله فيك وجزاك خيرا.
✍️✍️